الشهر: أكتوبر 2023

إلى سيناء / حلمي النمنم

حينما احتلت بريطانيا مصر سنة ١٨٨٢، وضعت قيودًا عديدة أمام دخول أى مصرى إلى سيناء، كان من الميسور أن يتحرك المواطن فى أى مكان داخل وطنه، لكن الوصول إلى سيناء كان يحتاج إذنًا كتابيًّا من الحاكم العسكرى لمعرفة سبب الزيارة ومدتها واسم مَن سيقابل هناك، عمليًّا جعل الاحتلال من سيناء أقرب إلى أن تكون منطقة أجنبية، الدخول إليها أو الخروج منها يحتاج إجراءات ومعاناة خاصة.

كان هذا الموقف من سلطة الاحتلال متسقًا مع موقف بعض الرحالة الأجانب وتيار فى الثقافة الغربية، متأثر بالرؤية التوراتية، يعتبر سيناء جزءًا بعيدًا عن مصر وأقرب إلى أن يكون من منطقة الشام الكبرى، كانت مصر بالنسبة لهم هى بالأساس منطقة الوادى والدلتا، لذا لم يكن غريبًا أن يزور «تيودور هيرتزل»- الأب الفعلى للحركة الصهيونية- مصر سنة ١٩٠٧، حيث جاء ليتفاوض على أن تكون سيناء مقرًّا للوطن القومى الذى يبحثون عنه لليهود، طبعًا إلى جوار فلسطين، التى كانوا قد أسسوا فيها بالفعل عددًا من المستعمرات (المستوطنات)، وأخذوا يضعون أسس دولة إسرائيل، فشلت مهمة هيرتزل فى القاهرة، وقوبل طلبه بالرفض القاطع.

وقد لا يعلم البعض أن إسرائيل فى نهاية حرب ١٩٤٨ قررت أن تنقل المعركة إلى داخل مصر، اخترقت إحدى طائراتها الحربية المجال الجوى المصرى، حتى وصلت إلى القاهرة، وحلّقت فوق قصر القبة، مخترقة حاجز الصوت، فى تهديد مباشر للملك فاروق.

فى الوقت نفسه تحركت قوة برية إسرائيلية نحو سيناء، فواجهت عند منطقة العوجة مقاومة باسلة من قوة بالجيش المصرى، كبّدتها خسائر فادحة، وارْتَدّت منهزمة.

من حسن الحظ أن الروائى الشهيد يوسف السباعى وضع روايته «طريق العودة» عن تلك المعركة، قائد تلك المعركة كان صديقًا وزميلًا لـ«السباعى»، صدرت الرواية سنة ١٩٥٦، وحققت نجاحًا أدبيًّا وجماهيريًّا وقتها. المؤسف أن طباعة أعماله توقفت فى السنوات الأخيرة لخلافات بين الورثة والناشر.

خرجت القوات الإنجليزية نهائيًّا من مصر، وانتهى الاحتلال سنة ٥٦، ثم وقع فى السنة نفسها العدوان الثلاثى، كان دور إسرائيل فى الحرب احتلال سيناء، ثم أُجبرت على الخروج منها، مما ولّد العديد من المخاوف التى جعلت دخول سيناء أو الخروج منها مصحوبًا بإجراءات أمنية مزعجة للمواطن، والحق أنه كان هناك مَن نبّه إلى ضرورة تعمير سيناء، وجعلها منطقة جاذبة للسكان.

العالِم الجيولوجى الراحل د. رشدى سعيد أصدر فى عام ٥٧ كتيبًا صغيرًا بعنوان «تعمير سيناء»، قدم فيه تصورًا علميًّا محددًا، يهدف إلى عدم تركها خالية.

حتى حرب الخامس من يونيو ٦٧، حيث أُعيد احتلال سيناء، لم يكن هناك انتباه إلى قيمة وأهمية سيناء سياحيًّا، صحيح أنه كانت هناك شركة بترول سيناء ومشروع المناجم، لكن هذا كله لم يُنْهِ عزلة سيناء، كان هناك بعض المهندسين والفنيين الذين يعملون فترة ثم يعودون، لكن لا توجد حياة مستقرة ولا مجتمع كبير.

بعد حرب أكتوبر، وإتمام تحرير سيناء، لم يتغير الأمر كثيرًا، إهمال سيناء أغرى بعض مهربى المخدرات وتجار البشر بجعل منطقة الحدود فى شمال سيناء مرتعًا لهم، الأمر الذى عرّض الدولة المصرية لأن تكون فى بعض التغطيات الصحفية الأمريكية خاصةً موضع اتهام بالتقصير والعجز عن حماية حدودها، كان ذلك حتى يناير ٢٠١١.

تجاوزت المسألة حدود عصابات التهريب إلى منطقة أشد خطورة، وهى تخطيط ميليشيات الإرهابيين بإقامة ولاية خاصة بهم فى أقصى شمال سيناء، يرفعون عليها راياتهم السوداء، ويُقيمون إمارتهم الخاصة، فى انتهاك مباشر للسيادة المصرية، فى نفس اللحظة تقريبًا ظهرت لدى إسرائيل فكرة اقتطاع نفس الجزء من سيناء وضمه إلى غزة لإقامة ولاية غزة الكبرى بديلًا عن إقامة الدولة الفلسطينية، ويبدو أن هناك آخرين غيرهم كانوا يتبنون تلك الفكرة.

حلم إقامة ولاية الراية السوداء تصَدّت له الدولة المصرية، قدمت القوات المسلحة المصرية منذ سنة ٢٠١٣ ثلاثة آلاف الشهداء لاجتثاث الإرهاب والإرهابيين من تلك البقعة فى أقصى شمال سيناء، آلاف الشهداء، أحدهم هو العقيد أحمد المنسى وجنوده، أبطال «عملية البرث»، صيف سنة ٢٠١٧.

حلم ضم جزء من سيناء إلى غزة تراجع، وظهر مكانه مشروع تهجير مليون مواطن من سكان غزة إلى تلك المنطقة بزعم أنها «صحراء واسعة». سمعنا ذلك بصوت مرتفع منذ بدء عملية «طوفان الأقصى».

الفراغ والتصحر يُغريان المهربين والإرهابيين والطامعين والمحتلين والمتربصين والأعداء والكارهين، وهم كثر.

حين قرر سليم الأول غزو مصر واحتلالها، كانت ذريعته أن الحجاج الأتراك أثناء مرورهم فى سيناء اعترضهم بعض اللصوص، الذين سرقوهم وقتلوا بعضهم. الفراغ يثير لعاب الكثيرين، الآن الحلم هو دفع مليون مواطن فلسطينى إلى سيناء، حيث تكون وطنًا بديلًا.

والواضح أن قيادة الدولة كانت متحسبة لذلك، ولديها تصور بكافة الاحتمالات، لذا وجدنا خطة تنموية ضخمة لسيناء فى مشروع (مصر ٢٠٢٠- ٢٠٣٠)، تمت توسعة وتجديد ميناء العريش البحرى ليكون صالحًا لاستقبال السفن الضخمة وربطه بمشروع تنمية قناة السويس، وكذا الحال بالنسبة لمطار العريش، فضلًا عن شبكة ضخمة من الأنفاق تحت القناة من سيناء وإليها وشبكة طرق حديثة. إلى جوار ذلك عملية تنمية زراعية وصناعية شاملة، رصدت الدولة أكثر من ستمائة مليار جنيه لتلك الخطة.

من باب التنطع السياسى وليس المعارضة، واجهت الدولة فيضًا من الهجوم والاتهام بالإنفاق غير الرشيد لأنها أقدمت على تلك المشروعات فى سيناء شمالًا وجنوبًا، وكانت هناك مطالب بإعادة النظر فى ذلك الإنفاق.

إسرائيل تريد دفع مليون مواطن من غزة إلى سيناء، الدولة المصرية رفضت وحذرت، وزير الخارجية الأمريكى «بلينكن» فى لقائه مع الرئيس السيسى قال إنه سمع من قادة المنطقة رفضًا لتلك الفكرة، وهذا يعنى أن الأمر كان مطروحًا لدى الخارجية الأمريكية، ومن ثَمَّ البيت الأبيض ذاته.

خبرتنا بالسياسة الغربية عمومًا، أوروبيًّا وأمريكيًّا، أن الأفكار والمشروعات لا تموت ولا تفنى، يمكن أن تكمن سنوات، وربما عقودًا، ثم يُعاد تدويرها، بتعديل الاسم وتغيير الصياغة.

الرفض الصارم مصريًّا على مستوى رئاسة الجمهورية والدولة كلها والتضافر الشعبى رائع، يتناغم ذلك مع رفض عربى رسمى وشعبى، ثم رفض فلسطينى تام سواء من السلطة الوطنية أو من حماس. رئيس المكتب السياسى إسماعيل هنية قال: «قراركم قرارنا فى هذا الأمر»، أما الرئيس محمود عباس فقد رفض ذلك تمامًا حين طرحه عليه د. محمد مرسى، وأعاد تجديد هذا الرفض الأسبوع الماضى.

إلى جوار هذا الموقف الصلب رسميًّا وشعبيًّا، نحتاج خطوات أخرى إضافية، أهمها أن نعمل فورًا على بناء مجتمع ضخم فى تلك المنطقة، مليونى العدد، نبدأ بمليون مواطن ومواطنة خلال خمس سنوات، ونحن كمصريين لدينا خبرة واسعة فى تاريخنا الحديث والمعاصر فى بناء المجتمعات والمدن.

مدن القناة بُنيت جميعها حديثًا. القاهرة ذاتها، حتى مجىء محمد على، كانت تقبع داخل حدودها الإسلامية، أحياء مثل العباسية ومصر الجديدة ومدينة نصر والزمالك وجاردن سيتى، فضلًا عن «وسط البلد» وغيرها، كلها بُنيت حديثًا، لن أتحدث عن مدن، مثل 6 أكتوبر والعاشر من رمضان وغيرها، كلها وُضعت أول (طوبة) فيها زمن الرئيس السادات، هل لنا أن نؤسس مجموعة من المدن والمجتمعات السكنية وما تقتضيه من وحدات خدمية وإنتاجية فى تلك المناطق، التى يشير إليها بعض الإسرائيليين بطمع شديد، قائلين إنها «صحراء واسعة»؟.

نحن نستطيع، ويجب أن نفعل.

المصدر : مصرى اليوم

دكتور مدحت حماد*: “مستقبل أمريكا والغرب” في الشرق الأوسط بعد إشعال فتيل “الحرب الدينية”؟

أمريكا الراعي الرسمي الرئيسي لحالة الجنون الإسرائلية المصاصة لدماء الفلسطينيين

بعد الجريمة الإسرائيلية النازية الفاشستية البشعة والمجزرة الرهيبة التي شهدتها كنيسة الروم الأرثوذكسية واستشهاد ستة عشر مسيحيًا فلسطينيًا، وبعد الفيتو الأمريكي في اجتماع مجلس الأمن أمس الخميس 19أكتوبر202 بشأن السماح بدخول مساعدات الإغاثة للفلسطينيين، أصبحت منطقة الشرق الأوسط برمتها تعيش على برميل وقود ملتهب وفي حالة غليان، حيث باتت أمريكا بمثابة الراعي الرسمي الرئيسي لحالة الجنون الإسرائلية المستعرة المصاصة لدماء الفلسطينيين، وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى اشتعال الغضب العربي الإسلامي بل والعالمي، ضد المجازر الإسرائيلية اليومية المرتكبة بدماء باردة من جانب العصابات الصهيونية التي تحكم في تل أبيب وواشنطن.

مما لا شك في أن هذه التحولات والمستجدات غير المسبوقة على مدار عمر كيان الاحتلال الإسرائيلي، سوف تقود المنطقة إلى تغيير جذري في معادلات التوازن والردع بين إسرائيل وبين جميع المحيطين العربي والاسلامي الذي يقيم بداخله كل مَن يعيش فيما يُعرف بإسرائيل. فلا أحد بمقدوره الآن أن يتوقع إلى أين ستذهب وستصبح الأمور وكيف سيكون مستقبل شرق المتوسط بعد الآن.

نحن أمام حالة اصطفاف اقليمي دولي غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.

إن العودة العسكرية النوعية الأمريكية لشرق المتوسط، وما رافقها من وصول قطع بحرية استراتيجية بريطانية، تكشف هي الأخرى، عن غموض وغيوم بات يلوح في الأفق الخاص بمستقبل منطقة شرق المتوسط. فإذا ما أضفنا الوجود العسكري النوعي الإستراتيجي الروسي والإيراني المتحقق فعليًا في شرق المتوسط عقدين على الأقل، نصبح أمام حالة اصطفاف اقليمي دولي غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.

الحقيقة أن اختلاط دماء الشهداء الفلسطينيين بين ما هو إسلامي وما هو مسيحي في عملية الإبادة العرقية الممنهجة من جاب الكيان الإسرائيلي المتغطرس بمباركة أمريكية بريطانية، إنما تذكرنا بمشاهد الحروب الصليبية التي إنتشرت في الأفلام السينمائية، التي انتهت جميعها بنهاية واحدة، هي النهاية التاريخية التي حدثت، ألا وهي هزيمة الصليبيين وطردهم من شرق المتوسط، ليعودوا من حيث أتوا، وهي نفس النهاية التي باتت تقترب أكثر فأكثر فأكثر عما كانت عليه الأمور قبل السابع من أكتوبر 2023.

تداعيات زوال وأفول الهيمنة الأمريكية.

مما لا شك فيه أن وقت رحيل أمريكا _كما نعتقد_ هو نفسه، وقت هزيمة الصهيونية في الشرق الأوسط ومن ثَمَّ زوال الكيان الصهيوني الوقح، المعروف إعلاميًا بإسرائيل. عندئذ، لن يصبح لأمريكا موطئ قدم ليس فقط في شرق المتوسط، إنما في معظم أرجاء الشرق الأوسط، وخصوصًا غرب آسيا. هنا نفقط سيبدأ فعليًا العد التنازلي لزوال وأفول لسي فقط الوجود والهيمنة الأمريكية في العالم فحسب، إنما سيصاحب ذلك زوال وأفول الهيمنة الأوروبية الغربية على العالم بأسره، وهو الذي سيكون زوالاً مركبًا.. أي زوال سياسي، اقتصادي، عسكري، أمني، علمي وثقافي.

نحن بصدد حدوث فراغ إستراتيجي لم يحدث في الشرق الأوسط منذ خمسة قرون.

هذا الأمر يعني أنه يجب علينا أن نضع تصورات وسيناريوهات لما بعد زوال النفوذ والهيمنة الأمريكية الأوروبية من الشرق الأوسط. حيث سنصبح أمام فراغ إستراتيجي لم يحدث في المنطقة منذ خمسة قرون. إذ أن السؤال المركب هو: من الذي سيحل محل أمريكا. ومن الذي سيحل محل بريطانا وفرنسا وألمانيا؟ أي الدول الإقليمية هي التي ستشارك في اعادة رسم وصنع خريطة النفوذ والتحالفات الإقليمية وكيف ستفعل ذلك؟ كيف ستتم صياغة العلاقات بين القوى الإقليمية وبين القوى الدولية التي ستحل محل أمريكا، بريطانيا، فرنسا، وألمانيا؟ ووفق أي أسس سيتم ذلك، ولمن ستكون القيادة؟ وفي أي من الأٌطر ستُصَاغ "هذه" (نعم أقصد: "هذه" وليس "تلك".) التحالفات الجديدة؟

"طوفان غزة السابع من أكتوبر" هو مهر و ثمن التغيير الجذري في قيادة وأدارة العالم.

الواقع أن عملية "طوفان غزة السابع من أكتوبر" هي بمثابة "الحدث التاريخي المُنشئ" لواقع ولعالم شرق أوسطي جديد، وبالتأكيد لن تذهب دماء الشهداء الفلسطينيين هدرًا، فهي بمثابة المهر أو الثمن "الديني الشرعي" الذي يجب دفعه من أجل تحقيق هذا التغيير الجذري في قيادة وإدارة العالم.

إذًا: هل تدرك الحكومات العربية هذا؟ وهل تتوقع؟ بل هل تريده؟ وكيف تديره أو ستديره؟ أم إنها ستبقى كما هي أسيرة القناعات التي لازالت تقول بأن "النظام العالمي القائم بعد الحرب العالمية الثانية، لم يسقط بعد؟"

  • أستاذ الدراسات الإيرانية والخليجية بجامعة طنطا،
  • مدير مركز الفارابي للدراسات السياسية والإستراتيجية.

حامد محمود فى دراسة تحليلية*: طوفان الأقصى، بين “هجوم حماس” وفشل “الاستخبارات الإسرائيلية”.

"طوفان الأقصى" هجوم غير مسبوق لسببين: حجمه وتنظيمه.

مما لا شك فيه ان ما قامت به حركة المقاومة الاسلامية " حماس " من هجوم هجوما مفاجئ على إسرائيل السبت 7 اكتوبر 2023 , واأطلقت خلاله آلاف الصواريخ واقتحم مقاتلوها الداخل الإسرائيلي , كل ذلك من هجوم مباغت وواسع ومنسق يمثل "فشلا كبيرا" للمخابرات الإسرائيلية.

فعملية "طوفان الأقصى". هذا الاسم الذي اختارته حركة حماس لهجومها الواسع الذي أطلقته على إسرائيل فجر السبت 7 انطلاقا من قطاع غزة، منهية بذلك هدنة منذ حرب الأيام الخمسة بين إسرائيل والفلسطينيين في مايو الماضى، وأعلنت "كتائب عز الدين القسام" الجناح المسلح للحركة الإسلامية التي تسيطر على غزة منذ 2007 إطلاق أكثر من 5000 صاروخ وداهم مقاتلوها البلدات الإسرائيلية القريبة من القطاع. وتوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي حماس بـ"دفع ثمن باهظ غير مسبوق" مضيفا: "نحن في حالة حرب وسنحقق فيها النصر حسب قوله".

كل ذلك يشير بما لا يدغ مجالا للشك ان هذا الهجوم كشف عدم استعداد المخابرات الإسرائيلية لعمليات بهذا الحجم. إنه هجوم غير مسبوق لسببين، حجمه وتنظيمه. منذ حرب 6 أكتوبر 1973 , و لم تعرف إسرائيل هجوما مماثلا مع غزو حقيقي لأراضيها. قوات كوماندوس من حماس دخلت إلى عمق الأراضي الإسرائيلية مع تخطيط عسكري أشبه بما تنفذه الجيوش. إنها قوات خاصة قتالية ومدربة وتمتلك وسائل تكتيكية حديثية ودخلت في معارك في عدة بلدات في وقت واحد.

السؤال الذى بات يشغل مراكز التحليل الاستراتيجى واجهزة المخابرات العالمية؟

وتم استخدام سبع أو ثماني عربات رباعية الدفع على متن كل واحدة منها ثمانية مقاتلين من حماس داهموا شوارع مدن وبلدات في جنوب إسرائيل وقتلوا مدنيين وأخذوا عائلات بأكملها كرهائن , وهو ما يشير الى حقيقة هامة وهى ان اسرائيل أمام وضع ميداني غير مسبوق. هذا ويشير كل المحللين الاستراتيجيين الى إنه هجوم مباغت وواسع ومنسق , ويدل على مستوى التنظيم الاستخباراتي داخل حماس , بل ومن المرجح أنها تلقت دعما لوجيستيا أيضا من حركة الجهاد الإسلامي وحزب الله وإيران وهو ما يوضح بشكل كبير ما يحدث الآن. لكن السؤال الذى يشغل بال مراكز التحليل الاستراتيجى بل واجهزة المخابرات العالمية وهو كيف عجزت الاستخبارات الإسرائيلية عن استباق ما حدث؟

فشل كبير وتاريخي للاستخبارات الإسرائيلية.

إنه فشل كبير للاستخبارات الإسرائيلية يمكن وصفه بالتاريخي ويمكن مقارنته دون مبالغة مع ما حدث في سنة 1973 , خاصة ان إسرائيل تعد دولة في حالة تأهب دائم وهي دائما على حافة حرب وجودية , ولكن اليوم ، نلاحظ قدرا من عدم الاستعداد والذي من المرجح أنه يرجع إلى خطأ في التحليل والتقديرات من اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية المتعدده , ويتعداه الى حد القول انه من المرجح أيضا أنه خطأ في استعداد القوات الخاصة الإسرائيلية. سوف يجد المراقب أن الجيش الإسرائيلي نفسه كان في حالة دهشة بسبب ضبابية الحرب المباغتة , فنجاح عملية حماس يعود إلى عامل المفاجأة , ولكن أيضا إلى تنسيق عسكري مشترك، إذ إن العملية شملت الأرض والبحر والجو وما من شك أن ذلك مثل مفاجأة للإسرائيليين. هذا فضلا عن كون إسرائيل أيضا , دولة تعتمد على تكنولوجياتها المتطورة لاستباق التهديدات وتحييدها في آن.

ما هى ابعاد توقيت تنفيذ حركة حماس هذه العملية الان ؟

إلا أن ما حدث يثبت وجود مشكلة استباق وفشل محتمل في تحليل المخاطر. السيناريو الذي توقعته المخابرات الإسرائيلية يتمثل في غزو من الشمال أي من تنفيذ حزب الله انطلاقا من جنوب لبنان , ولكنها منيت بانتكاسة. التساؤل الذى بات يطرح نفسه بقوة ما هى ابعاد توقيت تنفيذ حركة حماس هذه العملية الان ؟ حيث يمكن القول بأن هذه العملية تأتي في مرحلة دقيقة في تاريخ إسرائيل التي تواجه أزمة مؤسساتية وسياسية وأيضا أزمة هوية غير مسبوقة مع استقطاب حاد وانقسام اجتماعي كبير. هذه الأزمة تهز البلاد منذ عدة أشهر مع مظاهرات أسبوعية. حماس لم تخف رغبتها في استغلال الهشاشة الواضحة للداخل الإسرائيلي لتنفيذ هجوم مماثل.

الإسرائيليون ما زالوا تحت وقع الصدمة والدهشة

إلى ذلك، فإن الهجوم جاء بعد يوم واحد من مرور خمسين عاما على حرب أكتوبر 1973 التي مثلت حرب تحرير حقيقية هوت لإسرائيل وشملت عامل المفاجأة من الجيش المصرى والجيش السورى فى الشمال ؟ وبالتالي، كان لدى حماس رغبة واضحة في استغلال هذا العامل على المستوى الرمزي والاتصالي مع إرادة في الضرب بقوة وبسرعة , والنتيجة ان الإسرائيليون ما زالوا تحت وقع الصدمة والدهشة.

*كبير الباحثين، المدير الننفيذى لمركز الفارابى للدراسات السياسية والاستراتيجية.

حلمي النمنم: الحدود المصرية؟؟

مجددًا، هذا الأسبوع، وضعت الدولة المصرية النقاط على الحروف فيما يخص حدودنا مع فلسطين وما يجرى فى غزة وإسرائيل.

الواقع أن حدودنا كلها ملتهبة، جنوبًا وغربًا وفى الشمال الشرقي، حيث قطاع غزة، المشكلة فى حدودنا مع غزة مختلفة، من الغرب والجنوب كان ممكنًا أن يتم تهريب السلاح إلى الداخل المصري، وربما تهريب وعبور إرهابيين. من ناحية غزة، كانت هناك نفس المشكلات، يُضاف إليها أن هناك مَن يصر على دفع سكان القطاع إلى الهرولة جماعيًّا، نحو سيناء، ليس إقامة مؤقتة ولا ضيافة، بل استيطان تام بها.

«افتحوا المعبر».. «افتحوا الحدود»

منذ حوالي عشرين عامًا، وكلما تعرضت غزة لغارات إسرائيلية، كانت مجموعات منظمة فى مصر والعالم العربي تتوقف تمامًا عن انتقاد إسرائيل أو توجيه اللوم إليها، ولا تفكر فى حل جذري للأزمة، بينما تصب جام غضبها على الحكومة المصرية، تحت شعار: «افتحوا المعبر».. «افتحوا الحدود».. «ارفعوا الحصار عن غزة». أدبيات تلك المرحلة مليئة بالكثير من ذلك، وهناك نجوم لمعوا وأفراد تكسّبوا تحت تلك الشعارات. والمعنى المباشر لهذه المطالب هو اجتياح الحدود المصرية، وتفريغ فلسطين من أهلها ومواطنيها ليملأها المستوطنون، وتتمدد إسرائيل. الفلسطينيون، مع الوقت- طبقًا لهذا التصور- قد يذوبون، حيث استقروا، أو يؤسسون وطنًا بديلًا. تلك الخطورة أو هذا المعنى للنزوح الجماعي كان واضحًا طوال الوقت لدى المعنيين فى الدولة المصرية والقيادات الفلسطينية، خاصةً رموز السلطة الوطنية، لكنه لم يكن كذلك لدى آخرين، خاصة ملوك المزايدة السياسية.

فى وقت من الأوقات، راهنت أطراف دولية على أن تعود مصر إلى إدارة القطاع، وتتولى المملكة الأردنية الضفة الغربية. وصل الأمر، زمن الرئيس السادات، إلى التلويح بإمكانية ضم القطاع نهائيًّا إلى مصر، لكن كان هناك إصرار مصري رسمي على رفض ذلك التصور نهائيًّا، كان واضحًا أن المقصود هو إنهاء فعلى للقضية الفلسطينية.

دويلة «غزة الكبرى»، بديلًا عن دولة فلسطين.

الواقع أن ذلك الطرح داعب فريقًا من الإسرائيليين مجددًا، لكن بشكلٍ آخر، يقوم على تفريغ غزة من سكانها إلى سيناء للاستيطان بها أو ضم جزء من سيناء إلى غزة، تُقام عليه دويلة «غزة الكبرى»، بديلًا عن دولة فلسطين. من أسف أن بيننا مَن تبنى ذلك التصور فى وقت ما، وسعى إلى تنفيذه، لكن رفضه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورفضته بشدة القوات المسلحة المصرية وأجهزة الدولة. وفوجئنا بتسريب صوتي للرئيس السابق حسنى مبارك بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حاول مناقشة هذا الأمر معه، لكنه- مبارك- أغلق الموضوع نهائيًّا، وبحسم، كان ذلك قبل أن يغادر مبارك موقعه بحوالي ستة شهور. رغم هذا الوضوح، ومع صراخ الابتزاز السياسي والتخوين الوطني، كانت الدولة المصرية، حتى سنة ٢٠١١، تؤثر الصمت، ويتخوف رجالها من قول ما يرونه، ويبحثون عن تبريرات خارج الموضوع، فتبدو الدولة ضعيفة ومهتزة، كسيرة أمام الرأي العام ومتخاذلة بجوار الصارخين وجماعات الضغط، فيزداد الابتزاز والترهيب.

السابع من أكتوبر 2023 يوم «طوفان الأقصى»: «افتحوا الحدود أمام إخوتنا»!

كنا بصدد السيناريو نفسه هذه المرة، حين بدأت السبت الماضي عملية «طوفان الأقصى»، التي تواكبت مع الذكرى الخمسين لانتصار أكتوبر سنة ٧٣. مع الأخبار التي تُنشر حول الذكرى المجيدة، ظهرت تعليقات بذيئة تُهون من المناسبة، بل تسخر منها ومن الاحتفاء بها، وتطالب بفتح الحدود: «افتحوا الحدود أمام إخوتنا». توافق ذلك المطلب مع آراء نُشرت فى إسرائيل تطالب سكان غزة بالتوجه إلى سيناء والبقاء بها، الآراء لم تصدر عن الحكومة الإسرائيلية ولا عن جيش الدفاع، لكن المعتاد فى مثل هذه القضايا أن تتطاير هكذا آراء أو اقتراحات لجَسّ النبض واختبار مدى تقبُّلها، فإن رُفضت نُسيت (مؤقتًا)، وإذا بدَت احتمالات قبولها أو النقاش حولها أو رددها بعض ببغاوات السياسة، تُقدم بشكل رسمي، حدث ذلك كثيرًا فى التاريخ بشأن العديد من القضايا الكبرى.

رد الفعل الرصين والواضح.. الصارم من الدولة المصرية جاء أولًا على هيئة تصريحات من «مصدر أمنى» إلى قناة القاهرة الإخبارية، تحذر من دفع أهل غزة إلى سيناء، نُقل عنها فى معظم المنصات الإعلامية، ثم جاءت تصريحات الرئيس السيسي فى هذا الأمر قاطعة ومحددة بخصوص الأمن القومي المصري وموقفنا من القضية الفلسطينية. هذا الموقف ألزم معظم الأطراف بجادة الصواب. الحكومة الإسرائيلية نفت أن يكون لديها هذا الطرح، كررت هذا النفي، وأكدته وزارة الدفاع الإسرائيلية وكذا السفارة الإسرائيلية فى القاهرة. الذباب الإلكتروني صاحب هتاف «افتحوا الحدود أمام إخوتنا» بان موقعه بالضبط وأين يصب صراخه. يكشف أيضًا، لنقل «يُعَرِّى».. الكثير من الحملات التي تشنها دوائر أمريكية حول مسؤول أو حاكم عربي هنا أو هناك، دائمًا الذريعة غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان.

الحقيقة دائمًا أيضًا أن الرضا أو الغضب الأمريكي على نظام أو حاكم فى منطقتنا أو خارجها يرتبط مباشرةً بمدى الانصياع أو الاعتراض على المطالب- الأوامر- الأمريكية. ولدينا عشرات النماذج، من ستالين نفسه إلى شاه إيران محمد رضا بهلوي إلى نورييجا، وحتى ما شئت من الأسماء، خاصة فى منطقتنا العربية.

ما الذي يحدث منذ حرب ١٩٤٨ إلى يومنا هذا؟

حماية الحدود المصرية ورفض اجتياحها واجب الدولة الأول ومهمة النظام السياسي حماية للحق الفلسطيني فى تشكيل دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة. قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين سنة ١٩٤٧ نص على وجود دولة لليهود ودولة للعرب على أرض فلسطين، إلى يومنا هذا لم تتم إقامة دولة فلسطين. تحاول إسرائيل بكل الوسائل منع قيامها، وتجد مساندة فى ذلك من الدولة العظمى. هذا الموقف الرسمي والإعلان عنه بهذه الدرجة من الشفافية يجب أن يضعا حدًّا لحالة نشأت وتكونت فى الإعلام والثقافة العربية، واتسع نطاقها فى الشارع وبين بعض التيارات السياسية، خاصة تلك التي تقف فى أقصى اليسار واليمين الديني تحديدًا، منذ حرب ١٩٤٨ إلى يومنا هذا.

تتلخص هذه الحالة فى أنه مع كل هجوم تشنه إسرائيل أو انتصار تحققه، فإننا نتوجه باللعن وجلد الذات، ولا نتهم الطرف الذى اعتدى ولا الظروف الدولية التي تعمل كلها لحسابه.ربما كانت الحملة التي سُميت صحفيًّا وسياسيًّا (صفقة الأسلحة الفاسدة) هي البداية لتدشين تلك الحالة، والآن طبقًا لكل الوثائق والشهادات والتحقيقات التي تمت زمن الملك فاروق ثم زمن اللواء محمد نجيب، لم تكن هناك أسلحة فاسدة، لكن كان جيش إسرائيل يفوق عدديًّا كل الجيوش العربية التي شاركت، وكان لديه أحدث الأسلحة ومقاتلوه من خيرة مقاتلي الحرب العالمية الثانية، خاصة الطيارين، لكن أطرافًا سياسية عديدة فى القاهرة أمسكت بتلك الحملة، وراحت تُغذيها لحسابات خاصة بها. دشنت هذه الحملة نظرية أن المشكلة ليست فى إسرائيل واحتلال الأراضي الفلسطينية ورفض إقامة دولة فلسطينية، بل فى المجتمع والحكومات العربية، وأن إقامة الدولة الفلسطينية لا تبدأ من داخل فلسطين، بل من القاهرة أو دمشق أو بغداد وغيرها من العواصم العربية.

هذه الإدانة كانت مريحة- عز الطلب- للحكومات الإسرائيلية وللعواصم الكبرى فى الغرب، تُعفيهم من أي مسؤولية أخلاقية أو أمام القانون الدولي، هي كذلك أرض خصبة لمَن أرادوا إحراج حكوماتهم وابتزازها أو الخلاص من نخب معينة أو إزاحتها والقفز عليها، وكان الغرب على استعداد دائم لتغذية ودعم بعض هؤلاء.

السؤال: هل آن الأوان لتغيير تلك العقليات ومراجعة تلك الأفكار؟