رواية “حكاية إعدام جوزيف”. الحلقة الخامسة

تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول
المشهد التاسع
بعد الإفراج عن سانتو، شعر بأنه مستهدف بسبب ديانته، كل ما حدث له كان ممكن أن يؤدي به إلى الموت لولا قدرة القادر أن ألزام التمساح فراش المرض مما أنقذ حياته خاصة في تلك الليلة المشومة، وطالما قررت قيادة الفرقة تصفيته، فلابد ستنفذ هذه الخطة طال الوقت أم قصر.
ناقش سانتو هذا الأمر مع زوجته تريزا التي قدمت له النصيحة بأن يشاور محمد آدم الذي بذل الجهد في سبيل الإفراج عنه. فذهب سانتو إلى منزل محمد آدم.
زوجة محمد آدم التي لعبت دوراً وراء الكواليس تفرح برؤيتها لسانتو لأول مرة بعد خروجه من المعتقل.
- الحمد الله على السلامة يا سانتو.
- بارك الله فيك يا زينب. أنتو لعبتو دوراً كبيراً في خروجي من المعتقل، كلمتني تريزا.
- دا واجب، انت شخص طيب يا سانتو. الله ما يجيب يوم شكرك.
- شكرا يا زينب ما قصرتو والله. وين أخوي محمد؟
- خرج قبل شوية؟
- أه خلاص، أنا حضرت لأشكركم بما قمتوا به من إنقاذ حياتي، وحقا لولا محمد لكنت ضمن الأموات حالياً.
- لا حول ولا قوة إلا بالله، ما تقول كلام زي دا يا سانتو. بعد الشر عليك. أنت راجل طيب وأولادك محتاجين ليك.
- شكرا زنيب. المهم كلمي محمد انو حضرت هنا. لامن يرجع إلى المنزل.
في السابعة مساءً حضر محمد إلى منزل سانتو.
- سلامات عزيزي سانتو. انا مسرور برؤيتك وسط أسرتك الكريمة. زنيب كلمتني بانك جيتنا؟
- نعم محمد جيتكم لاشكركم لما قمت به. انا واسرتي لم ننسى هذا الموقف أبدًا.
- انت يا سانتو الله لم يكتب لك الموت بعد، الشي الذي أنقذك هو مرض التمساح. بعد الإفراج عنك حضر التمساح وقال وين المعرص دا يا محمد؟ يكرهك شديد. انا قلت ليهو تم الافراج عنه. قال، ابن كلب. لو كنت وجدته هنا اليوم لكنت طلعت زيته. مش قريب روبت، حتى لو ولده ذاته.
- لكن السبب شنو يا محمد ليه يكرهني؟ سانتو يسال.
- ابدا. ليس هناك سبب، لكن الزول دا يدمن كسر رقاب البشر. أنت عارف قتل ناس شديد هنا.
- الله يسامحه.
تريزا تحضر لهما العشاء. وقالت: تفضلو العشاء.
- شكرا يا تريزا، جيت البيت طوالي وجيتكم هنا.
ويغسل يده. وهما يتناولا العشاء، سانتو قال له:
- انت عارف يا محمد مشيت لك عشان أشاورك في أمر.
- أمر شنو يا سانتو؟ كلمني.
- انا عايز نستقيل من الجيش؟
- ابدا لن يسمحوا لك، سيجدونها فرصة لتلفيق جريمة فيك، ويصفوك يا سانتو خاصة بعد الكلام الحاصل معك في كادوقلي.
- معك حق يا محمد لكن الحل شنو؟ انا نفسياتي بطالة شديد هنا في الهجانة وغير راغب في الاستمرار.
- طيب خليني نقترح لك؟
- تقترح شنو؟
- قدم طلب إجازة عشان تمشي ترتاح شوية وممكن تسافر خارج الابيض، يا سانتو.
- طيب مقترح جيد يا محمد.
- اشكرك يا سانتو. تصبح علي خير.
- وانت من أهلو يا محمد.
بعد تمام الصباح في القيادة، ذهب سانتو إلى مكتب العميد روبت لتقديم الشكر له لموقفه الذي قام به للإفراج عنه.
- يحي، صباح الخير سعادتك.
- صباح النور. تفضل بالجلوس. هل انت بخير يا سانتو؟
- نعم سعادتك الحمد الله.
سانتو يبدأ حديثه بلغة الدينكا:
- جيت لاشكرك لانقاذك لحياتي.
- أنت صاحب الأرواح السبعة يا سانتو! لولا القادر لكنت غادرت الدنيا. لكن الرب له حساباته مافي زول بموت بدون يومه.
- طيب أنا نفسيتي تعبانة وأريد إجازة حتى نستريح شوية. وأنا بفكر في الذهاب إلى مدينة واو عشان برضو تكون فرصة نزور الأهل هناك.
- كلام جميل يا سانتو. أمشي قدم الطلب.
سانتو ينهض ويحي. شكرا سعادتك… يخرج من مكتب العميد روبت.
أخذ سانتو الإجازة ومشي واو وبعد انتهاء الإجازة وجد صعوبة في الطيران للعودة إلى الأبيض فقرر الالتحاق بمنطقة قرينتي العسكرية وظل مرابطاً هناك لأكثر من عام ويواظب الحضور إلى رئاسة الفرقة باستمرار.
شعبة الاستخبارات بالأبيض خاطبت رئاستها بالخرطوم بتمرد الرقيب سانتو بعد طلب إجازة والذهاب إلى واو. رئاسة هيئة الاستخبارات ترسل الإشارة إلى منطقة واو العسكرية تستفسر عن الرقيب سانتو. للإفادة عن مكان تواجده “الرقيب سانتو يتبع لسلاح الموسيقى بالهجانه للإفادة بوجوده”. انتهت الإشارة.
شعبة واو ترد على الإشارة: “الرقيب سانتو موجود بالمنطقة هنا وهو ينوي العودة إلى الأبيض لكن هناك صعوبة في الطيران. منتظرين أول طيارة قادمة إلى واو حتى نسفره”. انتهت الاشارة.
***
المشهد العاشر
رجع سانتو من واو ووجد وضع أسرته متدهوراً، كل ما في الحي ما عدا عائلة محمد وزوجته زينب التي تعرف الحقيقة- تنظر لهم كخوراج وعملاء يمدون التمرد بالمعلومات الإستخباراتية عن تحرك القوات المسلحة والدفاع الشعبي والمجاهدين، خاصة بجبهة جبال النوبة وأن الأسرة في العزلة التامة، بعدما طلعت الإشاعة بأن سانتو مشي التمرد من واو.
في الصباح ذهب سانتو إلى الإدارة فوجد كل شيء قد تغير حتى أصدقائه المقربين ابتعدوا منه. صديقه محمد آدم شرح له كل شيء ومحاولات القيادة بتوريطه والزج به في السجن مرة أخرى، وأن التمساح في انتظار تلك السانحة لينتقم منه، ونصح سانتو بمغادرة الهجانة فوراً إذا أمكن ذلك. صدقت كلامك الزمان بانك عايز تخلي الجيش.
- معك الحق يا محمد. موافق. حتى أولادي في المنزل غير مرتاحين ولا يرغبون في الاستمرار هنا. الهجانة لم تكن تلك الوحدة التي نعرفها باختلاط الأجناس. الكيزان انتهوا منها وجعلوها مكاناً للتمييز الإثني والعنصرية، لكن نخرج كيف من هذه الورطة يا محمد أخوي.
- أمشي كلم قائد الاستخبارات بهذا الكلام لان اخر مرة وقت طلعت اشاعة بتمردك مشيت له فقال بان سانتو لم يتمرد، لكن قائد الفرقة لا يحبه ويريد ان يخلص منه باي طريقة. محمد يفشي هذا السر.
- طيب خليني نمشي له.
سانتو يوافق.
- سلامات سعادتك.
- وعليكم السلام يا متمرد الكبير.
- أنا حضرت أمس من واو بعد غيبة طويلة وفكرت أجي أسلم عليك.
- الحمد الله على سلامة يا سانتو، ما قالوا انت تمردت. يبتسم.
- معقول سعادتك؟
- انت ماسمعت الخبر دا يا سانتو؟
- ابدا سعادتك لكن وجدت الزملاء متغيرين مني وحتى الأسرة شعرت بتغيير شديد في الحي.
ثم يردف سانتو قائلًا:
- سعادتك انا جيت أتكلم معك في هذا الامر بكل الصراحة. انا مظلوم وبحب الهجانة شديد واصبحت زي منزلي والافراد هنا عائلتي لكن في الأونة الاخيرة بشعر بأن هناك مخطط لتصفيتي منذ زمن زيارة الوفد الاسلامي بقيادة بن لادن ولذلك اطلب منك المساعدة.
- انت عايز نعمل لك شنو يا سانتو؟
- فقط ساعدني انتقل من هنا الي منطقة كوستي العسكرية.
- طيب هذا غير ممكن في ظل وجود قائد الفرقة الحالي. لكن خلينا نفكر فيها اذا تم نقله إلى موقع اخر غير الهجانة وما يكون كوستي برضو. يبتسم.
بعد فترة ليست بالطويلة جاءت الإشارة بانه سيتم نقل قائد الفرقة إلى القيادة العامة الشهر القادم، فذكر قائد الاستخبارات ذلك لسانتو وطلب إليه التمهل بعض الوقت حبنما ننتظره يمشي ينشغل بالقضايا الاخرى وينساك.
بعد شهر قائد الاستحبارات يطلب الرقيب سانتو في مكتبه.
- يحيي… حضرت سعادتك.
- طيب الرجل سيغادر في اي وقت من الان. انت امشي جهز طلبك لقائد الفرقة الجديد عشان تقدمه له لو سلم طوالي.
- حاضر سعادتك. يحيي ويخرج.
كتب سانتو طلب النقلية من الأبيض إلى كوستي، وفعلاً القائد الجديد وافق على الفور، وغادر الرقيب سانتو منطقة الأبيض العسكرية إلى كوستي بأسرته وبقي هناك حتى نزل المعاش وفارق الجيش، إلا أن ذكريات ورطة بن لادن وأيمن الظواهري لم تفارقه أبداً.
***