الشهر: أكتوبر 2025

د. ضيايف صبح الدين نصري أويتش: مكانة مولانا جلال الدين الرومي في العالم العربي.

د. ضيايف صبح الدين نصري أويتش.

دكتوراة في العلوم اللغوية.

د. ضيايف صبح الدين نصري أويتش

رئيس قسم "الشرق الأوسط والأدنى" في "معهد دراسة الدول الآسيوية والأوروبية".

الأكاديمية الوطنية للعلوم في طاجيكستان.

ترجمة: د. عبد الغفار كمال زاده

-1-

من هو مولانا جلال الدين؟

مولانا جلال الدين البلخي الرومي (1207-1273م) كان شاعرًا صوفيًا طاجيكيًا فارسيًا. اشتهر بتعاليمه الصوفيِّة وأشعاره المتنوعة الأغراض والموضوعات. وُلِد في مدينة "بلخ" بأفغانستان. درس الفقه والعلوم الدينية على والده، ثم تأثر بالعديد من الشيوخ أثناء إقامته في دمشق والأناضول وبغداد وقونيا. تأثر بالترمذي، ومحي الدين بن عربي، وفريد الدين العطار النيسابوري (نسبة إلى نيسابور) الذي أوصى والد الرومي قائلاً: "اعتن بهذا الولد فَعَن قريب سينفث في العالم نفسًا مشتعلا".

مع احتلال المغول لمدينته "بلخ"، اضطر والده وعائلته للمغادرة إلى "بغداد" -التي كانت لاتزال آنذاك عاصمة الدولة العباسية - ثم اتجه إلى "مكة، ثم سافر واستقر بعدها هو في قونيا. بعد لقائه "ـشمس الدين التبريزي"، انصرف عن التدريس ليُركِّز على "التصوف والشعر". بعد وفاته أسسَّ أتباعه وابنه "الطريقة المولوية"، التي صارت بعد ذلك واحدة من أهم الطرق الصوفية.

اشتهر "الرومي" بكتابه المثنوي المعاني. الذي يضم قصائد فارسية تحتوي على حدود ألف بيت، صار يرددها ويحفظها الصوفيون. فهي من أجمل ما كُتِبَ ونُظِمَ في "العشق الإلهي والصوفي" بصفة خاصة، ومن أهم "الدواوين الشعرية الصوفية" بصفة عامة. تقدر أشعار الرومي بـ 40 ألف بيتًا شعريًا. كذلك له أيضًا "ديوان شمس التبريزي" الذي كتبه عن مُلهِمَه وشَيخَه "التبريزي" بعد رحيله.

يبلغ عدد رباعياته الشهيرة 1959 رباعية، وهي من أهم أشعاره. كما أنها تعد من أهم ما تركه من آثار، إذ تضمنت 3318 بيتًا. كما ترك "الرومي" أثارًا نثرية منها "الرسائل" لمريديه ومعارفه ورجال الدولة. كذلك "المجالس السبعة" التي جمع فيها مواعظه. أيضًا كتابه "فيه ما فيه" الذي يضم 71 محاضرة مختلفة.

-2-

"استطرادٌ في أعمال ومصادر الدراسات المولوية في العالم العربي."

يولي الباحثون والعلماء المعاصرون في العالم العربي اهتمامًا خاصًا بأعمال مولانا جلال الدين الرومي. فقد درسوا أعماله الشعرية والنثرية، حيث قاموا بتأليف العديد من المؤلفات العلمية على أساسها. ومعظم المقالات المنشورة باللغة العربية عن مولاني وأفكاره وأعماله، تصفه بأنه شاعرٌ قويٌّ ذو فكرٍ صوفيّ، وحبٍّ كبيرٍ لله، وصاحب أعمالٍ ثريةٍ وجميل. كما تشير هذه الظاهرة إلى أن محبي ومريدي "الطريقة المولوية" من العرب، وكثيرًا من رفاقهم المتحدثين، هُم على درايةٍ كافيةٍ بشخصية مولانا جلال الدين الرومي الفكرية والأدبية. على سبيل المثال أشارت كل من "نرجس غنجي" و"فاطمة إشراقي"، وهما باحثتان إيرانيتان متخصصتان في "الطريقة المولوية"، في مقالٍ بعنوان: "استطرادٌ في أعمال ومصادر الدراسات المولوية في العالم العربي"، إلى أن "تاريخ الدراسات المولوية الأولى في العالم العربي يعود إلى أكثر من سبعين عامًا". مع ذلك إذا نظرنا إلى جميع الأبحاث والترجمات لأعمال الشعراء التي نشرها الباحثون والأكاديميون العرب، سوف نخلص إلى أن مولانا معروفٌ في العالم العربي من وقت أطول بكثير عما ذكرته هاتان الباحثتان. فقد كانت المرة الأولى التي تعرّف الباحثون العرب ومحبو الأدب على "المثنوي الروحي"، كانت في عام ١٨٧٢م كذلك كان "يوسف بن أحمد القونوي المولوي الرومي"، وهو عالم وكاتب من أصل تركي، تلقى تعليمه العربي، وشيخ دير بكتاشي في إسطنبول، والمعروف بـ"الزهدي"، كان قد ألفَّ كتابًا عام ١٨٧٧م بعنوان: "المنهج القوي للطلب الشريف المثنوي". وهو ترجمة وشرح لكتب "المثنوي الروحي" الستة. وهو الكتاب الذي نشرته مطبعة "بولاق" بالقاهرة. كما ذكر "عبد العزيز" صاحب الجواهر، وهو عالم مولوي عربي آخر، في كتابه: "جواهر العصر في ترديتي المثنوي مولانا محمد جلال الدين البلخي الرومي"، ذكر أن "المنهج القوي لطلب الشريف المثنوي" يعتبر من أفضل شروح "المثنوي الروحاني".

من المؤلفين الأكاديميين العرب الكبار أيضاً الأستاذ الدكتور "عبد الوهاب عزام"، الذي ألفَّ ونشرَ كتاباً بعنوان: "فصول من المثنوي" في القاهرة عام 1946م الكتاب يقع في 199 صفحة. لقد ترجم المؤلف في هذا الكتاب أجزاء من "مثنوي المناوي" إلى العربية، مثل: "قصة التجاري والبابغا"، "قصة الأسد والوحوش" فضلاً عن عدة قصص أخرى من "مثنوي المناوي".

الترجمة الكاملة لكتاب "المثنوي المناوي"، كانت هي ثمرة جهود "عبد العزيز صاحب الجواهري"، شقيق "محمد مهدي الجواهري"، شاعر العراق. الجواهري، الذي كان من أشد المعجبين بمولانا جلال الدين الرومي وأعماله منذ شبابه، قَدِمَ إلى "خراسان"، وقبل أن يستقر في "كرمانشاه"، ترجم ست مجلدات من "المثنوي الروحي" إلى الشعر العربي، وأضاف إليها شروحًا وتفسيرات، وقد نُشِرَ هذا العمل عام ١٩٥٨م من قِبل مطبعة جامعة طهران بعنوان: "جواهر الآثار في طراد مثنوي مولانا غفاغور محمد جلال الدين البلخي الرومي".

-3-

"مثنوي جلال الدين الرومي، أعظم شاعر صوفي".

من العلماء الأكاديميين العرب أيضًا الأستاذ الدكتور "محمد عبد السلام كفافي"، أستاذ اللغة الفارسية وآدابها، كلية الآداب بجامعة القاهرة، الذي يعتبر نفسه من تلامذة "الأستاذ الدكتور "عبد الوهاب عزام". في عامي ١٩٦٦ و١٩٦٧، نشر "كفافي" كتابًا من جزئين بعنوان: "مثنوي جلال الدين الرومي، أعظم شاعر صوفي". في مقدمة كتابه، الذي نُشر في بيروت، يُقدم المؤلف مناقشة قيّمة للطريقة "المولوية البجوهية" في العالمين الغربي والعربي، وكذلك التصويرات الفارسية والتركية والعربية للمثنوي.

هناك عالم عربي آخر، هو "السيد محمد جمال الهاشمي العراقي"، قام بترجمة قصص المثنوي إلى الشعر العربي في عام ١٩٩٥، ونشرها في دار الحق ببيروت في كتاب يتكون من ٣٢٥ صفحة. ومن سمات ومزايا هذا الكتاب أن المُتَرجِم حفظ كل قافية في كل بيت بناءً على نموذجه الطاجيكى، مما جعل الترجمة بلا شك صعبة ومعقدة عليه "مولانا جلال الدين الرومي"، الذي كان قد أمضى أطول رحلة له في سوريا (سوريا الحالية) ودرس هناك، وتتلمذ على يد خيرة علماء تلك البلاد، كذلك كان على دراية باللهجة السريانية. واليوم، يبذل الباحثون السوريون جهودًا لدراسة أعمال "مولانا جلال الدين الرومي الصوفية".

-4-

"الدكتور عيسى علي العقاب".

مقالنا يدور حول أحد علماء المولانا المعاصرين في بلاد الشام، أرض العلم والتنوير منذ قرون، التي تضم مكتبات عالمية شهيرة. مقالنا هذا حول "الدكتور عيسى علي العقاب".

يُعد الدكتور "عيسى علي العقاب" أحد علماء الأدب المشهورين في سوريا. وُلدَ عام 1950 في احدى قرى محافظة الرقة السورية. تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة قريته، وفي عام 1972 التحق بقسم اللغة العربية بجامعة حلب، وبعد تخرجه، التحق بجامعة طهران. بعد ذلك، انضم إلى "قسم اللغة العربية" في مركز الدراسات العلمية بجامعة حلب (دراسات العلوم في اللغة العربية وأدبها من نص اللغة العربية وأدبها) ثم حصل على درجة الماجستير. خلال دراسته الجامعية، كان قد أجرى أبحاثًا علمية حول موضوع "العلاقات الأدبية بين الإيرانيين والعرب". يتخصص "علي العقاب"، في الأدب بشكل رئيسي، خاصة في مجالات التصوف والنقد الأدبي والبلاغة العربية. حيث يُعدّ التصوف من هواياته الدائمة، ويتمثل الجزء الرئيسي من كتاباته في ترجمة الأعمال الصوفية الطاجيكية والفارسية إلى العربية.

كان الأمر كما لو أنني وجدتُ قلبي في "المثنوي!

من بين جميع الشعراء الطاجيك والفرس، أَولَى الدكتور عيسى علي الاهتمام الأكبر لأعمال "مولانا جلال الدين الرومي"، وترجم عدة كتب عن مولانا وأعماله، وعرّف القراء الناطقين باللغة العربية بأفكار مولانا وخواطره. كما يقول هو نفسه: "عندما تعلمتُ الإنجليزية، أدركتُ أن الغربيين مفتونون جدًا بمولانا ويثنون عليه. لذلك قرأتُ أعمال "العلامة محمد إقبال" باللغة العربية. لقد سعدتُ جدًا بقراءة أعمال "إقبال"، ووجدتُ أنه يذكر "جلال الدين الرومي" بشغف خاص. منذ ذلك الحين، أصبح لديّ اهتمام بمولانا. لقد حاولتُ قراءة الأعمال المكتوبة عنه باللغة العربية. في الحقيقة، يجب أن أقول إنني كنتُ أبحث عن شيء ما، وأخيرًا وجدته. كان الأمر كما لو أنني وجدتُ قلبي في "المثنوي". يقتبس الأستاذ العقاب البيت التالي من سعدي:

البحر لا يُحصى منافعه،

إذا أردتَ الصحة، فهي على الشاطئ.

ثم يقول:

"... لم أستطع الوقوف على هذا الشاطئ، مع أنني لم أكن أملك وسائل السباحة. منذ ذلك الحين، تغيرت حياتي حقًا في الجوانب الروحية..."

يُعد "عيسى علي" أحد العلماء الذين قدموا مساهمة كبيرة للثقافة الطاجيكية والفارسية في القرن الحادي والعشرين. حيث أجرى أبحاثًا قيّمة للتعريف بهذه الثقافة وتأثيرها على أهل العلم والأدب والثقافة العربية. من بين دراساته كتاب "تأصيل الحكمة الفارسية في الأدب العربي المعاصر في العصر العباسي الأول"، الذي تُرجم إلى الفارسية تحت عنوان "تأصيل بندي بر أدب عرب" لعبد الله شريف خجستا، ونُشر بعاصمة دار النشر العلمي والثقافي عام 1996.

-5-

كان هذا الصوفي الهندي مولعًا بالتصوف.

يتأمل الباحث السوري في مقارنة "الأدبين الطاجيكى والفارسي" بالأدب العربي، ويعتبر الأدبين "الطاجيكى والفارسي" متفوقان على الأدب العربي، ويعود حبه وشغفه بالأدبين الطاجيكى والفارسي إلى معنى شعر "مولانا البكر". هنا تجدر الإشارة إلى أن معظم ترجمات "علي العقاب" لأعمال مولانا جلال الدين الرومي مأخوذة عن الإنجليزية. ترجمته الأولى بعنوان "يدوش شعر". يتألف هذا الكتاب في الواقع من ست خُطب ألفها الصوفي الهندي الشهير "عنايت خان" في أمريكا عام ١٩٢٣. كان هذا الصوفي الهندي مولعًا بالتصوف، وكانت مواقفه العلمية وحياته تعبيرًا عن ذلك. تتناول خُطب هذا الصوفي السنائي، والعطار، ومولانا، وحافظ، والخيام، وسعدي، ووفقًا لعيسى العقاب، فقد "فُقِد" قسم الخيام من هذا الكتاب لاحقًا لأسباب مجهولة. جَمَعَ الشاعر والمترجم الأمريكي، "كولمان برايان باركس" (١٩٣٧)، المهتم بالتصوف والتصوف وشعر مولانا جلال الدين الرومي، البقية (السنائي، والعطار، ومولانا، وحافظ، وسعدي) وكتب مقدمة له، ونشره مع سيرة ذاتية لهؤلاء. الشعراء. "مع أنه لا يجيد الفارسية، إلا أنه معروف بإعادة كتابة قصائد مولانا استنادًا إلى ترجمات إنجليزية أخرى."

كما ألّف "عيسى العقاب" كتابًا آخر عن مولانا بعنوان "جلال الدين الرومي والتصوف"، ترجمته المستشرقة الفرنسية إيفا دي فيتراي ميرويتز (1909-1999). كان هذا المستشرق الفرنسي، الذي اعتنق الإسلام نتيجة قراءته للكتب الصوفية الإسلامية، معجبًا جدًا بمولانا جلال الدين الرومي. هذا الكتاب، الذي تُرجم إلى الإنجليزية في أمريكا، ترجمه إلى العربية الأستاذ "علي العقاب". يقول الأستاذ العقاب عن هذا الكتاب: "تأثر مؤلف هذا الكتاب كثيرًا بمولانا... ومن يقرأ هذا الكتاب سيتأثر بشدة". من تأليف الباحثة العربية آن ماري شيمل (مواليد 7 أبريل 1922 - توفيت 26 يناير 2003) ترجمة كتاب "مختارات ديوان شمس"، الذي قارنته بالأصل الإنجليزي وترجمته من الإنجليزية إلى العربية. تقول: "... ساعدني هذا العمل في ترجمته إلى العربية وقرّبني من مولانا". كما ترجم الدكتور "عيسى علي العقاب" كتاب مولانا "فيه مو فيه"، الذي ألفه الباحث والمترجم الإنجليزي "آرثر جون أربيري" (مواليد 12 مايو 1905 - توفي 2 أكتوبر 1969)، الذي أعدّ "بديع الزمان فروزن فر" أصله الفارسي، ونشرته دار نشر "دار الفكر" بدمشق.

بعد ترجمة العمل الفلسفي "فيه مو فيه"، ترجم الباحث السوري مولانا كتاب "كلية شمس" الذي نشره "بديع الزمان فروزن فر" أيضًا، وصدرت ترجمته الإنجليزية، واستنادًا إليه، ترجم كتاب "مختارات شمس ديفوني" (مختارات شمس ديفوني) الذي نُشر تحت عنوان "يد العشق".

من إسهامات هذا الباحث السوري الجليل ترجمة كتاب مولانا "مجوليسي سبأ". وقد ترجم هذا العمل من الفارسية إلى العربية، ومن أعماله أيضًا ترجمة رباعيات مولانا جلال الدين الرومي.

-6-

"دولة الأمويين دولة عربية، ودولة العباسيين خراسانية".

من العوامل التي دفعت الدكتور "عيسى علي العقاب" إلى الاهتمام بالأدب "الطاجيكى الفارسي" هو تأثيره على الأدب العربي، الذي انتقل إلى العرب في القرنين الثامن والعاشر. في هذا السياق، كتب هذا الباحث السوري عملاً قيّماً بعنوان "تأثير الأفكار الفارسية على الأدب العربي في العصر العباسي الأول". بالإضافة إلى هذا العمل، كُتبت العديد من الأعمال الأخرى في مجال الأدب العربي المتعلقة بهذه القضية. يصف هذا الباحث تأثير "الادبين الطاجيكى والفارسي" على الأدب العربي بعبارة رائعة من الجاحظ: "دولة الأمويين دولة عربية، ودولة العباسيين خراسانية".

هو يعتبر أن بِنيَة المجتمع في ذلك الوقت كانت عربية خراسانية. من وجهة نظر هذا الباحث، لم يقتصر دور العرب على بناء الثقافة الإسلامية، بل إن دور العلماء "الطاجيك والفرس" في تطوير الثقافة والأدب العربي الإسلامي هو "فريد من نوعه". يقول: "... لم يقتصر دور العرب والإيرانيين على بناء الثقافة الإسلامية، بل كانوا جماعة اعتنقت الإسلام جماعات، وخدم كلٌّ منهم هذه الثقافة على طريقته. إلا أن الخراسانيين، لقربهم من الإسلام، كانوا قد لعبوا دورًا هامًا في هذا الشأن، وهناك دلائل واضحة على مشاركتهم في هذا السياق". لذلك، لم يتردد أحد المستشرقين الروس المشهورين، إ. يو. كراتشكوفسكي، في القول: "... لم يقتصر دور العرب على المساهمة في تطوير الثقافة والأدب العربي وإتقانهما، بل ساهم أيضًا عدد من الشعوب والقوميات الأخرى".

في كتاب "تأصيل الحكمة الفارسية في الأدب العربي المعاصر في عصر العباس الأول" ورد أن الجاحظ يقول: وقَّع "عبد الله بن طاهر" رسالة كالتالي: "أنا الذي هو". ويترتب على بحث "عيسى علي العقاب" أن الكُتّاب العرب في القرون السابقة استخدموا الكثير من الأمثال والأقوال الطاجيكية الفارسية في أعمالهم. لكنهم لم يذكروا المصادر التي استخدموها في أعمالهم، لكن الباحث يعترف في موضع آخر ببعض هذه الأمثال، بصفتها "قاسم بشري مشترك" بين الشعوب الطاجيكية والفارسية والعربية. وكما ذكرنا سابقًا، فإن الدكتور "عيسى علي العقاب"، اهتمَّ أكثر اهتمامًا بالتصوف. ويقول: "إن التصوف منسجم مع طبيعته وأنه خُلق لذلك". وينظر في القصص الشعرية التي غناها شعراء ومفكرون طاجيكيون وفارسيون، مثل مولانا وجامي وعطار.

يعتبر سنائي، وغيره، العنصر الرئيسي والميزة المميزة للشعر الطاجيكى الفارسي، الذي يعبر عن الروحانية وينقلها من خلال القصص، ويعتبرها من أكثر الوسائل تأثيرًا في تثقيف الإنسان. يرى "مولانا جلال الدين الرومي" أن كل فكرة تُعبّر عنها القصص رغبةً منه في تعليمنا.

-7-

إنَّ كل أدب لديه القدرة على التأثير "يكون أجمل".

في العربية، كلمة "صوفي" مشتقة من "صف"، و"صفا" تعني الإخلاص ونقاء الروح. يروي مولانا قصة "الصينيين والرومان" في "المثنوي". كانوا يفتخرون بمهاراتهم في الرسم، إلى أن وصلوا إلى ملك وطلبوا منه أن يختبر مهاراتهم في الرسم. أعطى الملك لكل من الصينيين والرومان منزلًا متقابلًا ليُرونه لوحاتَهم. برسمهم الجدران، رسموا أجمل لوحاتهم. حدَّث الرومان أنفسهم بأنَّ الصينيين "أمهر منَّا"، وأننا لسنا بمستوى كفاءتهم، وأن علينا أن نُصقل جدران منازلنا حتى تصبح مثالية. عندما وصل الملك، أُعجب بشدة باللوحات الصينية. أخذ الرومان الستائر. من بيوتهم والبيوت الصينية. كانت الغرفة الصينية تتألق بأكمل جمال على جدران الرومان المصقولة.

وهذا المعنى الصوفي معنى واحد، كما يقول الباحث السوري. وعندما يرويها مولانا جلال الدين الرومي في هذه القصة، تبقى هذه القصة في ذاكرتنا جميعًا، لما فيها من جوانب الجمال والأناقة. والآن، إذا كان تعريفنا للجمال هو "الجمال الأدبي" أو الجمال بمعناه العام، فيمكننا القول بأنَّ كل ما يتوافق وينسجم مع الطبيعة البشرية هو "جميل"، وأنَّ كل أدب لديه القدرة على التأثير "يكون أجمل"، كما يقول الدكتور "عيسى علي العقاب".

ثمّة نقطة مثيرة للاهتمام للغاية في هذا المقال، هي أن الباحث السوري يتأمل في القضايا الإنسانية وتَفوّق الأدب الشرقي على الأدب الغربي. فهو يقول: "أودُّ أن أناقشَ مسألةً تتعلقُ بالثقافةِ الطاجيكيةِ الفارسية، وهي مسألةٌ أُولِيها اهتمامًا بالغًا. لديَّ خبرةٌ واسعةٌ في الأدبِ الغربي، إذ ترجمتُ ثمانيةَ كتبٍ من الإنجليزيةِ إلى العربية. من بينها "الخيولُ الرمزيةُ"، والرومانسية الأُوروبيةُ بأقلامِ أعلامه"، والنظرية الأدبيةُ في القرنِ العشرين"، ولغة الشعراء"، و"قضايا النقد".

من واقعِ تجربتي، توصلتُ إلى استنتاجٍ مفاده: أنَّ الغربيينَ لم يكونوا لطفاءَ مَعَنَا. ما لدينا أجملُ بكثيرٍ مما لديهم. في البداية، تخيلنا أنه عندما نصل إلى شيء ذي قيمة مع الأفكار الغربية، نجد أننا مهزومون أمام الغرب والغربيين. لكنني وجدت قضايا إنسانية مع الشرقيين. وما لدينا في هذه المجالات أكثر بكثير مما لدى الغربيين".

يقول في موضع آخر: "للكلمات تأثير خاص على نفوس أهل الشرق. أحيانًا لا تخترق الكلمة حُجب الزمان والمكان، بل تترك أثرها إلى الأبد في أعماق نفوسهم وتترك أثرها على سلوكهم. وعندما يمكن اعتبار مثل هذا الوضع شائعًا لدى الشعوب الشرقية الأخرى، فلا يوجد أدنى شك لدى الباحث في اعتبار الإيرانيين القدماء أفضل مثال على الروح الشرقية في هذا الصدد. روح تؤمن بالكلمات الحكيمة والمواعظ والأمثال ".

-8-

"عظمة المعنى الأصيل والمؤثر والإنساني لأعمال مفكرينا".

الحقيقة أنه عندما تفكر مَليًا فيما يقوله هذا الباحث، سوف نجد أن كلماته صادقة بالفعل. حيث تحظى كتابات ومؤلفات مفكرينا وشعرائنا وحكمائنا بقبولٍ واسعٍ في الدول الغربية، وهو ما يدل على "عظمة المعنى الأصيل والمؤثر والإنساني لأعمال مفكرينا". فعلى سبيل المثال، يُعد كتاب "المثنوي المعنوي" من أكثر الكتب انتشارًا وقراءةً في العالم الغربي، وهو ما تؤكده كلمات الدكتور "عيسى علي العقاب".

جاء في كتاب "تأثير الحكمة الفارسية على الأدب العربي: دراسة في الأدب التطبيقي": "يمكننا القول إن أول حكيم عرفه الشرق هو "زرادشت"، الذي كان إيرانيًا جسدًا وروحًا ولغةً. يُعتبر كتابه "الأفستا" مصدر فخرٍ ليس للإيرانيين فحسب، بل لجميع الأمم الشرقية أيضًا. فقد استطاع أن يجمع حوله أمةً مُشتتةً مُنهَكَة في فترةٍ وجيزة، ويقودها نحو حياةٍ وحكمٍ قوييِّن". يُذكر أيضًا أن "أردشير باباكان، ببصيرته الثاقبة، أدرك أنه بعد الآثار المدمرة للحروب والأعمال العدائية، لابد من العودة إلى "الديانة الزرادشتية" للتعافي من شَرذَمِة الأمة وجَبر انقسامات الشعب". كذلك من الأمثلة المثيرة للاهتمام الأخرى: "من المدهش حقًا أن الخليفة عمر بن الخطاب قال عن الزرادشتيين: "عاملوهم كما تعاملون أهل الكتاب". الأكثر إثارة للدهشة هو أن "أتباع الزرادشتية" رافقوا قافلة الحضارة الإسلامية في العصر العباسي. وهي مهمة لا يمكن أن يقوم بها إلا المتعلمون تعليمًا عاليًا".

الخلاصة

... سيواصل باحث عربي دراسة الأدب الفارسي الطاجيكى والحضارة القديمة للشعب الطاجيكى، بما في ذلك "مولانا جلال الدين البلخي". تجدر الإشارة إلى أن شعراءنا ومفكرينا تأثروا بشكل كبير بالأدب العربي، وقد درس وناقش الباحثون الطاجيك هذا التأثير إلى حد ما. مع ذلك، فإن من القضايا المهمة اليوم، ضرورة العمل على إقامة جسور للتواصل الثقافي العلمي الأدبي بين الباحثين والأكاديميين العرب والطاجيك، من أجل "دراسة أعمال الشعراء والمفكرين الطاجيك من قبل الباحثين العرب". ونأمل أن يهتم الباحثون العرب وغيرهم من الطاجيك بدراسة هذه القضية، من جهة وأن يعمل الباحثون والأكاديميون العرب والطاجيك على خلق قنوات التواصل اللازمة مع الباحثين والأكاديميين المستشرقين من أجل تشجيعهم على دراسة وبحث ومناقشة "النتاج الفكري والأدبي والثقافي لـ "المفكرين الطاجيك". الذين حظوا بدراسات علمية حقيقية من جانب العلماء العرب.

د. مدحت حماد: فرص اشتعال “الحرب الإقليمية الكبرى” لم تنته بعد؟

د. مدحت حماد

أستاذ اللغة الفارسية والدراسات الإيرانية الخليجية.

بجامعة طنطا وأكاديمية ناصر العسكرية العليا.

أ.د. مدحت حماد

على الرغم من كل ما حدث أو صدر عن قمة شرم الشيخ للسلام، وعلى الرغم من مستويات التفاؤل التي غلبت أو سادت تصريحات وأفعال الرؤساء والقادة الذين اجتمعوا في شرم الشيخ، وعلى الرغم من أن كلمة "السلام" قد تكررت على ألسنة الجميع عشرات إن لم يكن مئات المرَّات، وعاى الرغم مما تم من تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، وما صاحبه من توقف لآلة التدمير الصهيونية في فلسطين المحتلة من جهة عودة دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة من جهة أخرى، إلا أنه لا يمكننا مطلقًا أن نقول بأن "هذا السلام" قد بدأ أولى خطواته على أرض الواقع.

ذلك أن هناك عشرات وعشرات الأحداث التي تمت أو التي كان يجب أن تتم، هي التي ترتبط بها فعليًا تحقيق السلام المنشود الضائع في الشرق الأوسط بصفة عامة وفلسطين بصفة خاصة. من هذه الأحداث:

1- تأكيد ترامب في الكنيسيت الإسرائيلي على أن القدس بشطريها، هي العاصمة الأبدية لإسرائيل.

2- تأكيد ترامب على سيادة إسرائيل على الجولان.

3- تأكيد ترامب على رفضه لمشروع "حل الدولتين".

4- تأكيد ترامب على "مبدأ السلام مقابل السلام" وليس "الأرض مقابل السلام".

5- تأكيد ترامب على استمرار تبنيه "مشرع الدين الإبراهيمي".

6- تأكيد ترامب على إصرار القضاء التام على القدرات النوووية الإيرانية.

7- تأكيد ترامب على إصراره القضاء على المشروع الصاروخي الإستراتيجي الإيراني.

8- تأكيد إيران على استمرارها في تنفيذ جميع برامجها ومشاريعها الإستراتيجية مثل "البرنامج النووي" و"البرنامج الصاروخي".

9- تأكيد إيران على عدم الإعتراف بإسرائيل.

10- تأكيد إيران على عدم التفاوض _ومن ثم عدم عودة العلاقات_ مع أمريكا إلا بعد أن ترفع جميع العقوبات.

الحديث عن السلام في الشرق الأوسط، حديث لا يقوم على معطيات حقيقية.

الحقيقة أن جميع ما سبق ذكره ليس له سوى معنى وحيد، هو أن الحديث عن السلام في الشرق الأوسط، حديث لا يقوم على معطيات حقيقية، لأن الأطراف الإقليمية والدولية التي يُفتَرض أن يقوم ويتحقق السلام عليها ومن خلالها، لازالت في حالة عداء وجودي، ولازالت دماء القتلى والجرحى تسيل وتجري بسببها وبينها.

كذلك القول بأن ثمة سلام بات يلوح في الأفق بخصوص القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائلي، إنما هو قول مغلوط ومشكوك في صوابه، حتى وإن اعتنقت بعض الدول الإقليمية لمنهج السلام القائم على الحقوق والقوة مثل مصر. فالقضايا الخلافية المصيرية لازالت موضع اختلافات جذرية عميقة، فضلاً عن اتساع الفجوات المرتبطة بالعقيدة السياسية والعسكرية بل والدينية بين جميع الأطراف.

أمريكا تحشد قواتها العسكرية في منطقة الخليج وتركيا وآسيا الوسطى والمحيط الهندي. السؤال هو: لماذا؟ إسرائيل تقوم بنفس الشيئ، حيث تقوم بترميم وتعويض خسائرها نتيجة حرب يونيو 2025 مع إيران ونتيجة لحرب العامين مع حماس في غزة وكذلك حزب الله وجماعة أنصار الله. السؤال أيضًا هو: لماذا؟

إيران نفس الشيئ، تقوم بترميم قواعدها الصاروخية واستعواض خسائرها في كافة الأسلحة والقطاعات الحيوية، بل إن المرشد الإيراني "سيد علي خامنه اي" طالب الإيرانيين بتخزين الغذاء، كذلك التسريبات المؤَكِدَة على وصول شحنات عسكرية روسية صينية إلى إيران، كلها وقائع وأحداث تجعلنا نسأل أنفسنا: لماذا؟

أي لماذا تستعد جميع الأطراف عسكريًا ولوجستيًا على هذا النحو؟ أَمِن أجل السلام يستعدون؟ أم ماذا؟ في ظني أنني أعتقد بأن ما حدث في شرم الشيخ مؤخراً، وأن التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار في غزة، إنما هي بمثابة خطوات وإجراءات إقليمية تمهِّد الطريق نحو إشتعال الحرب الإقليمية الكبرى، التي أعتقد في أنها قادمة لا محالة، ما لم يحدث تحول جذري حقيقي فيما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة أخرى.

من هنا فإنني أعتقد فعليًا بأن فرص اشتعال "الحرب الإقليمية الكبرى" لم تنته بعد.

د. محمد السعيد إدريس يكشف: هندسة أمريكية جديدة للشرق الأوسط.

د. محمد السعيد إدريس

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

د. محمد السعيد إدريس

توماس بّراك السفير الأمريكى لدى تركيا: لا يوجد شرق أوسطـ، وإنما قبائل وقرى ودول قومية أنشأها سايكس – بيكو.

فى مداخلة بدت غريبة على آذان من استمعوا إليها، رغم أنهم كانوا من كبار المسئولين الأمريكيين لكونهم أعضاء فى الكونجرس الأمريكى، فاجأ توماس بّراك السفير الأمريكى لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، والرجل الذى يصول ويجول فى إدارة القرار اللبنانى، هؤلاء «المشرعين» أعضاء الكونجرس (26/9/2025)، بنفيه وجود ما يسمى «الشرق الأوسط»، ونفى ما يسمى «دولًا» بهذه المنطقة، وقال إن «ما يسمى الشرق الأوسط يدار من خلال القبائل والقرى والعائلات والطوائف لا من خلال الدول القومية الحقيقية»، ومشيرًا إلى اتفاقية «سايكس – بيكو، لعام 1916 كأصل لتخليق الدول الحالية وترسيم حدودها»، ما يعنى أن هذه الاتفاقية «اللعينة» التى ولدت من رحم الحرب العالمية الأولى وتدمير «الإمبراطورية العثمانية» هى أصل الدول الحالية وليست أصل الداء والوباء، الذى ألم بالوطن العربى. وقال للصحفيين أمام البيت الأبيض «لا يوجد شرق أوسطـ، وإنما قبائل وقرى ودول قومية أنشأها سايكس – بيكو.. أعتقد أنه يجب ألا نتحدث عن 27 دولة، لأن الواقع الحقيقى هو 110 مجموعات اثنية».

«إذا كانوا لا يتقبلون كلمة (إخضاع) نقول لهم: ولايهمكم نسميها ازدهارا»!!

توماس برّاك (الذى ترجع أصوله إلى لبنان) لم يكتف بذلك، وهو شديد الانشغال بنزع سلاح المقاومة فى لبنان، كشرط مسبق لأى حديث عن دعم مالى للبنان (عربى أو دولى)، وأى حديث عن انسحاب إسرائيلى من المناطق التى تحتلها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلى فى جنوب لبنان، أو وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، تورط فى كشفه لـ «جوهر السياسة الأمريكية فى الوطن العربى» وهو «ضم مناطق إلى إسرائيل»، سواء كانت هذه المناطق فى الضفة الغربية الفلسطينية أو لبنان أو سوريا. وفى استخفاف منه بالعقول والمشاعر العربية التى أدرك فداحة وقع مصطلح «الضم والإخضاع» عليها، قال لمستمعيه: «إذا كانوا لا يتقبلون كلمة (إخضاع) نقول لهم: ولايهمكم نسميها ازدهارا».

هذا الإدراك الأمريكى يجب ألا يغيب عن العقل العربى وهو شديد الانشغال بـ «مآلات خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب» لما يسميه «السلام فى الشرق الأوسط» أحيانًا، أو بتحرير الأسرى الإسرائيليين خاصة فى ظل التطورات المتسارعة والمتلاحقة، منذ إعلان حركة المقاومة الإسلامية «حماس» مساء الجمعة الماضى (3/10/2025) ردها على «خطة ترامب»، وتعليق الرئيس ترامب على هذا الرد بعد ساعات من تسليم حركة «حماس» ردها للوسطاء (مصر وقطر وتركيا) الذى قبل فيه هذا الرد، وأعرب عن اعتقاده أن «حماس مستعدة للسلام»، وطالب إسرائيل بالتوقف عن قصف غزة، خاصة أن رد حركة «حماس» كشف أنها «مستعدة للإفراج عن جميع الرهائن بموجب خطته لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة».

أى علاقة تربط بين المفاهيم «المغلوطة» التى تحدث بها توماس باراك، وبين خطة الرئيس دونالد ترامب الخاصة بقطاع غزة؟

أى علاقة تربط بين المفاهيم «المغلوطة» التى تحدث بها توماس باراك، رجل ترامب فى المشرق العربى، عن العرب والدول العربية، وبين خطة الرئيس دونالد ترامب الخاصة بقطاع غزة؟. هذا السؤال يفتح أمامنا الأبواب الواسعة لعشرات من الأسئلة الأخرى>

أولها: لماذا تحمس ترامب لطرح هذه الخطة وفى أى ظروف؟ وماذا يريد ترامب من وراء فرض هذه الخطة.. هل يريد فقط وقف الحرب فى غزة، أم يريد ما وراء وقف هذه الحرب، وبالتحديد الأدوار الأمريكية الجديدة فى المنطقة، سواء موضوع فرض أمريكا «حاكمًا» للمنطقة، وليس إسرائيل وحدها على نحو ما كان بنيامين نيتانياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلى يحلم بفرض «نظام إسرائيلى للشرق الأوسط» تحكمه إسرائيل بالقوة العسكرية.

لماذا كان الرئيس الأمريكى شديد الانفعال فى تهديد حركة «حماس» بل والمنطقة كلها إذا لم تقبل بخطته؟

وثانيها: لماذا كان الرئيس الأمريكى شديد الانفعال فى تهديد حركة «حماس» بل والمنطقة كلها إذا لم تقبل بخطته باستخدام القوة المفرطة، القوة الأمريكية وليس فقط القوة الإسرائيلية؟ فقد أكد ترامب قبل ثلاثة أيام من إصدار حركة «حماس» ردها على خطته، وبالتحديد يوم الثلاثاء (30/9/2025) أن «الجيش الأمريكى قد يضطر للتدخل فى حال فشل تسوية الوضع فى الشرق الأوسط»، وقال فى حديثه لكبار ضباط الجيش الأمريكى «سنسوى الوضع فى الشرق الأوسط»، وزاد «سنراقب الجزء المتقلب من العالم فى الشرق الأوسط.. وسنعمل على إبقائه هادئًا، حتى لا يضطر الجيش الأمريكى للتدخل».

ثالثها: ما هى العلاقة بين التركيز على فرض الاستجابة لخطة الرئيس ترامب الخاصة بقطاع غزة وبين هذا الحديث عن الحرب؟.. ولماذا غير الرئيس ترامب من بنود خطته بعد اللقاء الذى تم فى واشنطن بين نيتانياهو ومستشارى الرئيس، الأمر الذى أكده وزير الخارجية الباكستانى «محمد اسحق دار» (3/10/2025). الأمر التنفيذى الذى أصدره الرئيس الأمريكى، الذى نص على أن «أى هجوم على قطر تهديد لأمريكا»، يكشف عن بعض خيوط الترابط بين خطة ترامب الخاصة بتسوية الأزمة فى غزة، وبين التلويح بدور عسكرى أمريكى جديد فى الشرق الأوسط.. وهنا يجدر التساؤل عن احتمالات شن عدوان أمريكى – إسرائيلى على إيران، ومقايضة أمريكا بتسوية أزمة غزة بدعم عربى لمثل هذا العدوان، خاصة بعد إعلان روسيا دخول «معاهدة الشراكة الاستراتيجية الروسية – الإيرانية الشاملة» حيز التنفيذ، واعتبار ذلك «علامة فارقة فى تاريخ العلاقات بين البلدين»، كل هذه الأسئلة تكشف عن شىء محدد، رغم غموضه، هو أن «خطة ترامب» وجهود تسوية الأزمة فى غزة، كما أنها لم تنبت من فراغ، وأنها وليدة التحولات الشديدة الأهمية فى الموقف الدولى لمصلحة قضية فلسطين، فإنها ليست معدومة الأهداف، بل إنها لبنة أمريكية جديدة فى إعادة هندسة الخرائط فى الشرق الأوسط من منظور دور أمريكى جديد، فى وقت تتآكل فيه المكانة الأمريكية عالميًا، وتتفاقم فيه الأزمات الداخلية، ويزداد فيه السخط الدولى على السياسة الأمريكية، لانحيازها المطلق لإسرائيل.

حسن الطرزي: كلام الليل ،، الحرب المقبلة..؟

يصر ترامب على أن إنهاء حرب غزة يُنهي حروب الشرق الأوسط كافة وينشر السلام في المنطقة، هل يدرك ما يقول؟ قبل حرب 7 اكتوبر عاشت غزة حروبا كثيرة بدأت بالقتال وانتهت بالتوقيع فلا شئ منطقيا حتى الان يضمن عدم اندلاعها مجددا.

حسن الطرزي

إقليميا، عاش لبنان تجارب مماثلة وبعضها كان بالتزامن وبالتالي فإن جبهة الجنوب لا تزال ساخنة ولا يزال السلاح منتشرا فيها ولا تزال قوات نتنياهو تسيطر على 5 مواقع على الارض اللبنانية وقد تشتعل الحرب هناك مجددا.

إيران تصر على موقفها من التخصيب وتعتبره مصيرياً. فيما لم تتوقف حكومة نتنياهو - في اعتقادي - عن البحث عن 460 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب في إيران، وقد تباغت الجميع بضربة ربما تشعل حرب الصواريخ مجددا.

العراق؟ نتنياهو كان قد وجه من منبر الامم المتحدة تهديدا مباشرا للفصائل العراقية الموالية لإيران، ولا يبدو أنه سيفكر كثيرا في الضرب إذا ما قرر ذلك لأنه لن يعدم المبررات مثل كل مرة.

لا ننسى، أن في شمال سوريا قوات تركية تقول أنقرة إنها تنفذ مهمات للحفاظ على أمن تركيا.

سوريًا من جهتها حاولت سحب كل فتيل صالح للاشتعال ولا زالت تتمسك بسياسة ضبط النفس لكن خصمها الذي يبتلع الجولان شيئا فشيئا لا يعرف غير التمدد والنهب والاستيلاء ليوسع ما يسميها حدوده من خلال مناطق عازلة ومناطق منزوعة السلاح والدسم، ولأجل هذا قد يلجأ للأسلوب ذاته مجددا. ولا ننسى، أن في شمال سوريا قوات تركية تقول أنقرة إنها تنفذ مهمات للحفاظ على أمن تركيا.

عن أي سلام يتحدث ترامب؟

حتى الأردن ومصر اللتان وقعتا اتفاقيات لا تعتبران أن لديهما علاقات دافئة مع حكومة نتنياهو ومن قبل حرب غزة، لأن التهديد بضم الضفة الغربية كان سياسة متبعة، ولأن اقتحامات المناطق (أ & ب) كانت روتينا يوميا لا يخلو من قتل وجرح واعتقال وهدم وتجريف، ولأن اعتداءات المستوطنين لا تزال مستمرة، وهذه قد تشعل فتيل انتفاضة ثالثة وتندلع المعارك مجددا.

خاتمة

لا أعتقد أن ترامب سيوافق على أي شئ مما تقدم لأنه فعليا لا يريد حروبا جديدة، لكنه قطعا لن يمنع نتنياهو ولن يوقف تزويده بالسلاح.