د. ضيايف صبح الدين نصري أويتش: مكانة مولانا جلال الدين الرومي في العالم العربي.
د. ضيايف صبح الدين نصري أويتش.
دكتوراة في العلوم اللغوية.

رئيس قسم "الشرق الأوسط والأدنى" في "معهد دراسة الدول الآسيوية والأوروبية".
الأكاديمية الوطنية للعلوم في طاجيكستان.
ترجمة: د. عبد الغفار كمال زاده
-1-
من هو مولانا جلال الدين؟
مولانا جلال الدين البلخي الرومي (1207-1273م) كان شاعرًا صوفيًا طاجيكيًا فارسيًا. اشتهر بتعاليمه الصوفيِّة وأشعاره المتنوعة الأغراض والموضوعات. وُلِد في مدينة "بلخ" بأفغانستان. درس الفقه والعلوم الدينية على والده، ثم تأثر بالعديد من الشيوخ أثناء إقامته في دمشق والأناضول وبغداد وقونيا. تأثر بالترمذي، ومحي الدين بن عربي، وفريد الدين العطار النيسابوري (نسبة إلى نيسابور) الذي أوصى والد الرومي قائلاً: "اعتن بهذا الولد فَعَن قريب سينفث في العالم نفسًا مشتعلا".
مع احتلال المغول لمدينته "بلخ"، اضطر والده وعائلته للمغادرة إلى "بغداد" -التي كانت لاتزال آنذاك عاصمة الدولة العباسية - ثم اتجه إلى "مكة، ثم سافر واستقر بعدها هو في قونيا. بعد لقائه "ـشمس الدين التبريزي"، انصرف عن التدريس ليُركِّز على "التصوف والشعر". بعد وفاته أسسَّ أتباعه وابنه "الطريقة المولوية"، التي صارت بعد ذلك واحدة من أهم الطرق الصوفية.
اشتهر "الرومي" بكتابه المثنوي المعاني. الذي يضم قصائد فارسية تحتوي على حدود ألف بيت، صار يرددها ويحفظها الصوفيون. فهي من أجمل ما كُتِبَ ونُظِمَ في "العشق الإلهي والصوفي" بصفة خاصة، ومن أهم "الدواوين الشعرية الصوفية" بصفة عامة. تقدر أشعار الرومي بـ 40 ألف بيتًا شعريًا. كذلك له أيضًا "ديوان شمس التبريزي" الذي كتبه عن مُلهِمَه وشَيخَه "التبريزي" بعد رحيله.
يبلغ عدد رباعياته الشهيرة 1959 رباعية، وهي من أهم أشعاره. كما أنها تعد من أهم ما تركه من آثار، إذ تضمنت 3318 بيتًا. كما ترك "الرومي" أثارًا نثرية منها "الرسائل" لمريديه ومعارفه ورجال الدولة. كذلك "المجالس السبعة" التي جمع فيها مواعظه. أيضًا كتابه "فيه ما فيه" الذي يضم 71 محاضرة مختلفة.
-2-
"استطرادٌ في أعمال ومصادر الدراسات المولوية في العالم العربي."
يولي الباحثون والعلماء المعاصرون في العالم العربي اهتمامًا خاصًا بأعمال مولانا جلال الدين الرومي. فقد درسوا أعماله الشعرية والنثرية، حيث قاموا بتأليف العديد من المؤلفات العلمية على أساسها. ومعظم المقالات المنشورة باللغة العربية عن مولاني وأفكاره وأعماله، تصفه بأنه شاعرٌ قويٌّ ذو فكرٍ صوفيّ، وحبٍّ كبيرٍ لله، وصاحب أعمالٍ ثريةٍ وجميل. كما تشير هذه الظاهرة إلى أن محبي ومريدي "الطريقة المولوية" من العرب، وكثيرًا من رفاقهم المتحدثين، هُم على درايةٍ كافيةٍ بشخصية مولانا جلال الدين الرومي الفكرية والأدبية. على سبيل المثال أشارت كل من "نرجس غنجي" و"فاطمة إشراقي"، وهما باحثتان إيرانيتان متخصصتان في "الطريقة المولوية"، في مقالٍ بعنوان: "استطرادٌ في أعمال ومصادر الدراسات المولوية في العالم العربي"، إلى أن "تاريخ الدراسات المولوية الأولى في العالم العربي يعود إلى أكثر من سبعين عامًا". مع ذلك إذا نظرنا إلى جميع الأبحاث والترجمات لأعمال الشعراء التي نشرها الباحثون والأكاديميون العرب، سوف نخلص إلى أن مولانا معروفٌ في العالم العربي من وقت أطول بكثير عما ذكرته هاتان الباحثتان. فقد كانت المرة الأولى التي تعرّف الباحثون العرب ومحبو الأدب على "المثنوي الروحي"، كانت في عام ١٨٧٢م كذلك كان "يوسف بن أحمد القونوي المولوي الرومي"، وهو عالم وكاتب من أصل تركي، تلقى تعليمه العربي، وشيخ دير بكتاشي في إسطنبول، والمعروف بـ"الزهدي"، كان قد ألفَّ كتابًا عام ١٨٧٧م بعنوان: "المنهج القوي للطلب الشريف المثنوي". وهو ترجمة وشرح لكتب "المثنوي الروحي" الستة. وهو الكتاب الذي نشرته مطبعة "بولاق" بالقاهرة. كما ذكر "عبد العزيز" صاحب الجواهر، وهو عالم مولوي عربي آخر، في كتابه: "جواهر العصر في ترديتي المثنوي مولانا محمد جلال الدين البلخي الرومي"، ذكر أن "المنهج القوي لطلب الشريف المثنوي" يعتبر من أفضل شروح "المثنوي الروحاني".
من المؤلفين الأكاديميين العرب الكبار أيضاً الأستاذ الدكتور "عبد الوهاب عزام"، الذي ألفَّ ونشرَ كتاباً بعنوان: "فصول من المثنوي" في القاهرة عام 1946م الكتاب يقع في 199 صفحة. لقد ترجم المؤلف في هذا الكتاب أجزاء من "مثنوي المناوي" إلى العربية، مثل: "قصة التجاري والبابغا"، "قصة الأسد والوحوش" فضلاً عن عدة قصص أخرى من "مثنوي المناوي".
الترجمة الكاملة لكتاب "المثنوي المناوي"، كانت هي ثمرة جهود "عبد العزيز صاحب الجواهري"، شقيق "محمد مهدي الجواهري"، شاعر العراق. الجواهري، الذي كان من أشد المعجبين بمولانا جلال الدين الرومي وأعماله منذ شبابه، قَدِمَ إلى "خراسان"، وقبل أن يستقر في "كرمانشاه"، ترجم ست مجلدات من "المثنوي الروحي" إلى الشعر العربي، وأضاف إليها شروحًا وتفسيرات، وقد نُشِرَ هذا العمل عام ١٩٥٨م من قِبل مطبعة جامعة طهران بعنوان: "جواهر الآثار في طراد مثنوي مولانا غفاغور محمد جلال الدين البلخي الرومي".
-3-
"مثنوي جلال الدين الرومي، أعظم شاعر صوفي".
من العلماء الأكاديميين العرب أيضًا الأستاذ الدكتور "محمد عبد السلام كفافي"، أستاذ اللغة الفارسية وآدابها، كلية الآداب بجامعة القاهرة، الذي يعتبر نفسه من تلامذة "الأستاذ الدكتور "عبد الوهاب عزام". في عامي ١٩٦٦ و١٩٦٧، نشر "كفافي" كتابًا من جزئين بعنوان: "مثنوي جلال الدين الرومي، أعظم شاعر صوفي". في مقدمة كتابه، الذي نُشر في بيروت، يُقدم المؤلف مناقشة قيّمة للطريقة "المولوية البجوهية" في العالمين الغربي والعربي، وكذلك التصويرات الفارسية والتركية والعربية للمثنوي.
هناك عالم عربي آخر، هو "السيد محمد جمال الهاشمي العراقي"، قام بترجمة قصص المثنوي إلى الشعر العربي في عام ١٩٩٥، ونشرها في دار الحق ببيروت في كتاب يتكون من ٣٢٥ صفحة. ومن سمات ومزايا هذا الكتاب أن المُتَرجِم حفظ كل قافية في كل بيت بناءً على نموذجه الطاجيكى، مما جعل الترجمة بلا شك صعبة ومعقدة عليه "مولانا جلال الدين الرومي"، الذي كان قد أمضى أطول رحلة له في سوريا (سوريا الحالية) ودرس هناك، وتتلمذ على يد خيرة علماء تلك البلاد، كذلك كان على دراية باللهجة السريانية. واليوم، يبذل الباحثون السوريون جهودًا لدراسة أعمال "مولانا جلال الدين الرومي الصوفية".
-4-
"الدكتور عيسى علي العقاب".
مقالنا يدور حول أحد علماء المولانا المعاصرين في بلاد الشام، أرض العلم والتنوير منذ قرون، التي تضم مكتبات عالمية شهيرة. مقالنا هذا حول "الدكتور عيسى علي العقاب".
يُعد الدكتور "عيسى علي العقاب" أحد علماء الأدب المشهورين في سوريا. وُلدَ عام 1950 في احدى قرى محافظة الرقة السورية. تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة قريته، وفي عام 1972 التحق بقسم اللغة العربية بجامعة حلب، وبعد تخرجه، التحق بجامعة طهران. بعد ذلك، انضم إلى "قسم اللغة العربية" في مركز الدراسات العلمية بجامعة حلب (دراسات العلوم في اللغة العربية وأدبها من نص اللغة العربية وأدبها) ثم حصل على درجة الماجستير. خلال دراسته الجامعية، كان قد أجرى أبحاثًا علمية حول موضوع "العلاقات الأدبية بين الإيرانيين والعرب". يتخصص "علي العقاب"، في الأدب بشكل رئيسي، خاصة في مجالات التصوف والنقد الأدبي والبلاغة العربية. حيث يُعدّ التصوف من هواياته الدائمة، ويتمثل الجزء الرئيسي من كتاباته في ترجمة الأعمال الصوفية الطاجيكية والفارسية إلى العربية.
كان الأمر كما لو أنني وجدتُ قلبي في "المثنوي!
من بين جميع الشعراء الطاجيك والفرس، أَولَى الدكتور عيسى علي الاهتمام الأكبر لأعمال "مولانا جلال الدين الرومي"، وترجم عدة كتب عن مولانا وأعماله، وعرّف القراء الناطقين باللغة العربية بأفكار مولانا وخواطره. كما يقول هو نفسه: "عندما تعلمتُ الإنجليزية، أدركتُ أن الغربيين مفتونون جدًا بمولانا ويثنون عليه. لذلك قرأتُ أعمال "العلامة محمد إقبال" باللغة العربية. لقد سعدتُ جدًا بقراءة أعمال "إقبال"، ووجدتُ أنه يذكر "جلال الدين الرومي" بشغف خاص. منذ ذلك الحين، أصبح لديّ اهتمام بمولانا. لقد حاولتُ قراءة الأعمال المكتوبة عنه باللغة العربية. في الحقيقة، يجب أن أقول إنني كنتُ أبحث عن شيء ما، وأخيرًا وجدته. كان الأمر كما لو أنني وجدتُ قلبي في "المثنوي". يقتبس الأستاذ العقاب البيت التالي من سعدي:
البحر لا يُحصى منافعه،
إذا أردتَ الصحة، فهي على الشاطئ.
ثم يقول:
"... لم أستطع الوقوف على هذا الشاطئ، مع أنني لم أكن أملك وسائل السباحة. منذ ذلك الحين، تغيرت حياتي حقًا في الجوانب الروحية..."
يُعد "عيسى علي" أحد العلماء الذين قدموا مساهمة كبيرة للثقافة الطاجيكية والفارسية في القرن الحادي والعشرين. حيث أجرى أبحاثًا قيّمة للتعريف بهذه الثقافة وتأثيرها على أهل العلم والأدب والثقافة العربية. من بين دراساته كتاب "تأصيل الحكمة الفارسية في الأدب العربي المعاصر في العصر العباسي الأول"، الذي تُرجم إلى الفارسية تحت عنوان "تأصيل بندي بر أدب عرب" لعبد الله شريف خجستا، ونُشر بعاصمة دار النشر العلمي والثقافي عام 1996.
-5-
كان هذا الصوفي الهندي مولعًا بالتصوف.
يتأمل الباحث السوري في مقارنة "الأدبين الطاجيكى والفارسي" بالأدب العربي، ويعتبر الأدبين "الطاجيكى والفارسي" متفوقان على الأدب العربي، ويعود حبه وشغفه بالأدبين الطاجيكى والفارسي إلى معنى شعر "مولانا البكر". هنا تجدر الإشارة إلى أن معظم ترجمات "علي العقاب" لأعمال مولانا جلال الدين الرومي مأخوذة عن الإنجليزية. ترجمته الأولى بعنوان "يدوش شعر". يتألف هذا الكتاب في الواقع من ست خُطب ألفها الصوفي الهندي الشهير "عنايت خان" في أمريكا عام ١٩٢٣. كان هذا الصوفي الهندي مولعًا بالتصوف، وكانت مواقفه العلمية وحياته تعبيرًا عن ذلك. تتناول خُطب هذا الصوفي السنائي، والعطار، ومولانا، وحافظ، والخيام، وسعدي، ووفقًا لعيسى العقاب، فقد "فُقِد" قسم الخيام من هذا الكتاب لاحقًا لأسباب مجهولة. جَمَعَ الشاعر والمترجم الأمريكي، "كولمان برايان باركس" (١٩٣٧)، المهتم بالتصوف والتصوف وشعر مولانا جلال الدين الرومي، البقية (السنائي، والعطار، ومولانا، وحافظ، وسعدي) وكتب مقدمة له، ونشره مع سيرة ذاتية لهؤلاء. الشعراء. "مع أنه لا يجيد الفارسية، إلا أنه معروف بإعادة كتابة قصائد مولانا استنادًا إلى ترجمات إنجليزية أخرى."
كما ألّف "عيسى العقاب" كتابًا آخر عن مولانا بعنوان "جلال الدين الرومي والتصوف"، ترجمته المستشرقة الفرنسية إيفا دي فيتراي ميرويتز (1909-1999). كان هذا المستشرق الفرنسي، الذي اعتنق الإسلام نتيجة قراءته للكتب الصوفية الإسلامية، معجبًا جدًا بمولانا جلال الدين الرومي. هذا الكتاب، الذي تُرجم إلى الإنجليزية في أمريكا، ترجمه إلى العربية الأستاذ "علي العقاب". يقول الأستاذ العقاب عن هذا الكتاب: "تأثر مؤلف هذا الكتاب كثيرًا بمولانا... ومن يقرأ هذا الكتاب سيتأثر بشدة". من تأليف الباحثة العربية آن ماري شيمل (مواليد 7 أبريل 1922 - توفيت 26 يناير 2003) ترجمة كتاب "مختارات ديوان شمس"، الذي قارنته بالأصل الإنجليزي وترجمته من الإنجليزية إلى العربية. تقول: "... ساعدني هذا العمل في ترجمته إلى العربية وقرّبني من مولانا". كما ترجم الدكتور "عيسى علي العقاب" كتاب مولانا "فيه مو فيه"، الذي ألفه الباحث والمترجم الإنجليزي "آرثر جون أربيري" (مواليد 12 مايو 1905 - توفي 2 أكتوبر 1969)، الذي أعدّ "بديع الزمان فروزن فر" أصله الفارسي، ونشرته دار نشر "دار الفكر" بدمشق.
بعد ترجمة العمل الفلسفي "فيه مو فيه"، ترجم الباحث السوري مولانا كتاب "كلية شمس" الذي نشره "بديع الزمان فروزن فر" أيضًا، وصدرت ترجمته الإنجليزية، واستنادًا إليه، ترجم كتاب "مختارات شمس ديفوني" (مختارات شمس ديفوني) الذي نُشر تحت عنوان "يد العشق".
من إسهامات هذا الباحث السوري الجليل ترجمة كتاب مولانا "مجوليسي سبأ". وقد ترجم هذا العمل من الفارسية إلى العربية، ومن أعماله أيضًا ترجمة رباعيات مولانا جلال الدين الرومي.
-6-
"دولة الأمويين دولة عربية، ودولة العباسيين خراسانية".
من العوامل التي دفعت الدكتور "عيسى علي العقاب" إلى الاهتمام بالأدب "الطاجيكى الفارسي" هو تأثيره على الأدب العربي، الذي انتقل إلى العرب في القرنين الثامن والعاشر. في هذا السياق، كتب هذا الباحث السوري عملاً قيّماً بعنوان "تأثير الأفكار الفارسية على الأدب العربي في العصر العباسي الأول". بالإضافة إلى هذا العمل، كُتبت العديد من الأعمال الأخرى في مجال الأدب العربي المتعلقة بهذه القضية. يصف هذا الباحث تأثير "الادبين الطاجيكى والفارسي" على الأدب العربي بعبارة رائعة من الجاحظ: "دولة الأمويين دولة عربية، ودولة العباسيين خراسانية".
هو يعتبر أن بِنيَة المجتمع في ذلك الوقت كانت عربية خراسانية. من وجهة نظر هذا الباحث، لم يقتصر دور العرب على بناء الثقافة الإسلامية، بل إن دور العلماء "الطاجيك والفرس" في تطوير الثقافة والأدب العربي الإسلامي هو "فريد من نوعه". يقول: "... لم يقتصر دور العرب والإيرانيين على بناء الثقافة الإسلامية، بل كانوا جماعة اعتنقت الإسلام جماعات، وخدم كلٌّ منهم هذه الثقافة على طريقته. إلا أن الخراسانيين، لقربهم من الإسلام، كانوا قد لعبوا دورًا هامًا في هذا الشأن، وهناك دلائل واضحة على مشاركتهم في هذا السياق". لذلك، لم يتردد أحد المستشرقين الروس المشهورين، إ. يو. كراتشكوفسكي، في القول: "... لم يقتصر دور العرب على المساهمة في تطوير الثقافة والأدب العربي وإتقانهما، بل ساهم أيضًا عدد من الشعوب والقوميات الأخرى".
في كتاب "تأصيل الحكمة الفارسية في الأدب العربي المعاصر في عصر العباس الأول" ورد أن الجاحظ يقول: وقَّع "عبد الله بن طاهر" رسالة كالتالي: "أنا الذي هو". ويترتب على بحث "عيسى علي العقاب" أن الكُتّاب العرب في القرون السابقة استخدموا الكثير من الأمثال والأقوال الطاجيكية الفارسية في أعمالهم. لكنهم لم يذكروا المصادر التي استخدموها في أعمالهم، لكن الباحث يعترف في موضع آخر ببعض هذه الأمثال، بصفتها "قاسم بشري مشترك" بين الشعوب الطاجيكية والفارسية والعربية. وكما ذكرنا سابقًا، فإن الدكتور "عيسى علي العقاب"، اهتمَّ أكثر اهتمامًا بالتصوف. ويقول: "إن التصوف منسجم مع طبيعته وأنه خُلق لذلك". وينظر في القصص الشعرية التي غناها شعراء ومفكرون طاجيكيون وفارسيون، مثل مولانا وجامي وعطار.
يعتبر سنائي، وغيره، العنصر الرئيسي والميزة المميزة للشعر الطاجيكى الفارسي، الذي يعبر عن الروحانية وينقلها من خلال القصص، ويعتبرها من أكثر الوسائل تأثيرًا في تثقيف الإنسان. يرى "مولانا جلال الدين الرومي" أن كل فكرة تُعبّر عنها القصص رغبةً منه في تعليمنا.
-7-
إنَّ كل أدب لديه القدرة على التأثير "يكون أجمل".
في العربية، كلمة "صوفي" مشتقة من "صف"، و"صفا" تعني الإخلاص ونقاء الروح. يروي مولانا قصة "الصينيين والرومان" في "المثنوي". كانوا يفتخرون بمهاراتهم في الرسم، إلى أن وصلوا إلى ملك وطلبوا منه أن يختبر مهاراتهم في الرسم. أعطى الملك لكل من الصينيين والرومان منزلًا متقابلًا ليُرونه لوحاتَهم. برسمهم الجدران، رسموا أجمل لوحاتهم. حدَّث الرومان أنفسهم بأنَّ الصينيين "أمهر منَّا"، وأننا لسنا بمستوى كفاءتهم، وأن علينا أن نُصقل جدران منازلنا حتى تصبح مثالية. عندما وصل الملك، أُعجب بشدة باللوحات الصينية. أخذ الرومان الستائر. من بيوتهم والبيوت الصينية. كانت الغرفة الصينية تتألق بأكمل جمال على جدران الرومان المصقولة.
وهذا المعنى الصوفي معنى واحد، كما يقول الباحث السوري. وعندما يرويها مولانا جلال الدين الرومي في هذه القصة، تبقى هذه القصة في ذاكرتنا جميعًا، لما فيها من جوانب الجمال والأناقة. والآن، إذا كان تعريفنا للجمال هو "الجمال الأدبي" أو الجمال بمعناه العام، فيمكننا القول بأنَّ كل ما يتوافق وينسجم مع الطبيعة البشرية هو "جميل"، وأنَّ كل أدب لديه القدرة على التأثير "يكون أجمل"، كما يقول الدكتور "عيسى علي العقاب".
ثمّة نقطة مثيرة للاهتمام للغاية في هذا المقال، هي أن الباحث السوري يتأمل في القضايا الإنسانية وتَفوّق الأدب الشرقي على الأدب الغربي. فهو يقول: "أودُّ أن أناقشَ مسألةً تتعلقُ بالثقافةِ الطاجيكيةِ الفارسية، وهي مسألةٌ أُولِيها اهتمامًا بالغًا. لديَّ خبرةٌ واسعةٌ في الأدبِ الغربي، إذ ترجمتُ ثمانيةَ كتبٍ من الإنجليزيةِ إلى العربية. من بينها "الخيولُ الرمزيةُ"، والرومانسية الأُوروبيةُ بأقلامِ أعلامه"، والنظرية الأدبيةُ في القرنِ العشرين"، ولغة الشعراء"، و"قضايا النقد".
من واقعِ تجربتي، توصلتُ إلى استنتاجٍ مفاده: أنَّ الغربيينَ لم يكونوا لطفاءَ مَعَنَا. ما لدينا أجملُ بكثيرٍ مما لديهم. في البداية، تخيلنا أنه عندما نصل إلى شيء ذي قيمة مع الأفكار الغربية، نجد أننا مهزومون أمام الغرب والغربيين. لكنني وجدت قضايا إنسانية مع الشرقيين. وما لدينا في هذه المجالات أكثر بكثير مما لدى الغربيين".
يقول في موضع آخر: "للكلمات تأثير خاص على نفوس أهل الشرق. أحيانًا لا تخترق الكلمة حُجب الزمان والمكان، بل تترك أثرها إلى الأبد في أعماق نفوسهم وتترك أثرها على سلوكهم. وعندما يمكن اعتبار مثل هذا الوضع شائعًا لدى الشعوب الشرقية الأخرى، فلا يوجد أدنى شك لدى الباحث في اعتبار الإيرانيين القدماء أفضل مثال على الروح الشرقية في هذا الصدد. روح تؤمن بالكلمات الحكيمة والمواعظ والأمثال ".
-8-
"عظمة المعنى الأصيل والمؤثر والإنساني لأعمال مفكرينا".
الحقيقة أنه عندما تفكر مَليًا فيما يقوله هذا الباحث، سوف نجد أن كلماته صادقة بالفعل. حيث تحظى كتابات ومؤلفات مفكرينا وشعرائنا وحكمائنا بقبولٍ واسعٍ في الدول الغربية، وهو ما يدل على "عظمة المعنى الأصيل والمؤثر والإنساني لأعمال مفكرينا". فعلى سبيل المثال، يُعد كتاب "المثنوي المعنوي" من أكثر الكتب انتشارًا وقراءةً في العالم الغربي، وهو ما تؤكده كلمات الدكتور "عيسى علي العقاب".
جاء في كتاب "تأثير الحكمة الفارسية على الأدب العربي: دراسة في الأدب التطبيقي": "يمكننا القول إن أول حكيم عرفه الشرق هو "زرادشت"، الذي كان إيرانيًا جسدًا وروحًا ولغةً. يُعتبر كتابه "الأفستا" مصدر فخرٍ ليس للإيرانيين فحسب، بل لجميع الأمم الشرقية أيضًا. فقد استطاع أن يجمع حوله أمةً مُشتتةً مُنهَكَة في فترةٍ وجيزة، ويقودها نحو حياةٍ وحكمٍ قوييِّن". يُذكر أيضًا أن "أردشير باباكان، ببصيرته الثاقبة، أدرك أنه بعد الآثار المدمرة للحروب والأعمال العدائية، لابد من العودة إلى "الديانة الزرادشتية" للتعافي من شَرذَمِة الأمة وجَبر انقسامات الشعب". كذلك من الأمثلة المثيرة للاهتمام الأخرى: "من المدهش حقًا أن الخليفة عمر بن الخطاب قال عن الزرادشتيين: "عاملوهم كما تعاملون أهل الكتاب". الأكثر إثارة للدهشة هو أن "أتباع الزرادشتية" رافقوا قافلة الحضارة الإسلامية في العصر العباسي. وهي مهمة لا يمكن أن يقوم بها إلا المتعلمون تعليمًا عاليًا".
الخلاصة
... سيواصل باحث عربي دراسة الأدب الفارسي الطاجيكى والحضارة القديمة للشعب الطاجيكى، بما في ذلك "مولانا جلال الدين البلخي". تجدر الإشارة إلى أن شعراءنا ومفكرينا تأثروا بشكل كبير بالأدب العربي، وقد درس وناقش الباحثون الطاجيك هذا التأثير إلى حد ما. مع ذلك، فإن من القضايا المهمة اليوم، ضرورة العمل على إقامة جسور للتواصل الثقافي العلمي الأدبي بين الباحثين والأكاديميين العرب والطاجيك، من أجل "دراسة أعمال الشعراء والمفكرين الطاجيك من قبل الباحثين العرب". ونأمل أن يهتم الباحثون العرب وغيرهم من الطاجيك بدراسة هذه القضية، من جهة وأن يعمل الباحثون والأكاديميون العرب والطاجيك على خلق قنوات التواصل اللازمة مع الباحثين والأكاديميين المستشرقين من أجل تشجيعهم على دراسة وبحث ومناقشة "النتاج الفكري والأدبي والثقافي لـ "المفكرين الطاجيك". الذين حظوا بدراسات علمية حقيقية من جانب العلماء العرب.









