ادب وشعر

رواية “حكاية إعدام جوزيف”. الحلقة الثامنة والأخيرة.

 تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول

د. ضيو مطوك ديينق وول

المشهد الخامس عشر

وصل عثمان كمبوني مجانيين وسط الخرطوم جوار ميدان أبو الجنزير، وكان ذلك يوم الأحد الساعة العاشرة، حيث كان الازدحام شديداً، كانت تجرى في آن واحد دروس خصوصية للطلاب، واجتماعات عائلية، الصلوات إلخ.

 لم يعرف عثمان ماذا يفعل لكن استأذن أحد الحاضرين:

  • لو سمحت أنا آسف ممكن أسألك؟
  • تفضل يا أستاذ.
  • أنا عايز أتحدث لقس.
  • طيب خليه ينتهي من الصلوات وبعد داك بكلمك.
  • طيب تمام. شكراً.

 جلس قليلاً وبعد شوية القس أتى:

  • السلام عليك. انا القس ايمانيول فرانكو.
  • شكرا يا قسيس. أنا الرقيب عثمان خاطر من سجن كوبر.
  • سجن كوبرررر!!! القس مندهش، انت عايز شنو؟
  • لا خير يا أبونا. أنا جيت عشان نطلب منك الخدمة.
  • تفضل- القس- يرد بنوع من الإرتياح ويبتسم..
  • هناك شخص محكوم بالإعدام في السجن وربما يتم تنفيذ الحكم عليه قريباً، هو طلب مني الاتصال بأي قسيس عشان يصلي له، لأنه كذب بانه هو القاتل، وليس هو القاتل.
  • وليه عمل كدا؟
  • عشان عايز بن لادن يدفع له الدية، فطلبوا منه دخول الإسلام وبعد ذلك يمكن دفع الدية، لكن للأسف الشديد القصة طلعت خدعة من أقارب المرحوم في إدارة السجن.
  • طيب المطلوب شنو؟
  • المطلوب نمشي السجن عشان تصلي له إذا سمحوا لك بالدخول.
  • إذا رفضوا؟ انت عارف الناس ديل أكثر مني.
  • ممكن تصلي له وهو غائب. هل هذه الفكرة موجود عندكم؟
  • نعم، فكرة جميلة. في المسيحية ندعو للحرية والغفران للسجناء. أنا في خدمة الرب يا عثمان.
  • خلاص أنا برجع الشغل يوم الثلاثاء يمكن تحضر إلى سجن كوبر حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر.
  • اتفقنا. أشوفك على بركة الله. لكن دقيقة. هل ممكن أسألك؟
  • تفضل أبوبا.
  • هل أنت مسيحي؟
  • أبداً. أنا مسلم.
  • وليه مهتم بالموضوع دا شديد كدا؟
  • عشان جوزيف مظلوم وكل الأديان بما فيها الإسلام ترفض الظلم.

  • خلاص فهمت القصد، الرب سيكون معك دائماً.
  • شكرا أبوبا. أشوفك ببركة الله.

المشهد السادس عشر

في يوم الثلاثاء الساعة الواحدة، يظهر القس إيمانويل ومعه شخص آخر أمام البوابة الرئيسية لسجن كوبر، لكن الحرس منعهما وطلب منهما الاتصال بالرقيب عثمان خاطر الذي سمح لهما بالدخول، وعند التفتش وجد القس يحمل معه الإنجيل فأثار حفيظة الحرس وطلب من القس ألّا يحمل الإنجيل إلى الداخل، لكن القس أصرَّ على الدخول بالكتاب المقدس. الحرس يرفض ويتصل بالإدارة، ووصل الأمر إلى المقدم يس في إدارة المعتقلات فأصدر أوامره ليس بترك الإنجيل في البوابة فقط، لكن أيضاً بعدم السماح للقس بالدخول.

وافق القسيس على المغادرة لكن طلب من الحرس خدمة. أن ينادي له الرقيب عثمان خاطر؟ فطلب الحرس عثمان.

عثمان يحضر واعتذر للقس وقال له يمكن إجراء صلاة الغائب؟

فسر القس له مفهوم صلاة الغائب عند المسيحيين، وقال:

  •  هي صلاة على الأموات بحضور الجثة أو بعدمها، لأن الصلاة للروح وليس الجسد.  يواصل: ربما يكون من غير الأخلاقي أن نقيم صلاة الغائب لشخص ما يزال على قيد الحياة حتى ولو ذاهب إلى حبل المشنقة غداً. بكل التاكيد سنصلي لجوزيف عشان ربنا يغفر خطاياه، وهي صلاة نقيمها لأي مؤمن يطلب التوبة والغفران، خاصة السجناء والمرضى والمضطهدين، كل هذه الطقوس موجودة في تقاليد العائلات المسيحية. أنا أفهم بأن جوزيف محتاج للصلاة وسيواجه الموت قريباً. هو سيكون في صلواتي دائماً.

         يطلب القس الاسم كاملاً للمتهم وتفاصيل مشكلته ويقدم النصيحة أن يصلي جوزيف ويصوم، ثم غادرا.

في يوم الأحد، بكمبوني مجانيين، أًدرج اسم جوزيف جون في الصلاة المؤمنيين وهي طلبات يقدمها المصلُّون من أجل المحتاجين للخدمة الإلهية.

  شارك الحاضرون في الصلوات وقدموا الذبيح من أجل جوزيف ليغفر الرب خطاياه.

الغريب، أن القلائل الذين حضروا الصلوات من منطقته اتوكطو، لم يعرفوا قصة جوزيف، ربما الكثيرين منهم لم يكونوا في الخرطوم آنذاك عندما وقع الحادث قبل ستة سنوات، ولذلك لم يعرفوا شيئاً عن الشخص الذي يطلب القسيس ايمانويل الصلاة من أجله.

الفصل الرابع والأخير

المشهد السابع عشر

بعد غياب طويل في رحلة إلى جمهورية مصر العربية استغرقت ثلاثة أشهر، رجع انطوني كوين إلى السودان في نفس الرحلة التي تعرض فيها للاعتقال من قبل جهاز الأمن الوطني في وداي حلفا، بسبب تساهل السلطات المصرية معه في وقت كان السودانيون يتعرضون إلى الضرب والتفيش الشديدين من قبل السلطات نفسها.

ولذلك السبب تعرض انطوني كوين للضرب والاعتقال لمدة ثلاثة أيام بمعتقلات جهاز الأمن الوطني بوادي حلفا انتقاماً من تصرف الأمن المصري ضد السودانيين بميناء أسوان النهري.

هذه ليست أول مرة يتعرض فيها أنطوني كوين لمثل هذه الاعتقالات، حيث كان يتبوأ منصباً قيادياً في رابطة الطلاب الجنوبيين بالجامعة.  فقد اعتقل بمجمع الرميلة التابع لجامعة جوبا ضمن الطلاب الجنوبيين الذين قاموا بمظاهرات ضد سياسات التعريب بالجامعات السودانية، لا سيما جامعة جوبا التي كانت التدريس فيها باللغة الإنجليزية، لكن النظام في الخرطوم أجبر الأساتذة والطلاب على التعلم باللغة العربية.

كل هذه الأشياء كانت تحدث باستمرار للطلاب الجنوبيين في الجامعات السودانية، خاصة لرابطة الطلاب الجنوبيين بجامعة جوبا (جوسا)، والجبهة الوطنية الإفريقية بجامعة الخرطوم (ANF)، وكل الروابط وجميع التنظيمات الطلابية الجنوبية بالجامعات الأخرى.

كل هذه الأفعال تهدف إلى التغيير الديموغرافي وتنفيذ المشروع الحضاري وتحقيق مجتمع عربي مسلم يدين بالولاء للعروبة والإسلام في السودان.

المهم، لنعود إلى زيارة السجن، حيث وصل أنطوني كوين الخرطوم يوم السبت، وفي يوم الأحد حوالي الساعة الحادية عشر سجل زيارة إلى سجن كوبر لمقابلة السجين جوزيف جون الذي لم يره خلال الأشهر الثلاثة التي قضاها بمصر، ليفاجأ بأن جوزيف غير موجود في المعتقل.

يصل المدخل الرئيس المخصص لإجراءات الزوار يجد حرساً ويلقي عليه السلام:

  • السلام عليكم.
  • وعليكم السلام.
  • أنا عايز نعمل لي اجراءات الدخول.
  • انت ماشي لمنو؟
  • عايز أزور السجين جوزيف جون.
  • جوزيف جون؟ الزول دا ما أُعدم من زمان.
  • أُعدم؟
  • نعم أُعدم قبل شهر كدا. انت ما عندك خبر؟
  • أبداً. كنت خارج البلد.
  • أوكي، الزول دا مات.
  • طيب ممكن تطلب لي الرقيب عثمان خاطر؟
  • عثمان خلى الشغل.
  • ليه خلى الشغل؟
  • قدم استقالة قبل أسبوعين.
  • طيب انت عارف مكانه؟
  • أبدا. لكن بقولو هو ساكن الحاج يوسف شارع واحد، بجوار آخر محطة.
  • شكراً لك.

ثم غادر أنطوني كوين.

المشهد الثامن عشر

أنطوني كوين يصل آخر محطة الحاج يوسف شارع واحد، ويسأل الشاب الذي كان موجوداً في المحطة، ليخطره أحدهم بأنه هو شقيق عثمان الأصغر وأخذه إلى منزلهم.

عثمان يسقبل أنطوني كوين ويبكي بشدة، ويقول:

  •  الله يرحمه. تعال نجلس هنا.

 يمسك بيده إلى الصالون وشقيقه الأصغر يأتي بمياه الشرب.

يسأل أنطوني كوين: يا عثمان، كدى أحكي لي الحاصل؟

  • طيب التنفيذ تم كيف؟ لأن أفراد الأسرة كلهم مافي زول عنده خبر.
  • قبل الإعدام بيوم طلب مني وشخص آخر مرافقة المتهم إلى منزل أحد أقاربه. جوزيف قال نمشي لخاله اللواء مورس تونق في الطائف، لكن للأسف الشديد لم نجده في المنزل، انتظرنا في المنزل لأكثر من الساعة لكن جاءنا شاب وقال إن والده غير موجود في المنزل، فخرجنا وعدنا إلى السجن وكنت فاكر بأنه سيخطر والده بزيارتنا حتى يصلنا في السجن لكن لم يحدث. وفي اليوم التالي عند الفجر تم اقتياد جوزيف إلى المشنقة وتم اعدامه. هو وانطوني كوين يبكا.
  • طيب وصيته كان شنو؟
  • ابدا، هو حزين شديد بوقوعه في خداع يس، وهو غير نادم لموته لأنه هو عارف لم يرتكب جريمة القتل، لكن الشيء المعذبه هو الكذب الذي وقع فيه وقبل بموجبه أنه القاتل واشهاره للاسلام، ولذلك كان يريد أن يحكي هذه القصة لخاله حتى يخطر والدته بانه لم يرتكب جريمة القتل.
  • وليه ما حكي هذا الكلام لولد خاله الذي وجدتوه في المنزل؟
  • والله أنا ما عارف لكن كان مستاء للغاية من الموقف، وطلب مني أن آتي بقس إلى السجن للتوبة والصلاة وحاولنا فعلا لكن لم يلتقِ بالقس. الكويس القسيس ايمانويل قال سيصلي له وعلمت فيما بعد بانه أقام الصلاة بكمبوني مجايين. يتقبله الله.
  • يعني همه فقط يحكي هذه القصة؟
  • نعم دا كلامه.
  • انا بحكيها.
  • طيب خليني نسألك؟
  • تفضل.
  • ليه انت خليت الشغل؟
  • انا تأثرت بالظلم اللي وقع فيه هذا الشخص الطيب. أنا عارف جوزيف لم يكن هو القاتل لكن ظلم الدينا أخذ حياته. أنا غير مرتاح في السجن بالذات لمن نشاهد الزنزانة التي كان يقضي فيها جوزيف عقوبته غير العادلة. ثانيا بقيت ملاحق من قبل المقدم يس وخايف نقع في مشكلة معه لاني والعقيد معاوية مصنيفين باننا ضد الكيزان. ثالثا، والدتي من الدينكا، كان الوالد يعمل في شرطة السكك الحديد في بحر الغزال وتعرف علي والدتي فاطمة نواي، وتزوجها، فأنا شايف جوزيف زي خالي.
  • والله كلام غريب يا عثمان انا من زمان شاعر بحاجة يربطك بـ جوزيف، لكن دا شنو انا ما عارفه، قلت ننتظر نشوف. طيب انا عايز اشوف قبر جوزيف هل ممكن ؟
  • ليه لا، ممكن نمشي بكرة. خلينا نتلاقي في كمبوني مجانيين الساعة العاشرة الصباح.
  • كلام جميل. آخر حاجة. هل الوالدة موجودة؟
  • نعم موجودة.
  • طيب ممكن نسلم عليها؟
  • جدا؟ يا ماما- ينادي.

الحاجة فاطمة تدخل وهي امراة طويلة القامة، داكنة اللون تظهر في جبهتها الشلوخ، تتحدث بلغة الدينكا. بحرارة شديدة تحي:

  • السلام عليك ياولدي.

أنطوني كوين يرد: وعليكم السلام عمتي، ويعرف نفسه لها.

  • انت من عائلة أرومجوك؟
  • نعم عمتي. انتي تعرفي هذه العائلة؟
  • نعم هم سلاطين منطقتنا، اتوكطو.
  • انت من اتوكطو؟
  • نعم انا من العشيرة فاتييك وأسمي أباك نووي لكن الآن معروفة ب فاطمة نواي.
  • طيب انت عارفة العمدة جون باك؟
  • كيف لا نعرفه؟ العمدة جون باك دا أخوي قريبي.
  • المرحوم جوزيف دا ولده.

 تمسك يد انطوني وتبكي شديد.

  • انت عارف، عثمان حكي لي قضية جوزيف دا، لكن ما عرفت دا ولد أخوي جون باك.

تبكي للمرة الثانية...

  • معليش عمتي الدنيا ظالمة، الله يرحمه ويغفر له. أنا عرفت البيت سأزوركم المرة الجاية. اشوفكم ببركة الله.  انطوني كوين يختم حديثه.
  • يلا خلاص مع السلامة نتلاقي بكرة يا عثمان.

في اليوم التالي، عثمان يحضر الكمبوني ويذهب مع انطوني كوين إلى مقابر المسلمين بالصحافة لزيارة قبر جوزيف. في المقابر انطوني كوين يوعد عثمان بأنهم كعائلة سيعمل من أجل نقل القبر إلى مقابر المسيحيين إذا سمحت السلطات بذلك وهو الطلب الذي قوبل بالرفض من قبل الإدارة المحلية لاحقاً.

***

المشهد التاسع عشر والأخير.

في منتصف سنة 2002 قرر النظام التوقيع على تقرير المصير في جنوب السودان مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وإجراء الإستفتاء في نهاية الفترة الانتقالية التي مدتها ست سنوات، وكلف شخصية مؤثرة في الدولة والتنظيم بقيادة الملف في خطوة وصفت بالجدية.

وفي الترتيبات الأمنية، وافق الطرفان على إنشاء قوة مشتركة لحماية المدن الرئيسية والشخصيات الهامة، وتم إرسال 1500 مقاتل من الجيش الشعبي إلى الخرطوم من بينهم يوسف مارتن الذي قتل محي الدين أحمد شريف في اللاماب وفرَّ مع صديقه باتجاه الرميلة، ومنها سافرا صباح اليوم التالي إلى جنوب السودان عبر كوستي وانضما إلى الجيش الشعبي.

أيضاً كان من بين البنود المتفق عليها العفو العام على مقاتلي الجيش الشعبي في الجرائم السياسية المرتكبة ضد الدولة، ولم يشمل العفو الجرائم ذات الطابع الشخصي، إلا أن أسرة المرحوم جوزيف جون اتفقوا على قفل هذا الملف وعدم إثارة الموضوع، سائلين الرب أن يرد ظلمه ويسكنه في ملكوته، لكن سرد هذه الحكاية- كما جاءت في وصيته- أصبحت وعداً للأحياء ولازم تُحكي حتى يشعر بالراحة الأبدية.   

صور من حفل توقيع وتدشين الرواية الذي أقامه مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية بالقاهرة

مَن هو الدكتور ضيو؟

د. ضيو مطوك ديينق وول

عمل الدكتور ضيو مطوك ديينق وول، أستاذاً مشاركاً بمركز دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا.

– يعمل حالياً وزيراً للاستثمار، وهو مقرر "لجنة وساطة السلام حول الصراع السوداني المسلح".

– مُنح الدكتور وول جائزة السلام وسُمِي سفيراً للسلام من قبل اتحاد السلام الدولي لدوره في وساطة السلام السوداني في العام 2020م.

نشرت له العديد من المقالات العلمية في مجال دراسات السلام وفض النزاعات في الدوريات العالمية.

نشر له عن دار النخبة:

الرعي، الحدود والنزاعات: الإدارة وإدارة النزاع في الـ 14 ميل.

سياسة التمييز الإثني في السودان.

رواية “حكاية إعدام جوزيف” الحلقة السابعة.

 تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول

 تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول

المشهد الثالث عشر

قبل الذهاب إلى المحكمة بصورة رسمية، أمين الحركة الإسلامية بمحافظة الخرطوم يكتب مذكرة لقاضي المحكمة الجنائية بالشجرة، دائرة الاختصاص، لإعادة النظر في القضية ويقول في رسالته:

الأخ مولانا شرف الدين فضل المولى،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أما بعد، أبعث إليكم بهذه الرسالة سائلاً المولى عز وجل أن يجدكم بصحة وعافية

أريد أن أُلفت انتباهكم للقضية رقم 43/1986 المتهم فيها جوزيف جون المعروف بـ "يوسف" في قتل محي الدين أحمد شريف، وهي قضية شرف هُدِر فيها دم مسلم بدم بارد ولازم نرد شرف الأسرة.

 بطرفكم الأستاذ عبد العظيم فاروق المحامي وبحوزته أدلة جديدة عبارة عن اعترفات القاتل. رغم أن هذه القضية حكمت قبل ست سنوات، يجب مراجعتها وإعطاء فرصة لأولياء الدم لاستئناف وإعادة النظر في الحكم نتيجة لظهور أدلة جديدة.

 بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.

أخوك/ عزالدين عبد القادر المجتبى

أمين الحركة الإسلامية بمحافظة الخرطوم.

قبل تقديم الأستاذ عبد العظيم المحامي أواراق الاستئناف مدعومة بالاعترافات المكتوبة والمبصومة من قبل المتهم جوزيف جون، قام الشيخ أحمد شريف والد المرحوم بزيارة القاضي بمنزله وسلمه خطاب أمين الحركة الإسلامية بمحافظة الخرطوم.

وفي اليوم التالي، تم استئناف القضية في المحكمة الأعلى وشكلت دائرة جديدة للنظر في القضية، وفعلاً بعد ثلاث أسابيع صدر قرار محكمة الاستئناف باعادة النظر في القضية والعقوبة ليكون الإعدام.

أعلنت المحكمة جلسة عاجلة لإخطار المتهم وأولياء الدم بقرار المحكمة الأعلى دون الاستماع للمتهم والشهود، وتم إحضار جوزيف إلى الجلسة بمفرده في غياب محاميه وأسرته وهو يعتقد بأنها جلسة للإفراج عنه بعد مبادرة رجل البر والإحسان الشيخ أسامة بن لادن، إلا أنها كانت جلسة لإعلان قرار جديد للمحكمة الأعلى التي قررت إعادة النظر في قرارها السابق بدفع دية قدرها واحد وعشرون ألف جنيه، وفي حالة عدم الدفع يقضي المتهم عشرة سنوات في السجن، واعتماد قرار جديد عبارة عن الإعدام شنقاً حتى الموت.

يقول الرقيب عثمان، الذي يرافق المتهم، بأنه حقاً يوم حزين في تاريخ بلادنا وللسجين جوزيف جون الذي قضي أكثر من نصف مدة حكمه في السجون. هو يوم فعلاً ثبت فيه بأن الكيزان دمروا المنظومة العدلية ويجب ألا تترك هذه الأشياء تذهب هكذا، هذا هو زوال العدل وانهيار الدولة. 

***

المشهد الرابع عشر

كان قرار المحكمة صادماً ليس لجوزيف فحسب، لكن لكل السجناء والسجانيين في سجن كوبر، بما فيهم المعتقلين السياسيين الذين أبدوا قلقهم لما وصل إليه حال البلاد في ظل حكم الإسلاميين، وهذا بمثابة انهيار وزوال الأسس والمبادئ العدلية في البلاد.

الرقيب عثمان الذي رافق المتهم جوزيف إلى المحكمة يعود إلى السجن ومعنوياته منهارة، ويذهب إلى العقيد معاوية مامون، نائب مدير إدارة السجن ويطلب منه الإذن لمدة يومين حتى يستريح.

  • يحيي... صباح الخير سعادتك.
  • صباح النور عثمان.
  • سمعت الحاجة الحاصل أمس للسجين جوزيف؟
  • نعم، عرفت أنه رجع المحكمة للتسوية بعدما سدد له أسامة بن لادن الدية.
  • أبداً، رجعوا المحكمة عشان يعيدوا النظر في الحكم السابق؟
  • كيف الكلام دا يعني؟
  • والله العظيم يا سعادتك.
  •  لكن كيف يعدلوا النظر في قضية مضت ستة سنوات عليها، وتبقى فقط أربعة سنة لانتهاء العقوبة؟
  • يا سعادتك ديل كيزان. مافي شي مستحيل عندهم.
  • والقائدة القانونية التي تقر عدم جواز النظر المزدوج؟
  • يعني شنو يا سعادتك؟
  • طيب، هذه القائدة تقول لا يمكن حكم الشخص مرتين في نفس القضية لأنه يجهض العدالة.
  • طيب يا سعادتك لكن الآن حكموه للمرة الثانية؟
  • هذا يمكن يحدث في حالة واحدة فقط.
  • ياتو حالة طيب؟
  •  اذا وجدوا أدلة الجديدة غير تلك المتوفرة لحظة الحكم السابق.
  • أه عشان كدا.
  • عشان كدا شنو يا عثمان؟
  • الناس ديل خدعوا جوزيف باعترافات عن طريق بن لادن واستلموا المستند إلى المحكمة.
  • دا كلام شنو دا يا عثمان؟
  • عدم الأخلاق والإنسانية سعادتك. 
  • معك حق يا عثمان شوف هم عملوا شنو في إدارة السجن. يجيبوا ناس من منازلهم لقيادة مؤسسة لها أكثر من مائة عام؟
  • انت عرف شنو يا سعادتك؟ اليوم المقدم يس طلع قريب المرحوم محيي الدين، الشخص الذي قيل بأن جوزيف قتله، الزول دا ود خاله عديل.
  • لا حول ولا قوة. معقول.
  • نعم، عشان كدا حاول بشدة يلغي إجراء المحكمة الأولية ويصدر عقوبة الإعدام. والله مسكين جوزيف.
  • انت في جوزيف وحده يا عثمان؟ البلد كلها في الورطة والله العظيم.
  • ربنا يكون في العون. يا سعادتك. طيب في موضوع تاني يا سعادتك.
  • ياتو موضوع؟
  • جوزيف طلب مني أجيب له القس عشان يصلي له؟
  • دي فكرة كويسة خاصة بعد قصة بن لادن دا، لكن كيف يتم هنا في السجن؟
  • والله دي ياها المشكلة. سعادتك.
  • الكيزان ما يسمحوا بدخول القس للصلاة هنا في السجن.
  • طيب بشيل اعترافات جوزيف وامشي لهم في كمبوني مجانيين.
  • كمبوني مجانيين؟
  • نعم سعادتك- يضحك- هو مكان تواجد الجنوبيين خاصة في يومي الجمعة والأحد للدروس المجانية. عشان كدا سمعوها كمبوني مجانيين.
  • طيب، خلاص بمنحك ثلاثة أيام إجازة عشان تمشي تفتش القس يصلي لصاحبنا قبل الإعدام.
  • شكراً سعادتك.

العقيد معاوية مأمون كان ينتمي للجبهة الوطنية الإفريقية بجامعة الخرطوم، وعقب تخرجه من كلية القانون التحق بكلية السجون وتخرج منها برتبة نقيب وهو من الضباط القلائل الذين يبشرون بفكرة السودان الجديد التي تحملها الراحل جون قرنق دي مبيور مؤسس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان. 

***

رواية “حكاية إعدام جوزيف”. الحلقة السادسة.

تأليف تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول

د. ضيو مطوك ديينق وول

الفصل الثالث

المشهد الحادي عشر

بعد المؤتمر العالمي الإسلامي في الخرطوم، اعتمدت الدولة سياسات جديدة تحت شعار "المشروع الحضاري"، وهي فكرة تدعو للعودة إلى جذور وتقاليد الدولة الإسلامية الأولي.

 تم تصنيف الغرب والمسيحية والجنوبيين بأخطر أعداء الإسلام. تم تجميد العلاقات مع أميركا وكثير من الدول الأوربية وكل ما له علاقة بهذا المحور. تم تصنيف الولايات المتحدة كعدو رقم واحد، طبعاً بعد إسرئيل التي قاطعتها السودان منذ قمة اللاءات الثلاثة بالخرطوم؛ لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني.  وظهرت على السطح الأغنيات الجهادية لرفع معنويات المقاتلين، مثل أنشودة "أنا المسلم" لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي، حيث تقول القصيدة:

 دستوري ومنهاجي كتاب الله

 وقائد دربي الهادي محمدنا رسول الله

ودارى موطن الإسلام ما دوَّى نداء الله

وأهلي أمة الإسلام هم حزبي وحزب الله

إلي آخر بيت في القصيدة.

أيضاً أنشودة:

  يا أمريكان ليكم تدربنا

دولتنا ليس بنما

ورئيسنا ليس نورييغا

 (في إشارة إلى حرب أميركا ضد بنما واعتقال إيمانويل نورييغا رئيس بنما الأسبق).

في هذا الظرف الدقيق من تاريخ السودان والمشحون بالحماس الزائد الذي يتجاهل وجود الجماعات الإثنية والدينية غير العربية والإسلامية، تم إصدار المراسم الجمهورية لتنظيم المجتمع وتغيير المشهد في الشارع وفرض الزي الإسلامي خاصة الحجاب للفتيات داخل مؤسسات الدولة والجامعات والمدارس، والتدريب العسكري الإلزامي لجميع العاملين في الدولة خاصة قيادات الخدمة المدنية. وتم فرض الصلاة كواجب يقوم به أي عامل في الدولة. تم إلزام المؤسسات بإنشاء المساجد والمصليات داخل المقرات وعمل رقابة للذين لا يقيمون الصلاة بحيث يتم إحالتهم إلى المعاش. ولم تسلم القوات النظامية من هذه الإجراءات بل كانت الأكثر تأثراً.

 فُرض الحظر على ترخيص الكنائس ومراقبة أنشطتها ومصادرة مبانيها خاصة مبني الكنيسة الكاثوليكية الواقعة على شارع المطار التي أصبحت دار حزب الموتمر الوطني نتيجة لموقعها الاستراتيجي، بحجة أن وجود الكنيسة في هذا الموقع الاستراتيجي يدحض فكرة دولة إسلامية في السودان، وهي نفس الفكرة التي كادت تقضي على حياة الرقيب سانتو، أثناء زيارة بن لادن والظواهري إلى معسكرات المجاهدين بكادوقلي.

الجهات القضائية كانت على رأس قائمة المؤسسات التي تضررت كثيراً، حيث شهدت إحالة كبار القضاة إلى التقاعد وتعيين عناصر أخرى موالية للنظام. تمت مراجعة النظام القضائي، بما في ذلك القضايا التي تم الحكم فيها بغرض تجريم الخصوم والقضاء عليهم أو إدخالهم السجون.

تأزم الوضع في الجنوب وجبال النوبة والانقستنا، فتم استنفار المجاهدين بغرض القضاء على التمرد في هذه المناطق وتشريد المواطنين، وهو امتداد للبرنامج الذي بدأه الصادق المهدي وشهد التطور الخطير في مدينة الضعين بجنوب دارفور، ووصل الأمر إلى حرق المواطنين الجنوبيين أحياءً داخل عربات القطار بالسكك الحديد، كما شهدت المنطقة هجمات المراحيل واختطاف آلاف الأطفال والنساء من الضحايا، وما يزال كثير منهم يقيمون في كردفان ودارفور.

         في الاستوائية شهد الإقليم حرباً مدمرةً بتفويج كتائب الجهاد، بدأت بالطلاب الذين يريدون الإلتحاق بالجامعات، حيث فرض عليهم القتال قبل الالتحاق بالجامعات كجزء من الخدمة الإلزامية العسكرية. يلاحظ أن هؤلاء المجاهدين في مناطق العمليات الحربية كانوا ينتقمون من المواطنين كلما تم هزيمتهم من قبل الجيش الشعبي في المعركة. هذا حدث في جوبا والمناطق الأخرى. علاوة على استغلال بترول الجنوب في الحرب ضد شعبه بالتعاون مع بعض المليشيات التي تم تدريبها وتسليحها لزعزعة الاستقرار في الجنوب.

         كما حدث استهداف ضد الجنوبيين بالخارج بالترصد، واعتقال العائدين منهم إلى البلاد في جرائم تافهة لا ترتقي إلى مستوي الجرائم ضد الدولة، حيث تم اعتقال انطوني كوين ابن خال جوزيف في وادي حلفا بعد عودته من مصر، بحجة أن المصريين تساهلوا معه في إجراءات السفر بميناء أسوان النهري، والسبب بسيط؛ أثناء السفر كانت السلطات المصرية تشدد الإجراءات ضد المسافرين إلى السودان نتيجة لفتح السلطات السودانية البلاد للجماعات الإسلامية وتوتر العلاقة بين الدولتين، فقرر الأمن المصري تشديد إجراءات تفتيش المسافرين إلى السودان. وعندما جاء دور انطوني كوين، ضابط الأمن المصري قدم له التحية وطلب منه الجواز دون أي إجراء أو تفتش وقال له.

  • يا انطوني كوين تعال اركب فين حقيبتك؟

انطوني كوين صعد الباخرة دون تفتيش في ظل التشدد على الركاب السودانيين الآخرين. هذا لم يعجب أفراد الأمن السوداني الذين كانوا في نفس الرحلة داخل الباخرة. فعندما وصلت الباخرة وادي حلفا جاء ضابط أمن سوداني وقال: وين المعرص الاسمو أنطوني كوين فيكم.

الصمت يخيم بالمكان. وبما ان انطوني كوين هو الجنوبي الوحيد في الباخرة الضابط اتجه اليه وقال:

  • موش انت انطوني كوين؟
  • نعم انا انطوني كوين.
  • ومالك ساكت؟ قوم فوق. وين شنطتك؟
  • هنا شنطتي... انطوني كوين يرد.
  • يلا اطلع معي.

 ينهض ويخرج مع الضابط إلى العربة وتم اعتقاله لمدة ثلاثة أيام دون جريمة، فقط لأن الأمن المصري لم يفتش عليه. هذا كان حال الجنوبيين في بلدهم السودان.

أيضاً في الكلاكلة، تم إعدام سبعة أشخاص من أفراد أسرة واحدة بتهمة قتل صاحب بقالة، وهي جريمة كيدية فقط لأن هولاء الناس جنوبيين رغم عدم وجود علاقة لهم بالجريمة.     

كل هذه العوامل والسياسات الأخرى- التي لم يتسع المجال لذكرها هنا- جعلت الجنوبيين يقررون التصويت لصالح الانفصال في الاستفتاء على تقرير المصير وقيام دولتهم، جمهورية جنوب السودان، عام 2011.

***

المشهد الثاني عشر

تأثرت القضائية والنيابات العامة والشرطة وكل المنظومة العدلية بسياسات الثورة الجديدة، حيث تم فصل القضاة والمستشارين القانونيين وتعيين آخرين موالين للنظام بدلاً عنهم.

أيضاً تم دمج القوات النظامية، خاصة الشرطة والسجون وحرس الصيد والمطافي، تحت قوة واحدة أطلق عليها "الشرطة الموحدة" يستطيع الضابط الانتقال بين وحداتها دون قيد، مما يسهل فصل عناصرها غير الموالية للنظام وتعيين أصحاب الولاءات مكانهم. فتم فصل معظم القضاة وتعيين آخرين موالين للنظام في المحاكم وكذلك في السجون.

المقدم يس ابن خال المرحوم محي الدين، تم تعيينه في سجن كوبر مسؤولاً عن الزنزانات والمعتقلين السياسيين. هذه التغييرات حدثت أيضاً في المؤسسات الأخرى.

ومنذ وصول يس إلى إدارة السجن، تغيرت ظروف السجين جوزيف جون إلى الأسوأ. ومن ذلك تشديد الزيارة له إلا بطلب منه شخصياً. جوزيف لم يجد المعلومات من الخارج كما كان يحدث في السابق وتم حظر كل من يتعامل معه، وإلا سيتم فصله.

         لم يعلم أحد داخل السجن بالعلاقة الأسرية بين المرحوم محي الدين والمقدم يس إلا بعدما تم تنفيذ عقوبة الإعدام ضد جوزيف. الرجل استخدم خلفيته السياسية والإسلامية لعمل برنامج زيارة الشيخ أسامة بن لادن إلى السجن والإلتقاء بالسجناء ويطلب منهم تقديم الاعترافات بما فعلوه من الجرائم، ويمكن له بعد ذلك دفع الديات أو الغرامات للسجناء العاجزين عن السداد بعد كل هذا الابتزاز.

فعلاً بن لادن وصل سجن كوبر في زيارة كانت تعتبر للبر والإحسان- حسب قراءاته الشخصية- إلا أنها كانت كارثية للمتهم جوزيف جون الذي كان يعتقد بأنها فرصة ذهبية للخروج من السجن بسبب المؤامرة التي دبرها ضده المقدم يس. فهو لم يشاور أحداً في قراره هذا، ربما لغياب ابن خاله انطوني كوين المقرب له، في الزيارة خارج البلاد وكذلك صديقه اوانطجي الذي كان في مصر بغرض الدراسة.

جوزيف، ومع آخرين، تقدموا بطلباتهم عبر إدارة السجن وتم إرفاق شهادة إشهاره للإسلام، رغم أنه مسيحي كاثوليكي.

 المقدم يس بدل تسليم طلب جوزيف إلى مكتب بن لادن، رأى أنها فرصة للإنتقام من الإنسان الذي لم يكن هو قاتل ابن خاله، بحيث ذهب على الفور إلى خاله أحمد شريف بمنزله باللاماب بحر أبيض الساعة الخامسة مساءً. قرع الباب بشدة وبنوع من الابتهاج. الشيخ أحمد يسال باستغراب:

  •  منو انت؟
  • انا يس يا خال.

فتح الباب... تفضل يس. أحوالك شنو؟

  • بخير يا خال. أخيراً المجرم اعترف.
  • كيف الكلام دا؟
  • والله العظيم- يخرج له المستند- هذه هي اعترافاته،
  • أخيراً. الشكرلله. طيب المطلوب شنو؟ الشيخ أحمد يسال.
  • نمشي نجلس في الصالون ونحكي يا خال.
  • طيب، تفضل يا ولدي.
  • انت عارف يا خال نحن محتاجين نستأنف القضية ونستخدم هذه الاعترافات لأن السبب في عدم الحكم بالإعدام كان غياب الأدلة. الآن الأدلة في أيدينا ولازم نمشي للمحامي عشان يبدأ الإجراءات مباشرة.
  • فكرة جميلة يا يس لكن هل يمكن استئناف قضية حكمت قبل ست سنوات؟
  • دا الشي العايز مننا الشغل يا خال. هناك تغييرات كبيرة في المنظومة العدلية ولازم نستفيد من وجود عناصرنا في القضائية.
  • صحيح، يا يس، يلا نمشي إلى الأستاذ المحامي عبد العظيم.

 يخرجا إلى منزل عبد العظيم بالخرطوم 2.

يصلا منزل الأستاذ عبد العظيم.

 يس يطرق الباب ويخرج الخفير ليبلغهما بأن مولانا خارج البلاد وسيعود بعد أسبوع.

  • شكرا. مافي مشكلة- يركبا العربة.
  • الشيخ أحمد يسأل يس: ماذا نفعل؟
  • لازم ننتظره يا خال.
  • طيب، كلام جميل سيتم ببركة الله.

الشيخ أحمد ينزل في منزله ويس يواصل الرحلة إلى الصحافة التي يوجد بها منزلهم.

رواية “حكاية إعدام جوزيف”. الحلقة الخامسة

تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول

د. ضيو مطوك ديينق وول

المشهد التاسع

بعد الإفراج عن سانتو، شعر بأنه مستهدف بسبب ديانته، كل ما حدث له كان ممكن أن يؤدي به إلى الموت لولا قدرة القادر أن ألزام التمساح فراش المرض مما أنقذ حياته خاصة في تلك الليلة المشومة، وطالما قررت قيادة الفرقة تصفيته، فلابد ستنفذ هذه الخطة طال الوقت أم قصر.

 ناقش سانتو هذا الأمر مع زوجته تريزا التي قدمت له النصيحة بأن يشاور محمد آدم الذي بذل الجهد في سبيل الإفراج عنه. فذهب سانتو إلى منزل محمد آدم.

زوجة محمد آدم التي لعبت دوراً وراء الكواليس تفرح برؤيتها لسانتو لأول مرة بعد خروجه من المعتقل.

  • الحمد الله على السلامة يا سانتو.
  •  بارك الله فيك يا زينب. أنتو لعبتو دوراً كبيراً في خروجي من المعتقل، كلمتني تريزا.
  •  دا واجب، انت شخص طيب يا سانتو. الله ما يجيب يوم شكرك.
  • شكرا يا زينب ما قصرتو والله. وين أخوي محمد؟
  • خرج قبل شوية؟
  •  أه خلاص، أنا حضرت لأشكركم بما قمتوا به من إنقاذ حياتي، وحقا لولا محمد لكنت ضمن الأموات حالياً.
  • لا حول ولا قوة إلا بالله، ما تقول كلام زي دا يا سانتو. بعد الشر عليك. أنت راجل طيب وأولادك محتاجين ليك.
  • شكرا زنيب. المهم كلمي محمد انو حضرت هنا. لامن يرجع إلى المنزل.

في السابعة مساءً حضر محمد إلى منزل سانتو.

  • سلامات عزيزي سانتو. انا مسرور برؤيتك وسط أسرتك الكريمة. زنيب كلمتني بانك جيتنا؟
  • نعم محمد جيتكم لاشكركم لما قمت به. انا واسرتي لم ننسى هذا الموقف أبدًا.
  • انت يا سانتو الله لم يكتب لك الموت بعد، الشي الذي أنقذك هو مرض التمساح. بعد الإفراج عنك حضر التمساح وقال وين المعرص دا يا محمد؟ يكرهك شديد. انا قلت ليهو تم الافراج عنه. قال، ابن كلب. لو كنت وجدته هنا اليوم لكنت طلعت زيته. مش قريب روبت، حتى لو ولده ذاته.
  • لكن السبب شنو يا محمد ليه يكرهني؟ سانتو يسال.
  • ابدا. ليس هناك سبب، لكن الزول دا يدمن كسر رقاب البشر. أنت عارف قتل ناس شديد هنا.
  • الله يسامحه.

تريزا تحضر لهما العشاء. وقالت: تفضلو العشاء.

  • شكرا يا تريزا، جيت البيت طوالي وجيتكم هنا.

 ويغسل يده. وهما يتناولا العشاء، سانتو قال له:

  • انت عارف يا محمد مشيت لك عشان أشاورك في أمر.
  • أمر شنو يا سانتو؟ كلمني.
  • انا عايز نستقيل من الجيش؟
  • ابدا لن يسمحوا لك، سيجدونها فرصة لتلفيق جريمة فيك، ويصفوك يا سانتو خاصة بعد الكلام الحاصل معك في كادوقلي.
  • معك حق يا محمد لكن الحل شنو؟ انا نفسياتي بطالة شديد هنا في الهجانة وغير راغب في الاستمرار.
  • طيب خليني نقترح لك؟
  • تقترح شنو؟
  • قدم طلب إجازة عشان تمشي ترتاح شوية وممكن تسافر خارج الابيض، يا سانتو.
  • طيب مقترح جيد يا محمد.
  • اشكرك يا سانتو. تصبح علي خير.
  • وانت من أهلو يا محمد.

بعد تمام الصباح في القيادة، ذهب سانتو إلى مكتب العميد روبت لتقديم الشكر له لموقفه الذي قام به للإفراج عنه.

  • يحي، صباح الخير سعادتك.
  • صباح النور. تفضل بالجلوس. هل انت بخير يا سانتو؟
  • نعم سعادتك الحمد الله.

سانتو يبدأ حديثه بلغة الدينكا:

  • جيت لاشكرك لانقاذك لحياتي.
  • أنت صاحب الأرواح السبعة يا سانتو! لولا القادر لكنت غادرت الدنيا. لكن الرب له حساباته مافي زول بموت بدون يومه.
  •  طيب أنا نفسيتي تعبانة وأريد إجازة حتى نستريح شوية. وأنا بفكر في الذهاب إلى مدينة واو عشان برضو تكون فرصة نزور الأهل هناك.
  • كلام جميل يا سانتو. أمشي قدم الطلب.

سانتو ينهض ويحي. شكرا سعادتك... يخرج من مكتب العميد روبت.

أخذ سانتو الإجازة ومشي واو وبعد انتهاء الإجازة وجد صعوبة في الطيران للعودة إلى الأبيض فقرر الالتحاق بمنطقة قرينتي العسكرية وظل مرابطاً هناك لأكثر من عام ويواظب الحضور إلى رئاسة الفرقة باستمرار.

 شعبة الاستخبارات بالأبيض خاطبت رئاستها بالخرطوم بتمرد الرقيب سانتو بعد طلب إجازة والذهاب إلى واو. رئاسة هيئة الاستخبارات ترسل الإشارة إلى منطقة واو العسكرية تستفسر عن الرقيب سانتو. للإفادة عن مكان تواجده "الرقيب سانتو يتبع لسلاح الموسيقى بالهجانه للإفادة بوجوده". انتهت الإشارة.

   شعبة واو ترد على الإشارة: "الرقيب سانتو موجود بالمنطقة هنا وهو ينوي العودة إلى الأبيض لكن هناك صعوبة في الطيران. منتظرين أول طيارة قادمة إلى واو حتى نسفره". انتهت الاشارة.

***

المشهد العاشر

رجع سانتو من واو ووجد وضع أسرته متدهوراً، كل ما في الحي ما عدا عائلة محمد وزوجته زينب التي تعرف الحقيقة- تنظر لهم كخوراج وعملاء يمدون التمرد بالمعلومات الإستخباراتية عن تحرك القوات المسلحة والدفاع الشعبي والمجاهدين، خاصة بجبهة جبال النوبة وأن الأسرة في العزلة التامة، بعدما طلعت الإشاعة بأن سانتو مشي التمرد من واو.

في الصباح ذهب سانتو إلى الإدارة فوجد كل شيء قد تغير حتى أصدقائه المقربين ابتعدوا منه. صديقه محمد آدم شرح له كل شيء ومحاولات القيادة بتوريطه والزج به في السجن مرة أخرى، وأن التمساح في انتظار تلك السانحة لينتقم منه، ونصح سانتو بمغادرة الهجانة فوراً إذا أمكن ذلك. صدقت كلامك الزمان بانك عايز تخلي الجيش.

  • معك الحق يا محمد. موافق. حتى أولادي في المنزل غير مرتاحين ولا يرغبون في الاستمرار هنا. الهجانة لم تكن تلك الوحدة التي نعرفها باختلاط الأجناس. الكيزان انتهوا منها وجعلوها مكاناً للتمييز الإثني والعنصرية، لكن نخرج كيف من هذه الورطة يا محمد أخوي.
  • أمشي كلم قائد الاستخبارات بهذا الكلام لان اخر مرة وقت طلعت اشاعة بتمردك مشيت له فقال بان سانتو لم يتمرد، لكن قائد الفرقة لا يحبه ويريد ان يخلص منه باي طريقة. محمد يفشي هذا السر.
  • طيب خليني نمشي له.

سانتو يوافق.

  • سلامات سعادتك.
  • وعليكم السلام يا متمرد الكبير.
  • أنا حضرت أمس من واو بعد غيبة طويلة وفكرت أجي أسلم عليك.
  •  الحمد الله على سلامة يا سانتو، ما قالوا انت تمردت. يبتسم.
  • معقول سعادتك؟
  • انت ماسمعت الخبر دا يا سانتو؟
  • ابدا سعادتك لكن وجدت الزملاء متغيرين مني وحتى الأسرة شعرت بتغيير شديد في الحي.

ثم يردف سانتو قائلًا:

  • سعادتك انا جيت أتكلم معك في هذا الامر بكل الصراحة. انا مظلوم وبحب الهجانة شديد واصبحت زي منزلي والافراد هنا عائلتي لكن في الأونة الاخيرة بشعر بأن هناك مخطط لتصفيتي منذ زمن زيارة الوفد الاسلامي بقيادة بن لادن ولذلك اطلب منك المساعدة.
  • انت عايز نعمل لك شنو يا سانتو؟
  • فقط ساعدني انتقل من هنا الي منطقة كوستي العسكرية.
  • طيب هذا غير ممكن في ظل وجود قائد الفرقة الحالي. لكن خلينا نفكر فيها اذا تم نقله إلى موقع اخر غير الهجانة وما يكون كوستي برضو. يبتسم.

بعد فترة ليست بالطويلة جاءت الإشارة بانه سيتم نقل قائد الفرقة إلى القيادة العامة الشهر القادم، فذكر قائد الاستخبارات ذلك لسانتو وطلب إليه التمهل بعض الوقت حبنما ننتظره يمشي ينشغل بالقضايا الاخرى وينساك.

بعد شهر قائد الاستحبارات يطلب الرقيب سانتو في مكتبه.

  • يحيي... حضرت سعادتك.
  • طيب الرجل سيغادر في اي وقت من الان. انت امشي جهز طلبك لقائد الفرقة الجديد عشان تقدمه له لو سلم طوالي.
  • حاضر سعادتك. يحيي ويخرج.

كتب سانتو طلب النقلية من الأبيض إلى كوستي، وفعلاً القائد الجديد وافق على الفور، وغادر الرقيب سانتو منطقة الأبيض العسكرية إلى كوستي بأسرته وبقي هناك حتى نزل المعاش وفارق الجيش، إلا أن ذكريات ورطة بن لادن وأيمن الظواهري لم تفارقه أبداً.

***

رواية “حكاية إعدام جوزيف”.. الحلقة الرابعة.

المشهد السابع

بعض السيدات من السودان وجنوب السودان المشاركات في حفل توقيع رواية "حكاية إعادام جوزيف".

المشهد السابع

حاكم كردفان يُسلِّم إشارة مقتضبة ومصنفة "سرية لغاية".

 "سيصلكم وفد رفيع المستوى. يجب تحضير الحراسة له لحمايته أثناء المأمورية".

انتهت الإشارة.

 الحاكم يستدعي قائد منطقة الأبيض العسكرية "الهجانة" في مكتبه لإبلاغه عن الإشارة المستلمة من الخرطوم، ويطلب التعامل مع هذه الإشارة بسرية تامة.

حاضر سعادتك. قائد المنطقة العسكرية يُغادر مكتب الحاكم وبصحبته صورة من خطاب الإشارة.

عند وصوله مكتبه، قائد المنطقة، يطلب قائدي الإستخبارات وسرية الإدارة المسوؤل عن حراسة الشخصيات المهمة ليخطرهما بالمأمورية.

في هذا الاطار، قائد سرية الإدارة يسلم التعليمات لتجهيز القوة عاجلاً رغم الغموض لأنها- أي الإشارة- لم توضح هوية الشخصيات ولم تحدد زمن وصولهم الأبيض ولم تتحدث حتى عن طبيعة المهام التي سيقومون بها في المنطقة، وإلى أين سيذهبون، كل هذه الأسئلة كانت غائبة لم تُجِب عليها الإشارة.

  تم تكوين قوة قوامها فصيلة برئاسة رقيب أول، وتجهيزها بالمستلزمات الضرورية لتنفيذ المهام. وبما أن تحديد الموعد لتحرك المأمورية لم يتم بعد، قرر الرقيب أول قائد الفصيلة أن يصرف القوة على أن يتم إخطارهم بتفاصيل السفرلاحقاً. انصرف الأفراد إلى منازلهم، بعضهم خرجوا لأغراض مختلفة. الوفد وصل الأبيض بطائرة خاصة حوالي الساعة السادسة مساءً وذهبوا مباشرة إلى استراحة الحكومة، ومن هناك قرروا بأنهم سيتحركون إلى كادوقلي بالعربات الساعة الثالثة فجر اليوم التالي- السبت.

قائد منطقة الأبيض العسكرية يطلب من قائد سرية الإدارة تحريك الحراسة إلى مقر إقامة الوفد باستراحة الحكومة حتى يتثني لهم التحرك عند الفجر، غير أن قائد سرية الإدارة يخفق في إعادة تجميع القوة التي جهزت لهذا الغرض نتيجة لعدم وجود بعضهم في منازلهم، خاصة الرقيب أول قائد المجموعة، ولذلك لم يكن هناك خيار آخر لمعالجة المشكلة سوى إيجاد آخرين بما فيهم القائد لتسديد الخدمة، فوقع الاخيتار على الرقيب سانتو لقيادة المجموعة. وبما أن الوقت كانت متأخراً مساء الجمعة، قرر قائد سرية الإدارة وقائد الاستخبارات الذهاب إلى منزل سانتو لتكليفه بهذه المهمة.

  • قائد الإدارة: السلام عليكم..
  • حرم سانتو: وعليكم والسلام.
  • هل سانتو موجود؟
  • سانتو يرد بنفسه: نعم سعادتك أنا موجود. خير إن شاء الله؟

(درجت العادة بأن تكون مثل هذه الزيارات غير عادية ومرتبطة بالأزمات داخل المنطقة العسكرية).

  • قائد الإدارة: للأسف جيناك في وقت متأخر.
  • سانتو: أهلا بكم.
  • يا أخ جيناك لأن عندنا مأمورية مستعجلة وعايزينك تقود قوة الحراسة، والقوة جاهزة الآن في استراحة الحكومة لو سمحت ممكن تجهز نفسك عشان تمشي لهم، نحن ما عندنا شخص غيرك.
  • حاضر سعادتك. دقيقتين نجهز وبمشي.
  • شكراً ستجد تعليماتك الأخيرة عند الوفد في الإستراحة.
  • حاضر سعادتك.

قائد الإدارة وقائد الاستخبارات غادرا المنزل.

سانتو يجهز حقيبته ويخرج متجهاً إلى مقر إقامة الوفد وفعلاً في الاستراحة وجد القوة في انتظاره بما فيها ضابطان كبيران يتبعان للاستخبارات العسكرية والدفاع الشعبي، القطاع الغربي بالقيادة العامة- الخرطوم.

الرقيب سانتو يحضر ويستلم التمام ويرفعه إلى قائد الدفاع الشعبي القطاع الغربي الذي كان ضمن الوفد.

  • التمام سعادتك. القوة جاهزة لمأمورية الفجر. أي تعليمات أخرى؟
  • خليكم جاهزين حسب الموعد. ممكن تنصرفوا وتجمعوا وقت السفر الساعة الثالثة. واضحة؟
  • حاضر... واضحة سعادتك.

الرقيب سانتو يرجع إلى القوة. ويقول ممكن تنصرفوا. لو في زول عندو حاجة في البيت ممكن يمشي يجيبو ويرجع سريع. الكلام دا واضح؟

  • واضح...

 القوة ترد.

  • انصراف.

القوة تنصرف.

في تمام الساعة الثالثة القوة تجمع في الطابور، قائد الدفاع الشعبي القطاع الغربي يحضر ويبلغ تعليمات السفر دون ذكر المكان الذي سيتجهون إليه.

  • أنتم سترافقون شخصيات هامة وقائد القوة الرقيب سانتو سيكون مع الضيف في العربة والبقية ستوزع على بقية العربات. كلام دا واضح؟
  • نعم سعادتك.
  • يلا نتحرك.

الضيوف يخرجون إلى عرباتهم وانطلقت المامورية باتجاه كادوقلي.

 الرقيب سانتو لم يعرف هوية الضيوف لكن الشخص الذي كان معه في العربة تظهر عليه ملامح رجل الدين لا يحب الحديث لكن كان يُسبِّح باستمرار.  وبعد حوالي ساعة من وقت التحرك من الأبيض، توقفت العربات لأداء صلاة الفجر. نزل الجميع من السيارات  ما عدا الرقيب سانتو. عندما رجع قائد القطاع الغربي وجد سانتو واقفاً بجوار العربة في انتظار الضيف ليركب، فسأله، لماذا لم تصلِ مع الناس؟

  • عشان أنا مسيحي سعادتك.
  • أنت شنو؟
  • مسيحي.
  • وشنو جابك هنا؟
  • الجيش سعادتك.

قائد القطاع يترك سانتو واقفاً ويصعد لعربته... سانتو يركب وتتحرك العربات.

وصل الطوف مدينة كادوقلي ودخل الوفد القاعة التي سبق أن جُهِزَت للاجتماع بالسلطات الأمنية في المحافظة.

الرقيب سانتو يوزع الحراسة ويقرر الوقوف على المدخل بنفسه، لكن قائد القطاع يطلب منه الخروج وإخطار السواقين ليمشوا ويجهزوا العربات لمأمورية العودة.

عندما خرج سانتو لتنفيذ التعليمات، أمر بقفل الباب وعدم السماح له بدخول إلى القاعة مرة أخرى". ربما القصد بألا يحضر الاجتماع حتى لا يطَّلع على تفاصيل طبيعة مهام الوفد الإسلامي.

بعد الاجتماع، قام الوفد بزيارات إلى معسكرات التدريب لكن لم يخاطبوا المستجدين سواء بإجراء التعارف على أعضاء الوفد، وهي المرة الأولى التي يتعرف فيها الرقيب سانتو على أسماء الضيوف شخصياتهم بقيادة الشيخ أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وشخص آخر لم يتعرف عليه، وكان يرافقهم مدير الاستخبارات بالقيادة العامة وقائد الدفاع الشعبي القطاع الغربي.

رجع الوفد إلى الأبيض وذهب مباشرةً إلى المطار بغرض التحرك إلى الخرطوم، إلا أن الطائرة انتظرت، وعندما أصبح الوقت متاخراً رجعت الخرطوم وقررت العودة في الصباح الباكر، لذلك غيّر الوفد مساره إلى الاستراحة لقضاء الليلة والتحرك إلى الخرطوم.

***

المشهد الثامن

الدكتور ضيو متوك يسلم إحدى السيدات السودانيات رواية "حكاية إعدام جوزيف"

المشهد الثامن

في نفس المساء الذي رجع فيه الوفد إلى الأبيض في طريقهم إلى الخرطوم ذهب الرقيب سانتو إلى منزله في تمام الساعة الثامنة، وحوالي الساعة التاسعة حضرت قوة مدججة بالسلاح وأخذت سانتو إلى المنطقة العسكرية، حيث وجد اللواء- قائد الفرقة- في انتظاره بالمكتب. اللواء يسال.

  • انت اسمك منو؟
  •  الرقيب سانتو سعادتك.
  • أين مستندات الضيوف يا زول؟
  • ياتو مستندات سعادتك؟
  • انت ما عارف؟
  • لا ما عارف حاجة عن المستندات سعادتك.
  • حتعرفو يا زول... بلغة التهديد.

أخذوه وسلموه إلى التمساح، يأمر العساكر. الشرطة العسكرية تأخذ سانتو إلى المعتقل.

التمساح هذا هو الشخص المشهور بقتل المتهمين في جرائم الخيانة، وعادة يتم قتلهم بكسر الرقبة. لحسن حظ سانتو، لم يكن التمساح في ذلك الوقت موجوداً داخل القيادة لأنه أصيب بالملاريا ويلازم الفراش في منزله.

         الرقيب سانتو يقضي ليلته في السجن الحربي المخصص للإعدامات في انتظار التمساح لتنفيذ العملية، لكن الخالق كانت له حساباته، فلم يحن وقت موت سانتو بعد.

         في الخرطوم قائد القطاع الغربي يتصل باستخبارات الهجانة باستمرار للتأكد من تصفية الرقيب سانتو بأسرع وقت ممكن حتى لا تنتشر المعلومات عن زيارة الوفد الإسلامي إلى معسكرات الدفاع الشعبي للدوائر الخارجية.

قائد الاستخبارات بمنطقة الأبيض العسكرية، وبدون علم عن غياب التمساح من العمل، يُطمئِن قائد الدفاع الشعبي القطاع الغربي باستلام تعليمات مشددة من قائد الفرقة بتنفيذ هذا الأمر وأن القضية تعتبر محسومة، بحيث تم تسليم المتهم للجهات المعنية للتنفيذ.

في صباح الأحد، فوجئ اللواء بعدم تنفيذ الأوامر وأن التمساح لم يكن موجوداً في القيادة، فكلف شخصاً آخر- يدعى محمد آدم- بتنفيذ المهمة.

محمد آدم يزور السجن لاستلام ملف المتهم وتنفيذ التعليمات حسب إرادة القيادة، لكن الشخص المراد تصفيته هو جاره في قشلاق الجيش الذي اعتاد أن يأكل ويشرب معه باستمرار وتربط زوجته علاقة حميمة بزوجة سانتو وكذلك الأطفال.

 يطلب إحضار المتهم في مكتب التحقيق.

  • آه سانتو دا أنت؟ يمسك رأسه. 
  • نعم محمد.
  • لا حول ولا قوة إلا بالله. كلمني الحاصل؟ وهو يستغرب.
  • سانتو!! كلمني الحاصل شنو؟
  • والله يا محمد أنا ما عارف حاجة خالص بس مشيتنا المأمورة الأمس ورجعنا وبعد داك جاءت القوة إلى منزلي وتم اعتقالي وقالوا القائد عايزك وعندما حضرت إلى مكتب القائد سألني عن مسندات الضيوف، قلت له أنا ما عارف المسندات قال حتعرفو وبعد ذلك أمر بتسلمي إلى التمساح.

 للمرة الثانية محمد آدم يردد: "لا حول ولا قوة إلا بالله". خير ياخوي.

يخرج من غرفة التحقيق الملحقة بالمعتقل حوالي الساعة العاشرة صباحاً.

محمد آدم يخرج ويتجه إلى منزل سانتو ليطمئن أولاده ويحكي لهم  عما جرى، ورغم خطورة الموقف إلا أن الأمر في أيدٍ أمينة. أيضاً أخطر زوجته زينب بما جرى لسانتو فبكت بكاءً شديداً، لكن طمأنها بأن كل شي سيكون على ما يرام.

زوجته شكرته وقالت سانتو إنسان طيب وأولاده طيبين خاصة مدام تريزا، لا نريد أن يحدث لهم شر.

محمد آدم يرجع القيادة حوالي الساعة الثالثة ويدخل مكتب قائد الاستخبارات ليعرف حيثيات هذه القضية الملفقة وتقييم مستوي خطورتها.

  • محمد خلاص نفذت الأمر؟ قائد الاستخبارات يسأل.
  • أبداً سعدتك، لكن مشكلة الزول دا شنو؟
  •  انت بس امشي نفذ التعليمات وبعد داك تعال اسأل. القيادة قررت كدأ.  الكلام دا واضح يازول؟
  • واضح سعادتك.
  • يلا انصرف.

محمد يعود إلى المعتقل يحمل بيده صندوق سيجائر ليجد سانتو في انتظاره في نفس الغرفة التي كان موجوداً فيها. يجلس ويقول:

  • سانتو انت لسه هنا.
  • نمشي وين يا محمد؟
  • خليتك هنا عشان تهرب يا سانتو.
  •  أنا ما ممكن نهرب يا محمد لأني غير مذنب.
  • لكن هل الناس ديل عارفين الكلام دا؟

يطلع حبتين سيجارة يعطي سانتو واحدة وياخذ واحدة، سانتو يعتذر ويقول:

  • انا اوقفت التدخين يا محمد.
  • اه متين الكلام دا؟
  • قبل زمن.
  • تمام، كلام حلو طيب.
  • يا خوي كلمني بكل الصراحة الحاصل معك شنو؟

يطلع ورق الفلسكوب ويسطره.

سانتو يبدأ الحديث ويسرد كل ما حصل، وكيف زاره قائد سرية الإدارة مع قائد الإستخبارات بمنزله في وقت متأخر ليلة الجمعة، وطلبا منه قيادة فصيلة حراسة للشخصيات الهامة القادمة من الخرطوم، وأن الرقيب أول الذي عُيّن في المامورية لم يكن موجوداً والوفد سيسافر الصباح، فانت جهز نفسك عشان تمشي تقود فصيلة الحراسة. نفذت التعليمات وذهبت الاستراحة ووجدت هناك القوة جاهزة حيث تحركنا الساعة الثالثة فجراً إلى كادوقلي، وبعد ساعة من قيامنا توقفت العربات لأداء الصلاة.

 نزل الوفد وأدى الصلاة إلا شخصي، وبعدما رجع قائد الدفاع الشعبي القطاع الغربي من الصلاة وجدني أقف بجوار العربة في انتظار الضيوف، فسألني لماذا لم تصلِ؟ فقلت له أنا مسيحي فاستغرب من هذا الكلام وقال جابك شنو طيب؟ وقلت له الجيش يا سعادتك. فانصرف وركب سيارته. وبعدما وصلنا كادقلي أخرجني من قاعة الاجتماع بحجة تجهيز العربات حتى نستطيع التحرك بسرعة بعد الانتهاء من الجلسة. عندما وصلنا الأبيض ذهبت إلى منزلي لأفاجأ بقوة عسكرية مدججة تعتقلني وجاءت بي إلى القيادة، حيث وجدت اللواء في انتظاري وعند الدخول سألني  انت اسمك منو؟ وعندما أجبته، قال لي وين المسندات؟ سألت ياتو المسندات سعادتك؟ قال لي انت حتعرفو. وقال للعساكر خذوه وسلموه للتمساح. هذه كل القصة باختصار شديد.

  • خلاص شكراً أنا فهمت الموضوع ليه هم عايزين يقتلوك. انت كشفت خطتهم الجهادية وهم بفتكروا بانك ستخرج هذا السر لآخرين. أصلا مفروض يقتلوك ليلة السبت بعد رجوعهم مباشر، لكن التمساح مريض. إن شاء الله ما تجيك عوجة تاني بعد دا. أدوني تعليمات نقتلك لكن انا ما بعمل الكلام دا.

يواصل محمد آدم:

  • انت عارف يا سانتو، رغم انا زعلان من الجنوبيين بسبب تصرفات العميد دمينك اتجاهي والذي جردني من كل الرتب من رقيب أول إلى جندي وفصلني من الجيش بمنطقة الاستوائية العسكرية قبل خمسة أعوام، إلا أنني وأسرتي نكن لك ولأسرتك محبة كبيرة. أنت لو كنت من الفرتيت - في الاعتقاد بان العميد دمنيك فرتيتاوي - ما كنت ساعدتك إطلاقا، لكن طالما أنت دينكاوي سأقف معك حتى النهاية وان شاء الله ما يجيك العوجة. الدينكا ديل رجال وأنا كرزيقي بحب الفرسان. جني وجن الجبناء. شوف أنا هسي خليتك هنا عشان تجري لكن انت ما شردت. لو كان فرتيتاوي كان شرد. يضحك. شكله زعلان شديد من العميد دومنيك.

يخرج محمد آدم من غرفة التحقيق حوالي الساعة الخامسة إلى مكتب الاستخبارات وبيده التقرير.

قائد الاستخبارات يسأل؟

  • الحاصل شنو يازول؟
  • انتهت يا سعادتك. دا التقرير.
  • تقرير شنو يازول؟
  •  التحقيق.
  • قال لك نحن عايزين التحقيق منو؟
  • لكن سعادتك مافي حاجة بيقتل الزول دا. لانه غير مذنب. ايضا المعلومة طلعت ولو قتلناه هسي سيكون مشكلة كبيرة لأن العميد روبت عرف المعلومة وما يسكت.
  • والحل شنو؟ اللواء عايزو ميت.
  • مافي طريقة سعادتك دا سيعمل لينا مشاكل في المنطقة.
  • وبعدين؟
  • لازم يتم الإفراج عنه.
  •  خلاص كدا خلينا نشوف بكرة.

بعدما خرج محمد آدم من مكتب قائد الاستخبارات ذهب إلى مقر إقامة العميد روبت وشرح له كل الحاصل، وقال الناس ديل عايزين يقتلو الزول دا، فلازم تتحرك بكرة الصباح مع اللواء ما تذكر اسمي خالص يا سعادتك.

  • منو؟ العميد روبت يسأل باستغراب.
  • انت ما عارف سانتو معتقل واللواء عايز يقتله يا سعادتك؟
  • كيف الكلام دا؟
  • والله العظيم. المهم سنحكي. خلي الزول دا يطلع من المعتقل.
  • شكرا لك كتير يا محمد.

بعد طابور الصباح العميد روبت يدخل مكتب القائد ويسأل:

  • سعادتك سلمونا جثة الرقيب سانتو، اهله عايزينه؟
  • جثة شنو يا روبت؟
  • العسكري انتو رسلتو كادوقلي وقتلتو.

 اللواء ينادي قائد الاستخبارات ويقول اسمع كلام روبت دا؟ ويستطرد اللواء قائلاً:

  • ممكن تجيب العسكري دا وتسلمو له؟
  • حاضر سعادتك.

ينصرف ويحضر ومعه الرقيب سانتو ويسلمه للعميد روبت وتم الإفراج عنه دون شرط قبل شفاء وحضور التمساح إلى القيادة وتسليمه لمعتقل الموت من محمد آدم.

خرج سانتو لكن كانت هي نقطة البداية للأزمات تلاحق الرجل في فرقته المفضلة، الفرقة الخامسة مشاة، المسماة بالهجانة ومقرها الأبيض بكردفان.

اللواء يطلب قائد الاستخبارات بمكتبه.

  • يحي حضرت سعادتك.
  • اجلس.
  • الحاصل شنو بضبط. الزول دا نفد كيف؟
  • كلام غريب يا سعادتك انا ذاتي مستغرب شديد. انت عارف بعدما كلمتني بان يتم تسليمه لـ التمساح العساكر مشوا وجدوا التمساح مريض ولم يتصرفوا وحتي لم يرجعوا لي عشان يخطروني بالحاصل. فالزول نام في المعتقل، وقت عرفت الكلام دا ناديت محمد آدم عشان يمشي ينفذ الأوامر لكن جاءني بتقرير طويل ثماني وعشرون صفحة، قلت له نحن ما عايزين التقرير قال لي مافي حاجة بتعدم الزول دا لأن ناس العميد روبت عرفوا المعلومة. وفعلا دا الحاصل اليوم التالي بعد الطابور.
  • اوكي، المهم موضوع دا انتهى لكن الزول دا خطر على المنطقة هنا.
  • أنا عارف سعادتك. نشوف نعمل معه شنو... يرد قائد الاستخبارات.

أحد الشخصيات السودانية من السادة المشاركين في حفل التوقيع على رواية "حكاية إعدام جوزيف".

***

إن شاء الله موعدنا مع الحلقة الخامسة يوم السبت القادم الموافق 24 مايو 2025

رواية “حكاية إعدام جوزيف”. الحلقة الثالثة.

تأليف: د. ضيو مطوك ديينق وول

الكاتب الدكتور. ضيو مطوك ديينق وول

المشهد الخامس

 قبل انتهاء المدة المقررة، قدمت هيئة الإتهام طلب استئناف أمام المحكمة العليا، استغرق بضعة أيام خرج بتأييد قرار المحكمة الأولية.

         أسرة المتهم حاولت جمع الدية لكن كان الأمر صعبًا عليها رغم المساهمات من قبل رجال الأعمال بسوق السجانة.

بعد فشل العائلة في دفع الدية، قررت إدارة السجون نقل جوزيف إلى سجن بورتسودان ليقضي فيه عقوبته طالما فشل في سداد الدية.

هناك في بورتسودان، شعر جوزيف بالوحدة، ولذلك طالب بنقله إلى سجن كوبر حتى يتسنى للأسرة زيارته بصورة دورية، وهي الخطة التي مكنت أفراد العائلة من القيام بالزيارات المنتظمة له في سجن كوبر، خاصة ابن خاله أنطوني كوين وصديقه أوانطجي اللذان بذلا جهداً كبيراً في سبيل الإفراج عنه لكن لم يوفقا.

أنطوني كوين كان طالباً بجامعة جوبا، كلية الدراسات الإجتماعية والإقتصادية، وأوانطجي يدرس التجارة بجامعة الزقازيق، وكانا يتناوبان في الزيارات إلى السجن وبذلا جهداً لجمع المال بغرض دفع الدية إلا أن ظروف الأسرة لم تسمح بذلك، فاختصر التبرعات في رسوم المحامي الذي طلب نصف القيمة تقديراً لعلاقته بأحد أقرباء المتهم الذي كان يعمل معه بمنزله.

بعد نقله إلى سجن كوبر، وجد جوزيف البئية الملائمة والتعامل الراقي، ربما يعود السبب إلى مركز سجن كوبر السياسي داخل العاصمة القومية، بحيث يوجد فيه المعتقلون السياسيون، ويحظي بزيارات متكررة من قبل الوفود الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان والبعثات الدبلوماسية التي تتابع الأوضاع بالسودان في عهد حكومة الديمقراطية الثالثة التي تكونت من حزب الأمة والاتحاد الديمقراطي بقيادة السيد الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، ومولانا محمد عثمان علي الميرغني، على التوالي.

في ذلك الوقت كانت الجبهة الإسلامية القومية بقيادة الدكتور حسن عبد الله الترابي تتبوأ مقاعد المعارضة في البرلمان بقيادة الأستاذ علي عثمان محمد طه زعيماً لها. كما يوجد تمثيل ضيئل لبعض الأحزاب الجنوبية لأن الانتخابات كانت جزئية في الجنوب نتيجة للحرب الدائرة هناك.

 رغم موقف المهدي من الحرب بالجنوب ومحاولاته المستمرة لعرقلة المبادرات السياسية التي تهدف لإنهاء الحرب، إلا أن اللعبة السياسية داخل البرلمان كانت تسير حسب الأسس الديمقراطية تحكمها مصالح الأحزاب والتنظيمات السياسية. مثلا انتقلت الجبهة الإسلامية القومية من مقاعد المعارضة إلى الحكومة وخرج الإتحادي الديمقراطي نتيجة لتوقيعه اتفاق ميرغني- قرنق بمدينة كوكدام الأثيوبية. استمر هذا التحالف ضد السلام في السودان لمدة عام تدهورت فيه الأوضاع في البلاد، وشهدت سقوط العديد من المدن في أيدي مقاتلي الجيش الشعبي للتحرير، مما جعل رئيس الوزراء الصادق المهدي يغير رأيه ويقبل بمبادرة ميرغني-قرنق، الأمر الذي أدى إلى خروج الجبهة الإسلامية القومية وعودتها مجدداً إلي مقاعد المعارضة، وتم تشكيل الحكومة الإئتلافية بين المهدي والميرغني مجدداً، مما أثار حفيظة الإسلاميين فنفذوا انقلابهم الشهير برئاسة العميد عمر حسن أحمد البشير الذي كان قائداً لمنطقة ميوم العسكرية بغرب النوير، 30 يونيو 1989.         

***

حفل التورتة الذي اقيم الخامس من فبراير 2025 بمناسبة حفل توقيع رواية "حكاية إعدام جوزيف"

جانب من جمهور المشاركين في حفل توقيع رواية "حكاية إعدام جوزيف"

الفصل الثاني

المشهد السادس

لا يمكن الجزم بأن تدهور العدل بدأ في عهد البشير؛ لأنه كانت هناك إرهاصات تومئ بغياب حكم القانون، وانهيار النظام الدستوري في عهد الصادق المهدي، نتيجةً للحرب الأهلية في البلاد، والتي ظهرت جلياً في الجنوب والشرق ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.

في صبيحة الجمعة 30 يونيو 1989 بدأت التحركات غير العادية داخل سجن كوبر، حيث وصلت إلى السجن شخصيات هامة في السياسة السودانية.

إدارة السجن طلبت من السجناء إخلاء بعض العنابر لصالح المعتقلين الجدد، وتم إعادة المتهمين في جرائم القتل خاصة الذين شارفت مدتهم على الانتهاء إلى الزنزانات بما فيهم جوزيف جون الذي نقل إلى زنزانة رقم 9.

 في اليوم التالي وصل حسن الترابي والصادق المهدي إلى سجن كوبر. ويُقال إن اعتقال الترابي كان مسرحية من الإسلاميين حتى لا تكتشف خطتهم بأنهم وراء انقلاب القوات المسلحة. تم اعتقال الكثير من الوزراء وأعضاء البرلمان وقادة الجيش وزجّ بهم في السجن.

 الوضع أصبح يتأزم يوماً بعد يوم ويتغير إلى الأسوأ داخل السجون. السجين جوزيف يتلقى المعلومات عن الانقلاب وأوضاع البلاد من الرقيب عثمان خاطر آدم.

بعد عام من الاستيلاء على السلطة، أعلنت حكومة الإنقاذ الوطني الجهاد في جنوب السودان، حيث نشطت في كردفان ودارفور خاصة جبال النوبة، وتم تأهيل معسكرات تدريب المجاهدين في كادوقلي ولقاوة والمجلد والضعين، وهي نفس المراكز التي فتحت في عهد الصادق المهدي حتى تستطيع أن تستوعب أعداداً كبيرة من المجاهدين. ونتيجة لذلك، تم تزويد هذه المعسكرات بالخبراء الدوليين، خاصة من دول محور الإسلام السياسي والقوميين العرب، حيث جاءت هذه الفكرة متلازمة مع فتح حكومة الإنقاذ البلاد لجميع حركات الإسلام السياسي ومقاطعتها للغرب بناء على مخرجات المؤتمر الجامع الذي حضرته قيادات الحركات الإسلامية العالمية في الخرطوم، صدرت منه قررات تدعو للجهاد والعنف، ومن بين الحضور في هذا الموتمر قيادات إسلامية مؤثرة، مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وراشد الغنوشي وعبدالمجيد الزنداني وخالد مشعل وأبو سياف والشيخ صبحي الطفيلي وآخرون. 

أيضاً أصبح السودان مقصداً لمطلوبين دوليين، حيث كان "الييتش راميريز سانشيز" المعروف باسمه الحركي "كارلوس" يختفي في الخرطوم، لكن أُعتقل وسُلِّم إلى السلطات الفرنسية بعد المفاصلة بين البشير والترابي.

 هذه الجماعات الإسلامية بعضها نقلت استثماراتها إلى السودان، خاصة حركتي الطالبان وحركة المقاومة الإسلامية المعروف اختصاراً بـ (حماس) اللتان استثمرتا أموالهما في الطرق والزراعة والصناعات الحديدية والأغذية، مثل طريقي شريان الشمال والإنقاذ الغربي اللذان يربطان السودان بجمهورية مصر العربية، وشركة السندس الزراعية بجنوب الخرطوم، وكثير من شركات المنتجات الغذائية.

وفعلاً نجحت هذه الخطة وشهد السودان نهضة تنموية كبيرة، ودخلت في التصنيع الحربي والدوائي والسيارات والطائرات والآليات العسكرية والأسلحة الخفيفة والثقيلة، خاصة في مناطق اليرموك وجياد وكوبر وكرري.

         السودان استطاع أن يستخرج البترول بالتعاون مع الصين وماليزيا والهند والمليشيات المحلية في الجنوب، وأصبح يصدر النفط وتحسن وضعه القتالي ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان.

 الإسلاميون بذلوا جهوداً كبيرة في سبيل إنهاء الحرب في جنوب السودان عسكرياً، وهي أساساً خطتهم المرسومة قبل الإنقلاب على النظام الدستوري، بحيث كانت الخطة هي حسم التمرد عسكرياً، وإذا لم تنجح الخطة يتم اللجوء إلى انفصال الجنوب، وهو الخيار الذي أخذوه بعد اثنتين وعشرين عاماً من الحكم.

حاول النظام تغيير الديموغرافية في جنوب السودان من خلال تهجير السكان الأصليين من مناطقهم بغرض استغلال الموارد خاصة في أعالي النيل وبحر الغزال، وهذه السياسة هدفها استلام الأرض خالية من البشر، ولذلك زادت هجمات المراحيل والدفاع الشعبي والمجاهدين على المواطنين بالجنوب في غياب الإعلام نتيجة لقرار النظام باستبعاد الوسائط الإعلامية عن المشهد حتى لا تظهر الحقائق، غير أن المفاصلة التي حدثت بين الرجلين، الترابي والبشير، نهاية 1999 كشفت المستور.

وعلى الصعيد الداخلي، نفذ النظام المشروع الحضاري كمحاولة لتغيير السلوك والمظهر العام للمواطن ولإبراز العروبة وطمس الهوية الإفريقية. الجنوبيون الذين نزوحوا إلى الشمال وفي مناطق سيطرة الحكومة كانوا أكثر الفئات تضرراً. تأسيساً على هذا الفهم كان يتم اعتقالهم وملاحقتهم في قضايا تافهة مثل صنع الخمر واللبس غير المحتشم- كما يدعون- واتهام بالطابور الخامس والتخابر لصالح التمرد.

         أيضا تم استهداف الكنائس والأندية التي لا تعبر عن الثقافة العربية والإسلامية. في هذا السياق، تم تأسيس شرطة الآداب العامة ومحاكم للنظام العام حتى يتم ملاحقة الجنوبيين وضجت بهم السجون. 

في هذه الأجواء، اشتدت الحرب في الجنوب والشرق وجبال النوبة والأنقسنا، ورغم دفع الجيش الشعبي بالكتائب والوحدات العسكرية إلى مناطق سيطرت الحكومة إلا أن مستوي التعبئة الجماهيري الحكومي كان يفوق التوقعات، حيث تم تعبئة المستجدين وإدخالهم المعسكرات وتفويجهم إلى مناطق العمليات، كما طلبت الحكومة من حلفائها الدوليين الزيارات إلى مراكز التدريب حتى يكون بمثابة دفع معنوي للمجاهدين في صفوف القتال الأمامية.

***

بعض الشخصيات السودانية المشاركة في حفل توقيع رواية "حكاية إعدام جوزيف"

رواية “حكاية إعدام جوزيف”. الحلقة الثانية.

حكاية إعدام جوزيف. رواية بقلم

د. ضيو مطوك ديينق وول  

المشهد الثالث

         اعتاد "محيي الدين" الرجوع من النادي إلى المنزل، برفقة شقيقه الأصغر "نصرالدين"، في تمام الساعة السابعة مساءً، وفي إحدى المرات، وأثناء دخولهما المنزل وجدا شخصين مجهولي الهوية يتبولان على صور المنزل بالقرب من البوابة الرئيسية.

سأل محيي الدين عن هذا التصرف اللا أخلاقي، لكن لم يجد رداً منهما، بل أخذ أحدهما سكيناً وسدد طعنات في صدر محيي الدين، فأراده قتيلاً في الحال. الشخص الآخر الذي كان مع القاتل قال له "ليه قتلت الزول يا يوسف؟"، فرد عليه "يلا نجري". وفرا إلى الاتجاه الغربي وهو نفس الموقع الذي يسكن فيه جوزيف الملقب ب يوسف مع أقاربه.

         خرج الشيخ أحمد شريف والد المرحوم من المنزل مسرعاً إلى مكان الحادث بعدما سمع صرخات ابنه، لكن وجد ابنه قد فارق الحياة. فسأل: ماذا حدث؟

رد نصرالدين وهو يغالب البكاء "محي الدين مات يا ابوي"... ثم بكي بشدة وهو يمسك رأسه.

الوالد:  كلمني الحاصل شنو يا نصر الدين؟

نصر الدين:  وجدنا شخصين يتبولان على الحائط، وعندما سألناهما سدد أحدهما الطعنات على صدر محيي الدين. وبعد ذلك سأل أحدهما القاتل، ليه قتلت الزول يا يوسف؟ ثم فرا إلى الاتجاه الغربي.

الوالد:  لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. حسبنا الله ونعم الوكيل.

         ردّد نصر الدين الحوقلة ودخل المنزل واتصل بالشرطة التي وصلت إلى مكان الحادث وأخذوا الجثمان إلى المشرحة، وبدأوا في إجراءات فتح البلاغ ضد مجهول، ودونوا في دفترة الأحوال بأن القاتل يُدعى يوسف.  

المرحوم محيي الدين كان يدرس الحقوق في السنة الأخيرة بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، وكان من المفترض أن يتخرج بعد شهرين من تاريخ الوفاة. هذا الموت المفاجئ شكَّل حالة نفسية شديد لأسرته وخاصة الوالدة التي تعاني من ارتفاع ضغط الدم والسكري.

الشيخ أحمد شريف هو قطب إسلامي ويرأس الجماعة بالحي، حيث أقام التنظيم ندوة ضخمة في الساحة التي يفتح عليها منزله، خاطبها قيادات الحركة الاسلامية بقيادة الشيخ الدكتورحسن عبدالله الترابي، والذي كان يشكل حزبه مقاعد المعارضة في الديمقراطية الثالثة.

         شرطة المباحث بقسم اللاماب شكلت مجموعات لمتابعة القضية وحاولت حصر الأشخاص المتسمين بـ"يوسف" في الحي، وكل الخرطوم جنوب. لكن بالتأثير من الأسرة والحركة الإسلامية، تم توجيه الإتهام إلى "جوزيف جون باك" الملقب بـ"يوسف".

         وفي ذات يومٍ حضر ثلاثة من أفراد المباحث إلى شركة البيبسي كولا ومعهم أمر قبض بالإرشاد مكتوب باسم يوسف دون الاسم الثاني ووجدوه في إجازة مرضية فذهبوا إلي المنزل، وقبضوه وتم اقتياده الي قسم الشرطة باللاماب وبدأوا التحقيق معه بتهمة القتل.

         لا يوجد شهود في هذه القضية سوى شقيق المرحوم، نصر الدين الذي كان معه عند وقوع الحادث بجوار منزلهم، وهو لا يعرف شيئاً عن الجاني غير حديث الشخص الذي كان برفقة القاتل، حينما قال: "ليه قتلت الزول يا يوسف"؟ وهي عبارة تطابق لقب الجاني فقد أطلق على جوزيف (يوسف) من قبل التجار وزملائه بسوق السجانة.                                                    

         عائلة المرحوم تريد إلصاق التهمة على جوزيف، حيث أوحت للشرطة بضرورة إقامة طابور شخصية على الذين قبض عليهم كمشتبهين في الجريمة بقسم الشرطة، وجلّهم شماليين ما عدا جوزيف، بغرض تعرّف الشاهد على المتهم الذي شاهده أثناء وقوع جريمة القتل الساعة السابعة مساءً حيث كان الظلام دامسًا، مما يجعل الرؤية متعذرة، لكن اختيار الشاهد وقع على جوزيف ربما لأنه الجنوبي الوحيد بين المتهمين، والمخيال الشمالي دائماً ما يدمغ الجنوبيين بالإجرام، فأكد بأنه القاتل.

وُضِعَت يدي جوزيف في الكلباش وتم اقتياده إلى المعتقل ووجهت ضده تهمة القتل العمد، تحت المادة 251 من القانون الجنائي 1984 في مواجهة المتهم، وهو القانون الذي تم تعديله عام 1991 لتصبح المادة 130 عقوبة لجرائم القتل العمد، بعد انقلاب الإسلاميين سنة 1989.

***

المشهد الرابع

         ليس هناك سبيل أمام أسرة جوزيف سوى توكيل محامٍ ليدافع عنه في هذه القضية الملفقةـ وهذا أمرٌ صعبٌ للغاية لضعف الوضع المادي للأسرة، لأن معظم أفرادها بعد نهب بقرهم في المنطقة صاروا بلا مال، وقليل منهم موجودين في الخرطوم يعملون في المهن الهامشية مثل عمال البلديات والشركات والعتالة في الأسواق، لكن طيبة معارف يوسف خاصة أصحاب المغالق والمحلات التجارية بالسجانة جعل بعضهم يتبرعون بمبالغ معتبرة  دفاعاً عنه، لأن الكل يعرف بأنه غير مذنب في هذه القضية.

         أيضاً برز دور كبير لزملائه في سوق السجانة وشركة البيبسي كولا  في استقطاب الدعم اللازم لصالح نفقات لمحامي.                                                                                                       

وصل الخبر للأستاذ بابكر المحامي عن طريق أحد أقرباء جوزيف الذي كان يعمل في منزله، وأبدى تعاطفاً كبيراً مع المتهم في هذه القضية غير العادلة، فقدم نفسه دفاعاً عن المتهم بشرط أن تتحمل الأسرة نصف الأتعاب ويمكن سدادها بالأقساط. رغم خلفيته الإسلامية أثبت الأستاذ بابكر المحامي بأنه يقدس العدالة ويكره الظلم عكس سلوك كثير من زملائه في الحركة الإسلامية حيث قدم مرافعة قوية بهدف إسقاط التهمة..  

المتحري الرقيب أول بشير يُصر على أن المتهم جوزيف جون الملقب  بـ"يوسف" هو القاتل، بدليل أنه هو الجنوبي الوحيد الذي يسكن في اللاماب ويحمل هذا اللقب، وأن الحدث وقع في الساعة السابعة مساءً أمام منزل أهل المرحوم، وأن القاتل فرَّ إلى الاتجاه الغربي وهو نفس المكان الذي يوجد فيه المنزل الذي يسكنه المتهم في الشارع الرابع من بيت أهل المرحوم، وأن هذا الشخص تظهر عليه آثار الإجرام من كسر السنون وتفتيل العضلات، وأن مجموعة من المباحث قامت بمسح كامل داخل الحي ولم يجدوا أي جنوبي آخر في المنطقة يحمل هذا اللقب غير المتهم، ولذلك أوصى بإدانته تحت المادة 251 العقوبات قتل عمد. 

القاضي طلب إفادات الشهود... فتقدم الشاهد الأول وهو شقيق المرحوم الأصغر نصرالدين أحمد شريف، الذي يدرس الصيدلة بجامعة الخرطوم.   

         نصرالدين أدى القَسَم وأكد بأنهما كانا قادمين من النادي حوالي الساعة السابعة مساءً، وعندما وصلا باب المنزل وجدا شخصين يتبولان على سور المنزل، وعندما سألهما محي الدين لماذا يفعلان ذلك أخرج أحدهما سكيناً وطعن المرحوم، فسأله الشخص الآخر الذي كان مع الجاني: ليه قتلت الزول يا يوسف؟

 فرد يوسف: نجري بس، وفرا في الإتجاه الغربي، وبعد ذلك طلبت النجدة من المنزل وجاء الوالد ومعه آخرون، لكن وجدوا محي الدين قد فارق الحياة وتم نقله إلى المشرحة.

         قال هذا الكلام وبكى داخل قاعة المحكمة. القاضي طلب منه السكوت ولكنه استمر في البكاء، فأمر القاضي باقتياده إلى خارج القاعة.

         الشاهد الثاني هو والد المرحوم الشيخ أحمد شريف، وهو ضابط شرطة متقاعد قبل انضمامه إلى الحركة الإسلامية، وفيما بعد أصبح مسؤول التنظيم في المنطقة، حيث ذكر أنه كان داخل المنزل حينما سمع أصوات الشجار، وعندما خرج وجد المرحوم مُسجىً على الأرض وقد فارق الحياة، فنقلنا جثمانه إلى المشرحة بناءً على توجيه الشرطة للتشريح... أضاف: أنا كرجل شرطة سابق وأسكن هذا الحي طيلة الثلاثين عاماً الماضية ليس هناك شخصٌ يُدعي يوسف من أبناء جنوب السودان إلا هذا الرجل، الذي ظهر هنا قبل أربعة أعوام، ولذلك أعتقد بأن قاتل ابني هو هذا المجرم.

         الأستاذ بابكر المحامي يستأذن مولانا القاضي للحديث، وقدَّم نفسه بأنه وكيل المتهم وهو أستاذٌ جامعي ويعمل في المحاماة منذ عشرة أعوام، ويطلب من المحكمة شطب البلاغ نتجة لعدم وجود أدلة وأن تطابق اسم الجاني  بلقب جوزيف لا يجعله القاتل.

 يواصل المحامي قائلاً... سيدي القاضي، الإفتراض بأن القاتل يسكن في الحي الذي قُتِل فيه المرحوم أمر غير صحيح، يمكن لمجرم أن ياتي من مكان بعيد لينفذ جريمته ويفر، علاوة على ذلك مولانا القاضي طابور شخصية الذي مثل فيها جوزيف مع الأشخاص من شمال السودان، وخاصة في ظل وجود افتراض مسبق بأن لهجة القاتل التي قالت: (ليه قتلت الزول يا يوسف؟) هي جنوبية، يدل على وجود ترتب مسبق لتوريط جوزيف في التهمة التي  ليس هو طرف فيها، وأن هذا الرجل ليس له سوابق إجرامية في حياته، وأن أسنانه المكسورة ليس بسبب الإجرام، لكن بسبب حادث لقيامه بعمل شريف يدر منه دخلاً كريما لعيشةٍ كريمةٍ كعامل عتالة بالسجانة، وهذا بشهادة كثير من التجار، وأيضاً تفتيل العضلات ليس دليل إجرام، لكن حدث نتجة لطبيعة عمله وهو يرفع الأثقال في المغالق مثل السيخ والأسمنت والزنك، ولذلك مولانا القاضي ألتمس من حضرتك شطب هذا البلاغ والإفراج عن المتهم دون شرط.

القاضي يرفع المحكمة ويحدد الجلسة القادمة بعد شهر... وتوالي الجلسات.

         وقبل يومين من جلسة الإستماع الأخيرة، سقطت مدينة الكرمك بالنيل الأزرق في أيدي متمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق، وانتشرت إشاعات بوصول تعزيزات عسكرية إلى مشارف ولاية الجزيرة، وربما العاصمة القومية الخرطوم، واتخذت أجهزة الدولة موقفاً ضد الجنوبيين، وأصبح ينظر إليهم كطابور خامس، وأخذت الحرب طابعاً عنصرياً ضد الجنوبيين خاصة أجهزة الدولة.

وفي هذا الجو المشحون، قدم المتهم جوزيف جون إلى قاعة المحكمة التي كانت ممتلئة بأصحابه، في نفس الوقت تتعالى الهتافات المضادة من أفراد أسرة المرحوم بالقصاص، والاستفزاز ضد الأستاذ بابكر المحامي واتهامه بالعمالة ومساندة المجرمين، دون علم بأن الدفاع حق يكفله القانون حتى للمجرمين الذين ينتهكون القوانين، لكن هذه الإدعاءات كان يبررها الوضع السياسي في البلاد.

         يواصل محامي الإتهام... هذه الأيام سيدي القاضي، نتيجة لما يدور في البلاد، كثرت حوادث أخوتنا الجنوبيين في الخرطوم، حيث تم قتل شخص في متجره بالكلاكلة، ولذلك لا نستبعد بأن هذا الحادث له علاقة بما يدور في البلاد، خاصة هجوم المتمردين على النيل الأزرق، ولذلك وحسب طلب أولياء الدم الذين أجمعوا بأن يتم إعدام المتهم شنقاً حتى الموت، أطلب من المحكمة الموقرة إصدار عقوبة الإعدام ضد المتهم.

 أصحاب جوزيف من التجار الشماليين الذين كانوا موجودين في الجلسة، يهتفون: الحرية الحرية لـ "يوسف" فهو ليس مجرماً ولم يكن هو القاتل.

 الأستاذ بابكر نهض واستاذن القاضي بالحديث:

سيدي القاضي، هذه القضية تنقصها البينات، وأي ربط لهذه القضية بما يدور في النيل الأزرق ليس له سند قانوني، ولذلك أطلب من المحكمة الموقرة شطب هذا البلاغ والإفراج عن المتهم فوراً.    

القاضي رفع الجلسة قليلاً لإجراء المشاورات، واستأنف الجلسة بعد نصف ساعة، وبعد الرجوع إلى القاعة،

حكم القاضي على جوزيف جون الملقب بـ"يوسف"، بدفع دية قدرها واحد وعشرين ألف جنيه، وفي حالة عدم الدفع يقضي المتهم عشرة سنين بالسجن. 

الكل غير راضٍ عن هذا الحكم، فأولياء الدم يرون بأن المحكمة لم توقع عقوبة الإعدام ضد المتهم، لكن أسرة جوزيف ترى بأن المحكمة ظلمته لأنه لم يكن هو القاتل وأن هذه القضية فيها تسييس، وكان من المفترض أن يتم إطلاق سراح جوزيف فوراً نتجة لغياب الأدلة التي تدعم الإدعاء بأنه هو القاتل.

***

رواية “حكاية إعدام جوزيف”. الحلقة الأولى.

حكاية إعدام جوزيف. رواية بقلم

د. ضيو مطوك ديينق وول                                                          

د. ضيو مطوك ديينق وول

 إهداء

إلى أرواح الأبرياء ضحايا الفصل العنصري والصراع الإثني والديني.المؤلف

الفصل الأول

المشهد الأول

يدخل السجان الرقيب «عثمان خاطر آدم» إلى الزنزانة رقم 9، والحزن الشديد يغمره، ليخطر السجين "«جوزيف جون باك»، المعروف بـ«يوسف» والمحكوم عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت، بأن إدارة السجن سمحت له بزيارة أقربائه، قبل الذهاب إلى حبل المشنقة فجر الغد، وهي الزيارة الأخيرة في حياته.

         تُبلغ هذه الرسالة المؤثرة للمتهم والوقت زهاء الرابعة عصراً، بعد مرور أكثر من ست سنوات في سجن كوبر بالخرطوم بحري، وهو يقضي عقوبته المقدرة بعشر سنوات، لعدم وفائه بدفع الدية البالغة واحد وعشرون ألف جنيه سوداني.

خرج «جوزيف» من زنزانته، برفقة الرقيب عثمان، وسجان آخر، صوب منزل خاله اللواء المتقاعد «مورس تونق» الحاكم الأسبق لإقليم بحر الغزال بالطائف، وهو من الأحياء الراقية بمدينة الخرطوم.

ذهب جوزيف إلى منزل خاله وهو يحلم بشيء واحد فقط في الساعات المتبقية من حياته، يريد أن يخطره بأنه ليس مذنباً ولم يكن هو القاتل، لكنه ضحية المشروع الحضاري الإسلامي في السودان وهو راضٍ بقدر الخالق طالما هو غير مذنب، ولذلك يطلب من خاله اللواء مورس إبلاغ أسرته، خاصة الوالدة تريزا، بهذه الحقيقة.

لكن جوزيف لم يحالفه الحظ في سعيه هذا، حيث لم يجد خاله في المنزل، وهي ورطة كبيرة حسب اعتقاده، تندرج في العوارض التي صاحبت حياته منذ الطفولة، بما في ذلك حدث نهب أبقارهم ونجاته من الموت أثناء الهجوم على قريتهم باتوكطو من قبل المراحيل.

         كان يعتقد بأن  قول الحق سيحرره من الذنوب والخطايا، بما في ذلك اللقاء مع أسامة بن لادن واعتناقه الإسلام. لكن من المؤسف، لم ينجح جوزيف في توصيل رسالته عن حقيقة جريمته لخاله، حيث وجده خارج المنزل في زيارة عائلية لقريبه المريض بمستشفي بحري التعليمي، حسب إفادة ولد خاله في المنزل.

          السجان الآخر الذي كان يرافقهما، نظر لساعته ثم استأذن عثمان وجوزيف للعودة إلى السجن لأن الوقت بات متاخراً. وبالتالي فشل جوزيف في إبلاغ رسالته الأخيرة إلى خاله.

          عند الساعة الثالثة صباحاً أقتيد جوزيف وآخرين إلى حبل المشنقة، وتم تنفيذ الإعدام شنقاً حتى الموت، ودفن جثمانه بمقابر المسلمين بالصحافة دون علم أقاربه.

المشهد الثاني

          وُلد جوزيف في أسرة محافظة تنتمي للإدارة الأهلية، حيث يعمل والده عمدة عشيرة فاتييك، وهي عشيرة لها الكلمة الأخيرة في المنطقة من ناحية الإلهيات الإفريقية واللجوء للمجتمع إذا حدثت مشكلة أو كارثة طبيعية في المنطقة، لكن هجمات المراحيل المباغتة كانت خارج سيطرة أصحاب هذه الإلهيات والمعتقدات بسبب أن الشباب بما- فيهم جوزيف- هجروا التقاليد واعتنقوا الديانة المسيحية، ولذلك لم تكن هذه المعتقدات الإفريقية فاعلة في التصدي للمشكلات والكوارث كما كان يحدث في السابق.

         مع بداية التمرد في جنوب السودان، نهاية السبعينات، كثرت هجمات المليشيات (الدفاع الشعبي) والمراحيل- والمراحيل هو اسم آخر للجنجاويد بجنوب دارفور وغرب كردفان- على القرى الواقعة على خط السكك الحديد، خاصة شمال بحر الغزال، لا سيما منطقة اتوكطو وكروك ودولويت وفيض اتاك وايات، وتلك المناطق تُعرف بملوال جيرنيانق بأويل الشمالية التي تجاور الرزيقات والهبانية، وأيضاً المسيرية من ناحية أبيم بأويل الشرقية. كل تلك المناطق تعرضت لهجمات منظمة من المليشيات ونهبت المواشي واختطفت النساء والأطفال وحرقت القرى والفرقان، وأخذت المنهوبات إلى دارفور وكردفان وأحياناً إلى النيل الأبيض.

كردفان

           بعد أن فَقَدَ الأمل وأوشك على اليأس بسبب فقدانهم للأبقار، فكر جوزيف في الذهاب إلى الخرطوم بحثاً عن فرصة جديدة في الحياة، بدلاً عن الذهاب إلى أثيوبيا كسائر زملائه الذين فضلوا التمرد وذهبوا إلى بلفام بغرض استجلاب السلاح الناري دفاعاً عن منطقتهم.

         غادر جوزيف منزلهم بمجوك ديينق وول إلى أرياط، وهي مدينة صغيرة تقع على السكة الحديدية الرابطة بين واو وبابنوسة بغرب كردفان حتى يتمكن من ركوب القطار من هناك. وهو لا يعلم أن هذه الرحلة ستكون الأخيرة ولا رجوع له بعدها.

وقبل سفره إلى الشمال، قضى جوزيف أياماً مع أقاربه في منزل خالته ميري بالجزء الغربي للمدينة ويفتح على السكك الحديد من الناحية الشرقية وبخلفه سوق ارياط الكبير، وجواره سوق المواشي المعروف بالدلالة. لكن لحظة نهب أبقارهم ظلت راسخة في ذهنه يتذكرها كلما رأى بقراً. قرر جوزيف أن لا يُخطر خالته بموضوع السفر إلى الشمال خوفاً من معارضتها الفكرة.

واو

          القطار يتحرك أسبوعياً من بابنوسة إلى واو وبالعكس مروراً  باويل. ورغم أن المحطة الأخيرة للقطار جنوباً هي مدينة واو عاصمة إقليم بحر الغزال، إلا أنه أشتهر بـ"قطار أويل" لأن كثيراً من الركاب الذين يقصدون شمال السودان يركبون دائماً من أويل، خاصة المسافرين من  قوقريال الكبري فدرجوا على تسميته بهذا الاسم.

         وصل "قطار اويل" مدينة أرياط في الثامنة مساءًـ وركب جوزيف دون علم أقاربه، وعند الفجر وجد نفسه في بابنوسة، لكنه لم يكن يمتلك مصروفات كافية توصله إلى الخرطوم، فقرر البقاء في بابنوسة لبعض الوقت حتى يتحصل على مصاريف تمكنه من استئناف رحلته إلى الخرطوم.

          وجد جوزيف عملاً مع صاحب كارو لنقل مياه الشرب إلى المنازل، وهي وظيفةٌ مغريةٌ مقارنةً بالأعمال الهامشية الأخرى في المدينة. صاحب الكارو وافق على أن يعطي جوزيف نسبة 25% من الإيراد اليومي، وهي نسبة ممتازة يستطيع الصرف منها وتوفير البقية لرحلته القادمة، ولذلك قرر أن يعمل معه  لمدة ثلاثة أشهر قبل مواصلة رحلة الخرطوم.

         أثناء وجوده ببابنوسة تعارف جوزيف على شخص يدعي مارتن، وهو من الذين خرجوا من أتوكطو قبل خمسة أعوام وقضي هذه المدة في بابنوسة، إلا أنه قرر السفر إلى الخرطوم  قبل أسبوع من سفر جوزيف، لذلك فكر  جوزيف أن يسلمه رسالة خطية يخطر فيها أقربائه باللاماب بأنه سيأتي إلى الخرطوم الأسبوع القادم.

 بعد أسبوع وصل جوزيف محطة الشجرة، وهي النقطة قبل الأخيرة للذين يزورون الخرطوم بالقطار. وهي قريبة من اللاماب، وأقل ازدحاماً من محطة الخرطوم.

         وجد جوزيف أهله في الإنتظار بالسكك الحديد، وبعد استقباله ذهبوا به إلى المنزل، وهو نفس المنزل الذي أُعتقل فيه بتهمة القتل ومواجهة عقوبة الإعدام فيما بعد.

أرض الحضارة

         معظم الشباب في هذا المنزل يعملون في مهن هامشية مثل خدم المنازل (أيضاً يطلق عليه اسم اوشين)، عمال البلدية وعتالة بسوق السجانة، وبعضهم يعملون في المصانع، خاصة المشروبات الغازية مثل بيبسي كولا وكوكا كولا وميرندا وبزيانوس.

في البداية، التحق جوزيف مع المجموعة التي تعمل بسوق السجانة قبل أن ينضم إلى شركة بيبسي كولا، حيث مكث فيها أكثر من نصف عام يعمل كعتال مواد البناء مثل السيخ والإسمنت والزنك. رغم وصوله حديثاً إلا أنه اشتهر داخل السوق بالطيبة وحسن الأخلاق مما جعل الكل يحترمه وأُطلق عليه لقب جديد "يوسف"، فكثير من التجار وزملائه كان ينادونه بهذا الاسم. وسِر يوسف هذا جاء من كلمة جوزيف نفسها، لأن في المسيحية يوجد القديس جوزيف خطيب مريم العذراء أم يسوع، الذي يعتبر من أرفع القديسين في الكنيسة الكاثوليكية، لكن المسلمين يفضلون اسم يوسف علي جوزيف، وهو نفس الاسم.

انتظرونا مع الحلقة الثانية يوم السبت الموافق 10 مايو2025

رواية “إعدام جوزيف” أحدث إصدارات “دار النخبة العربية للنشر والترجمة والأبحاث”.

مؤخرًا صدرت عن "دار النخبة" رواية "حكاية إعدام جوزيف" للكاتب الأديب، المفكِّر السياسي، الدكتور "ضيو مطوك ديينق وول" – يعمل حالياً وزيراً للإستثمار في جمهورية جنوب السودان، وهو في نفس الوقت مقرراً للجنة وساطة السلام حول الصراع السوداني المسلح. مُنح الدكتور "وول" جائزة السلام، وسُمِي سفيراً للسلام من قبل اتحاد السلام الدولي لدوره في وساطة السلام السوداني في العام 2020م.،

"الكاتب الدكتور/ ضيو مطوك ديينق وول"

في مطلع عام 2014، انطلقت "دار النخبة" من قلب العاصمة المصرية القاهرة لأهداف متعددة، منها إرساء مشروع ثقافي فكري متكامل لا يقتصر على نشر المؤلفات في كافة التخصصات، وإنما شمل الترجمة الاحترافية وإجراء الأبحاث وفق أعلى المعايير الاحترافية في فنون الطباعة والتسويق والتوزيع.

خلال 11 عاماً من مسيرة الدار، قدمت "النخبة" للمكتبة العربية أكثر من 1200 كتاب في كافة التخصصات، لمؤلفين من جميع الدول العربية وأدباء المهجر، وغيرها من دول العالم، بلغات مختلفة منها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية.

يرتكز توجه “النخبة “على احترام الكاتِب والكتَاب، والإلتزام الصارم بأخلاقيات مهنة النشر، وتقديم رؤية جديدة لصناعة الكتاب من بينها الدقة في انتقاء المحتوى، والجودة في إخراجه وتصميمه وتنفيذه وطباعته، والاهتمام بنشره وترويجه إعلامياً ودعائياً، بما يضمن له؛ في النهاية؛ مكاناً بارزاً في مكتبة القارئ.

في الوقت ذاته، تحرص "النخبة" على تجاوز بعض السلبيات في مجال النشر، والتواصل مع المهتمين والمهمومين بأحوال النشر في مصر والعالم العربي، ومساعدة كل صاحب حلم أو تجربة راقية؛ سواء من الأفراد أو المؤسسات.

تؤمن دار النخبة العربية أن العلاقة التي تربطها بالمهتمين والعاملين في مجال النشر هي علاقة تكاملية لا تنافسية، وأن التعاون يحقق الرقي بالكاتب والكتاب، ما سيعود بالنفع على الجميع، بدءاً من المؤلف إلى المتلقي إلى الناشر.

مدير عام النخبة هو الأستاذ/ أسامة إبراهيم، بكالوريوس الإعلام، قسم الصحافة، كلية الإعلام، جامعة القاهرة (1988م).

أسامة إبراهيم

    • مؤسس ومدير النخبة العربية للنشر والترجمة والأبحاث.كاتب قصصي وروائي، عضو اتحاد كتاب مصر.إعلامي، مقدم برنامج "حديث النخبة" على قناة الحدث اليوم. سكرتير عام مؤسسة رسالة السلام للأبحاث.

    عضو مجلس إدارة النقابة العامة للتحكيم الدولي وخبراء الملكية الفكرية.

    • رئيس تحرير مجلة عالم الغذاء.
    • مدير التحرير للإعلام المتخصص، مؤسسة اليوم الإعلامية بالرياض.
    • محقق صحفي ومحرر أدبي بمجلة "روزاليوسف" القاهرية.
    • نائب مدير مكتب جريدة الشرق القطرية بالقاهرة.
    • مراسل سابق لعدد من الصحف العربية منها: الوطن، القبس، الراية، اللواء العربي.
    • مدير تحرير مجلة "الثقافة الصحية" التي تصدر شهريًا عن مستشفى قوى الأمن.
    • مدير تحرير مجلة "الملتقى الصحي" التي تصدر شهريا عن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.
    • مدير التحرير العام لإدارة التحرير في مؤسسة روناء للإعلام المتخصص بالرياض.
    • سكرتير تحرير مجلة "التعاون" التي تصدر عن مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

    • سكرتير تحرير مجلة السكري التي تصدر شهريا عن مؤسسة "سكري إنترناشيونال الخيرية.

هذا وسيتم نشر الرواية في ثمانية عشر حلقة إعتبارًا من الثلاثاء 6 مايو 2025.

الفارابي ينشر رواية: “إعدام جوزيف” للدكتور “ضيو مطوك”.

الدكتور "ضيو مطوك ديينق وول"، حائز على الدكتوراة في دراسات السلام والتنمية من جامعة جوبا، ثم دراسات فوق الدكتوراة بجامعة اتلانتا العالمية بالولايات المتحدة الأمريكية.

بعد تخرجه عمل أستاذاً مساعدًا بمركز دراسات السلام والتنمية بجامعة جوبا، وتدرج ليصبح أستاذًا مشاركًا بالمركز. كما لعب دورًا بارزًا في نقل المركز من الخرطوم إلي جوبا، وتطوير مناهجه، بعد التوقيع علي اتفاقية السلام الشاملة في السودان 2005.

شارك في كثير من مبادرات السلام مفاوضًا أو وسيطًا أو مسهلًا، مثل اتفاقية السلام الشاملة في كينيا عام 2005، اتفاقية السلام لمعالجة النزاع بجنوب السودان 2015، اتفاقية السلام المنشطة عام 2018، واتفاقية جوبا للسلام في السودان 2020. كما عمل مقررًا للجنة وساطة جنوب السودان للنزاع في السودان ثم مقررًا للجنة تقصي الحقائق في نزاع "الدينكا نقوك ضد تويج".

كان الدكتور "ضيو مطوك ديينق وول" دورًا في إحياء الموتمرات الأهلية السنوية التي كان ينظمها الحكم البريطاني من أجل استقرار القبائل الحدودية خاصة الدينكا ملوال في بحر الغزال والمسيرية والرزيقات في كردفان ودارفور على التوالي. أُختير خبيرًا للاتحاد الأفريقي عام 2012 في النزاع الحدودي في منطقة الميل 14 التي يتنازع عليها جنوب السودان والسودان.

أيضًا يعمل دكتور وول ضمن الفريق الفني لفض النزاعات ودعم الوساطة والتفاوض التابع لمنظمة "الايقاد". أيضا عمل في الخدمة المدنية وتدرج حتي أصبح مديرًا عامًا، ثم عمل عضوًا بالبرلمان القومي في الخرطوم قبل الانفصال، وانتقل الي الجهاز التنفيدي وزيرًا في أكثر من موقع حيث يعمل حاليا" وزيرا" لاستثمار بجمهورية جنوب السودان.

الدكتور "ضيو مطوك ديينق وول"

للدكتور وول مولفات عديدة في مجالات دراسات السلام، وفض النزاعات، وبناء السلام حيث يدير "المركز الأفريقي لفض النزاعات وبناء السلام" بجنوب السودان. هو باحث وكاتب ومفكر له العديد من المؤلفات، مثل؛ "سياسة التمييز الإثني في السودان وتداعياتها على انفصال جنوب السودان". "الرعي والحدود والنزاعات: السلطة وإدارة النزاع في الميل 14". وكذلك كتاب "إعادة تشكيل الهوية الوطنية في جنوب السودان: عناصر القوة والضعف".

كذلك كتب رواية بعنوان: "إعدام جوزيف"، وهي الرواية التي سيقوم مركز الفارابي بنشرها في حلقات متصلة. فضلًا عن الكثير من المقالات العلمية والأكاديمية نشرت في الدوريات العالمية. مُنح الدكتور "ضيو مطوك ديينق وول"، جائزة دولية في مجال السلام، سُميَّ سفيرًا للسلام من جانب "اتحاد السلام الدولي لدوره في حل النزاع المسلح في السودان عام 2020".   

اهم توصيات ندوة العلاقات العربية الكردية

شارك في ندوة "العلاقات العربية الكردية – قاطرة التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط" نخبة من الأكاديميين والباحثين والكتاب والصحفيين والسياسيين المصريين. وبحثوا آفاق التعاون بين العرب والكرد في مختلف المجالات، بما في ذلك المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية.

تناولت ندوة "العلاقات العربية الكردية – قاطرة التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط" الجذور التاريخية للعلاقات العربية الكردية، والعلاقات الثقافية والفنية بين العرب والكرد، والعلاقات العربية الكردية خلال الفترة من 1992 إلى 2024، وكردستان والمحيط العربي من منظور جيو-اقتصادي.

توصيات لتعزيز العلاقات العربية الكردية:

خلصت ندوة "العلاقات العربية الكردية – قاطرة التوازن الإقليمي في الشرق الأوسط" إلى مجموعة من التوصيات لتعزيز العلاقات بين العرب والكرد، منها:

1-السعي لتفعيل مبادرة السينمائيين الخاصة بمشروع مشترك لتسجيل التراث الكردي .

2-إنشاء معهدعربي كردي يستهدف تنشيط حركة التواصل والنشر والترجمة والاطلاع على آداب وفنون وثقافات كل طرف اضافة الى التحديات والمخاوف التي تهدد الهوية المشتركة للعرب والكرد والهوية الخاصة لكل منهما .

3-العمل على نسج علاقات أكاديمية وفكرية مع الأكاديميات الكردية المختلفة، على سبيل المثال أكاديمية عبد الله اوجلان للعلوم الإجتماعية.

4-تفعيل التعاون الثقافي والإعلامي والسياحي بين العرب والكرد بوسائل شتى.

5-العمل على مناقشة واسعة ومعمقة لمشروع الأمة الديمقراطية من خلال الندوات وورش العمل بإعتباره أخد المشاريع المهمة المطروحة لحل مشكلة الكرد والأقليات في المنطقة.، بل وحل المشاكل التي تعاني منها المنطقة.

6- السعي للبحث عن سبل تفضي إلى دخول السلع المصرية ألى مناطق شمال وشرق سورية ( الإدارة الذاتية).

7-دعوة المؤسسات الدينية المصرية لتعظيم دورها الحضاري في المناطق الكردية

الدكتور يوسف زيدان في ضيافة “المنتدى الثقافي المصري”

في اطار الموسم الثقافي الجديد لعام 2024 الذي ينظمه "المنتدى الثقافي المصري"، تقيم "لجنة الصالون الثقافي" برئاسة "الأستاذ الدكتور حاتم قابيل" رئيس مجلس إدارة المنتدى، وبمشاركة "الأستاذة الدكتورة عبلة سلطان" أستاذ التاريخ الإسلامي، عضو مجلس إدارة المنتدى الثقافي، ندوة فكرية ثقافية يتحدث فيها "الأستاذ الدكتور يوسف زيدان"حول: "الإعلاء الوهمي للذات ونتائجه"، وذلك في تمام السابع مساء الجمعة الموافق 1مارس2024، بمقر المنتدى بجاردن سيتي (1101كورنيش النيل جاردن سيتي، بجوار السفارة البريطانية".

الأستاذ الدكتور يوسف زيدان

يعود تاريخ "تأسيس الصالون الثقافي للمنتدى الثقافي لعام 1998م" حيث أسسه المرحوم الأستاذ الدكتور عبد العزيز حجازي، رئيس وزراء مصر الأسبق، عندما تولى رئاسة مجلس إدارة المنتدى الثقافي في عام 1997م، وهو التقليد الذي تمسك به المرحوم معالي السفير أحمد الغمراوي مساعد وزير الخارجية الأسبق، مجلس إدارة المنتدى الثقافي في عام 2012م.

الأستاذ الدكتور حات قابيل

من الجدير بالذكر أنه بعد إنتخاب مجلس إدارة جديد للمنتدى الثقافي المصري في يونيو 2023م، كان في صدارة القرارات التي اتخذها المجلس، تجديد وتطوير وتحديث المنتدى الثقافي، المحافظة على التراث الثقافي النوعي الفريد، الذي امتاز به المنتدى على مدار عقود ثلاثة وبصفة خاصة: "الصالون الثقافي"، "صالون المقامات الموسيقية"، و"نادي السينما"، وهو ما بدأ تنفيذه فعليًا على أرض الواقع مع مطلع هذا العام 2024.

الأستاذة الدكتورة عبلة سلطان

هذا وتضم "لجنة الصالون الثقافي" التي يترأسها الأستاذ الدكتور "حاتم قابيل"، عددً من الأعضاء ذوي التاريخ الفكري الثقافي الأكاديمي المعرفي، مثل "الأستاذة الدكتورة عبلة سلطان" وكذلك الأستاذة الأديبة الكاتبة نجيَّة المسلمي".

أحد الأعمال الأدبية للكاتبة نجية المسلمي

أيضًا من الموضوعات والقرارات المهمة التي اتخذها مجلس الإدارة الجديد في نهاية عام 2023 تفعيل عمل اللجان النوعية المتخصصة ، مثل "لجنة كاتب وكتاب، "لجنة الرحلات الثقافية"، "لجنة الفنون" وكذلك "لجنة الفنون والثقافية العربية" وهي لجنة مستحدثة لأول مرة في تاريخ المنتدى"، ويترأس هذه اللجنة الأستاذ الدكتور مدحت حماد السكرتير العام للمنتدى.