رؤى ومقالات

القمة العربية الإسلامية (الأفريقية): تمخَّض الجبلُ وأنجبَ فأرًا.

بقلم: أ.د. مدحت حماد

بعد طول انتظار وسُبات وبيَات شتوي بلغ سنة كاملة، ومن أجل العمل على إيجاد حل للجرائم الصهيونية النازية الفاشستية العنصرية المجرمة ضد بعض شعوب الأمة العربية هما الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، ومن أجل إيجاد حلول جذرية لوقف حمامات الدم والتدمير السرطاني الممنهج لمقدرات هذين الشعبين، والحد من الإغتصاب السافل المجرم لممتلكات وأعراض وحقوق هذين الشَعبَين العربيّين المُسلِمَين، و... و... إلخ،

اجتمع قادة 56 دولة عربية وإسلامية، تتمتع بقدرات استراتيجية شاملة رهيبة وضخمة ومُخيفة، تجسدها الحقائق التالية:

1- عدد سكان هذه الدول يقترب من 2 مليار نسمة.

2- تمتد أراضي هذه الدول في ثلاث قارات هي: آسيا وأفريقيا وأوروبا.

3- تبدأ حدود هذه الدول من الحدود الغربية للصين شرقًا وحتى الحدود الشرقية للمحيط الأطلنطي غربًا، من الحدود الجنوبية لروسيا شمالًا وحتى السواحل الشمالية للمحيط الهندي جنوبًا.

4- تمتلك هذه الدول أكبر مخزون العالم من النفط والغاز وجميع المعادن الإستراتيجية النفيسة كالذهب، النحاس، ليورانيوم، الفضة، الحديد، الفوسفات، المنجنيز إلى آخر القائمة.

5- تمتلك هذه الدول أكبر مساحات العالم القابلة للزراعة.

6- تتمتع هذه الدول بحدود ساحلية طويييلة وممتدة على جميع البحار والممرات والمضايق الإستراتيجية في العالم: البحرين الأحمر والمتوسط، بحر قزوين، بحر ايجه، مضيق هرمز، مضيق باب المندب ومضيق جبل طارق.

7- تمر عبر أراضي هذه الدول جميع خطوط الطيران العابرة للكرة الأرضية من الشمال للجنوب والعكس، من الشرق للغرب والعكس.

8- تمتلك هذه الدول قرابة ثلث اقتصاد العالم، ويزيد مجموع احتياطاتها النقدية الإستراتيجية المُعلنة سوء داخل بنوكها الوطنية أو البنوك العالمية قرابة عشرة تريليون دولار. وماخفيَّ كان أعظم.

اجتمعوا يوم الإثنين الموافق الحادي عشر من نوفمبر 2024 في الرياض حيث أرض الحرمين الشريفين، وقد جاءوا جميعًا من كل فج عميق، مُحاطين بالحراسات الأمنية المعقدة الشاملة الحصينة التي خُصصت لها ميزنيات ضخمة من مقدرات وأموال شعوبهم، اجتمعوا وقد أخذَ البعض من الناس يعقدون آمالهم على اجتماعهم هذا، لعلهم ينتفضون كالجبال، ولما لا؟ وجميع أوطانهم مملوءة بالجبال الراسخات بداية من جبل "أُحد" حتى جبال زاجروس وألبُرز وجبال البحر الأحمر، وجبال أفغانستان العظيمة مقبرة المعتدين على مر التاريخ، بينما البعض الآخر من بسطاء المسلمين والعرب يدعو بأن "يَنفُخ الله في صورتهم"، فتدب فيها الروح مثلما نفخ الله عزَّ وجل في آدم وعيسى عليهما السلام!!

لكن واقع الأمر ومرارة الحقيقة كانتا تقولان هيهات هيهات هيهات. هيهات أن ينفخ الله من روحه في صور هؤلاء الملوك والحكام، الذين ظلوا يشهدون لمدة عام كامل وأكثر عبر شاشات البث المباشر، جرائم الصهيونية النازية الفاشستية العنصرية المجرمة وبحار الدم التي أخذت تجري في سهول وأودية وتلال وجبال غزة ولبنان، ضد الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني، وهذا ما كان بالفعل. ليكشف هذا الحدث عن حقيقة مُرَّة وهي أنه ولأول مرة في التاريخ المعاصر تفقد غالبية إن لم تكن معظم الشعوب العربية الإسلامية الثقة في الإرادة الجَمعيِّة وقدرة الحكام العرب والمسلمين في القيام بما يجب أن يقومون به من أجل نُصرَة بعضًا من أشقائهم وإخوتهم في فلسطين ولبنان.

فما تمخَّض عنه الإجتماع هو تجسيد لحالة الضعف والهوان، إن لم يكن الذل والخنوع والإستسلام الجمعي. ما حدث أن أصدر المجتمعون بيانًا طويلًا طويلًا طويلًا. بيان جاء في 38 بندًا غير المقدمة، ولنتصور كيف بدت وما هي "طبيعة" الكلمات الافتتاحية لكل بند من هذه البنود الـ 38؟ الحقيقة أنها لم تكن سوى تجسيد حقيقي مؤلم ومُخذي في نفس الوقت للمثل العربي الذي يقول: تمخَّض الجبلُ وأنجَبَ فأرًا!! كيف؟

لقد قمتُ بعمل حصر إحصائي للكلمة الأولى من كل بند فكانت النتائج كالتالي:

الكلمة عدد مرات ذكرها ملاحظات
التأكيد 6 البنود أرقام:1، 3،4، 12، 24، 36
التحذير 1 البند رقم: 2
دعوة 5 البنود أرقام: 5، 15، 23، 30، 32
التنديد 1 البند رقم: 6
إدانة 10 البنود أرقام: 7،8،9،11،16،22،27،28،29،33
رفض 1 البند رقم: 10
مطالبة 4 البنود أرقام: 13،17،19،21
الترحيب 2 البنود أرقام: 14،37
العمل 2 البنود أرقام: 18،26
حث 1 البند رقم: 20
شكر 1 البند رقم: 25
تكليف 3 البنود أرقام: 34،35،38

فإذا ما قمنا بعمل تصنيف لهذه الكلمات سنجدها كما يلي:

1- "التأكيد، الدعوة، الإدانة، التنديد، والرفض". هي كلمات مترادفة تبيِّن طبيعة شخصيِّة ليِّنة أقرب إلى العجز.

2- الترحيب، الشكر والحث. هي كلمات مترادفة تبيِّن طبيعة شخصيِّة متأدِبة، مُسالمة، غير ذات أنياب.

3- التحذير، الرفض، المطالبة. هي كلمات مترادفة تبيِّن طبيعة شخصيِّة أقصى قدراتها "الإحتاج اللفظي".

4- تكليف. تكشف عن الإرادة والسلطة.

السؤال المُهم هنا هو: في أي مواضع تم استخدام كلمة "تكليف"؟ الإجابة المباشرة هي في المواضع الخاصة بالبيئة الداخلية، أي تكليف الأمين العام للجامعة العربية، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، اللجنة الثلاثية المشتركة!!! أي أي إعمال السلطة والسيادة متحقق فعليًا ومُنصَب على الذين يخضعون لسيادة وسلطة الحكام العرب والمسلمين أي "الموظفين التابعين لهم"!! لكن، أن تظهر هذه السلطة والسيادة على الذين يعتدون ويهددون ويدمرون ويقتلون العرب والمسلمين وجميع مقدرات حياتهم، فهيهات وألف هيهات.

ما سبق يشكِّل جريمة تاريخية وقع فيها الملوك والحكام المجتمعون في الرياض. جريمة، أعتقد في أنها قد نالت من مكانة البعض منهم لدى بعض أو كثير أو أغلب الشعوب العربية الإسلامية. جريمة ستضعهم تحت المحاكمة التاريخية بكل تأكيد، حتى وإن لم تضعهم الآن تحت المحاكمة الفعلية بموجب المقررات الخاصة بميثاق جامعة الدول العربية من جانب ومنظمة المؤتمر الإسلامي من جانب آخر، وهي المواثيق التي تفرض على الحكام استخدام كافة الوسائل والامكانات والقدرات للدفاع عن جميع الشعوب العربية والإسلامية.

اللواء سمير فرج شاهد أيام الرئيس السادات في غرفة عمليات حرب 73

سمير فرج.. أصغر ضابط في غرفة عمليات حرب أكتوبر

كانت المرة الأولى التي ألتقي بها الرئيس الراحل محمد أنور السادات، في واحد من أهم وأعظم الأيام في تاريخ مصر ، يوم السادس من اكتوبر 1973م. كان مكان اللقاء غرفة عمليات حرب أكتوبر 1973 التي كنت متواجدًا فيها كأصغر ضابط برتبة رائد أركان حرب ، فبعد دراستي في كلية أركان حرب، ولكوني الأول علي الدفعة، تم اختياري لأكون في هيئة عمليات القوات المسلحة المسئولة عن التخطيط وإدارة العمليات، فكان لي شرف التواجد، طوال فترة حرب أكتوبر، في غرفة العمليات الرئيسية للحرب، لأشهد على جميع أحداثها.

اللواء الدكتور سمير فرج

كنا في يوم العاشر من شهر رمضان المعظم، وكنا جميعا صائمون، وإذا بالرئيس السادات يصل إلي الغرفة في تمام الساعة الثانية عشر ظهرا، وخلفه عدد من الجنود حاميلن في أيديهم صواني طعام بها سندوتشات وعلب عصير، ليمسك بالميكروفون وينادي علي جميع مَن في الغرفة من قادة وضباط قائلا: "أنا الرئيس أنور السادات رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، لقد وصلت اليوم لأكون معكم في أهم لحظة من حياة مصر، وفي البداية أقول إن الله سيكون معنا لأننا أصحاب حق وندافع عن أرضنا وعرضنا، ولقد حصلتُ على فتوى من دار الإفتاء المصرية اليوم، أنه من حق كل من يقاتل لتحرير الأرض، أن يفطر في رمضان، لأنه يجاهد من أجل تحرير أرضه، وأرجو أن يتم إبلاغ كل الجنود والضباط في الجبهة بأن المفتي قد أباح لهم الإفطار في شهر رمضان الكريم."

السادات: مفتي الجمهورية أباح للجنود والضباط الإفطار في شهر رمضان الكريم."

قام أحد الجنود، منفذاً للتعليمات، بتوزيع سندوتشات علينا، فما كان من الجميع، إلا أن وضعناها جنباً، دونما أي اتفاق بيننا، واستمرينا بالعمل. بعد أن أنتهي الرئيس من كلمته، جلس في موقعه علي المنصة الرئيسية، وعلى يمينه المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية آنذاك، وعلى يساره الفريق سعد الشاذلي، رئيس الأركان وعلى يمين وزير الحربية رئيس هيئة العمليات اللواء محمد الجمسي.
كانت هناك خريطة كبيرة لمنطقة العمليات، أمام هذه النخبة العسكرية التي أدارت معركة النصر، وكنت أنا الرائد أركان حرب سمير فرج، أجلس على هذه الخريطة ومهمتي رسم مواقع العمليات أولاً بأول وفقًا لما يدور في أرض المعركة، حتي يتمكن الرئيس السادات ومعه القادات من رؤية الموقف على الخريطة أولاً بأول. كان أول مافعلة الرئيس السادات أن طلب من الفريق سعد الشاذلي بصفته رئيس أركان حرب القوات المسلحة، عرض الموقف الآن، قبل بدء الحرب وهو ما قام به الفريق الشاذلي، حيث أخذ في استعراض الموقف علي الجبهة ووضع استعداد القوات لبدء العملية الهجومية " جرانيت " في تمام الساعة الثانية ظهرا ، وأن مركز العمليات تلقى تمام استعداد جميع القوات لبدء العملية الهجومية، ولم ينس الشاذلي أن يعرض على الرئيس السادات الموقف في الجبهة السورية واستعداد القوات هناك، وكذلك موقف الوحدات البحرية في باب المندب، التي ستقوم بفتح مظروف العمليات في الثانية ظهرًا لتبدأ تنفيذ المهمة الساعة 2:15 ظهراً.

"يا حسني ولادك جاهزين؟ "يا محمد لو طيارة إسرائيلية دخلت مش هنقدر نفرد الكباري ونعبر."

بعدها طلب الرئيس السادات أن يتصل بقادة الجيوش، فبدأ بالإتصال بقائد الجيش الثاني ثم قائد الجيش الثالث واطمئن منهم على استعداد قوات الجيش لبدء الهجوم، كذلك اتصل بقائد القوات الجوية وسأله: "يا حسني ولادك جاهزين؟ أنتم أول ما ينفذ بدء العملية الهجومية؟" بعدها اتصل بالفريق محمد علي فهمي، قائد قوات الدفاع الجوي وقال "يا محمد لو طيارة إسرائيلية دخلت عندنا خلي بالك مش هنقدر نفرد الكباري ونعبر."
مرت الدقائق كأنها سنين، حتى بدأت الضربة الجوية، وشاهدنا على الشاشة داخل غرفة العمليات الـ 220 طيارة تعبر قناة السويس، لتنجح الضربة الجوية الأولى، وكان من المفترض أن يكون هناك ضربة ثانيه في حالة عدم نجاح الضربة الأولى، لتأتي الإشارة من الفريق حسني مبارك بتمام نجاح الضربة الأولي وعدم وجود داعي للضربة الثانية.

يا أولادي: المقدم طيار عاطف السادات يعطي عائلة السادات شرف الاستشهاد في الضربة الجوية

ثم بدأت البلاغات تتوالى بعبور الموجات الأولى من قواتنا بالقوارب المطاطية. وبدأتُ أتسلم أنا شخصيًا إشارات سقوط نقاط العدو الإسرائيلي على خط بارليف، حتى جاءت الساعة الثالثة، وشعرت بحركة غريبة على المنصة، فقام اللواء الجمسي من مكانه همس في أذن المشير أحمد إسماعيل، وبعدها قام المشير أحمد إسماعيل، وهمس في أذن الرئيس السادات وقاما معا إلي الخارج غرفة العمليات، حيث يوجد مكتب صغير، بعدها عاد الإثنان إلى غرفة العمليات، ليمسك الرئيس السادات بالميكروفون، وينادي على الجميع: يا أولادي، الآن سمعت خبر استشهاد المقدم طيار عاطف السادات ليكون أول شهيد في الضربة الجوية، وهو أخويا الصغير. وهذه مشيئة رب العالمين أن يكون أول شهيد في هذه الحرب المقدسة، ليعطي عائلة السادات هذا الشرف. وجلس الرئيس السادات. وظل يتابع موقف العمليات، لكنني يومها لاحظت لمعة الحزن في عينيه، رغم أنه كان يريد يخفيها من الجميع.

غرفة عمليات القوات المسلحة تضم بعض المدنين المشاركين في حرب أكتوبر

الأستاذ محمد حسنين هيكل في غرفة عمليات حرب أكتوبر 1973

في اليوم التالي، يوم 7 أكتوبر، حضر الرئيس السادات ومعه الأستاذ محمد حسنين هيكل من أجل مراجعة التوجيه الاستراتيجي من الدولة للقوات المسلحة للقيام بالعملية الهجومية، أو مايعرف بوثيقة إعلان الحرب، ولقد أضاف الأستاذ هيكل جملتين على التوجيه الاستراتيجي الذي تعده القوات المسلحة بغرفة هيئة العمليات لكي يعطي هذا التوجيه، البعد السياسي الاستراتيجي، ولقد تكرر حضور الرئيس السادات إلى غرفة العمليات لعدة مرات، حيث كان له مركز عمليات خاص مصغر للغاية يدير العمليات على مستوى الدولة من قصر القبة. وكان يحضر إلى المركز عندما تكون هناك حاجة لوجوده للموافقة على قرار ما، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة.
خلال زيارته لمركز العمليات كان في الكثير من الأحيان يخرج من غرفه العمليات الرئيسية للمرور على القادة في مكاتبهم مثل مدير المخابرات الحربية وقائد سلاح المدفعية وغيرهم، ويتبادل الحديث مع الضباط، وقد كان لذلك بالطبع اثر كبير في رفع الروح المعنوية لدي الجميع، وكنتُ بالطبع واحدًا منهم، فالروح التي كانت تسود المكان طوال أيام الحرب من المشاعر التي لا يمكن أنا أنساها في حياتي.

وأنا على الربابة بغني

وعندما استمع في كل مرة لأغنية وردة الجزائرية، وأنا على الربابة بغني أتذكر الرئيس السادات، ففي إحدي مرت تواجده في غرفة العمليات، طلب أن يسمع الأخبار في الراديو وكان المركز تحت الأرض بحوالي 35م، لذلك لا يصل إليه إشارة الراديو، ليقوم على الفور رجال سلاح المشاة بعمل إريال سريع من الغرفة إلى سطح الأرض، وتم توصيل الراديو ليتم تشغيله ويكون أول ما يلتقطه أغنية وردة وأنا على الربابة أغني. وكانت أول أغنية نسمعها عن الحرب وعن النصر، لأننا كنا نعيش تحت الأرض قرابة شهر، فلم نخرج إلى سطح الأرض مطلقًا، ولم نكن نسمع أي من الأغاني، لذلك كانت أجمل أغنية سمعتها وتذكرني بأجمل نصر وأتذكر معها الرئيس العظيم السادات.
رحم الله شهيد مصر، ورحم الله أنور السادات شهيد الحرب والسلام.

في رحاب الجامعات المصرية

بقلم الواء الدكتور سمير فرج

26 جامعة مصرية تستضيف اللواء الدكتور سمير فرج

في العام الماضي، وبمناسبة مرور 50 عامًا، على انتصارنا في حرب أكتوبر 1973، قررت زيارة الجامعات المصرية لتوعية الشباب المصري بقصة نجاح القوات المسلحة المصرية في تحقيق النصر على الجيش الإسرائيلي، الذي طالما ادعى أنه الجيش الذي لا يقهر، وردد أنه أحد أقوى القوات العسكرية. وقمت بزيارة 26 جامعة مصرية في جميع ربوع مصر، شمالًا وجنوبًا، وشرقًا وغربًا. والحقيقة أن تلك اللقاءات كانت مبهرة لي، شخصيًا، لما لمسته خلالها من تعطش الشباب لسماع بطولات حرب أكتوبر 1973، خاصة وأن الكثيرين منهم لا يقرأ الصحف أو يشاهد التليفزيون، مكتفين بوسائل التواصل الاجتماعي كمصدر لمعلوماتهم.

ندوة اللواء الدكتور سمير فرج في جامعة سوهاج لإحياء الذكري الخمسون لانتصارات أكتوبر المجيدة

الحرب الإسرائيلية في غزة : أعادت الوعي ببطولات أكتوبر لدي الشباب

وبعد كل لقاء، كنت أفتح مجال للمناقشة مع الشباب، للرد عن أية أسئلة أو استفسارات، فكانت أولى المفاجآت بالنسبة لي، أن تلك الفقرة كانت تمتد لأكثر من ساعة، مقابل المحاضرة التي لا تطول عن ساعة ونصف، أما المفاجأة الأهم، فكانت في التعليق الذي اسمعه في كل لقاء، عن عدم دراية الشباب بتفاصيل تلك البطولات، وفي بعض الأحيان بعدم معرفتهم بها برمتها.

وفي هذا عام، تلقيت الكثير من الدعوات، من العديد من الجامعات المصرية، لعقد لقاءات مع الطلبة، بمناسبة مرور 51 عام على نصر أكتوبر، ورغم مشقة السفر، إلا أنني قبلت جميع الدعوات، سواء من الجامعات أو النقابات، لما أجده فيها من متعة ومسئولية للحفاظ على التاريخ، كشاهد عيان عليه. فلم يمر يوم من شهر أكتوبر، إلا وأنا على موعد للقاء الشباب. ولقد كانت سعادتي الأكبر، هذا العام، بحضور أعداد غير مسبوقة، في كل لقاء، فاقت القدرة الاستيعابية للقاعات المخصصة للمحاضرات، حتى كان الشباب يملأ الطرقات بين المقاعد.

ومع بدء لقاءات هذا العام، لاحظت الاهتمام المتزايد من الشباب، ورغبته في التعرف أكثر وأكثر على حقائق ما حدث في حرب أكتوبر، خاصة في ظل أحداث الحرب في غزة، ولبنان، التي جعلت الكثيرون يتسألون عما إن كان ذلك يمثل تهديدًا لمصر؟ لذا اتجه النقاش، بعد المحاضرة، للسؤال عن أحداث غزة، ومستقبل الصراع في المنطقة، ووضع مصر من تلك التصعيدات.

وانتهت النقاشات، والجميع مطمئنون لأن لمصر جيش وطني، قوي وقادر على حمايتها، ورئيس لديه من الحكمة والبصيرة، من يكفي ألا تتورط مصر في أية صراعات. ولعل الأيام أجابت على بعض الأصوات، التي تعلو بين الحين والآخر، متسائلة عن أسباب شراء الميسترال والرفال، بأن القيادة السياسية المصرية استبقت الأحداث، بتكوين قوة ردع، عسكرية، قادرة على تحقيق لنا السلام، فلا يجرؤ أحد على تهديد مصر، وبأنها ستظل آمنة، دومًا، بإذن الله.

اللواء الدكتور سمير فرج خلال زيارته لجامعة الجلالة الأهلية

اللواء الدكتور سمير فرج: 8-4، نتيجة مناظرتي مع شارون لصالح مصر. (الحلقة الأخيرة)

استعرضت في مقالي السابق، قصة استغلال شارون الثغرة بين الجيش الثاني والثالث، وقيامه بالعبور من شرق القناة إلى غرب القناة، من خلال البحيرات، ليصل الي الأراضي المصرية على الضفة الغربية لقناة السويس، وكيف أن الملازم جوفي Joffy، ومعه السلاح الجديد المضاد للدبابات تو، أستطاع أن يوقف هجوم اللواء المدرع المصري ليتقدم شارون.
وهنا جاء السؤال المهم من خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية: "جنرال شارون.. إن خسائر إسرائيل في معركة الدفرسوار فقط تساوى خسائر إسرائيل كلها في حرب ١٩٥٦ و١٩٦٧ لذلك فإن من أطلق عليك الجنرال الدموي لم يكن مخطئاً" هنا ثار شارون وأضاف: لقد أعدت لإسرائيل هيبتها التي فقدتها في هذه الحرب.

صور أشهر جندي مصري في حرب أكتوبر، وهو يخاطب الله بعينيه فرحًا بالنصر العظيم واسترداد الكرامة والعزة والشرف.

الجنرال شارون: في رأيك ما هي مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة لك من المصريين؟

لكن ما يهمني هو السؤال الأخير في الحلقة وكان موجها للجنرال شارون قبل أن ينتهى وقت البرنامج، حيث سأله خبير معهد الدراسات الاستراتيجية: الجنرال شارون في رأيك ما هي مفاجأة حرب أكتوبر بالنسبة لك من المصريين، هل هجومهم يوم عيد الغفران والحياة متوقفة في إسرائيل؟ هل هجومهم في منتصف النهار وهو أمر لم يكن متوقعا ؟ هل قيامهم بغلق مضيق باب المندب في مفاجأة أذهلت إسرائيل؟ هل لأنهم نجحوا في التنسيق مع سوريا لشن الهجوم في توقيت مشترك؟ هل لأنهم هجموا بطول مواجهة القناة وهو أمر لم يكن في تخطيط. وحسابات وتوقعات الجانب الإسرائيلي؟ هل.. هل وذكر له عدة نقاط أخرى.

لكن شارون أجاب: إن ذلك كله لم يكن مفاجأة لنا، إن بعض ما ذكرته ربما كان خارج توقعاتنا وخارج حساباتنا مثل إغلاق مضيق باب المندب، لكن المفاجأة لي شخصيا في حرب ۱۹۷۳ هي «الجندي المصري». فلم يكن هذا الجندي المصري هو الذي قابلته في حرب ١٩٥٦ أو ۱۹٦٧، فالجندي المصري في الحروب السابقة كان لا يعرف القراءة والكتابة هذه المرة عندما كنت استجوب الأسرى المصريين بنفسي رأيت لأول مرة خريجي كليات التجارة والهندسة والحقوق إلخ. أيضاً الروح المعنوية لهذا الجندي هذه المرة كانت مختلفة تماماً و…
وأضاف قائلاً: إنه وهو متقدم بسرية الدبابات نحو الإسماعيلية بعشر دبابات، فجأة خرج من بين الأشجار 6 جنود من الكوماندوز المصريين، وقال إن ستة جنود ضد عشر دبابات الأمر واضح! إنهم جميعا قتلى!! ثم قال: إن المفاجأة أنهم أصابوا خمس دبابات إسرائيلية، وتم القضاء على الكوماندوز المصريين.

شارون: مفاجأة حرب أكتوبر : الجندي المصري الجديد المتعلم خريج الجامعات.

يقول شارون: هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر، الجندي المصري الجديد المتعلم خريج الجامعات، هذا الجندي المسلح بروح معنوية عالية تعلم شراسة القتال.. لم يعد يُرهِبَه جيش الدفاع الإسرائيلي كما كان من قبل، لقد صنعت منه هزيمة ١٩٦٧ إنساناً جديداً، عكس توقعاتنا بعد ١٩٦٧: بأننا قد قضينا على الجيش المصري، وأصبح جثة هامدة غير قادر على القتال مرة أخرى. أضاف شارون: أنه يجب على المخطط الإسرائيلي في أي حرب قادمة مع مصر، أن يضع في حساباته، نوعية هذا الجندي الجديد الذي لم نقابله من قبل. وأنهى حديثه قائلاً: هذه كانت مفاجأة حرب أكتوبر لي شخصيا الجندي المصري الجديد.

نتيجة المناظرة 8-4 لصالح مصر.

انتهت المناظرة بحصولي على 8 درجات وحصل شاروون على أربعة درجات فقط. مع توصيات عديدة جاءت معظمها سلبية في خطط وأداء جيش الدفاع الإسرائيلي، سواء في الخطة الدفاعية لخط بارليف، أو أداء معركة شارون غرب القناة، بينما كانت الإيجابيات للقيادة المصرية التي أوصى معهد الدراسات الاستراتيجية أنه يجب أن تدرس المعاهد العسكرية والمراكز العلمية هذا الفكر المتطور والتخطيط المتميز للقيادة المصرية، والأداء الراقي للجندي المصري في هذه الحرب. كما أكد معهد الدراسات الاستراتيجية على إضافة عنصر جديد من عناصر مقارنة القوات وعناصر حسابات التوازن العسكري للدول، هو: إضافة العنصر البشرى. فهو أمر لم يكن محسوباً من قبل، وقد جاء ذلك بعد الأداء المشرف للجندي المصري في حرب ۱۹۷۳.

تحية فخر واعتزاز للجندي المصري العظيم.

يكفي هنا أن أقول إنه في نهاية العام 1973 كان من المفترض أن يُصدر معهد الدراسات الاستراتيجية تقريره السنوي Military Balance مع بداية عام 1974كما يحدث كل عام، لكنه تأخر ستة أشهر بهدف أن يتضمن عدد عام 1974 المفاهيم القتالية الجديدة التي حقها الجيش المصري في هذه الحرب. حيث انه في بداية عام 1973 وقبل بدء الهجوم المصري واقتحام قناة السويس، كان التقرير يتضمن أنه في حالة محاولة القوات العربية وبالذات المصرية الهجوم على خط بارليف واقتحام قناة السويس، فإن الفشل سيكون من نصيب القوات المسلحة المصرية. حيث أن أعداد ونوعية الأسلحة والمعدات الإسرائيلية تتفوق بمراحل على أعداد ونوعية الأسلحة والمعدات المصرية.
من هنا جاءت المفاجأة أن المصريين انتصروا في هذه الحرب، ومن هنا تأخر إصدار عدد التوازن العسكري Military Balance الصادر عن (IISS) عن عام 1974 ليتأخر ستة شهور كاملة. حيث جاء العدد الجديد ليوضح أن معهد الدراسات الاستراتيجية قد توصل إلى حقيقة مفادها: أن ما حققه المصريون في هذه الحرب يفوق كل التقديرات، لأنه برغم تفوق الجانب الإسرائيلي في أعداد ونوعية السلاح، إلا أن النصر جاء للمصريين بسبب نوعية جديدة تضاف في أي تحليلات قادمة، هي الروح المعنوية للجندي الذي حارب لاستعادة أرض بلاده، ونوعية الجندي الذي أصبح خريج الجامعات العليا، وليضع معهد الدراسات الاستراتيجية فقرة جديدة في أي تحليلات قادمة، هي: نوعية الجندي وروحه المعنوية وتصميمه على القتال واستعادة أرضه.

الله أكبر على عظمة أولادك الغاليين يا مصر.

ليغير الجندي المصري المفاهيم والعقائد القتالية في العالم كله بعد انتصار أكتوبر 1973، والحمد لله، وصدق رسول الله الصادق الوعد الأمين حين قال: إذا مَنَّ عليكم الله بفتح مصر، فاتخذوا منها جندًا لكم فإنهم خير أجناد الأرض وفي رباط إلى يوم الدين. وكل عام ومصرنا الحبيبة الغالية، عزيزة صواريها، مرفوعة هاماتها، أبيِّة بشعبها وجيشها وقيادتها.

شكر وتقدير وامتنان

اللواء الدكتور سمير فرج

يتقدم مركز الفارابي بجزيل الشكر والتقدير والإمتنان لسيادة اللواء الدكتور سمير فرج، على موافقته بنشر هذه المقالات الخاصة بمناظرته التاريخية مع اسحاق شارون، وهي المناظرة التي سطرت بحروف من النور قطرة غالية من قطرات مياه بحر أكتوبر العظيم، هذا البحر الفريد في طبيعته وفي طعم مياهه التي ذاقت عذوبة دماء المصريين فتحولت بقدر الله لمياه عذبة أبد الدهر، ليظل المصرييون يسطرون منها تاريخهم وعظمتهم وامجادهم، ويتوارثون الإرتواء من مياهه حتى تقوم الساعة. عاشت مصر حُرة أبيِّة عصيِّة على أعدائها إلى يوم الدين.

اللواء الدكتور سمير فرج: أولى مفاتيح النصر في حرب أكتوبر 73؟

ونحن نقترب من آخر أيام شهر أكتوبر العظيم، الذي تحتفل مصر، وشعبها، وجيشها ،بأغلى انتصاراتها، في العصر الحديث، وهو نصر يوم السادس من أكتوبر 1973 أو نصر العاشر من رمضان، أو نصر عيد الغفران (Yom Kippur War)، كما تطلق عليه إسرائيل.
قبل بداية الحرب ، التقى الرئيس الراحل أنور السادات، في برج العرب، في صيف 1973، مع المشير أحمد إسماعيل، ورئيس هيئة العمليات، وبعض من ضباط التخطيط في هيئة العمليات، لكي يطلع معهم على اللمسات الأخيرة لخطة العبور، حيث كان سيجتمع بعدها بأيام مع الرئيس حافظ الأسد لوضع التنسيق النهائي للحرب.

محمد حافظ اسماعيل مستشار الأمن القومي للرئيس السادات

ويومها وخلال مناقشة الخطة، تحدث العقيد أحمد نبيه، الذي كان مسئولًا عن خطة الخداع الاستراتيجي والتعبوي، وخلال عرضه لخطة الخداع، قال للرئيس السادات: "نريد أن نستغل حضرتك في خطة الخداع"، وابتسم الرئيس السادات، وقال له: "قول يا سيدي" وقال العقيد أحمد نبيه "يا فندم عايزين نبعت رسالة لإسرائيل، وبالذات لجولدا مائير إننا مش هنحارب"، وضحك الرئيس السادات، وقاله "دي ست داهية" ثم استكمل احمد نبيه "نقولها إحنا مش هنحارب".
وعرض العقيد أحمد نبيه فكرته أن الرئيس السادات يُمكن أن يرسل محمد حافظ إسماعيل، مستشاره للدفاع والأمن القومي، لمقابلة هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، وهو اليهودي الصهيوني المتعصب الذي يعشق إسرائيل، ويكره العرب، ليطلب منه أن يساعد مصر في إيجاد حل للمشكلة، ويبلغه اننا في ست سنوات كاملة في حالة أطلق عليها المصريون: حالة اللا سلم واللا حرب، وأن الرئيس السادات يقول إن الروس خدعوه، ورفضوا إمداد مصر بالأسلحة الهجومية، ومن هنا قرر الرئيس السادات طرد الخبراء الروس من مصر، ولم يتبقى لنا غيركم أنتم الأمريكان نريد حلا يا سيادة وزير الخارجية.
واستطرد نبيه قائلا "وأعتقد يا سيادة الرئيس، أن كيسنجر سوف يتصل على الفور برئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير اليهودية وسوف يخبرها بعدم نية المصريين للهجوم لهذه الأسباب، وبالطبع سوف تصدقه جولدا مائير". بالفعل وافق الرئيس السادات، وقام محمد حافظ إسماعيل بالاتصال بوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، يطلب تحديد موعد، وقابله في فرنسا، وتم اللقاء كما كان مخططًا من قبل، ويومها قال كيسنجر: "أعطوني بعض الوقت لأجد حلاً لهذه القضية". وكان رد محمد حافظ إسماعيل: "أنت قادر على الحل لقد نجحت في إخراج الأمريكان من مستنقع فيتنام وحصلت بذلك على جائزة نوبل للسلام، أرجوك، نريد حلا، لكي تأخذ جائزة نوبل الثانية، وأن تحقق السلام بين مصر وإسرائيل"، وابتسم هنا كيسنجر، ابتسامة غرور، وعاد حافظ إسماعيل إلى مصر.

الرئيس السادات وهنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكة الأسبق

في الفيلم التي أنتجته هوليود ليكون قصة حقيقية لحياة جولدا مائير فلقد عرض الفيلم أحداث يوم 6 من أكتوبر. وفي اجتماع مجلس الحرب لوزراء إسرائيل وفي الساعة العاشرة صباحا، طلب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي من جولدا مائيلر قيام إسرائيل بتنفيذ ضربة استباقية ضد قوات الجيش المصري، في منطقة غرب القناة لمنع مصر من القيام بالهجوم واقتحام قناة السويس، وهنا قالت جولدا مائير: "ألم يقم المصريين بتنفيذ مثل هذا التجميع والحشد مرتين في الشهور السابقة وتكبدنا خسائر كبيرة في استدعاء الاحتياط. وفي كل مرة، لم يحدث شيء. ولو أن هذه المرة، انا متأكدة أنهم لن يستطيعوا الهجوم علينا".
وقالت "إن هنري كيسنجر صديقي، وصديق إسرائيل أبلغنا أن مصر غير قادرة على الهجوم، وأن الروس رفضوا إعطائهم سلاح هجومي واستطردت يا سيدي رئيس الأركان: أنت تعلم أن حتى الطائرات المصرية الميج 21 والسوخوي هي صناعة روسية في الخمسينات، لن تستطيع أن تفعل شيئا أمام طائراتنا الحديثة الأمريكية من سكاي هوك، والفانتوم، أنا أثق في كسينجر أكثر مما أثق في نفسي، لقد أكد لنا المصريين، لن يهجموا أبدا، وما يفعلونه الآن، هي محاولات الضغط علينا، عند إجراء المفاوضات القادمة". وهنا سألت جولدا مائير وزير، الدفاع الإسرائيلي موشي ديان، "ما رأيك؟" وكان رد موشى ديان: "أوفقك على رأيك أن المصريين لن يهجموا، ولا داعي لهذه الضربة المسبقة".
كان ذلك في العاشرة صباحا، واستمر الاجتماع حتى الثانية ظهرا ليسمع مجلس الوزراء الإسرائيلي صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب، وتطلب "جولدا مائير"من الجميع النزول إلى مخبأ الحرب، ويبدو الذهول على ووجه، جولدا في الفيلم، وهي غير مصدقة، وتقول ماذا حدث؟ إن كسنجر لا يكذب أبد.
وهكذا نجحت مصر في خداع إسرائيل عن بدء الحرب يوم 6 من أكتوبر، مع غيرها من الإجراءات التي قامت بها، مثل فتح باب العمرة للضباط وعائلاتهم في شهر رمضان، كذلك تسريح دفعات رديف من الجنود في أول شهر أكتوبر، والتخطيط لزيارة وزير الدفاع المصري لأحد الدول الصديقة، وهي زيارة بالطبع لم تتم، ولكن كل هذه الإجراءات أقنعت إسرائيل أن مصر لن تحارب.
وبمتابعة احداث فيلم جولدا مائير، نجد أن من أجمل اللقطات في ذلك الفيلم "أنه بعد حرب أكتوبر 1973 عقدت لجنة اجرانات لمحاسبة المقصرين في الحرب وفيها ظهرت جولدا مائير وهي تُحاسب حيث تم سؤالها لماذا لم تنفذي الضربة الاستباقية التي طلبها رئيس الأركان؟ وكانت الإجابة ان موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي وافقها الرأي.

جولدمئير رئيسة وزراء إسرائيل في حرب أكتوبر

لذلك كانت خطة الخداع أحد مفاتيح نصر أكتوبر 1973.

https://youtu.be/fHgtzvfuLc4?si=kwhwa5D0_2a30Os5

الكاتبة البحرينية هالة فردان تحكي قصة “أسير مصر”

مصر وما أدراك ما مصر، لم يطلق على مصر أم الدنيا عبثاً، فكل من يزورها يبقى أسير نهر النيل، وحيّ الحسين، وشوارعها المكتظة بالناس، ومبانيها العريقة وأحيائها المخلّدة في ذكرياتنا، وناسها البسيطة.

منذ عامين فقدت الاتصال بأحد أصدقائي هو الفنان مصطفى الحلواجي الفنان التشكيلي، عندما أفتقده، كنت غالباً أعرف أنني سأجده مُعلّقاً عند أحد الجدران الشاهقة، يخط عليه بأنامله السحرية حروفاً عربيةً تقول أكثر مما تُظهر، أو إنه يقف أمام حائط أو سور منزل يرسم عليه ملامح تلك الوجوه العابرة التي يصادفها، والتي تأبى أن تُفارق ذاكرته فيقرّر رسمها لتغادر مخيّلته بسلام.

الفنان مصطفى الحلواجي

مضى عامان من الزمن، واختفى صديقي

كنت كلما مررت عند جدار يحمل توقيعه أتساءل أين اختفى؟ ولِأنَّ الإجابات دائماً تَظهر عندما نسأل، تشاء الصُدف أن أراه جالساً عند إحدى الحدائق يُمسك كوباً من الشاي، ويتأمل السماء، أكاد أجزم بأنه يتساءل في مخيلته الآن: كيف يستطيع أن يلوّن تلك الغيوم البيضاء.

أوقفت سيارتي جانباً ونزلت مسرعةً أحيّيه، جلسنا نتحدث مطوّلاً، سألته مستغربة، أين كنت؟ قال ببساطة: كنت في الأسَر؟ ملامح الصدمة التي علت وجهي عند سماع كلمة "أَسر"، رَسَمَت إبتسامة على شفتيه، استدَرَك الأمر مُسرِعاً وقال: لا تخافي كنت في مصر.

كان في مصر، ذهب للمشاركة في معرض فني لمدة شهرين، وعاد بعد عامين! قال يحدثني: إنها مصر، أم الدنيا، بوابة أفريقيا، مصر الحضارة والتاريخ والثقافة. أسرتني، لم أستطع المغادرة. في مصر سحر غريب يجعل من يزورها يبقى أسيرها وإن عاد، تحدّث كثيراً. حكى لي عن تلك الشوارع والناس، عن الطعام والشراب والفن، عن مجالس الثقافة وحكمة البسطاء، تحدّث وكأنه يحكي قصة حُبّ.

إنها مصر التي استقبلته بقلبها المفتوح، وهو الفنان البحريني الذي قصدها ليشكّل فيها لوحات فنية بنكهة بحرينية فريدة من نوعها، في مصر فُتحت له الأبواب، ليس أبواب مصر وحدها، بل أبواب أفريقيا، «كما هم شعب البحرين طيبون وبسيطون، كما هو شعبها» قال لي: «لم أشعر يوماً هناك أنني في غير داري، أو أنني غريب، كانت الابتسامة ترتسم على الوجوه ما إن أقول إنني من البحرين».

«نعم، غريبة هي مصر!»

قلت في نفسي، لم أجد أحداً زارها قط وقال عكس ذلك، إنها الدولة التي نشرت نكهة ثقافية في كل الدول العربية، إنها مصر التي غزت أفلامها وثقافتها بيوت الوطن العربي من المشرق للمغرب، إنها البلد الذي يحتضن كل من يزوره فلا يعود يشعر أنه غادر بلاده، أو أنه غريب، بساطة الشعب والمكان تجعلك تألفه وتشعر وكأنك كنت هنا في ما مضى، في كل شارع حكاية، وفي كل حيّ من أحيائها هناك قصة.

إنها مصر أسرت صديقي الفنان، كما أسرت قبله قلوب كل من زارها عربياً كان أو أجنبياً، لها مكانة خاصة في قلوبنا -نحن الخليجيين- بالذات، فلا ننسى كم من معلم مصري ساهم في تشكيل ثقافتنا، وكم من طبيب ومهندس وعامل كان ومازال يبني مَعَنَا،

تحية لك يا مصر، سلاماً لك من أرض دلمون، تحية لكل مُدنك وشوارعك، تحية لنهر النيل ولشعبك الطيّب.

اللواء الدكتور سمير فرج يروي: قصة حرب أكتوبر من خلال مناظرته مع شارون في محطة الـBBC في لندن (الحلقة الثانية)

عرضت في مقالي السابق، كيف وصلت إلى مبنى الـBBC في لندن لكي أبدأ مناظرتي مع الجنرال الإسرائيلي شارون حول حرب أكتوبر 73، التي سيقوم بتحكيمها مجموعة من خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن IISS .
وتوقفت في مقالي السابق عندما تسلمت أسئلة من مقدم البرنامج أدجر آلن حول حرب 73، وكانت أوامر المشير الجمسي وزير الدفاع أنذاك أن أحضر إلى القاهرة لكي أناقش نقاط الرد المصري على هذه الأسئلة مع إدارة المخابرات وهيئة العمليات.

المشير عبد الغني الجمسي

في مقالة اليوم، نعرض بداية المناظرة عندما بدأتُ بشرح خطة العبور المصرية واقتحام خط بارليف.. حيث ركزت تمامًا على أن التخطيط للعملية الهجومية لاقتحام خط بارليف وعبور القناة كان تخطيطاً مصريًا خالصاً، نابعاً عن الفكر العسكري المصري، تم بعد خبرات طويلة في حرب الاستنزاف، وتدريبات شاقة على عمليات العبور في دلتا نهر النيل لمدة 5 سنوات كاملة من عمر حرب الاستنزاف بعد أن استكمل الجيش المصري معداته وأسلحته التي فقدها في حرب ١٩٦٧.

اللواء الدكور سمير فرج

ولقد جاء السؤال سريعاً ومباغتاً من أساتذة معهد الدراسات الإستراتيجية على الهواء مباشرة: كيف كان التخطيط مصريًا (بينما) الذي رأيناه هو أنكم التزمتم بتكتيكات وأساليب القتال في العقيدة السوفيتية عن أعماق المهام القتالية،كالمهمة المباشرة والمهمة التالية؟!! ولحسن الحظ عرضت محطة BBC صورة لميدان القتال _اعتبرته انفراداً في هذا الوقت_ كانت قد حصلت عليها من الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك أشرت إلى الخط الذي وصلت إليه القوات المصرية شرق القناة في رأس الكوبرى من فرق المشاة المصرية الخمس، وأوضحت لهم أن "هذه الخطوط التي وصلت إليها قوات رأس الكوبرى" لم تكن مبنية على أساس أعماق المهام كما في العقيدة السوفيتية، إنما تم التخطيط لها على أساس "مدى حماية خط حائط الصواريخ للدفاع الجوي غرب القناة"، فهناك بطاريات للصواريخ في الأمام وأخرى في الخلف، اختلفت مواقعها حسب طبيعة الأرض في البر الغربي الأمر الذي أدى إلى "ألاَّ تتعدى القوات المصرية في رأس الكوبرى" خط حماية حائط الصواريخ، وهو ما أدى إلى حرمان القوات الجوية الإسرائيلية من التدخل نهائياً بأي أعمال قتالية ضد قوات رأس الكوبرى المصرية شرق قناة السويس.

https://www.youtube.com/watch?v=9poG9lAtD0w

وكان خير دليل على ذلك تلك الأوامر الصريحة الواضحة التي صدرت من قائد القوات الجوية الإسرائيلية لقواته الجوية يوم 6 أكتوبر فور عبور قواتنا قناة السويس بعدم الإقتراب من قناة السويس لمسافة ١٥ كيلومتراً، التي كانت بالطبع مدى ونطاق عمل وتغطية حائط الصواريخ المصرية.

من هذا المنطلق تم حرمان الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلي (قواته الجوية) من العمل ضد القوات المصرية طوال عملية اقتحام قناة السويس وإنشاء رؤوس الكباري، وهو ما أطلق عليه الخبراء العسكريون في العالم أنذاك: "أن المصريين طبقوا مبدأ جديد في أشكال عمليات القوات الجوية، هو تحييد القوات الجوية المعادية (Neutralizing Enemy Air Forces) وهو أسلوب لم يكن مطبقاً من قبل. الجدير بالذكر أن هذا الأسلوب أصبح يطبَّق في جميع المراجع العسكرية في العالم الآن مصحوبًا بشرح مفادة: "أن ذلك هو ما نفذته القوات المصرية في حرب ٧٣".
ولقد عرضت خطة العبور واقتحام خط بارليف بالتفصيل وكيف أن القوات المسلحة المصرية أقتحمت قناة السويس بخمس فرق مشاة مترجلة على مواجهة واسعة، وأن ذلك القرار أربك حسابات وتقديرات القوات الإسرائيلية، حيث وقفت الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية عاجزة عن القيام بالهجمات المضادة ضد قوات رؤوس الكباري المصرية في انتظار تحديد المجهود الرئيسي لهذه القوات وذلك طبقاً لخطة الدفاع المتحرك التي كانت إسرائيل تطبقها للدفاع عن سيناء. كذلك أشرتُ إلى أن "خطة الدفاع الإسرائيلية التي أعتمدت على نقاط خط بارليف القوية ومعها إحتياطيات على أعماق متعددة فقدت الاتزان الدفاعي ووقفت عاجزة أمام مفاجأة هجوم الخمس فرق"، على مواجهة واسعة وعدم قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على تقديم أي معاونة للاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية.
وأنه عندما قامت الاحتياطيات الإسرائيلية لخط بارليف بالهجمات المضادة، كانت ضعيفة ومبعثرة وتحطمت أمام الخطة المصرية الرائعة المضادة للدبابات التي نفذتها لأول مرة في التاريخ عناصر مشاة مترجلة دون دعم من دبابات التعاون الوثيق التي لم تكن قد وصلت لرؤوس الكباري إلا في اليوم التالي بعد تشغيل الكباري (أي في الأحد 7أكتوبر73).
جاء تعليق أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية: أن وقوف القوات المصرية وتعزيز رؤوس الكباري تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوي المصري، حرم الإسرائيليين من تنفيذ خطتهم الدفاعية بإسلوب الدفاع المتحرك Mobile Defense من استدراج القوات المصرية إلى مناطق احتواء وقتل لتدميرها في العمق، ولذلك جاء إعلان موشيه ديان وجولدا مائير يوم 9 أكتوبر ۱۹۷۳ بهزيمة إسرائيل، بمثابة "اعتراف كبير" بتفوق التخطيط المصري في المرحلة الإفتتاحية من الحرب علاوة على الأداء المتميز لتنفيذ هذا التخطيط.

وفي عام 1974 عقدت مجموعة Pentagon Office of Net Assessment، الذي كان قد أنشئ عام 1973 في البنتاجون لتطوير مفاهيم القتال بخبره حرب ۷۳ سواء من الجانب المصري أو الإسرائيلي، ولقد خرجت الدراسات التي أقامتها مجموعة Pentagon Office of Net Assessment بخلاصة: "أن المصريين نجحوا في افشال خطة الدفاع المتحرك التي يجب تطويرها لأنها أساس العقيدة الدفاعية في حلف الناتو". لهذا فبعد عام كامل من عمل هذه المجموعة تم تطوير فكر الدفاع المتحرك في العقيدة الغربية لتكون نظام Active Defense اعبارًا من عام 1975.

https://www.youtube.com/watch?v=ISIB-e3mGAw

لقد تغيَّر هذا المفهوم بسبب ما حققه المصريون في حرب أكتوبر ٧٣، لذلك اندفع شارون ليقول إنه لطالما عارض الجنرال بارليف، وعارض خطته للدفاع عن قناة السويس وبناء هذا الخط الذي وصفه بأنه مثل الجبن السويسري ذو الثقوب. وأن إسرائيل دفعت الثمن باهظاً عندما لم تستمع لرأيه حول تنظيم الدفاعات في سيناء واختارت أن تنفذ خطة الجنرال بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك.

وقبل أن أنطلق بالرد، تولى أستاذ من معهد الدراسات الاستراتيجية التعليق الرد بنفسه قائلاً: سيادة الجنرال، لقد أشبعتمونا فكراً وأراءً ونظريات بعد حرب ١٩٦٧، نظراً إلى خبراتكم وتطبيقكم هذه النظريات التي حققت النصر عام ١٩٦٧، والآن نسمع أن كل هذه المفاهيم والنظريات الإسرائيلية خاطئة، أعتقد سيادة الجنرال شارون أن ما فعله المصريون كان رداً عملياً على أن هذه النظريات، وأنها لم تكن دقيقة أو صحيحة.

ويبدو أن الجنرال شارون أعجبه هذا التحليل من معهد الدراسات الاستراتيجية الذي يدين الخطة الدفاعية الإسرائيلية شرق القناة، حيث قرر استغلال ذلك كله لصالحه الشخصي، ليقول: إنه من ذلك المنطلق وبعد إعلان موشيه ديان ومائير هزيمة إسرائيل جاء هو المنقذ، لينفذ عملية (الغزالة) ويبدأ في التفكير في ثغرة الدفرسوار.
ولقد نال حائط الصواريخ المصري استحسان لجنة معهد الدراسات الإستراتيجية حيث أكدت اللجنة في حوارها أنه لولا وجود حائط الصواريخ لما نجحت القوات المصرية في بناء الكباري وتحت سترها ثم عبور المدرعات والمدفعية الى شرق القناه.

في الحلقة القادمة نستكمل معًا قصة عبور القناة وتدمير خط بارليف ضمن مناظرتي مع أرييل شارون على قناة الـBBC.

اللواء الدكتور سمير فرج يروي: قصة حرب أكتوبر من خلال مناظرتي مع شارون في محطة الـBBC في لندن (الحلقة الأولى)

كانت الأمطار تهطل بشدة، وأنا أخرج من محطة مترو الأنفاق في لندن لكي أتجه إلى مبني إذاعة الـBBC لكي أجري مناظرة مع الجنرال شارون. حول حرب أكتوبر في برنامج بانوراما، الذي كان يقدمه الإذاعي البريطاني الشهير، "ادجر آلان" في هذا الوقت. كنت وحيدا، ليس معي، غير المظلة التي أحتمي بها من أمطار لندن الرهيبة، وفي يدي الثانية، البدلة الاسموكن التي قمت باستعارتها من زميلي في الكلية الرائد الكويتي عدنان عبد الغفور، لأن مرتبي في البعثة لم يكن يسمح لي بشراء هذه البدلة الإنجليزية الفاخرة.

Covent Garden underground station London, England, UK, with a rickshaw and people outside at Christmas time.

وصلت إلى مبني الـBBC، وكانت هناك جموع غفيرة من الجالية اليهودية ترحب بالجنرال شارون وتشجعه، وهو يدخل هذه المناظرة مع الضابط المصري الذي جاء يدرس في بريطانيا، المهم أن ينتصر شارون. في هذه المناظرة، ولن أحكي تفاصيل قصة دخولي إلى المبنى.

عموما. كانت حرب ٧٣ عيد الغفران أو يوم كيبور Yom KIPPUR WAR هي أحدث حرب تقليدية تمت في العصر الحديث بين دولتين تمتلك كل منها أحدث تقنيات العصر من الأسلحة والمعدات لذلك فلقد نالت هذه الحرب اهتمام العديد من المؤسسات ومراكز الدراسات الاستراتيجية في كل انحاء العالم حتى القنوات التليفزيونية .
وهذا ما دعا قناة BBC البريطانية عام ۱۹۷۵ إلى أن تدعوني لعمل مناظرة علمية مع الجنرال الإسرائيلي شارون قائد القوات الإسرائيلية في معركة ثغرة الدفرسوار غرب قناة السويس ولقد قام بالتحكيم على هذه المناظرة أساتذة من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن The International Institute for Strategic Studies أو IISS ، حيث كان هذا المركز يجمع خيرة الباحثين العسكريين في مجال الاستراتيجية والأمن القومي في العالم.. وكانت إصداراته كل عام تُعد من المراجع العلمية التي يعتمد عليها كل الباحثين العسكريين في العالم كله.
ولذلك كانت هناك لديَّ قناعة بحيادية هذا المعهد وقدرته على التحليل الدقيق لما قامت به القوات المصرية في مرحلة التخطيط و إدارة اعمال القتال.

اسحاق شارون

كنتُ قد انهيتُ دراستي في كلية القادة والأركان المصرية وكان ترتيبي الأول في التخرج وطبقا للنظام المعمول به في القوات المسلحة المصرية، فقد تم ترشيحي للدراسة في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا في دورة عام ١٩٧٥ أي بعد انتهاء حرب أكتوبر مباشرة حيث سافرت إلى لندن عام ١٩٧٤ لحضور دورة التأهيل قبل الدورة الأساسية، وبدأت الدراسة وكنت في هذا العام طالب في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا .. وهي كلية من أعرق.. وأقدم كليات القادة.

للحديث بقية

https://www.dailymotion.com/video/x7x38zg
مقر اذاعة بي بي سي في لندن

اللواء الدكتور سمير فرج يتذكَّر: حوارات الخامس من أكتوبر

صحيح أن يوم السادس من أكتوبر من عام 1973هو الأعظم، في تاريخنا الحديث، إلا أن يوم الخامس من أكتوبر يمثل علامة فارقة في حياتي، إذ كنا في مرحلة التمهيدات النهائية للحرب، بينما أكاد أجزم بأن أي منا لم يكن يتوقع أننا على بُعد سويعات من بدئها، ومن عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف.

أذكر أننا كنا في مركز عمليات القوات المسلحة لحرب أكتوبر، والذي كان يُطلق عليه "مركز عشرة"، وكنا قد بدأنا في اختبارات تواصل مركز القيادة مع المراكز الأخرى، ومنها مراكز القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي، والجيوش الميدانية، وحتى قيادة القوات في سوريا. وكان أول يوم أقضيه في مركز القيادة، هو يوم الخامس من أكتوبر، لفتح سجلات الحرب في صباح اليوم التالي. ولأنني كنت أحدث ضابط القيادة، برتبة رائد، ولم يكن قد مر على انضمامي أكثر من أسبوع، فلم يكن مسموحاً لي، طبقاً للتقاليد العسكرية، الحديث مع القادة الأعلى رتبة، إلا عند تلقي الأوامر بالرد على أمر ما، لذا فقد انصب تركيزي على سماع ما يدور بينهم من مناقشات.

https://youtu.be/ccRt5RGsLdQ?si=3LMUzUrAgqX2nUaH
اللواء الدكتور سمير فرج في ذكرى انتصارات اكتوبر المجيدة

منهم من يقول "إحنا تعبنا وولادنا اتدربوا كويس وربنا هينصرنا"، وآخر يقول "التخطيط للحرب هائل بقالنا سنين نعدل في الخطة، عندما يجد علينا سلاح أو معلومة عن العدو"، وثالث يتساءل "تفتكر هنعملها ونقتحم القناة بكرا؟"، ونسمع من يقول "أكيد ربنا هينصرنا في شهر رمضان المبارك،" فيعقب آخر "والله صلاح عبقري إنه اختار شهر رمضان للهجوم". ويسأل آخر "هنقدر نفتح الفتحات في الساتر الترابي"، ويرد العقيد مهندس أحمد نبيه "إحنا عملنا تجارب أكتر من شعر راسنا، وكلها نجحت، الفكرة هايلة، وربنا معانا"، ثم نسمع من يقول "هنقدر نحقق الهجوم ونصل للمضايق؟"، فيأتيه الرد "هنعبر ونصد الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية وهنوصل"، ويضيف آخر "التوجيه اللي عمله الفريق الشاذلي مفيهوش غلطة"، ويردد آخر "المهم ألا تتدخل القوات الجوية الإسرائيلية وإحنا بنعبر"، فيرد أحدهم "حائط الصواريخ هايل، وولادنا في الدفاع الجوي كانوا أبطال في حرب الاستنزاف، وأعطوا إسرائيل درساً يوم إسقاط الفانتوم، ومش هيغامروا بالتدخل وإحنا بنعبر".

كانت جميع الحوارات التي دارت قبل يوم العبور، في الخامس من أكتوبر، نابعة من القلب، ومفعمة بالأمل، واليقين، والثقة في القدرة على الهجوم في اليوم التالي، الذي بدأت فيه الحرب في تمام الثانية ظهراً، بانطلاق 220 طائرة لعبور قناة السويس، ويبدأ بعدها قصف المدفعية، لتعبر قواتنا المسلحة الباسلة قناة السويس، وتقتحم خط بارليف، وتنتصر على العدو الإسرائيلي، وتُحقق لمصر أغلى نصر في عصرها الحديث.

كل عام وأنتم بخير

اللواء الدكتور سمير فرج: معركة المزرعة الصينية، والمشير حسين طنطاوي

لواء دكتور/ سمير فرج
في الذكرى الثالثة لرحيل المشير حسين طنطاوي 21 سبتمبر، الرجل العظيم، الذي تولى وزيراً لدفاع مصر لمدة 20 عام، أعطى فيها الكثير لمصر وقواتها المسلحة، كما أنه أدار البلاد، وهو رئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد أحداث 25 يناير، ليصل بمصر إلى بر الأمان، حتى تم تسليم إدارة البلاد إلى السلطة المدنية. هذا الرجل الذي خاض خمس حروب في تاريخ العسكرية المصرية حرب 56، ثم حرب 67، ثم حرب الاستنزاف. ثم حرب 73، حيث كان قائداً لمعركة المزرعة الصينية. كما كان سيادته رئيسا لهيئة العمليات في حرب تحرير الكويت، الذي خطط لعمل القوات المسلحة المصرية هناك هذا البطل يقول أن أغلى وسام تقلده من ضمن اوسمة عديدة وهو وسام الشجاعة عن معركة المزرعة الصينية، وهو برتبة مقدم. ثم وشاح النيل أعلى وسام في مصر تقديراً لدوره في قيادة البلاد في تلك الظروف الصعبة.
واليوم أضيف عمل عظيم لهذا البطل العظيم حيث رشح ومعه مجموعة من الضباط المصريين من أبناء القوات المسلحة لأنشاء كلية حربية جديدة في الجزائر في شرشال بعد تحرير الجزائر من فرنسا. واليوم في ذكرى رحيل هذا البطل المشير طنطاوي، ونحن على أعتاب. الذكرى ل51 لحرب أكتوبر نعرض قصة المعركة الصينية.
كانت البداية عندما تم تعيين المقدم " محمد حسين طنطاوي " قائداً للكتيبة ١٦ مشاة من اللواء ١٦ مشاة، من الفرقة ١٦ مشاة، بقيادة الفريق اللواء عبد رب النبي حافظ، وكانت الكتيبة ١٦ مشاة، ضمن القوات المصرية المقاتلة في قناة السويس يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ الساعة ٢:٠٠ ظهراً وعبرت قوات الكتيبة على متن القوارب المطاطية ضمن الموجة الأولى لقوات العبور، واقتحمت الكتيبة خط بارليف في منطقة الدفرسوار، وتقدمت بعد نجاحها شرقاً بعد اختراق دفاعات خط بارليف وقامت بصد احتياطي العدو القريب بقوة سرية دبابات.
اندلعت الكتيبة بعد ذلك في إتجاه المزرعة الصينية، والتي كانت عبارة عن ثلاث مباني، قامت الصين بإنشائها قبل حرب ،٦٧، بغرض إنشاء مزرعة تجريبية شرق القناة لزراعة المنطقة هناك، وعندما اشتعلت حرب يونيو ٦٧، إنسحبت العناصر الصينية التي تقوم بالزراعة، وبقيت الثلاث مباني والمنطقة المحيطة بها على الخرائط، معروفة باسم المزرعة الصينية.
واستمرت الكتيبة ١٦ مشاة بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي، ورئيس عمليات الكتيبة الرائد سعيد ناصف في التمسك بالأرض، وأنشأت الدفاعات في رأس الكوبري ضمن الفرقة ١٦ المشاة الميكانيكي.
وخلال هذه الفترة قامت الكتيبة بصد العديد من الهجمات المضادة من إحتياطيات الجانب الإسرائيلي ونجحت في صد وتدمير كافة تلك الهجمات دون حدوث أي إختراق لخطوط دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة.
حتى جاءت ليلة السادس عشر من أكتوبر ۷۳، ليقوم العدو الإسرائيلي بأكبر هجوم مضاد بقوة لواء مدرع طبقا لخطة الجنرال شارون، التي كانت تهدف إلى إحداث إختراق في دفاعات الفرقة ١٦، من خلال إختراق دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة، وبعد حدوث الاختراق تندفع باقي
قوات شارون إلى القناة والعبور بقوات لواء مدرع لتطويق الجيش الثاني، وتندفع في إتجاه الإسماعيلية تلك الخطة الإسرائيلية التي كانت معروفة باسم الغزالة.
وبعد منتصف الليل، بدأت العناصر المدرعة الإسرائيلية من لواء أدان وماجن من الإقتراب من خطوط دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة، وفي السجلات الخاصة بوقائع حرب أكتوبر قدم المقدم " محمد حسين طنطاوي شهادته عن الأحداث قائلا "أنه بدأ يسمع تحرك جنازير الدبابات التي تقترب من دفاعات كتيبته، ومن خلال أجهزة الرؤية الليلية بدأ تقدم كتيبة دبابات المقدمة للواء المدرع الإسرائيلي، الأمر الذي دفعه لإعطاء الأوامر بصفته قائد الكتيبة ١٦ مشاة. بحبس النيران حتى تقترب دبابات العدو الإسرائيلي لأقرب نقطة، وتكون في مرمى النيران المؤثرة لكتيبته حتى يمكن تدميرها فورا".
وفعلا عندما اقتربت المدرعات الإسرائيلية في مرمى النيران المؤثرة للكتيبة. أطلق المقدم حسين طنطاوي إشارة ضوئية في الهواء وهنا قامت قوات الكتيبة بفتح النيران فوراً على الدبابات الإسرائيلية المتقدمة والتي أصابتها مباشرة واستمرت المعركة أكثر من ساعتين. وبعد أن شعر العدو بعدم قدرته على إختراق دفاعات الكتيبة، قرر إيقاف هجوم الاختراق والانسحاب للخلف.
وكانت شبورة الصباح قد بدأت لتمنح العدو الفرصة لسحب قتلاه من أرض المعركة، وفشلت قوات شارون من إختراق دفاعات الكتيبة ١٦ بقيادة المقدم حسين طنطاوي، واضطر شارون أن يلجأ إلى تنفيذ الخطة من خلال العبور من البحيرات المرة، إلى الضفة الغربية لقناة السويس، لينفذ خطته بتطويق الجيش الثاني، ويندفع بقوته في إتجاه الإسماعيلية، حيث أوقفته قوات الصاعقة في مدخل إسماعيلية في منطقة أبو عطوة.
وقد شاءت الأقدار أن أكون شاهداً بعد مرور أكثر من ربع قرن علي الحرب، علي واقعة محاولة " شارون " لقاء القائد المصري " محمد حسين طنطاوي، الرجل الذي حاربه ببسالة.
فأثناء عملي مديراً لإدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، كنت في أحد الأيام بمكتب السيد المشير طنطاوي وزير الدفاع، وفجأة جاء اتصال من الرئيس مبارك وحاولت الخروج ولكن المشير طنطاوي أشار لي بالبقاء، وكانت مكالمة من السيد الرئيس مبارك للمشير طنطاوي ليبلغه أن الجنرال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي سوف يحضر غداً لمقابلته في شرم الشيخ وطلب شارون أن يلتقي بوزير الدفاع المصري. " محمد حسين طنطاوي المقابلة. وكان رد المشير طنطاوي يا فندم لو كنت مطلوب لمقابلته في عمل خاص بالقوات المسلحة أو لصالح مصر، أوامر حضرتك "، ولكن الرئيس مبارك قال لا، إنه يريد أن يراك شخصياً.
وهنا جاء رد المشير طنطاوي معلش يا فندم أرجو إعفائي من هذه المقابلة". وكان رد الرئيس مبارك عموماً كنت متأكد من ردك، وانتهت المحادثة، وفي صباح اليوم التالي تابعت ما حدث في شرم الشيخ، وعلمت أنه بعد انتهاء مقابلة الجنرال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي للرئيس مبارك خرج وسأل رجال المراسم هل سأقابل المشير طنطاوي؟
وكانت الإجابة المشير طنطاوي لديه التزام مسبق ولم يستطع الحضور، وكان رد الجنرال شارون على ذلك قائلا " كنت متأكداً أنه لن يحضر، ولكن كنت أود أن أقابل قائداً عسكرياً
حاربته بشرف، وأحترمه “.
ومن هنا كانت هذه المقولة ان معركة المزرعة الصينية في رأس الكوبري شرق قناة السويس، قد أبرزت صلابة وقوة المقاتل المصري العنيد الذي منع القوات الإسرائيلية من اختراق دفاعاته وتمسك بالأرض، لذلك كان الجندي المصري هو خير أجناد الأرض.

المصدر: المصري اليوم 29 سبتمبر 2024