مراكز البحوث والدراسات

مراكز البحوث والدراسات

اللواء الدكتور سمير فرج يروي: قصة حرب أكتوبر من خلال مناظرته مع شارون في محطة الـBBC في لندن (الحلقة الثانية)

عرضت في مقالي السابق، كيف وصلت إلى مبنى الـBBC في لندن لكي أبدأ مناظرتي مع الجنرال الإسرائيلي شارون حول حرب أكتوبر 73، التي سيقوم بتحكيمها مجموعة من خبراء معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن IISS .
وتوقفت في مقالي السابق عندما تسلمت أسئلة من مقدم البرنامج أدجر آلن حول حرب 73، وكانت أوامر المشير الجمسي وزير الدفاع أنذاك أن أحضر إلى القاهرة لكي أناقش نقاط الرد المصري على هذه الأسئلة مع إدارة المخابرات وهيئة العمليات.

المشير عبد الغني الجمسي

في مقالة اليوم، نعرض بداية المناظرة عندما بدأتُ بشرح خطة العبور المصرية واقتحام خط بارليف.. حيث ركزت تمامًا على أن التخطيط للعملية الهجومية لاقتحام خط بارليف وعبور القناة كان تخطيطاً مصريًا خالصاً، نابعاً عن الفكر العسكري المصري، تم بعد خبرات طويلة في حرب الاستنزاف، وتدريبات شاقة على عمليات العبور في دلتا نهر النيل لمدة 5 سنوات كاملة من عمر حرب الاستنزاف بعد أن استكمل الجيش المصري معداته وأسلحته التي فقدها في حرب ١٩٦٧.

اللواء الدكور سمير فرج

ولقد جاء السؤال سريعاً ومباغتاً من أساتذة معهد الدراسات الإستراتيجية على الهواء مباشرة: كيف كان التخطيط مصريًا (بينما) الذي رأيناه هو أنكم التزمتم بتكتيكات وأساليب القتال في العقيدة السوفيتية عن أعماق المهام القتالية،كالمهمة المباشرة والمهمة التالية؟!! ولحسن الحظ عرضت محطة BBC صورة لميدان القتال _اعتبرته انفراداً في هذا الوقت_ كانت قد حصلت عليها من الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك أشرت إلى الخط الذي وصلت إليه القوات المصرية شرق القناة في رأس الكوبرى من فرق المشاة المصرية الخمس، وأوضحت لهم أن "هذه الخطوط التي وصلت إليها قوات رأس الكوبرى" لم تكن مبنية على أساس أعماق المهام كما في العقيدة السوفيتية، إنما تم التخطيط لها على أساس "مدى حماية خط حائط الصواريخ للدفاع الجوي غرب القناة"، فهناك بطاريات للصواريخ في الأمام وأخرى في الخلف، اختلفت مواقعها حسب طبيعة الأرض في البر الغربي الأمر الذي أدى إلى "ألاَّ تتعدى القوات المصرية في رأس الكوبرى" خط حماية حائط الصواريخ، وهو ما أدى إلى حرمان القوات الجوية الإسرائيلية من التدخل نهائياً بأي أعمال قتالية ضد قوات رأس الكوبرى المصرية شرق قناة السويس.

https://www.youtube.com/watch?v=9poG9lAtD0w

وكان خير دليل على ذلك تلك الأوامر الصريحة الواضحة التي صدرت من قائد القوات الجوية الإسرائيلية لقواته الجوية يوم 6 أكتوبر فور عبور قواتنا قناة السويس بعدم الإقتراب من قناة السويس لمسافة ١٥ كيلومتراً، التي كانت بالطبع مدى ونطاق عمل وتغطية حائط الصواريخ المصرية.

من هذا المنطلق تم حرمان الذراع الطويلة للجيش الإسرائيلي (قواته الجوية) من العمل ضد القوات المصرية طوال عملية اقتحام قناة السويس وإنشاء رؤوس الكباري، وهو ما أطلق عليه الخبراء العسكريون في العالم أنذاك: "أن المصريين طبقوا مبدأ جديد في أشكال عمليات القوات الجوية، هو تحييد القوات الجوية المعادية (Neutralizing Enemy Air Forces) وهو أسلوب لم يكن مطبقاً من قبل. الجدير بالذكر أن هذا الأسلوب أصبح يطبَّق في جميع المراجع العسكرية في العالم الآن مصحوبًا بشرح مفادة: "أن ذلك هو ما نفذته القوات المصرية في حرب ٧٣".
ولقد عرضت خطة العبور واقتحام خط بارليف بالتفصيل وكيف أن القوات المسلحة المصرية أقتحمت قناة السويس بخمس فرق مشاة مترجلة على مواجهة واسعة، وأن ذلك القرار أربك حسابات وتقديرات القوات الإسرائيلية، حيث وقفت الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية عاجزة عن القيام بالهجمات المضادة ضد قوات رؤوس الكباري المصرية في انتظار تحديد المجهود الرئيسي لهذه القوات وذلك طبقاً لخطة الدفاع المتحرك التي كانت إسرائيل تطبقها للدفاع عن سيناء. كذلك أشرتُ إلى أن "خطة الدفاع الإسرائيلية التي أعتمدت على نقاط خط بارليف القوية ومعها إحتياطيات على أعماق متعددة فقدت الاتزان الدفاعي ووقفت عاجزة أمام مفاجأة هجوم الخمس فرق"، على مواجهة واسعة وعدم قدرة القوات الجوية الإسرائيلية على تقديم أي معاونة للاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية.
وأنه عندما قامت الاحتياطيات الإسرائيلية لخط بارليف بالهجمات المضادة، كانت ضعيفة ومبعثرة وتحطمت أمام الخطة المصرية الرائعة المضادة للدبابات التي نفذتها لأول مرة في التاريخ عناصر مشاة مترجلة دون دعم من دبابات التعاون الوثيق التي لم تكن قد وصلت لرؤوس الكباري إلا في اليوم التالي بعد تشغيل الكباري (أي في الأحد 7أكتوبر73).
جاء تعليق أساتذة معهد الدراسات الاستراتيجية: أن وقوف القوات المصرية وتعزيز رؤوس الكباري تحت مظلة صواريخ الدفاع الجوي المصري، حرم الإسرائيليين من تنفيذ خطتهم الدفاعية بإسلوب الدفاع المتحرك Mobile Defense من استدراج القوات المصرية إلى مناطق احتواء وقتل لتدميرها في العمق، ولذلك جاء إعلان موشيه ديان وجولدا مائير يوم 9 أكتوبر ۱۹۷۳ بهزيمة إسرائيل، بمثابة "اعتراف كبير" بتفوق التخطيط المصري في المرحلة الإفتتاحية من الحرب علاوة على الأداء المتميز لتنفيذ هذا التخطيط.

وفي عام 1974 عقدت مجموعة Pentagon Office of Net Assessment، الذي كان قد أنشئ عام 1973 في البنتاجون لتطوير مفاهيم القتال بخبره حرب ۷۳ سواء من الجانب المصري أو الإسرائيلي، ولقد خرجت الدراسات التي أقامتها مجموعة Pentagon Office of Net Assessment بخلاصة: "أن المصريين نجحوا في افشال خطة الدفاع المتحرك التي يجب تطويرها لأنها أساس العقيدة الدفاعية في حلف الناتو". لهذا فبعد عام كامل من عمل هذه المجموعة تم تطوير فكر الدفاع المتحرك في العقيدة الغربية لتكون نظام Active Defense اعبارًا من عام 1975.

https://www.youtube.com/watch?v=ISIB-e3mGAw

لقد تغيَّر هذا المفهوم بسبب ما حققه المصريون في حرب أكتوبر ٧٣، لذلك اندفع شارون ليقول إنه لطالما عارض الجنرال بارليف، وعارض خطته للدفاع عن قناة السويس وبناء هذا الخط الذي وصفه بأنه مثل الجبن السويسري ذو الثقوب. وأن إسرائيل دفعت الثمن باهظاً عندما لم تستمع لرأيه حول تنظيم الدفاعات في سيناء واختارت أن تنفذ خطة الجنرال بارليف رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك.

وقبل أن أنطلق بالرد، تولى أستاذ من معهد الدراسات الاستراتيجية التعليق الرد بنفسه قائلاً: سيادة الجنرال، لقد أشبعتمونا فكراً وأراءً ونظريات بعد حرب ١٩٦٧، نظراً إلى خبراتكم وتطبيقكم هذه النظريات التي حققت النصر عام ١٩٦٧، والآن نسمع أن كل هذه المفاهيم والنظريات الإسرائيلية خاطئة، أعتقد سيادة الجنرال شارون أن ما فعله المصريون كان رداً عملياً على أن هذه النظريات، وأنها لم تكن دقيقة أو صحيحة.

ويبدو أن الجنرال شارون أعجبه هذا التحليل من معهد الدراسات الاستراتيجية الذي يدين الخطة الدفاعية الإسرائيلية شرق القناة، حيث قرر استغلال ذلك كله لصالحه الشخصي، ليقول: إنه من ذلك المنطلق وبعد إعلان موشيه ديان ومائير هزيمة إسرائيل جاء هو المنقذ، لينفذ عملية (الغزالة) ويبدأ في التفكير في ثغرة الدفرسوار.
ولقد نال حائط الصواريخ المصري استحسان لجنة معهد الدراسات الإستراتيجية حيث أكدت اللجنة في حوارها أنه لولا وجود حائط الصواريخ لما نجحت القوات المصرية في بناء الكباري وتحت سترها ثم عبور المدرعات والمدفعية الى شرق القناه.

في الحلقة القادمة نستكمل معًا قصة عبور القناة وتدمير خط بارليف ضمن مناظرتي مع أرييل شارون على قناة الـBBC.

أسبوع الخير للواء الدكتور سمير فرج

تقرير كتبه/ الدكتور مدحت حماد

لأن شهر أكتوبر أصبح منذ نصف قرن هو شهر الخير بالنسة للمصريين، ولأن مصر لازالت ترتوي من دماء وعرق رجالاتها الذين كتب الله لهم شرف المشاركة في صناعة النصر العظيم، ولأن الله أراد لنا أن يطول ويمتد عمر بعض هؤلاء الرجال حتى نعيشهم عن قرب، ونرتوي من خبراتهم ونستنير من بصائرهم، ونستقوى بنصائحم وتجاربهم، كان الأسبوع الماضي هو "أسبوع الخير" بالنسبة للكثير من المصرين بصفة عامة، وسيادة اللواء الدكتور سمير فرج بصفة خاصة.

خلال هذا الأسبوع تشرفت ثلاث مؤسسات نوعية مصرية وطنية باستضافة سيادة اللواء الدكتور سمير فرج للمشاركة في الفعاليات التي أقامتها بمناسبة احتفالات مصرنا الغالية بذكر انتصارات حرب اكتوبر المجيدة.

لقاء "رؤساء الشركات والدرجات القيادية العليا في الوزارة".

جاءت الفاعلية الأولى في اللقاء الذي نظمته وزارة البترول لـ "رؤساء الشركات والدرجات القيادية العليا في الوزارة" عن انتصارات الجيش المصري في حرب اكتوبر ٧٣، حيث استضافت الوزارة اللواء الدكتور سمير فرج لينقل إلى "رؤساء الشركات والدرجات القيادية العليا في الوزارة" فكر ونهج ومنهج قادة مصر الذين قادوا وحملوا على عاتقهم عملية الاعداد والتخطيط الشامل لتفاصيل الحرب والعبور و... حيث أكدّ سيادته على نقطة جوهرية كانت بمثابة "كلمة السر" وراء ما تحقق، ألا وهي أن قناعة قادة ورجال حرب أكتوبر كانت تقوم على أنه لابد من تحقيق النصر والانتصار وفقًا للإمكانات الفعلية المتاحة دون التعلل والتحجج بنقص الموارد والامكانات.

لقطات مجمعة من لقاء رؤساء الشركات والدرجات القيادية العليا بوزارة البترول

وكأنها المرّة الأولى التي يتسلم فيها درعًا وتكريمًا.

ثم كان اللقاء الثاني مختلفًا تماماً في طبيعته وطبيعة الحضور والمشاركين، وهو اللقاء الذي نظمته قيادة جامعة عين شمس الرشيدة بدعوه من الأستاذ الدكتور محمد ضياء زين العابدين رئيس  الجامعه  عن نصر حرب اكتوبر ٧٣  في قاعهً الاحتفالات. الرئيسيه للجامعه، وذلك حرصًا وسعيًا منها على ربط شباب مصر 2024 بشباب ورجال مصر الذين كانوا يحملون رايتها في 1973 والذين كان من بينهم اللواء الدكتور سمير فرج، ليكون خير قدوة لخير رجال مصر في 2024، وهو اللقاء الذي أشبع وجدان هؤلاء الشباب بل ووجدان الدكتور سمير فرج نفسه. نعم لقد كانت محاضرة في شكلها، لكنها كانت في جوهرها وحقيقتها بمثابة عملية "توريث للتجارب والخبرات" من جهة، وبمثابة "نقل حمل الراية" من جيل إلى جيل مصري جديد من جهة أخرى.

لقطات مجمعة من لقاء الأجيال في جامعة عين شمس

من أجمل ما تميّز به اللقاء، تلك الحالة الشعورية الوجدانية التي بدت وظهرت على ملامح ووجه اللواء الدكتور سمير فرج عندما وقف ليتسلم بفرحة ملأت تفاصيل شخصيته وهو يتسلم "درع جامعة عين شمس"  من الأستاذ الدكتور محمد ضياء زين العابدين رئيس  الجامعة، حتى بدا وكأنها المرّة الأولى التي يتسلم فيها درعًا وتكريمًا، رغم الأوسمة والنياشين والتكريمات وكل مظاهر الشكر والتقدير التي عاشها الرجل طوال حياته عن جدارة واستحقاق، لكن تكريم جامعة عين شمس كان تكريمًا ذو طبيعة وجدانية خاصة، السبب والسر في ذلك هو أنه أحد أبناء وخريجي هذه جامعة عين شمس العريقة.

"درع  "مجمع كوبري القبه العسكري".

ثم كان مسك الختام لأسبوع الخير، في "مجمع كوبري القبه العسكري"، أكبر صرح طبي أقامته وشيدته قواتنا المسلحة كحصن وكصرح طبي شامل متطور حديث وقت السلم والحرب معًا، فقام الرجل وبنهج جديد، وبأسلوب جديد، بتقديم ونقل خبرته، من خلال محاضرة عن حرب اكتوبر 1973، وهي المحاضر التي شهدت مشاركة متنوعة من مختلف الفئات والتخصصات والأعمار، من العاملين في "مجمع كوبري القبه العسكري" وكذلك من الضيوف العسكريين والمدنيين المشاركين، وهو النهج والتقليد الذي تتميز به المؤسسات والهيئات التابعة لقواتنا المسلحة، بهدف تعميم الفائدة، وترسيخ القيم، وربط الأجيال بعضها ببعض، ومن أجمل ما شهده اللقاء إعادة الشكر والتقدير لـ الواء الدكتور سمير فرج من خلال تسليمه "درع  "مجمع كوبري القبه العسكري" الذي قام به وبإسم جميع العاملين في "مجمع كوبري القبه العسكري"، سيادة اللواء طه علاء غيته.

"درع  "مجمع كوبري القبه العسكري".

للشعب المصري العريق، "منظومة أمثال شعبية عبقرية رائعة ومذهلة"، من هذه "الأمثال" المثل الذي يقول: "اللي ملوش كبير، بيشتريلوه كبير". ونحن كمصريين دومًا لنا كبار وعظماء، في جميع العصور، ومن قبل أن يبدأ التاريخ، في أوقات السلم وفي أوقات الحرب، وأبدًا لن تنضب مصر من رجالها الكبار في جميع المجالات وعلى مر العصور، مهما كانت التحديات ومهما بلغت الصعاب.

د. مدحت حماد

رئيس مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية

اللواء الدكتور سمير فرج يروي: قصة حرب أكتوبر من خلال مناظرتي مع شارون في محطة الـBBC في لندن (الحلقة الأولى)

كانت الأمطار تهطل بشدة، وأنا أخرج من محطة مترو الأنفاق في لندن لكي أتجه إلى مبني إذاعة الـBBC لكي أجري مناظرة مع الجنرال شارون. حول حرب أكتوبر في برنامج بانوراما، الذي كان يقدمه الإذاعي البريطاني الشهير، "ادجر آلان" في هذا الوقت. كنت وحيدا، ليس معي، غير المظلة التي أحتمي بها من أمطار لندن الرهيبة، وفي يدي الثانية، البدلة الاسموكن التي قمت باستعارتها من زميلي في الكلية الرائد الكويتي عدنان عبد الغفور، لأن مرتبي في البعثة لم يكن يسمح لي بشراء هذه البدلة الإنجليزية الفاخرة.

Covent Garden underground station London, England, UK, with a rickshaw and people outside at Christmas time.

وصلت إلى مبني الـBBC، وكانت هناك جموع غفيرة من الجالية اليهودية ترحب بالجنرال شارون وتشجعه، وهو يدخل هذه المناظرة مع الضابط المصري الذي جاء يدرس في بريطانيا، المهم أن ينتصر شارون. في هذه المناظرة، ولن أحكي تفاصيل قصة دخولي إلى المبنى.

عموما. كانت حرب ٧٣ عيد الغفران أو يوم كيبور Yom KIPPUR WAR هي أحدث حرب تقليدية تمت في العصر الحديث بين دولتين تمتلك كل منها أحدث تقنيات العصر من الأسلحة والمعدات لذلك فلقد نالت هذه الحرب اهتمام العديد من المؤسسات ومراكز الدراسات الاستراتيجية في كل انحاء العالم حتى القنوات التليفزيونية .
وهذا ما دعا قناة BBC البريطانية عام ۱۹۷۵ إلى أن تدعوني لعمل مناظرة علمية مع الجنرال الإسرائيلي شارون قائد القوات الإسرائيلية في معركة ثغرة الدفرسوار غرب قناة السويس ولقد قام بالتحكيم على هذه المناظرة أساتذة من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن The International Institute for Strategic Studies أو IISS ، حيث كان هذا المركز يجمع خيرة الباحثين العسكريين في مجال الاستراتيجية والأمن القومي في العالم.. وكانت إصداراته كل عام تُعد من المراجع العلمية التي يعتمد عليها كل الباحثين العسكريين في العالم كله.
ولذلك كانت هناك لديَّ قناعة بحيادية هذا المعهد وقدرته على التحليل الدقيق لما قامت به القوات المصرية في مرحلة التخطيط و إدارة اعمال القتال.

اسحاق شارون

كنتُ قد انهيتُ دراستي في كلية القادة والأركان المصرية وكان ترتيبي الأول في التخرج وطبقا للنظام المعمول به في القوات المسلحة المصرية، فقد تم ترشيحي للدراسة في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا في دورة عام ١٩٧٥ أي بعد انتهاء حرب أكتوبر مباشرة حيث سافرت إلى لندن عام ١٩٧٤ لحضور دورة التأهيل قبل الدورة الأساسية، وبدأت الدراسة وكنت في هذا العام طالب في كلية كمبرلي الملكية بإنجلترا .. وهي كلية من أعرق.. وأقدم كليات القادة.

للحديث بقية

https://www.dailymotion.com/video/x7x38zg
مقر اذاعة بي بي سي في لندن

مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية يهنئ مصر بذكرى انتصارات حرب أكتوبر المجيدة

يتقدم مجلس إدارة مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية وجميع السادة الخبراء والمتخصصين المتعاونين مع المركز وكذلك جميع الباحثين والإداريين، لمصرنا الغالية، قيادة وشعبًا، بأصدق وأخلص التهاني والتبريكات بمناسبة حلول ذكرى انتصارات أكتوبر الخالدة، تلك الحرب العظيمة التي أعادت ليس فقط، لمصر وشعبها بل وللأمة العربية جمعاء عزتها وكرامتها، بعد ست سنوات عجاف من الألم والمرارة والحسرة نتيجة فقدان أجزاء غالية من جسد الأمة العربية بيد الصهاينة.

لقد كانت حرب أكتوبر بمثابة الملحمة العظيمة الخالدة التي جسدّت الإرادة والعزيمة والتحدي للمصريين جميعاً قادة، وجيشًا، وشعبًا أبيًّا بجميع طوائفه وفئاته ومستوياته، إرادة جمعت في باطنها صلابة الأرض المصرية وخلود النيل العظيم وحكمة وخلاصة تاريخ وحضارة أول أمة عرفتها البشرية، كما جسدت هذه الحرب وبأروع الصور الخالدة، كيف يمكن أن تكون الوحدة العربية، وما الذي يمكن أن تحققه هذه الوحدة متى تجسدت وتجلت، ليس فقط على صعيد الشرق الأوسط وإنما على مستوى العالم بأسره.

https://www.youtube.com/watch?v=XwnNzBc2hUA
السادات وعد وأوفى.

إن المركز إذ يتقدم بهذه التهنئة لجميع المصريين بصفة عامة وللقيادة السياسية المصرية الرشيدة متجسدة في سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية بصفة خاصة، فإنه يؤكد على أن رعاية المصالح والأهداف القومية المصرية في كافة المجالات والمحاور وعلى كافة الأصعدة الداخلة في النطاق المباشر وغير المباشر للمجال الحيوي للأمن القومي المصري، هي الغاية والهدف لجميع ما يقوم به المركز من أنشطة أيًا ما كانت طبيعتها.

ولست أتجاوز إذا قلت أن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم 6 أكتوبر 73 حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة

https://www.youtube.com/watch?v=plWAErdF8jA
أقول للجيش الثالث ولقائده أحمد بدوي له تقديري وتقديركم جميعًا تعبيرًا عن تقدير الوطن كله.

اللواء الدكتور سمير فرج يتذكَّر: حوارات الخامس من أكتوبر

صحيح أن يوم السادس من أكتوبر من عام 1973هو الأعظم، في تاريخنا الحديث، إلا أن يوم الخامس من أكتوبر يمثل علامة فارقة في حياتي، إذ كنا في مرحلة التمهيدات النهائية للحرب، بينما أكاد أجزم بأن أي منا لم يكن يتوقع أننا على بُعد سويعات من بدئها، ومن عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف.

أذكر أننا كنا في مركز عمليات القوات المسلحة لحرب أكتوبر، والذي كان يُطلق عليه "مركز عشرة"، وكنا قد بدأنا في اختبارات تواصل مركز القيادة مع المراكز الأخرى، ومنها مراكز القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي، والجيوش الميدانية، وحتى قيادة القوات في سوريا. وكان أول يوم أقضيه في مركز القيادة، هو يوم الخامس من أكتوبر، لفتح سجلات الحرب في صباح اليوم التالي. ولأنني كنت أحدث ضابط القيادة، برتبة رائد، ولم يكن قد مر على انضمامي أكثر من أسبوع، فلم يكن مسموحاً لي، طبقاً للتقاليد العسكرية، الحديث مع القادة الأعلى رتبة، إلا عند تلقي الأوامر بالرد على أمر ما، لذا فقد انصب تركيزي على سماع ما يدور بينهم من مناقشات.

https://youtu.be/ccRt5RGsLdQ?si=3LMUzUrAgqX2nUaH
اللواء الدكتور سمير فرج في ذكرى انتصارات اكتوبر المجيدة

منهم من يقول "إحنا تعبنا وولادنا اتدربوا كويس وربنا هينصرنا"، وآخر يقول "التخطيط للحرب هائل بقالنا سنين نعدل في الخطة، عندما يجد علينا سلاح أو معلومة عن العدو"، وثالث يتساءل "تفتكر هنعملها ونقتحم القناة بكرا؟"، ونسمع من يقول "أكيد ربنا هينصرنا في شهر رمضان المبارك،" فيعقب آخر "والله صلاح عبقري إنه اختار شهر رمضان للهجوم". ويسأل آخر "هنقدر نفتح الفتحات في الساتر الترابي"، ويرد العقيد مهندس أحمد نبيه "إحنا عملنا تجارب أكتر من شعر راسنا، وكلها نجحت، الفكرة هايلة، وربنا معانا"، ثم نسمع من يقول "هنقدر نحقق الهجوم ونصل للمضايق؟"، فيأتيه الرد "هنعبر ونصد الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية وهنوصل"، ويضيف آخر "التوجيه اللي عمله الفريق الشاذلي مفيهوش غلطة"، ويردد آخر "المهم ألا تتدخل القوات الجوية الإسرائيلية وإحنا بنعبر"، فيرد أحدهم "حائط الصواريخ هايل، وولادنا في الدفاع الجوي كانوا أبطال في حرب الاستنزاف، وأعطوا إسرائيل درساً يوم إسقاط الفانتوم، ومش هيغامروا بالتدخل وإحنا بنعبر".

كانت جميع الحوارات التي دارت قبل يوم العبور، في الخامس من أكتوبر، نابعة من القلب، ومفعمة بالأمل، واليقين، والثقة في القدرة على الهجوم في اليوم التالي، الذي بدأت فيه الحرب في تمام الثانية ظهراً، بانطلاق 220 طائرة لعبور قناة السويس، ويبدأ بعدها قصف المدفعية، لتعبر قواتنا المسلحة الباسلة قناة السويس، وتقتحم خط بارليف، وتنتصر على العدو الإسرائيلي، وتُحقق لمصر أغلى نصر في عصرها الحديث.

كل عام وأنتم بخير

اللواء الدكتور سمير فرج: معركة المزرعة الصينية، والمشير حسين طنطاوي

لواء دكتور/ سمير فرج
في الذكرى الثالثة لرحيل المشير حسين طنطاوي 21 سبتمبر، الرجل العظيم، الذي تولى وزيراً لدفاع مصر لمدة 20 عام، أعطى فيها الكثير لمصر وقواتها المسلحة، كما أنه أدار البلاد، وهو رئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد أحداث 25 يناير، ليصل بمصر إلى بر الأمان، حتى تم تسليم إدارة البلاد إلى السلطة المدنية. هذا الرجل الذي خاض خمس حروب في تاريخ العسكرية المصرية حرب 56، ثم حرب 67، ثم حرب الاستنزاف. ثم حرب 73، حيث كان قائداً لمعركة المزرعة الصينية. كما كان سيادته رئيسا لهيئة العمليات في حرب تحرير الكويت، الذي خطط لعمل القوات المسلحة المصرية هناك هذا البطل يقول أن أغلى وسام تقلده من ضمن اوسمة عديدة وهو وسام الشجاعة عن معركة المزرعة الصينية، وهو برتبة مقدم. ثم وشاح النيل أعلى وسام في مصر تقديراً لدوره في قيادة البلاد في تلك الظروف الصعبة.
واليوم أضيف عمل عظيم لهذا البطل العظيم حيث رشح ومعه مجموعة من الضباط المصريين من أبناء القوات المسلحة لأنشاء كلية حربية جديدة في الجزائر في شرشال بعد تحرير الجزائر من فرنسا. واليوم في ذكرى رحيل هذا البطل المشير طنطاوي، ونحن على أعتاب. الذكرى ل51 لحرب أكتوبر نعرض قصة المعركة الصينية.
كانت البداية عندما تم تعيين المقدم " محمد حسين طنطاوي " قائداً للكتيبة ١٦ مشاة من اللواء ١٦ مشاة، من الفرقة ١٦ مشاة، بقيادة الفريق اللواء عبد رب النبي حافظ، وكانت الكتيبة ١٦ مشاة، ضمن القوات المصرية المقاتلة في قناة السويس يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ الساعة ٢:٠٠ ظهراً وعبرت قوات الكتيبة على متن القوارب المطاطية ضمن الموجة الأولى لقوات العبور، واقتحمت الكتيبة خط بارليف في منطقة الدفرسوار، وتقدمت بعد نجاحها شرقاً بعد اختراق دفاعات خط بارليف وقامت بصد احتياطي العدو القريب بقوة سرية دبابات.
اندلعت الكتيبة بعد ذلك في إتجاه المزرعة الصينية، والتي كانت عبارة عن ثلاث مباني، قامت الصين بإنشائها قبل حرب ،٦٧، بغرض إنشاء مزرعة تجريبية شرق القناة لزراعة المنطقة هناك، وعندما اشتعلت حرب يونيو ٦٧، إنسحبت العناصر الصينية التي تقوم بالزراعة، وبقيت الثلاث مباني والمنطقة المحيطة بها على الخرائط، معروفة باسم المزرعة الصينية.
واستمرت الكتيبة ١٦ مشاة بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي، ورئيس عمليات الكتيبة الرائد سعيد ناصف في التمسك بالأرض، وأنشأت الدفاعات في رأس الكوبري ضمن الفرقة ١٦ المشاة الميكانيكي.
وخلال هذه الفترة قامت الكتيبة بصد العديد من الهجمات المضادة من إحتياطيات الجانب الإسرائيلي ونجحت في صد وتدمير كافة تلك الهجمات دون حدوث أي إختراق لخطوط دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة.
حتى جاءت ليلة السادس عشر من أكتوبر ۷۳، ليقوم العدو الإسرائيلي بأكبر هجوم مضاد بقوة لواء مدرع طبقا لخطة الجنرال شارون، التي كانت تهدف إلى إحداث إختراق في دفاعات الفرقة ١٦، من خلال إختراق دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة، وبعد حدوث الاختراق تندفع باقي
قوات شارون إلى القناة والعبور بقوات لواء مدرع لتطويق الجيش الثاني، وتندفع في إتجاه الإسماعيلية تلك الخطة الإسرائيلية التي كانت معروفة باسم الغزالة.
وبعد منتصف الليل، بدأت العناصر المدرعة الإسرائيلية من لواء أدان وماجن من الإقتراب من خطوط دفاعات الكتيبة ١٦ مشاة، وفي السجلات الخاصة بوقائع حرب أكتوبر قدم المقدم " محمد حسين طنطاوي شهادته عن الأحداث قائلا "أنه بدأ يسمع تحرك جنازير الدبابات التي تقترب من دفاعات كتيبته، ومن خلال أجهزة الرؤية الليلية بدأ تقدم كتيبة دبابات المقدمة للواء المدرع الإسرائيلي، الأمر الذي دفعه لإعطاء الأوامر بصفته قائد الكتيبة ١٦ مشاة. بحبس النيران حتى تقترب دبابات العدو الإسرائيلي لأقرب نقطة، وتكون في مرمى النيران المؤثرة لكتيبته حتى يمكن تدميرها فورا".
وفعلا عندما اقتربت المدرعات الإسرائيلية في مرمى النيران المؤثرة للكتيبة. أطلق المقدم حسين طنطاوي إشارة ضوئية في الهواء وهنا قامت قوات الكتيبة بفتح النيران فوراً على الدبابات الإسرائيلية المتقدمة والتي أصابتها مباشرة واستمرت المعركة أكثر من ساعتين. وبعد أن شعر العدو بعدم قدرته على إختراق دفاعات الكتيبة، قرر إيقاف هجوم الاختراق والانسحاب للخلف.
وكانت شبورة الصباح قد بدأت لتمنح العدو الفرصة لسحب قتلاه من أرض المعركة، وفشلت قوات شارون من إختراق دفاعات الكتيبة ١٦ بقيادة المقدم حسين طنطاوي، واضطر شارون أن يلجأ إلى تنفيذ الخطة من خلال العبور من البحيرات المرة، إلى الضفة الغربية لقناة السويس، لينفذ خطته بتطويق الجيش الثاني، ويندفع بقوته في إتجاه الإسماعيلية، حيث أوقفته قوات الصاعقة في مدخل إسماعيلية في منطقة أبو عطوة.
وقد شاءت الأقدار أن أكون شاهداً بعد مرور أكثر من ربع قرن علي الحرب، علي واقعة محاولة " شارون " لقاء القائد المصري " محمد حسين طنطاوي، الرجل الذي حاربه ببسالة.
فأثناء عملي مديراً لإدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، كنت في أحد الأيام بمكتب السيد المشير طنطاوي وزير الدفاع، وفجأة جاء اتصال من الرئيس مبارك وحاولت الخروج ولكن المشير طنطاوي أشار لي بالبقاء، وكانت مكالمة من السيد الرئيس مبارك للمشير طنطاوي ليبلغه أن الجنرال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي سوف يحضر غداً لمقابلته في شرم الشيخ وطلب شارون أن يلتقي بوزير الدفاع المصري. " محمد حسين طنطاوي المقابلة. وكان رد المشير طنطاوي يا فندم لو كنت مطلوب لمقابلته في عمل خاص بالقوات المسلحة أو لصالح مصر، أوامر حضرتك "، ولكن الرئيس مبارك قال لا، إنه يريد أن يراك شخصياً.
وهنا جاء رد المشير طنطاوي معلش يا فندم أرجو إعفائي من هذه المقابلة". وكان رد الرئيس مبارك عموماً كنت متأكد من ردك، وانتهت المحادثة، وفي صباح اليوم التالي تابعت ما حدث في شرم الشيخ، وعلمت أنه بعد انتهاء مقابلة الجنرال شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي للرئيس مبارك خرج وسأل رجال المراسم هل سأقابل المشير طنطاوي؟
وكانت الإجابة المشير طنطاوي لديه التزام مسبق ولم يستطع الحضور، وكان رد الجنرال شارون على ذلك قائلا " كنت متأكداً أنه لن يحضر، ولكن كنت أود أن أقابل قائداً عسكرياً
حاربته بشرف، وأحترمه “.
ومن هنا كانت هذه المقولة ان معركة المزرعة الصينية في رأس الكوبري شرق قناة السويس، قد أبرزت صلابة وقوة المقاتل المصري العنيد الذي منع القوات الإسرائيلية من اختراق دفاعاته وتمسك بالأرض، لذلك كان الجندي المصري هو خير أجناد الأرض.

المصدر: المصري اليوم 29 سبتمبر 2024

د. مدحت حماد: هل سيكرر العرب مرة أخرى حساباتهم الإستراتيجية الخاطئة؟ (الحلقة الأولى)

الأحداث الجارية في شرق المتوسط الآن، هي أحدث "خطيرة" بامتياز، وهي أحداث "مفصلية فارقة"، وهي أيضًا أحداث "مُنشِئة كاشفة". الواقع العسكري "المُخيف" في شرق المتوسط لا يدل على أن المقصود هو "محور المقاومة" بقيادة إيران فحسب، إنما يدل على أننا بصدد "حدث إقليمي دولي إستراتيجي" يتشكَّل في رحم شرق المتوسط، وأن "طوفان الأقصى" كان بمثابة العُنصر أو العامل المحَّفِز لنشوء وميلاد هذا الحدث.

تمامًا مثلما كانت جريمة صدام حسين بغزوه الكويت هي العنصر والعامل المحَّفِز لما حدث بعده، من غزو للعراق، إحداث تغيير جذري في خريطة وهيكلية وبنية "النظام السياسي العراقي" من جهة، وقطع "الحبل السُري العربي" الذي كان يربط العراق مباشرة بجميع دوائر الأمن القومي العربي.

فبسبب جريمة إحتلال الكويت التي لم تستمر سوى شهور معدودات، والتي صاحبتها "مشاعر زائفة بالزهو النصر السياسي" لدى صدَّام حسين ونظامه، إنفك "عقد التضامن العربي الخليجي العراقي" لعقود طويلة، ولسوف تستمر لأجل غير مُسمى.

فلقد انقطعت كل أواصر الصلة والعلاقات بين "دول مجلس التعاون الخليجي" وبين "العراق" ما بعد صدام حسين، بل صار هناك عداء محكم، وتشكلت خريطة عدم الثقة والكراهية _عبر وسائل وآليات متنوعة عديدة_ وصلت لحد العداء بين الطرفين لقرابة ثلاثين عامًا أو يزيد، مما نتج عنه وبشكل غير مسبوق، منذ سقوط الخلافة العباسية، أن صار العراق بمثابة العمق الإستراتيجي النوعي لإيران، بعد أن كان "بوابة الأمن القومي العربي الشرقية"!

منذ ذلك التاريخ، ومنذ تبلورت تلك المتغيرات والمستجدات، فَقَدَ العربُ العراقَ. وتحول وضع العراق إلى أن صار شبيهًا بوضع "الدول الإقليمية" المجاورة للوطن العربي، وذلك بالرغم من كل "ظواهر أو مَظاهر العروبة الشكلية" التي ترسم الصورة السياسية "للنظام السياسي العراقي". لكن الحقيقة أن العراق قد بات مكونًا أصيلاً من مكونات "التحالف الإقليمي" الذي يعرفه الجميع بمسمى "محور المقاومة" الإسلامية بقيادة إيران.

واقع الأمر الذي تعيشه الدول العربية في المشرق ومعها مصر يقول ما يلي:

1- إن جميع هذه الدول _باستثناء سوريا واليمن_ رفعت رسميًا إسم "إسرائيل" من قائمة الأعداء، سواء من خلال وعن طريق توقع معهدات السلام، أو من خلال وعن طريق التطبيع أو من خلال وعن طريق إعلان النيِّة للتطبيع المشروط.

2- إن جميع هذه الدول _باستثناء سوريا واليمن_ تقيم علاقات سياسية، اقتصادية مع إسرائيل.

3- بعض هذه الدول تقيم علاقات أمنية عسكرية مع إسرائيل.

4- إن جميع هذه الدول _باستثناء سوريا واليمن_ قد تخلت عن الكفاح المسلح لتحرير فلسطين والقدس وإقامة الدولة الفلسطينية ولو على أراضي الرابع من يونيو1976بعاصمة محدودة في القدس الشرقية.

5- جميع هذه الدول _باستثناء سوريا واليمن_ تقيم علاقات سياسية، اقتصادية، أمنية وعسكرية بل وربما استراتيجية مع أمريكا، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وإيطاليا، وجميعها من الدول الراعية لإسرائيل الضامنة لبقائها وإستمرار وجودها.

فقط "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" هي التي تقود المقاومة الفلسطينية ومنذ عودة الخميني لإيران في فبراير 1979 وإعلانه سحب الإعتراف الإيراني بإسرائيل، ثم إعتراف الجمهورية الإسلامية بفلسطين كدولة وتسليم سفارة إسرائيل لياسر عرفات لتكون "سفارة دولة فلسطين"، تقود العملية الإستراتيجية الشاملة _طويلة الأجل" لتحرير فلسطين والقدس، قيادة سياسية، دينية بل وإستراتيجية. وهي قيادة تتميز بعدد من الخصائص والسمات النوعية مثل:

1- أنها لم تسعى لإذابة المقاومة الفلسطينية في "بوابة المذهبية الدينية"، وإنما تعاملت معها من منظور الثوابت والقواسم الإسلامية المشتركة بين جميع المسلمين على إختلاف مذاهبهم(سيدنا محمد هو خاتم الأنبياء والمرسلين، الإسلام هو الديانة السماوية الخاتمة، القرآن الكريم هو كتاب الله الحبل المتين، القِبلة الدينية كانت المسجد الأقصى ثم أصبحت مكة المكرمة).

2- أنها لم تسعى إلى فرض إرادة سياسية ما على المقاومة الفلسطينية، هي فقط قدمت نفسها كظهير إستراتيجي: سياسي، إعلامي، اقتصادي، علمي، تكنولوجي بل وعسكري.

3- أنها قد نزلت معها الميدان _عبر ومن خلال فيلق القدس_ من أجل الإعداد والتخطيط والمشاركة الوجدانية الروحية، الميدانية العسكرية.

4_ أنها قدمت للمقاومة الفلسطينية "سابقة أعمالها" بشأن عقيدتها المعادية لإسرائيل. أقصد هنا "حزب الله اللبناني"، وهي سابقة الأعمال التي تميزت بالقدرة على البقاء والقدرة على الإنتصار ومن ثم القدرة على تحرير الأرض و"فرض الإرادة" وهذه جميعها متطلبات ومكونات وعوامل البقاء لأي حركة مقاومة. (مصر عبد الناصر والمقاومة الجزائرية نموذجًا).

5- أنها قدمت كذلك للمقاومة الفلسطينية "سجلاً ناجحًا ناصعًا" لدورها الإقليمي، المتمثل في دعم وتأييد وحماية النظام السوري بصفة عامة و"بشار الأسد" بصفة خاصة.

6- أنها تقدم "الأدلة الدامغة" للمقاومة الفلسطينية والعالم الإسلامي بأسره، على مشروعية ومصداقية مواقفها وإستقامة عقيدتها وأيديوليجتها الدينية الإسلامية، وهي الأدلة التي تجسدها "جميع أشكال ومستويات وأنماط الحظر والعقوبات السياسية، التكنولوجية، الاقتصادية، العسكرية... إلخ كل ذلك بسبب مواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية.

فإذا ما نظرنا لطوفان الأقصى في ظل وفي إطار جميع "المعطيات" السابقة، وأضفنا عليها ما يلي:

1- أن الدول العربية سالفة الذكر، عجزت فعليًا وحقيقيًا عن منع إراقة الدماء الفلسطينية.

2- أنها أيضًا عجزت عجزًا تامًا ومطلقًا عن تقديم الدعم الاقتصادي للفلسطينيين.

3- أن جميع هذه الدول لم تغضب الغضبة القومية الدينية أو حتى الإنسانية التي كان يجب أن تكون إثر وقوع قرابة خمسين ألف شهيدًا فلسطينيًا معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وقرابة 100 ألف جريحًا أيضًا معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

4- أنه ما من دولة عربية من الدول سالفة الذكر كانت لديها القدرة الدينية على نُصرة الفلسطينيين بالسلاح لصد الأعداء التاريخيين للأمة الإسلامية، أي اليهود.

5- أن بعض الدول العربية سالفة الذكر حرصت -ولأسباب متنوعة- على إقامة مهرجانات الترفيه والغناء والرقص طول العام الأول من طوفان الأقصى.

من هنا يعود السؤال الذي سبق وأن قمتُ بطرحه في عدة مقالات قبل إنطلاق "طوفان الأقصى" بعامين، السؤال هو:

ماذا لو تمكنت المقاومة الفلسطينية من تحرير فلسطين والقدس بمساعدة الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

إن هذا السؤال هو "الحقيقة الوحيدةالكامنة" التي قصدتها من إختاري لعنوان هذا المقال وهو: هل سيكرِّر العرب مرة أخرى حساباتهم الإستراتيجية الخاطئة؟

مبدئيًا أُجيب على سؤالي هذا فأقول: نَعَم. نَعَم سوف يكرِّر العرب حساباتهم الإستراتيجية الخاطئة مرة أخرى.

أما لماذا؟ وكيف؟ فلهذا كله حديث آخر بإذن الله.

الدكتورة فاطمة مصطفى في حوار مع “الفارابي”: الوضع الراهن للأسرة السودانية رهيب ولم يحدث في تاريخ السودان. (الجزء الثاني)

حوار أجرته الدكتورة صباح منسي

تحرير وإخراج د. مدحت حماد

"استاذة فاطمة اسمحي لي الآن أن ننتقل إلى المحور الثاني فى حوارنا، ونتحدث عن وضع الأسرة السودانية فى ظل هذه الحرب الدموية المؤسفة، وكيف تأثرت الأسرة السودانية بتلك الحرب؟

فكما نعلم جميعا أن الأسرة بصفة عامة، والمرأة والاطفال بصفة خاصة هم الضحايا في كل الحروب بداية من فقد الإبن، الزوج، الأخ، الأب، وصولاً إلى الاعتداءات الجنسية.

سؤالنا الأول في هذا المحور: "ما هو الواقع الحالي للأسرة السودانية في ظل انسداد أفق حل الصراع السوادني وإعلان طرفي الصراع عن إستعدادهم للإستمرار في الحرب مائة عام أخرى!!؟

دكتورة فاطمة مصطفى في حوارها مع دكتورة صباح منسي

تقريبًا توفي حوالي 70 بالمئة من مرضي الغسيل الكلوي، والنساء الحوامل يعانون.

ج: "الواقع الحقيقي للأسرة السودانية، بالذات النساء والاطفال، هو واقع مرير ومؤسف لأبعد الحدود، لأن الحرب وأثارها شديد جدًا عليهم، خاصة الموت الجماعي الذي حصد الكثير من المدنيين فى عمليات القصف المتبادل. لكني مع ذلك أقول: "إن الموت أرحم من استشهدوا الكارثة الكبرى في من ظلوا على قيد الحياة وقد تقطعت أشلاؤهم، وحصلت لهم اعاقات كبيرة في ظل غياب كامل للرعاية الصحية والطبية، والمتضرر بشكل كبير هي المرأة الأم والإبنة والزوجة، المطلوب منها رعاية تلك الحالات وسط القصف وانعدام أى نوع من الرعاية الطبية.

 النازحون يجدون صعوبة كبيرة لقلة الموارد المادية التي تساعدهم على العيش في ظل تلك الظروف الصعبة وخروج الأولاد من التعليم لمده سنة ونصف، وغير معروف متي سينتهي هذا الوضع، لكن المأساة الحقيقة أيضا  أن الأسر في مناطق النزوح بدأت تتزاحم في أماكن غير مُهيئة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة بكل حالاتهم، فكثير من السودانيين المصابين بأمراض خطيرة توفي منهم عدد كبير لعدم وجود الرعاية الطبية والصحية, تقريبا توفي حوالي 70 بالمئة من مرضي الغسيل الكلوي لقلة الإمكانيات وإذا وجدت تكون في حالة رديئة. أيضا النساء الحوامل يعانون بشدة لأن الموارد غير كافية وفي بعض المناطق من الكثافة وقلة الموارد ينامون على الأرض في ظل اجواء بيئية صعبة من الامطار والسيول.

قمنا بمبادرة مع مركز شباب لوضع 20 سرير للنساء الحوامل فى أحد مراكز الاغاثية من خلال المعونات الشخصية، وبموارد ضعيفة نحاول مساعدة هؤلاء النساء. فكثير من الحاجات تأتي على شكل تبرعات في حدود الظروف الصعبة جدًا على الجميع، فالجميع يعاني من سنة ونصف، قلّة الموارد. حتى الأماكن التي يتم النزوح إليها ولا يوجد فيها حرب، تعاني من قلّة الإمكانيات والموارد، مما يُصعب من الأمر بشكل كبير، أما بالنسبة للعنف الجنسي، فللأسف أقول: إن هذه الحرب قامت على "أجساد النساء"

الإغتصاب نزيف لشرف المجتمع

لحظة من فضلك: اسمحي لي أن أتوقف أمام قولك: (إن هذه الحرب قامت على أجساد النساء)،

فجرائم الاغتصاب للنساء وبصفة خاصة الفتيات القاصرات هي من الجرائم التي يرفضها بشدة الرأي العام العالمي، وتجرمها القوانين والمواثيق الدولية، لذلك وجدنا كثير من الدول التي يحدث فيها صراعات مثل أوكرانيا يمتنع الجيش الروسي عن إرتكاب تلك الجرائم والانتهاكات، بينما الوضع داخل السودان مختلف تمامًا،

السؤال هنا هو: ما هي الاسباب والدوافع لارتكاب مثل هذه الجرائمة البشعة؟ وما تفسير ذلك من وجه نظر حضرتك؟"

لقد وصلت الأمور فى مناطق كثيرة إلى حد مساومة الفتيات والنساء على شرفهن مقابل الحصول على الطعام!

ج: للأسف الشديد أكرر: إن هذه الحرب جرت على أجساد النساء! فالعنف الجنسي والاغتصاب كلها جرائم موجه ضد المرأة، والشيئ الذي من المفجع ومن الصعب تخيله ونحن في القرن 21، أن تقام أسواق لبيع النساء المخطوفة من اماكن كثيرة كأسواق للجواري وكأننا عدنا إلى "عصور الجاهلية".

كثير من التقارير الخاصة بالمنظمات النسوية تكشف أن عمليات الاغتصاب والانتهاكات والاعتداءات الجنسية انتشرت بصورة وبائية فى السودان للأسف الشديد. إن اي منطقة يشتعل فيها القتال  يكون هناك انتهاكات كبيرة خصوصا للفتيات بصورة وبأعداد كبيرة ما أقدر اعطيك أعدادًا لها، لأن الأعداد غير معروفة لأن الحرب مازالت مستمرة، لهذا لا يوجد رصد للأعداد، ولكن هناك انتهاكات جنسية بأعداد كبيرة ترصدها كثير من المنظمات النسوية فهناك منظمات ترصد تلك الانتهاكات من خلال رصد الواقع والتحدث مع بعض الحالات التي تستطيع أن تعلن عن تعرضهن لهذا الفعل. حقيقي الوضع غير إنساني، وبالفعل هناك أماكن أخري مثل أوكرانيا ما حصل بها كده، بالتالي فكلنا في حالة استغراب شديد!! لحدوث كل هذه الانتهاكات الاجرامية البشعة، هناك كلام عن وجود مرتزقة أجانب ترتكب هذه الجريمة، لكن المؤكد أن كثيرًا من القبائل السودانية للأسف تورطت فى ارتكاب هذه الجريمة كنوع من الإنتقام والإنتقام المتبادل، الذي له أسباب تاريخية، حيث يُدعى كل طرف أنه تعرّض للتهميش والتقليل من شأنه من جانب الطرف الآخر، فنشأ نوع من الصراع العنصري البغيض وجاءت جريمة اغتصاب الفتيات والسيدات بصورة ممنهجة ومنظمة ومتعمدة التي ترتكبها الميليشيات المسلحة لتفضح الروح العنصرية البغيضة التي تريد الحاق العار بالطرف الاخر عبر اغتصاب فتياته وسيداته وبيعهن كجواري فى اسواق العبيد.  

وهذا تفكير شيطاني، أتصور أن هدفه أن يستمر الصراع للأبد بين أبناء الشعب السوداني بصورة تضمن استحاله توحده مرة اخرى. لقد كان "للسوشيال ميديا" دورًا كبيرًا فى فضح ارتكاب الميليشيات المسلحة لهذه الجريمة البشعة التي تجرمها كل الأديان السماوية وكل القوانيين والأعراف الدولية وكل المبادئ والقيم الإنسانية، لكن الميلشيات تخلت عن كل ذلك وارتكبت تلك الجريمة البشعة. الكارثة أن الظروف أجبرت الجيش على ضم بعض الميلشيات إلى صفوفه ليتمكن من الصمود فى بعض المناطق،

وإذا المؤدة سٌئِلَت بأي ذنب قُتِلَت؟

المواطن السوداني وخصوصًا الفتيات والسيدات هم ضحية هذا الصراع الدموي، ولقد وصلت الأمور فى مناطق كثيرة إلى حد مساومة الفتيات والنساء على شرفهن مقابل الحصول على الطعام وهذا شيء صعب على النفس التحدث فيه.

(اضطررتُ إلى ايقاف الحوار إحتراما لدموع الألم والغضب لضيفتي الفاضلة التي حَمَلَت على عاتقها لفت أنظار العالم إلى حقيقة ما يحدث فى السودان، ربما تتمكن من أن تحرِّك ضمير العالم)

استاذة فاطمة تكمل حديثها..

"الوضع فى السودان ثقيل جدًا على جميع السودانيين، سواء من كأن ولاؤهم للدعم السريع أو الجيش، الذي ضمَّ إلى صفوفه ميلشيات لا تختلف عن الدعم السريع.

الجنس مقابل الطعام!!!

خيرات السودان وثرواته تحولت إلى لعنة على الشعب السوداني. أكبر كارثه لحقت بالسودان هي أن كل الخراب والدمار الذي حل به لم تفعله قوى أجنبية، لكن فعله أبناء السودان بعضهم ببعض!! وكل القتل والاغتصاب الذي تعرض ويتعرض له أبناء السودان، لم يحدث بيد قوى أجنبية، لكنه حدث بيد أبناء السودان أنفسهم!! فأبناء السودان هم الضحية والجاني! وما أبشعه من واقع"!

سؤال آخر "استاذة فاطمة هل هناك دور لمنظمات المجتمع المدني السوداني، تحديدًا المنظمات النسوية في مقاومة هذه الانتهاكات الاجرامية والتصدي لها؟ وهل قامت برصد هذه الانتهاكات الإجرامية وايصالها للرأي العالمي لاتخاذ الاجراءات اللازمة للتصدي لتلك الممارسات الشنيعة ومعاقبه مرتكبيها؟"

الاغتصاب.. قهر للمرأة واذلال للمجتمع.

ج: "المنظمات النسوية السودانية من قبل الحرب لها دور كبير في جميع النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومنذ اندلاع الحرب هناك عمل كبير لتلك المنظمات في مجال الإغاثة والعون الإنساني ورعاية المرضي والجوعى، بالذات المرضي النساء وخاصة النساء الحوامل والمرضعات.

لا توجد تقارير احصائية دقيقة بحالات الإغتصاب والإنتهاكات الجنسية

لكن فيما يخص الانتهاكات والجرائم الجنسية الحاصلة منذ اندلاع الحرب معظم المنظمات النسوية تعمل في المراقبة وفي رصد الانتهاكات وفي إيواء بعض الناجيات وعمل التأهيل النفسي لهن، وكثير من العمل المنظم مع الأمم المتحدة والمنظمات النسوية الخارجية، فهم يقومون بعملية الرصد وإصدار تقارير تكون هى الأساس الذي تبنى عليه تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، كما تقوم المنظمات السودانية بالمشاركة فى معالجة ومساعدة الناجيات وتقديم الدعم النفسي والمادي لهن واعادة تأهيلهن واعادة دمجهن فى المجتمع. إنها مهام صعبه جدًا خاصه فى مجتمع عربى مثل المجتمع السوداني، له نظرته الخاصة للإغتصاب، وخاصة أن كل هذا الجهد يحدث تحت القصف وظروف الحرب ويوجد تقارير بإحصائيات لكن ليست بالحقيقة الكاملة الموجودة على أرض الواقع لأن هناك كثير من المناطق المغلقة التي لا تستطيع المنظمات الوصول إليها بسبب الحرب  وعمل احصاء دقيق بتقارير مفصلة لعزلة بعض الأماكن  وللأسف هناك  بعض الأماكن ليس بها اتصالات تليفونية لمعرفة ما يحدث بها، فهذه الارقام ليست كاملة، للأسف الحقيقة غائبة كأرقام نهائية حتي الآن لكنها معروفة ومرصودة كظاهرة منتشرة  وللأسف هي ابشع واكثر مما يمكن تصوره".

الإغتصاب جنون.

سؤالنا قبل الأخير: "في حدود علمكم استاذة فاطمة كرائدة من رواد المجتمع النسوي السوداني ما هو مصير النساء اللاتي تعرضن لعمليات اغتصاب جنسي داخل السودان؟"

ج: "مثلما أوضحت هناك دعم نفسي ومادي تقدمه جمعيات المجتمع المدني لهن، لكن المشكلة أن كثيرًا من الحالات اللاتي تعرضن للإغتصاب تخشي أن تتحدث عن الانتهاكات التي تعرضن لها، نظرًا لطبيعة المجتمع السوداني الذي ترى فيه الأسرة التي تعرضت إحدى فتياتها أو سيداتها للإغتصاب، أن هناك عار لحق بها!! فتبذل الأسرة كل جهدها لإخفاء ذلك العار وهذا طبع أغلب المجتمعات العربية لكن مَن يتم معرفتها تسعى منظمات المجتمع المدني إلى تقديم الدعم لها، وقد تم إنشاء دور خاصة بتلك الحالات لتأهيلهن حتى يستطعن تخطي الأزمة، كثير من المنظمات تسعى لمساعدة تلك الحالات بمحاولة إخراجهن خارج السودان في عمل كبير من المنظمات السودانية ومنظمات الأمم المتحدة الخاصة بالانتهاكات والعنف الجنسي خلال الحرب".

إغتصاب إمرأة واحدة، هو إغتصاب أمَّة بأسرها.

السؤال الأخير في هذا المحور: ماهي نظرة الأسر لبعضها البعض في هذا الشأن لاسيما الكل واقع تحت ظروف واحده قد يتعرض لها الجميع؟

... ... ... ... !!!

ج: المجتمع السوداني معقد جدًا، مجتمع محافظ، فكله يكون على حساب المرأة والفتاة. فالحديث في هذا الشأن وخصوصا الانتهاكات الجنسية يكون عارًا، فالبنت التي تعرضت لتلك الحادثة تصبح مصدر عار لأسرتها رغم أنها الضحية والمجني عليها وليس لها أي يد فيما حدث لها، المرأة دائما هي التي تدفع الثمن من جسدها ونفسيتها وكرامتها. لكن عمومًا المصيبة كبيرة وانتشار هذه الجريمة أجبَر الجميع على التكاتف، فكل الأسر والعائلات أصبحت معرضه لذلك الموقف، وهذا الذي يكتشفه السودانيون يومًا بعد يوم منذ إندلاع الحرب، في كثير من المناطق تضم البيوت أكثر من عائلات مع بعضهم البعض خصوصًا في مناطق النازحين للوقوف بعضهم بجانب بعض والشباب يحاولون القيام بعمليات التكافل الاجتماعي، لكن المصيبة كبيرة، وللأسف حتي الأسر المستقبلة للنازحين مواردها محدودة لكنهم يحاولون تقديم يد المساعدة والدعم رغم ذلك".

قريبًا الجزء الثالث والأخير.

مراجعة لغوية للحوار: أ. رحمة رجب بسيوني

الدكتورة فاطمة مصطفى في حوار مع “الفارابي”: أجساد النساء السودانيات؟ ساحة الحرب بين الأشقاء.! (الجزء الأول)

حوار أجرته الدكتورة صباح منسي 

سكرتير تحرير "موقع الفارابي نيوز" للدراسات السياسية والتنموية 

تحرير وإخراج د. مدحت حماد

انطلاقا من إيمان مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية بأهمية تعظيم دور مؤسسات المجتمع المدني في مصر والدول العربية بشأن القضايا الإقليمية والدولية بصفة عامة، وكذلك تفعيل دورها لصنع رأي عام عربي موحَّد داعم لمواقف الشعوب العربية في جميع قضاياه المصيرية: القضية الفلسطينية، القضية السورية ومؤخرًا القضية السودانية، قام المركز منذ بضعه أيام بتنظيم واقامة ندوة لمناقشة الوضع المؤلم الدامي المُحزن للمرأة السودانية في ظل الأحداث الدموية البشعة التي يمر بها الشعب السوداني الشقيق.

دكتورة فاطمة مصطفى

واستكمالا لذلك الدور، نجري اليوم حوارًا مع "مناضلة سودانية" هي واحدة من أكبر رائدات المجتمع المدني السوداني، التي كان لها دورًا فاعلًا في المجتمع السوداني قبل اشتعال الحرب الأهلية في السودان، ومازالت تبذل كل جهدها مع الشرفاء من أبناء السودان في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والتخفيف من ويلات الحرب على أبناء السودان داخل السودان وخارجه بصفة عامة و"المرأة والأطفال بصفة خاصة"، إنها الدكتورة "فاطمة مصطفى"

استاذة فاطمة نرحب بك في بلدك الثاني مصر، اسمحي لي في البداية أن أدعوكِ لتقدمين نفسك للشعب المصري والشعوب العربية، من خلال مركز الفارابي، لنتعرف على حضرتك ومسيرتك العلمية والعملية في خدمة السودان قبل أن ندخل في الحوار.

الدكتورة فاطمة مصطفى في حوارها مع الدكتورة صباح منسي سكرتير تحرير موقع الفارابي نيوز

أنا فاطمة مصطفى.. رئيسة منظمة مجتمع مدني سودانية هي منظمة "زينب لتنمية المرأة". تم إطلاق "اسم زينب" عليها، تكريمًا لروح "والدتي زينب رحمة الله عليها"، أول معلمة سودانية في اقليم شرق السودان، كما أنها أول من أسسَّ مدارس للتعليم الأساسي في هذا الإقليم في عام 1941، وذلك بعد تخرجها من كلية المعلمات بأم درمان، لتقود بذلك "نهضة تعليم الفتيات بالسودان"، لهذا قامت بتأسيس وفتح الكثير من المدارس، واستمرت في أداء هذه المهمة حتى احيلت إلى التقاعد عام 1981، ولي الشرف أنها "أمي".

الأستاذة زينب محمد نور رحمة ، أول معلمة من بنات الاقليم الشرقي بالسودان
تخرجت من كلية معلمات ام درمان عام ١٩٤١ م

منظمة "زينب لتنمية المرأة هي إحدى المؤسسات للمنظمة التي تعمل منذ أكثر من عقدين في بلدي السودان في مجالات التنمية المستدامة خاصة الصحة الإنجابية للنساء، تمكين المرأة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، وكذلك العمل في مجال الاغاثة الإنسانية، وحاليا نقوم نكثف جهودنا لرعاية النازحين واللاجئين السودانيين، لتخفيف معاناتهم قدر الإمكان.

أنا أيضًا من المهتمين بقضايا المناخ والطاقة الخضراء، وجزء كبير من أنشطتي يرتبط بهذه القضايا، لكنها بالطبع تأتي في الدرجة التالية لاهتماماتي بشئون وطني الجريح، السودان.

أهلا وسهلا بحضرتك.

حوارنا مع حضرتك سيدور حول ثلاث موضوعات أو قضايا متكاملة، كل منها سيكون محورًا مستقلاً بذاته، لكنها أيضًا محاور متكاملة ومتشابكة لا يمكن فصل بعضها عن بعض.

المحور الأول حول "الواقع السوداني" الراهن.

"استاذة فاطمة.. اسمحي لي أن نبدأ حوارنا بالحديث عن الواقع السوداني اليوم. فالمتابع للأحداث، يشعر وكأن هناك تعمد لإخفاء الواقع السوداني والتهوين منه فهناك تجاهل إعلامي كبير للأحداث الرهيبة في السودان لدرجة أن كثيرٍا من الناس المهتمين بالشأن العربي والدولي ربما باتوا لا يعلمون تفاصيل ما يحدث بالسودان، كذلك يشعر معظم الناس بالحيرة وهم يشاهدون الملايين من أبناء الشعب السوداني يفرون من الموت في بلادهم، سواء بالنزوح داخل السودان أو اللجوء إلى الدول المجاورة وخصوصًا مصر.  

فهل يمكن أن تنقلي للشعب المصري والشعوب العربية حقيقة الواقع السوداني وماذا يحدث بالسودان؟

بصراحة الواقع الحقيقي في السودان الآن لا توجد كلمات لوصفه، لأن الحرب أدت إلى أكبر عملية نزوح ولجوء في العالم من حيث أعداد النازحين واللاجئين. المنظمات الدولية تتحدث عن 11 إلى 14 مليون نازح ولاجئ، ومازالت المأساة مستمرة فالحرب اشُتعلت منذ عام ونصف، أول أمس كان هو اليوم رقم 500 على بداية الحرب في السودان. للأسف الشديد الشعب السوداني يعاني بكل ما تحمله كلمه معاناة من معنى، فكل أساسيات الحياة من غذاء ودواء ومياه وإيواء غير متوفر، وهذا لم يحدث من قبل للنازحين واللاجئين في أي منطقة صراع بالعالم، المشكلة أن الصراع مازال مشتعلا إلى الآن للأسف الشديد. يعني الفصيلين المتقاتلين سواء كان الدعم السريع بقيادة حمتو أو الجيش السوداني بقيادة البرهان، ما في أي مراعاة أن جرائم هذه الحرب داخل المدن.

الله أكبر على الخونة الذين يسفكون دماء وشرف الوطن،
نساءًا وأطفالاً .. شيوخًا وعجائز .. أرضًا وطينًا.
قاتلي السودانيين. (البرهان وحميتي.. الشركاء والحلفاء سابقًا)

منذ بدأت الحرب والمستهدف فيها هم المدنيين.

فالمتضرر بصورة مباشرة هم المدنيون العٌزَّل، والضرر الأكبر والأكبر هو للنساء والاطفال والشيوخ والمرضى، كل هذا يحدث أمام أعين العالم الذي يشاهد كل شيء عبر جميع وسائل التكنولوجيا التي تنقل الصورة من أرض الواقع، هُم يشاهدون الموت بالألاف للمدنيين في كل السودان، القصف من اتجاه الجيش بالطيران والبراميل المتفجرة ومن الدعم السريع بكل الدانات والآليات الثقيلة، التي قطعت اوصال الناس وقتلت الالاف من المدنيين، بالإضافة إلى هدم المنازل وتدمير البنية التحتية من المستشفيات والمدارس وكل شيء.

"الجيش والدعم السريع، الإثنان شركاء في وقوع واستمرار هذه المأساة والكارثة"

يا رب..
لقد دمروا بيتي. أين أبي وأمي؟ أين أخي وأختي؟ أين جدي وجدتي؟ أين أهلي.. أين مدرستي؟ أين حياتي؟ وأين أحلامي؟

نعم "الجيش والدعم السريع الاثنين شركاء في وقوع واستمرار هذه المأساة والكارثة" التي يدفع ثمنها المواطن البسيط المدني. المدارس مغلقة وهناك 11 مليون طفل سوداني خارج دائرة التعليم منذ سنة ونصف. المستشفيات معظمها دمرت في العاصمة. حتى في معظم الأقاليم التي ما فيها قتال دائر. بتعاني من كمية أعداد النازحين الذين يشكلون عبئا كبيرًا على تلك الأقاليم لعدم وجود امكانيات تؤهلها لاستقبال تلك الأعداد الكبيرة من النازحين، أيضا البنية التحتية بها مترهلة وهو ما أدى لتفشي الامراض والاوبئة. لا توجد مستشفيات ولا توجد أدوية وساعد في تفاقم المشكلة وتعقيدها الأمطار والفيضانات التي ضربت كثيرًا من مناطق السودان، تقريبا 10 ولايات، وسببت كثيرًا من الخراب، وغرق آلاف الارواح وفقدان آلاف المنازل، وما زاد من تعقيد الموقف أن هذه السيول والفيضانات أثرت كثيرًا في المناطق التي لم يكن بها صراع مما ضاعف من معاناة الشعب السوداني. حقيقي نحن كناشطات وسيدات مجتمع مدني يتم سؤالنا من المواطنين منذ بداية الحرب اين المجتمع الدولي مما يحدث للسودان وشعبها؟؟

كلمة حق أقولها: "هناك غياب واهمال وعدم مبالاة من المجتمع الدولي بما يحدث بالسودان".

أبناء الشعب السوداني هم "ضحايا حرب" ويجب أن يعاملوا على هذا الاساس طبقا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف لكن للأسف الكثيرين من السودانيين النازحين واللاجئين لا يجدون مَن يساعدهم وهو ما يضاعف من معاناتهم، حتى مسائل الأكل والشرب لا يجدون مَن يهتم بها ولذلك فإن "الجوع هو سيد الموقف الآن في السودان".

المجاعة التي يتكلمون عنها!! وأنا حقيقي بالنسبة لهذه النقطة على المستوي الشخصي متألمة جدًا فالمجتمع الدولي يتكلم عن "المجاعة"، والمجتمع الدولي نفسه هو سبب في المجاعة. لأنهم لم يقدموا الدعم والاغاثة للسودانيين، هم يتعللون من بداية الحرب بمشكلة فتح الممرات ووقف القتال، بينما الوضع مختلف في الكثير من الدول الأخرى التي فيها صراع مثل أوكرانيا، هناك دعم يصل للمتضررين ومساعدات إنسانية تصل للمحتاجين وطعام وادوية تصل للمصابين. رغم استمرار القتال ورغم عدم وجود ممرات لكن بالنسبة للسودانيين الوضع مختلف، حتى المنظمات العالمية الاغاثية مثل "الصليب الاحمر ومنظمات الأمم المتحدة" كلها تشتكي من عدم وجود موارد وتمويل كافي لإغاثة السودانيين.

ذكر الأمين العام للأمم المتحدة ومسئول الشئون الإنسانية أكثر من مرة: أنهم يناشدون أعضاء الدول في الامم المتحدة بالذات الدول المانحة للقيام بدورها في توفير الأموال لإغاثة السودان وشعبها وحتى سفيرة امريكا بالأمم المتحدة "مس لندا " ذكرت أن امريكا دفعت لكن بقية الدول ما دفعت واخذت تناشد الدول أكثر من مرة وفي أخر مرة تكلمت في مؤتمر باريس الذي انعقد مرتين لبحث المسائل الإنسانية بالسودان وذكرت أن الدول  تقول "هندفع 2 مليار أو3 مليار" لكن للأسف ما بيوصل أي مساعدة كافية، لذلك تشتكي منظمات الاغاثة العالمية أنه ليس لديها موارد. نحن كمنظمة مجتمع مدني.. نتعامل مع منظمات نسائية عالمية منذ بداية الصراع ونناشدهم أنهم يساعدونا لمساعده الناس على ارض الواقع.. وهم بيشتكوا، ومستغربين أنه لا توجد موارد لإغاثة السودانيين.

أهكذا يتقاتل الشرفاء؟ يتقاتلون على شرف وأجساد النساء؟ أي رجال هؤلاء؟ ووالله إنهم ليسوا برجال.
Sudanese women who fled the conflict in Geneina in Sudan's Darfur region, line up to receive rice portions from Red Cross volunteers in Ourang
on the outskirts of Adre, Chad July 25, 2023. REUTERS/Zohra Bensemra

بعد اشتعال الحرب بأربع شهور، طلع على إحدى القنوات العربية مدير الصليب الاحمر وقال للأسف إن الموارد التي يحتاجها السودان ليس لدينا منها إلا 7 بالمئة. كلهم يقولون هذا. "مِسِز ليندا" في آخر تصريح لها في نهاية يوليو الماضي، ذكرت أنه "من الموارد التي تحدث البعض عن منحها للسودان ما يوجد منها الا التلت". يوجد كلام على وجود 16 بالمئة فقط تم جمعها لإغاثة السودان. فحقيقي المجتمع الدولي موقفه مريب جدًا بالنسبة لنا، وهو موقف غريب لأن الإنسانية في النهاية هي الإنسانية، وحياة السودانيين هي حياه بشر مثل جميع البشر الآخرين في جميع أنحاء العالم ويجب أن يعاملون على هذا الأساس.

يا الله! إن الخَوَنَة يقتلون الماضي والحاضر والمستقبل.

المجتمع الدولي متهم بالمشاركة في القضاء على السودانيين.

لأني أنا بقول من بداية الحرب وأركز على حتمية توفير الموارد المالية للمسائل الإنسانية. لدي اتصالات بكثير من المنظمات العالمية في كثير من النواحي الإنسانية سواء الخاصة بالمناخ أو ما يخص المرأة. يعني حقيقي شيء مريب ويدعوا للتساؤل. فإذا كانوا يتكلمون على فتح الممرات، فاللاجئون لا يحتاجون إلى فتح الممرات. بالنسبة لمصر ما فيها مشكلة. بالنسبة لجنوب السودان ما فيها مشكلة. اللاجئون يحتاجون موارد لإغاثتهم. كثيرًا ما أذهب لمفوضية اللاجئين لتفقد أحوال السودانيين، فأجد من أهل الخير من السودانيين، ومن بَرَّه السودان، يساعدون، والحمد لله.

جميع السودانيين يعانون، والمفوضية لا تحمي ولا تساعد اللاجئين!

العيب ليس في المفوضية الدولية لشئون اللاجئين، بل العيب فيمن يدَّعون بأنهم رجال ويشردون أهليهم هذا التشريد المُهين.

المفوضية يجب أن تساعد اللاجئين حتى يدخلوا إلى الأراضي المصرية بشكل قانوني.

مصر من حقها أن تحمي أراضيها وتقنِّن الوجود الأجنبي، هذا الأمر موجود في جميع دول العالم.

لهذا يجب أن يحصل اللاجئ على "كارت من المفوضية" يسهِّل دخوله إلى مصر بشكل قانوني صحيح حتى تضمن مصر أمنها وسلامتها. لأن كل دوله لابد أن تكون حريصة على تنظيم الأمن فيها. المشكلة والتقصير من جانب الأمم المتحدة ممثلة في مفوضية اللاجئين. وأنا أيضًا لا ألومهم، لأنهم يشتكون من عدم وجود موارد كافية تساعدهم على تنفيذ وظيفتهم"

ستبقى هذه الصور وسيبقى هذا العار مكتوبًا على جباه البرهان وحميتي المُلطخة بدماء وشرف الضحايا الأبرياء

للحوار بقية في الجزء الثاني

انتظرونا

مراجعة لغوية للحوار: أ. رحمة رجب بسيوني

الدكتورة فاطمة مصطفى في حوار مع “الفارابي”: أجساد النساء السودانيات ساحة الحرب بين الأشقاء!

الدكتور مدحت حماد شاهد على الحوار، يكتب:

في حوار أجراه مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية مع الدكتورة فاطمة مصطفى ، إبنة الأستاذة "زينب" أول إمرأة سودانية تؤسّس مدارس التعليم الاساسي للبنات في الإقليم الشرقي للسودان بعد تخرجها من كلية معلمات أم درمان في العام ١٩٤١ م ، والتي تم تأسيس "جمعية زينب" على إسمها، وهي جمعية أهلية لتنمية وتطوير المرأة في العام ٢٠٠٠ في السودان الجريح.

لقد فوجئت بما لم أكن أتخيله، فقد كنت أتوقع حوارًا تحليليًا سياسيًا بالدرجة الأولى، حوار يجسّد ويحلل ويشرح ويفسّر و... لتفاصيل الحرب الأهلية في السودان،

فإذا بي أجده: حواراً صريحًا مُؤلمًا، اختنق بأنين يُجَسِّد حُرقة جميع النساء السودانيات في الداخل والخارج، حوار اكتوى بنيران زفير بكاء الأطفال والشيوخ والعجائز والمرضى والنساء الثكالى والأمهات المكلومات والفتيات اللاتي فقدن الأب والأخ، وجميع اليتامى الذين فقدوا آبائهم في حرب تقاتل فيها أبناء العمومة والأخوال، تقاتلت فيها العائلات التي تربطها أواصر المصاهرة على مدى عقود وقرون،

حوار جسَّد صراخ الأرض السودانية من فوران دماء أهليها، جسَّد غليان نهر النيل حُرقة ولوعة.

لقد جسدت وشخصت الدكتورة فاطمة مصطفى الواقع المُحزن الذي وصل إليه الأشقاء في السودان.

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

لكن السيدة، الأستاذة، المرأة، الأم فاطمة مصطفى..

بمكابدة مُضنية حتى لا تنسال دموعها أو تُشَق بسببها جَنبات أضلاعها، صرخت المرأة، انفجرت السيدة، تحدثت الأستاذة، شخصَّت القائدة، لتشرح تفاصيل المشهد بكل آلامه، بجميع مستوياته، بمكابدة مضنية مَلَكَت زِمَام دموعها، استحضرت كامل طاقتها الذهنية والعقلية، جَمَعَت كل طاقاتها الفكرية والإنسانية والوطنية والقومية لتصرخ قائلة:

وا حزناه، وا مصيبتاه، وا ويلتاه، وا معتصماه: لقد أصبحت أجساد النساء السودانيات ساحة الحرب بين الأشقاء!

سوف يقوم مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية بنشر الحوار على أجزاء ثلاثة اعتبارًا من الأربعاء 4 سبتمبر 2024

د. مدحت حماد.. شاهد على الحوار.