اللواء الدكتور شوقي صلاح يكتب: رؤية أمنية قانونية بشأن أحداث الشغب في فرنسا “يونيو 2023” (الحلقة الأولى)

1

إطلالة على الأحداث:

* استخدمت الشرطة الفرنسية يوم الثلاثاء الموافق 6/27/ 2023 النيران القاتلة أثناء توقيف شاب يبلغ من العمر 17 عاماً لارتكابه مخالفة مرورية، ثم لم يمتثل لأوامر الشرطي بعد إرغامه على إيقاف سيارته، وقد أصدر الشرطي له الأمر بإيقاف موتور السيارة والنزول منها، وذلك تحت تهديد السلاح، إلا أن الشاب انطلق بسيارته، فأطلق عليه الشرطي طلقة واحدة قاتلة أصابته في الصدر، ورغم هذا استمر المصاب في الهرب بالسيارة رغم نزف جُرحه، إلى أن اصطدمت سيارته بأحد الأعمدة، ومات على أثر النزيف الحاد.

– هذا وبعد تداول الجمهور لأخبار الواقعة المشار إليها، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، مدعمة بفيديو يوضح ظروف الحادث تفصيلا.. والإشارة إلى أن الضحية شاب صغير السن من أصول جزائرية.. فقد اندلعت بسبب هذا الحادث أعمال شغب واسعة النطاق بدأت في مدينة نانتير -موقع الأحداث- ثم انتقلت إلى العديد من المدن الفرنسية: ليل؛ تولوز؛ كما انتقلت لضواحي باريس؛ وعلى أثر أحداث العنف واسعة النطاق فقد رأس ماكرون يوم الجمعة الموافق 30 يونيو 2023 خلية أزمة للتعامل مع هذه الأحداث، واكتفت خلية الأزمة بنشر ما يزيد على 40 ألفاً من قوات الشرطة في مختلف أنحاء فرنسا، ولم تتخذ قراراً بإعلان حالة الطوارئ أو استدعاء قوات الجيش، رغم أن أعمال الشغب المشار إليها نتج عنها إحراق آلاف السيارات والأبنية، وإصابة المئات من عناصر الشرطة الفرنسية، وإصابة ما يقرب من ألف عنصر من عناصر الشغب، ونهبت وحرقت خلال تلك الأحداث مئات المتاجر.. .

مدى قانونية استعمال الشرطة للنيران القاتلة خلال المواجهة

– لقد أصبح لدى عناصر الشرطة الفرنسية أسباباً غير الدفاع الشرعي لاستخدام السلاح، بعد تعديل قانون الأمن الداخلي في فبراير 2017، فقد ذهبت المادة 435 من هذا القانون إلى أنه “يجوز لأفراد الشرطة الوطنية ولجنود الدرك الوطني، بالإضافة إلى الحالات المذكورة في المادة L211-9، أثناء ممارستهم لمهامهم بزيهم الرسمي أو الشارة الخارجية والظاهرة لصفاتهم، استخدام أسلحتهم في حالات الضرورة القصوى وبطريقة متناسبة تمامًا في الحالات ووفقاً للضوابط الآتية:

1… 2… 3- عندما لا يستطيعون إجبار الأشخاص الذين يسعون للهروب من احتجازهم أو التحقيق معهم، والذين من المحتمل أن يرتكبوا أثناء هروبهم اعتداءات على حياتهم أو السلامة الجسدية أو تلك الخاصة بالآخرين.

4- عندما لا يتمكنون من شل الحركة، بخلاف استخدام الأسلحة، للمركبات أو القوارب أو وسائل النقل الأخرى، حيث لا يطيع سائقيها أمر التوقف، ويصبح من المحتمل أن يرتكب ركابها أثناء هروبهم هجمات تهدد الحياة أو السلامة الجسدية للقوات أو لآخرين…”.

* ووفقاً لأحكام النص المشار إليه من المادة 435 آنفة الذكر، فإن استخدام النيران القاتلة من قبل الشرطة يعد تجاوزاً لحقها في استخدام السلاح استخدماً مشروعاً، خاصة عندما يتعلق هذا الاستخدام باستعمال نيران قاتلة، حيث يجب أن يكون استخدام القوة المميتة في حالات الضرورة القصوى، وبشكل يتناسب مع الاعتداء وفقاً للموقف الأمني. هذا ووفقاً للفيديو الذي تم تداوله للحظة إطلاق الشرطة للنيران على الضحية الشاب “نائل” فإن انطلاقه بالسيارة لم يكن سوى محاولة يائسة للهروب، ولم تكن محاولته هذه تمثل خطراً يهدد حياة قوة الشرطة أو آخرين.. لذا فإن استخدام السلاح بحسب الأصل لا تدعمه حالة ضرورة، خاصة وأن المجني عليه لم يكن هو أو من معه بالسيارة مسلحين ويخشى جانبهم لهذا السبب.

* وجدير بالذكر أن ما يقابل أحكام المادة 435 من قانون الأمن الداخلي بفرنسا، وفقاً للقانون المصري؛ هي المادة (102) من القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة، والتي تنص على أنه ” لرجل الشرطة استعمال القوة بالقدر اللازم لأداء واجبه إذا كانت هي الوسيلة الوحيدة لأداء هذا الواجب. ويقتصر استعمال السلاح على الأحوال التالية:

1… 2… 3… ويراعى في جميع هذه الأحوال الثلاثة السابقة أن يكون إطلاق النار هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأغراض السابقة، ويبدأ رجل الشرطة بالإنذار بأنه سيطلق النار ثم يلجأ بعد ذلك إلى إطلاق النار.

  • ويحدد وزير الداخلية بقرار منه الإجراءات التي تتبع في جميع الحالات، وكيفية توجيه الإنذار وإطلاق النار”.

استخدام المكلفين بإنفاذ القانون للقوة في ضوء بعض المواثيق الدولية

* نشير في هذا السياق إلى جانب من المواثيق الدولية المعنية باستخدام المكلفين بإنفاذ القانون للقوة أثناء تأدية واجبات وظائفهم، ولتكن البداية بعرض أهم ما انتهى إليه مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، الذي عقد بـ “هافانا” في الفترة مـن 27 أغسطس إلى 7 سبتمبر 1990، حيث اعتمد مجموعة من المبادئ الأساسية في شأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، وأوصى المؤتمر الأمين العام للأمم المتحدة باتخاذ الخطوات اللازمة لتوجيه نظر الحكومات وكافة هيئات الأمم المتحدة المعنية إلى هذا الأمر، وأن تتكفل بنشر هذه المبادئ؛ وقد جاء المبدأ الرابع للمؤتمر على النحو الآتي “على الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين حال أدائهم لواجباتهم أن يستخدموا إلى أبعد حد ممكن وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة والأسلحة النارية “.

– وليس لهم أن يستخدموا القوة والأسلحة النارية إلا حيث تكون الوسائل الأخرى غير فعالة، أو حيث لا يتوقع لها أن تحقق النتيجة المطلوبة”.

– كما نصت المادة الثالثة من مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون -الصادرة عن الأمم المتحدة بقرارها رقم 34/169 في الأول من ديسمبر 1979- على أنه “لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجباتهم “.

* هذا، وقد حث مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة – بقراره رقم 25/38 الذي اعتمد في 28 مارس 2014- الدول على أن تتيح لموظفي إنفاذ القانون معدات الحماية والأسلحة الأقل فتكاً، مع مواصلة الجهود الدولية لتنظيم التدريب على استخدام هذه الأسلحة، ووضع برتوكولات في هذا الصدد، ودعت الحكومات إلى تسليح موظفي إنفاذ القانون بمجموعة واسعة قدر الإمكان من الوسائل المعطلة للحركة، غير القاتلة، مع مراقبة دقيقة لاستخدام الأسلحة، كما أوصى المُقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء -2014- بأن يعين مجلس حقوق الإنسان هيئة خبراء لوضع مبادئ توجيهية بشأن توفير الأسلحة الأقل فتكاً للمكلفين بإنفاذ القانون.

* هذا، ونظراً لأهمية موضوع ضوابط استخدام الشرطة للقوة خلال تنفيذهم لمهام وظائفهم.. لذا فسوف نستأنف بإذن الله نشر سلسلة من المقالات في هذا الشأن، لنستكمل تحليل أحداث شغب فرنسا (يونيو 2023) بجانب تقديم عرض تحليلي لأحداث أخرى مماثلة.

أستاذ القانون بكلية الشرطة

رئيس برنامج الدراسات الأمنية بمركز الفارابي للدراسات وخبير مكافحة الإرهاب

About The Author

1 thought on “اللواء الدكتور شوقي صلاح يكتب: رؤية أمنية قانونية بشأن أحداث الشغب في فرنسا “يونيو 2023” (الحلقة الأولى)

  1. تحليل رائع من سيادة اللواء، ونتمنى المزيد من هذه التحليلا المحايدة التي تتناول الكيفية والخلفيات التي تحكم عملية مواجهة أعمال العنف واشغب من جهة، والعقيدة الشرطية الحاكمة لمل مؤسة الشرطة الفرنسية كنموذج لمؤسسات الشرطة في أوروبا الغربية من جهة أخرى.
    مع خالص التقدير والاحترام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *