الدكتورة فاطمة مصطفى: أناشد الحكومة المصرية تطوِّل بالها شويِّة على السودانيين. (الجزء الثالث والأخير)
حوار أجرته الدكتورة صباح منسي
تحرير وإخراج د. مدحت حماد
بداية تتقدم أسرة التحرير للسادة للدكتورة فاطمة مصطفى رئيس جمعية زينب السودانية، بجزيل الشكر والتقدير على موافقتها إجراء هذا الحوار معها الذي يعد الحوار الأول من نوعه في المواقع والمراكز الإخبارية بل وفي الصحف ووسائل الإعلام المصرية. إن أجمل ما في هذا الحوار أنه قام على الصدق والحب والصراحة والوضوح رغم الألم والأنين الذي تكابده الدكتورة فاطمة، كسيدة وكأم سودانية، تعيش مع ملايين النساء السودانيات تداعيات وأحوال وظروف معيشية واجتماعية خطيرة جرَّاء حرب لم يشاركن في صنعها، ولم يشاركن في قرار إشعالها ولم ولم … الحقيقة أن هذا الحوار يعد بمثابة شهادة حقيقية على العصر، وهو بمثابة وثيقة تاريخية بكل معنى الكلمة. كما تتقدم أسرة التحرير بجزيل الشكر للدكتورة صباح منسى، منسِّق التحرير لموقع مركز الفارابي على ما بذلته من جهد في الإعداد وتنفيذ وكتابة هذا الحوار، الذي يعد الحوار الاستقصائي الأول الذي يقوم به مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية. إليكم الجزء الثالث والأخير من الحوار .
إلى أين يتجه السودان؟
“استاذة فاطمة في ظل كل ما يحدث في السودان، ندعو الله أن يعود الامن والأمان للمواطن السوداني، وأن تنتهي الصراعات وينعم الجميع بوطن آمن، من وجه نظر حضرتك كواحدة من قادة المجتمع المدني السوداني بصفة عامة، وكمسئولة عن “منظمة نسائية” بصفة خاصة، إلى أين يتجه السودان؟
ج: سؤال صعب وشديد، بالمعطيات الموجودة إذا كان هذا السؤال قبل 15 اغسطس وهو توقيت بدء المحادثات في جنيف.. احنا كنا _كسودانيين خارج وداخل السودان_ كان لدينا أمل كبير في تغيير الوضع ونهاية الحرب بالتوافق حتى يعود السودانيين لبلادهم، حتى لو في دمار، كنا على استعداد نُقيم الخِيَم ونعيش بها على أرض وطننا بدون صراع وقتال، كتير من النساء اللاتي حضرن الندوة السابقة اظهرن أنهن في حالة اكتئاب وأصابهن الإحباط الشديد بعد محادثات جنيف حتى أنهن كُنَّ يذكُرنَ أنهن بدَأن في تجهيز شنطهم للعودة إلى أرض الوطن على أي شكل يكون عليه بدون صراع.. وكان لديهن امل كبير في تلك المفاوضات لوقف الصراع.. ليعود الجميع إلى أرض الوطن لكن للأسف ضاعت الامل مع خيبة المفاوضات، أنا أملي أن الصراع ينتهي ويعود الجميع، للأسف يتكلمون فى جنيف عن ممرات آمنة!! لكن كيف تفتح الممرات في ظل هذا الصراع الدائر والموت في كل مكان؟؟
بعد فشل مفاوضات جنيف اصابنا جميعا اليأس والاحباط
حتى نستطيع نحن من خلال المنظمات الداخلية تقديم مساعدة، ينقصنا الدعم المادي الذي يمكنا من الانتقال وتقديم الدعم المباشر وحل المشاكل، لكن الجهات العالمية لا توفر لنا الدعم ولذلك ليس لدينا حتى الامل في أن الوضع يمكن أن يتغير للأفضل للشعب السوداني، ويعود النازحين واللاجئين إلى أراضيهم أصبحنا لدينا تشاؤم في فكرة إمكانية العودة للوطن لأنه بعد فشل مفاوضات جنيف اصابنا جميعا اليأس والاحباط والواضح أنه ما في حل جزري للموضوع بل بعد محادثات 15 اغسطس زادت للأسف وتيرة الحرب والقصف أكتر من الأول، بحيث أن كل طرف يعلّي على الآخر في الضرب حتى يحصل على مكاسب، للأسف على حساب أرواح وأجساد وحياة السودانيين. زيادة على ذلك، بدأ يظهر اعراض تأخذ منحي “قَبَلي” بالذات في المؤتمر الوطني، اشتغلوا بشكل كبير على أن يظهر الصراع كانه حرب قبلية، لتكون حرب أهلية، وتحدث الفوضى الخلاَّقة كاملة في السودان. لكن كان فيه بعض من المقاومة البسيطة، في نفس الأيام كان في كلام عن وجود نزعات قبلية توضح وقوف بعض القبائل الفلانية، بجانب الدعم السريع للأسف وأخرى لدعم الآخر وكان في كلام كتير في هذا الشأن. للأسف أنا متألمة بعد ما كان الواحد عنده أمل في الحل، ووقف الصراع وعودة النازحين واللاجئين، احنا كسودانيين خارج وداخل السودان لدينا احباط كبير وخائفين تحدث الحرب الاهلية والفوضى الخلاقة لتكون فيها نهاية السودان لا قدر الله.
التغيير الديمغرافي يتعرض له السودان منذ 30 سنة
س: استاذه فاطمة هل يتعرض السودان إلى عملية تغيير ديموغرافي بمعني هل هناك دخول لقبائل وتجمعات بشرية من دول افريقية أخرى لتستوطن مناطق داخل السودان مكان السودانيين؟ وهل يتم اجبار السودانيين على النزوح وتركيزهم فى المدن والقرى يتم بناءًا على أصول وجذور عرقيه ودينيه؟؟ وهل يعتبر هذا تمهيد لتقسيم السودان مرة أخرى؟
ج: للأسف الشديد التغيير الديمغرافي يتعرض له السودان منذ 30 سنة لأنه خلال الحكومة الماضية لعمر البشير، حصل بيع كتير للجنسية السودانية، ودخلت أعداد كثيرة من دول ومناطق مختلفة قريبة مثل اريتريا، ومن دول بعيدة مثل سوريا، وكان من السهل جدًا حصولهم على الجنسية السودانية. وقد دخلت قبائل كاملة الى غرب السودان من مناطق افريقيا الوسطي ومن النيجر لكن الناس تتحدث الآن أن الميلشيات تستعين بقوات من افريقيا الوسطي من مالي ومن النيجر وتشاد وهذا تهديد خطير للتركيبة السكانية بالسودان وتهديد خطير للشعب السوداني، ونحن نشعر بهذه الكارثة التي تهدِّد وجود السودان وتركيبته الديموغرافية منذ حكم البشير وجماعة الإخوان، نعم رصدنا ذلك التغيير الديموغرافي بدخول اعداد كبيرة من دول الجوار واعطائهم الجنسية السودانية خصوصا اثناء الانتخابات حيث كان يتم احضار كثيرين من اريتريا وأعطائهم الجنسية مقابل أن يقوموا بالتصويت فى الانتخابات لصالح البشير وحزبه.. ومع الوضع الحالي مع الصراع الدموي والفوضى زاد ذلك كثيرا وقامت الميلشيات لدى الطرفين بإحضار إرهابيين من داعش وكل التنظيمات الارهابية الاجنبية ليقاتلوا بجانبهم، نعم هناك عملية تغيير ديموغرافي كبيرة وخطيرة تمت وجارى استكمالها فى السودان وهو ما يهدد وجود السودان نفسه.
هناك اغاثات تأتي للسودان، لكنها تذهب لدول الجوار ولا تصل للمستحقين من أبناء السودان داخل السودان!!
س: استاذة فاطمة حضرتك كرائده من رواد المجتمع المدني ماهي اشكال الدعم الذي يحتاجه السودان من المجتمع العالمي بصفة عامة؟ ومن الوطن العربي بصفة خاصة وتحديدا من مصر؟
ج: والله نحن نحتاج الدعم المعنوي في الاساس.. واشقائنا العرب ما قصروا، وقفوا معنا بالإضافة إلى الدول التي وضعها المادي جيد من دول الخليج ما قصروا، لكننا نحتاج دعم مادي للمنظمات التي تعمل على أرض الواقع لأن الكارثة كبيرة جدًا، هناك مساعدات تصل الى ميناء بورسودان، لكن فى ظل الفوضى الحالية فى السودان، معظم هذه المساعدات لا تصل الى مستحقيها للأسف. لقد تحدث كثير من الناس عن اغاثات تأتي للسودان، لكنها تذهب لدول الجوار، لا تصل للمستحقين من أبناء السودان داخل السودان، لهذا اتمنى تحويل هذه المساعدات إلى موارد مالية للمنظمات التي تعمل داخل السودان او للمنظمات الدولية التي تعمل داخل السودان وتقوم بإغاثة الناس، كذلك اتمنى تقوية المبادرات المجتمعية والمنظمات النسوية التي تشتغل في أرض الواقع رغم أن امكانيتها ضعيفة لكنها تقوم بعمل كبير على قدر المستطاع، فإذا توفر لها الدعم المادي فسيكون الأداء أفضل وأكبر بكثير. اللاجئين برَّه السودان ظروفهم صعبة كتير ما في أي موارد مادية للمنظمات التي تعمل معهم أتمنى من الدول العربية اللي حالتها المادية مرتفعة وعندهم موارد جيدة _ربنا يزيدهم_ الاهتمام بتقديم الدعم المادي لعملية الإغاثة، حتى تصل لمستحقيها عن طريق المنظمات التي تعمل في أرض الواقع وأيضا للمنظمات الدولية التي تعمل داخل السودان بزيادة مواردهم المادية حتى يستطيعوا تقديم الاغاثة لمستحقيها.
أناشد الحكومة المصرية تطوِّل بالها شويِّة على السودانيين
اما بالنسبة لمصر.. فنحن حمِّلنا عليها الكثير، بالمناسبة دي ومن خلال مركز الفارابي، بشكر حكومة مصر على استضافة هذه الأعداد الكبيرة من السودانيين، أكيد هذا عبئ كبير على مصر وعلى الشعب المصري، خصوصا في ظل وضع اقتصادي عالمي يعاني الكثير من الارتباك وظروف ضاغطة على الجميع، لكن الحمد لله السودانيين في بلدنا التاني مصر في تعامل كويس، ربما يكون هناك مشاكل فردية، لكن ما كل السودانيين وحشين ولا كل المصريين وحشين. أنا عن نفسي بقالي في مصر 3 شهور وأنعم بالأمن والأمان والمعاملة الجيدة والاحترام، بالعكس الكل يرحب ويقول أنتم اخواتنا وعلى راسنا من فوق ونحن مقدرين هذه المعاملة الكريمة. نحن مقدرين موقف مصر، لأننا في السودان كنّا بلد مستضيف لكثير من اللاجئين من كثير من الدول المختلفة من سنيين، مثل اثيوبيا، موجودين معنا. أكرر إن الدول العربية ما قصرت لكن من الناحية المالية بنشوف الدول التي تستطيع أن تساعد بشكل أكبر، اما بالنسبة لمصر فما زال بعض السودانيين يواجهون بعض المشاكل بخصوص الاقامة خصوصًا أنه ما لديهم مال. طبعا مصر من حقها أن تقنِّن الوجود الأجنبي، حتى لو لاجئين، لابد من وجود الأوراق الثبوتية تبع مفوضية اللاجئين، حسب القوانيين الدولية للأمم المتحدة، لكن التقصير جاي من مفوضية اللاجئين أن ما لديها امكانيات لتسجيلهم واعطائهم كارت يثبت موقفهم حتى يدخلوا بأمان، ومن هذا المنبر، أناشد الحكومة المصرية تطوِّل بالها شويِّة على السودانيين، لأنهم لم يختاروا هذا الوضع بأيدهم، فهم اُجبروا أن يصبحوا لاجئين هَربًا بأرواحهم من الموت فى وطنهم. أناشد الحكومة المصرية السماح لهم ببعض الوقت حتى يستطيعوا أن يقننوا وضعهم، ولا يكون هناك ملاحقات لهم حتى يتم استكمال اوراقهم. نحن نسمع عمن تم ترحيلهم، طبعا أي شخص يخرج عن الفانون نحن لا ندافع عنه، ولا نتحمل مسؤوليته ومن حق السلطات المصرية التعامل معه بحزم وفقا للقوانيين الدولية، لكن بالنسبة للمسالمين خصوصًا من النساء والاطفال والشيوخ، أطالب الحكومة المصرية أن تصبر عليهم شوية. أنا اعرف أُسر سودانية كثيرة ما بيخرجوا من شققهم بالشهور لأنهم ما عندهم أوراق ثبوتيه، اخذوا رقم من المفوضية وسوف يتم تسجيلهم بعد 6 شهور، بالتالي هم في خوف من الخروج حتى لا يتم ترحيلهم، وهذا يسبب عبئًا نفسيًا عليهم أكتر مما هم بيعانوا منه، من فقد للبيت والأسرة والوطن. الوضع كتير صعب، لذلك أنا من خلال مركز الفارابي للدراسات بشكر الحكومة المصرية على كل شيء وبناشدهم بطول البال قليلاً على بعض السودانيين حتى ينتهوا من اوراقهم الثبوتية وكل الشكر والتقدير للحكومة المصرية.. ونطلب من واقع مكانتهم الكبيرة محاولة اقناع الاطراف المتصارعة للجلوس للتفاوض من اجل مصلحة السودانيين وعودتهم لأراضيهم ووقف الصراع الدائر بالسودان وربنا يحفظ مصر وشعبها وأرضها.
الإنسان السوداني عنده إيمان قوي وظنه في الله كبير، وأنه هيكشف الغمة عنه.
س: استاذة فاطمة هل حضرتك مستشعرة لأي بارقة أمل في استعادة المجتمع السوداني لعافيته؟
ج: “والله الامل في الله لا ينقطع لأنه يتعلق بالحياة، فأنا عندي أمل كبير، وظني في ربنا خير كبير، وأنه: إنَّ مع العسر يسرا، وأن الشعب السوداني سيتجاوز المحنة هذه. الحقيقة أنا مندهشة فالسودان في ظل تلك الظروف الصعبة من الصراعات والفقد والفيضانات أنتي لا تتخيلي أد أيه هم بيقولوا الحمد لله، في كل وقت، ما في جزع أو سخط على الوضع، الإنسان السوداني عنده إيمان قوي وظنه في الله كبير، وأنه هيكشف الغمة عنه، واكيد ربنا ما هيتخلى عنا أبدا. كل هذه المعناة حكمة من ربنا، وأن شاء الله تكون سبب في توحيد السودان، وأنه الإنسان السوداني يبني بلده من جديد وينعم بخيرها وهذا أمل كبير في ربنا.
في نهاية حديثنا استاذة فاطمة نتمنى كل الأمن والأمان للسودان وللشعب السوداني، وعودة المواطن السوداني لأرضة العزيزة بعزة وكرامة وحرية في ظل وضع وحكومة ترعى مصالح الشعب قبل كل شيء وأرجوا من الله أن تنتهي هذه الغمة ويتم وقف الصراع القائم بأسرع وقت، وطبعا الدولة المصرية والشعب المصري يقف بجانب السودان بكل الدعم والمساندة، مرحب بكم في بلدكم الثانية مصر، واتمني أن تصل كل كلمات حضرتك التي خرجت من القلب بكل الالم والامل ..إلى كل مسئول يستطيع أن يقدم خدمة سواء في الداخل أو الخارج وأعتقد أن الحكومة المصرية لا تتوقف عن أي دعم للمحافظة على توحيد أرض السودان وعودة مواطنيها لأن الشعبين السوداني والمصري إخوة. شرفنا بوجودنا مع حضرتك استاذة فاطمة.