الشهر: مارس 2025

مكاسب النفط للأسبوع الثاني علي التوالي.

علي الريامي

يستمر الخبير الاقتصادي في قطاع النفط والطاقة الأستاذ علي الريامي، في متابعة وتحليل التقلبات الخاصة بسوق الطاقة العالمي بصفة علمة، وقطاع النفط بصفة خاصة. فعلى إثر الإرتفاع المتصاعد في أسعار النفط للأسبوع الثاني على التوالي، قام بتحليل وتفسير المشهد الخاص بالسوق النفطي، فقال متناولاً التداعيات الخاصة بزيادة العقوبات ضد إيران، بجانب قرار أوبك + بخفض الإنتاج.

أعتقد أن زيادة العقوبات ضد إيران، بجانب قرار أوبك + بخفض الإنتاج، لازالت من جملة الأسباب التي أدت إلى إرتفاع أسعار النفط ليس فقط في الأسبوع الماضي، بل الأسبوع السابق عليه أيضًا، حيث أدت العقوبات وكذلك الغوط الشديدة على مشترين النفط الإيراني إلى الإرتفاع الذي حدث في أسعار النفط، مقابل وجود عوامل جيوسياسية أخرى، بدأت تدخل على الخط مثل مسألة الصواريخ اليمينة ضد إسرائيل وما يرافقها من تدهور الوضع الأمني في باب المندب والبحر الأحمر، وكذلك احتدام الأزمة والحرب الأوكرانية بالرغم مما يقال عن قرب نجاح الجهود الأمريكية لوقفها، حيث ادى تدهور الأوضاع الأمنية في البحر الأحمر وباب المندب إلى ارتفاع نسبي جديد في أسعار النفط، يضاف إلى ذلك ما قامت به بعض دول أوبك + في الخفض الطوعي لإنتاجها النفطي، وهو ما يعني بشكل آخر أنه إذا ما استمرت هذه الدول في مَد خفض إنتاجها من النفط، فإن ذلك من شأنه بالفعل المساهمة في ارتفاع الأسعار.

أمَّا بخصوص مدى مساهمة العقوبات والضغوط الأمريكية ضد إيران، في تحقيق المزيد من الإرتفاع في أسعار النفط بشكل كبير أم لا، قال:

أتوقع أن تتجاوز أسعار النفط حاجز 100 دولار

إن حدة التطورات الجيوسياسية سواء في اليمن وبالتالي باب المندب والبحر الأحمر، وسواء في إيران ومن ثم مضيق الخليج ومضيق هرمز، وكذلك رسالة ترامب إلى إيران، وتخييرها بالتوقيع على اتفاق نووي جديد، أو التصعيد اللامحدود لدرجة تصاعد فرص حدود إندلاع حرب إقليمية، ومن ثم فنحن نتوقع أن تكون هناك نسبة محدودة تتعلق بتأمين وسلامة سفن وناقلات النفط. خاصة أنه لا توجد أية بوادر أمل على عودة معدلات النمو الاقتصادي الصيني وكذلك بقية دول جنوب شرق آسيا.

هنا تحديدًا أتوقع أن ترتفع الأسعار إلى ما فوق 75 دولار إذا ما استمرت الضغوط، أما إذا تصاعدت الأزمة ووصلت إلى إشتعال الحرب في المنطقة، فالمتوقع أن ترتفع الأسعار إلى ما فوق 100 دولار لبرميل النفط.

https://youtu.be/dY2Me0HvvWo?si=IRigVm87Avy13YTl

  • مدير عام التسويق في وزارة النفط العمانية الأسبق

يوم الشهيد في ذاكرة المصريين

لواء دكتور/ سمير فرج

اللواء الدكتور سمير فرج

جاء يوم 9 من مارس 1969م وأنا ضابط برتبة النقيب قائد سرية مشاة أدافع عن الخط الأمامي لقواتنا المسلحة، وأمامي مباشرة على مسافة 200 متر كان يمر عبر قناة السويس خط بارليف الإسرائيلي خلال فترة حرب الاستنزاف التي استمرت ست سنوات. وخلال هذه الفترة، كان يمر علينا أسبوعيًا الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، لكي يتابع تطوير الدفاعات المصرية ومدى استكمالها، ويتابع آثار خطة تدمير دفاعات خط بارليف التي كانت تنفذها المدفعية المصرية في خطة الضرب المباشر لتدمير وإزالة هذا الخط.
كالعادة، في هذا اليوم 9 من مارس، قام الفريق عبد المنعم رياض بالمرور، ومعه كبير الخبراء الروس آنذاك، واللواء عبد التواب هديب مدير إدارة لمدفعية، وظل تواجدهم معي في الموقع حوالي 10 دقائق، حيث شاهدوا نتائج التدمير. وبعد ذلك، تابعوا التحرك في اتجاه الإسماعيلية.

بعد ساعة تقريبًا، جاء خبر استشهاد الفريق عبد المنعم رياض أثناء تفقده نتائج تدمير خط بارليف في منطقة الإسماعيلية.

جنازة الشهيد عبد المنعم رياض

من هنا، أصبح 9 من مارس كل عام هو ذكرى استشهاد الفريق عبد المنعم رياض، ليكون الاحتفال بيوم الشهيد في مصر. وبذلك أصبح الشهيد الفريق عبد المنعم رياض أول رئيس أركان حرب قوات مسلحة في تاريخ الحروب الحديثة يستشهد على الخط الأمامي للدفاع.
تخرج الفريق عبد المنعم رياض في الكلية الحربية المصرية عام 1941، واشترك في الحرب العالمية الثانية، ضد ألمانيا وإيطاليا، حيث كان قائداً لإحدى البطاريات المضادة للطائرات، في المنطقة الغربية. وخلال عامي 1947 و1948 التحق بإدارة العمليات المصرية، ونال وسام الجدارة العسكرية ليتدرج بعدها، في المراكز حتى قيادة الدفاع المضاد للطائرات، عام 1954. وفى مايو 1967، بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن، عُين قائداً للجبهة الأردنية، فى أثناء حرب 67، بعدها عاد إلى مصر ليتولى رئاسة أركان حرب القوات المصرية، بعد هزيمة 1967.

الجنرال الذهبي وسط قادة مصر، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والرئيس الراحل الشهيد محمد أنور السادات

عقب استشهاده، كرمه الرئيس عبد الناصر، برتبة الفريق أول، وأقيمت له جنازة عسكرية وشعبية، من ميدان التحرير، ترأسها الرئيس الراحل عبد الناصر، وخلفه جموع شعب مصر العظيم. واعتبر يوم استشهاده هو يوم الشهيد في مصر وأطلق اسمه على أشهر ميادين القاهرة، بجوار ميدان التحرير، وتم وضع تمثال له فيه، فضلاً عن إطلاق اسمه على العديد من الشوارع والميادين والمدارس في مختلف مدن مصر. دائما أتذكر أول يوم في حياتي وأنا أتعرف على ماذا يعني احتفال الدولة بيوم الشهيد عندما تقرر سفري إلى إنجلترا في عام 75 للدراسة في كلية كامب للملكية وعند وصول إلى مطار هيثرو .

في هذا الصدد، أذكر، يوم سفري إلى إنجلترا، في عام 1975، فور وصولي لمطار هيثرو، وبعدها بدأت مصر في تخليد هذه الذكرى بالاحتفال في ذلك اليوم، حيث تم إنشاء العديد من النصب التذكارية للشهداء مصر.
بالعاصمة البريطانية، لاحظت أن جميع العاملين بالمطار، وكذا عدد من المسافرين، يضع كل منهم، في عروة معطفه، وردة حمراء، يتوسطها دائرة سوداء، وتكرر المشهد بين ركاب مترو الأنفاق، أثناء توجهي لمحل إقامتي، ورأيت نفس المشهد عند وصولي للفندق، وعرفت، لاحقاً، أثناء متابعة نشرة الأخبار، أن اليوم يوافق ذكرى "عيد المحاربين"، في إنجلترا، وهم شهداء وجرحى الحروب السابقة لبريطانيا العظمى.

في المساء، وعلى شاشات التلفاز، شاهدت ملكة إنجلترا، يصاحبها رئيس الوزراء البريطاني، وجميع أعضاء حكومته، وممثلي البرلمان البريطاني يلتقون بعدد من جرحى هذه الحروب، وممثلين عن أسر الشهداء، في احتفال رسمي، لوضع أكاليل الزهور على نصبهم التذكارية، تقديراً، وعرفاناً، لما قدمه هؤلاء الأبطال لأوطانهم، وشعوبهم، من تضحيات. وهي ذات الطقوس والمراسم، التي تتبعها الكثير من البلاد الأخرى، مع اختلاف التاريخ.

فمثلاً، الجزائر، بلد المليون شهيد وأكثر، ، تخلد ذكراهم في يوم 18 فبراير، من كل عام. بينما تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية بذكرى أبطالها، بعطلة فيدرالية تعرف باسم “Memorial Day”، في الاثنين الأخير من شهر مايو، من كل عام. أما الصين فتحتفل، سنوياً، في يوم 30 سبتمبر، بيوم الشهيد، حيث تكرم ذكرى الأبطال في ميدان تيانانمن، أكبر ميادين العاصمة بكين.

لقد تم إنشاء "النصب التذكاري" لشهداء مصر، في منطقة مدينة نصر، بعد حرب 1973، الذي صُمم على شكل هرم، رمز العمارة المصرية العريقة، وعلى أضلاعه كتبت أسماء الشهداء المصريين، المختلفين في انتماءاتهم الدينية، والمتحدين في الدفاع عن مصر في حروبها المجيدة. وعند النصب التذكاري، دُفنت رفات أبناء الجنود المصريين، الذين لم يتم التعرف عليهم بعد حرب 73، ليكون "قبر الجندي المجهول" رمزاً لكل شهداء مصر، الذين ننعم اليوم بالأمن والرخاء، بفضل تضحياتهم. كما تم إنشاء نصباً تذكارية، في كل محافظات مصر، لتكريم شهدائها، فما من بقعة في أرض مصر، إلا وجادت بخيرة رجالها، للدفاع عن الوطن.

ما يشدني دايما في احتفالات الأعياد المصرية بعد صلاة العيد قيام الرئيس السيسي بدعوة أسر الشهداء والأبناء في احتفالات العيد لكي يقدم لهم التهنئة. ولكي يشهد الجميع أن الأسرة التي قدمت الشهيد للوطن، ولكن الوطن لم ينساهم، وقبلها بشهر، عادة ما تتصل إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة والعلاقات العامة بالداخلية، وباقي أجهزة الدولة المسؤولة عن أسر الشهداء، لكى تسأل كل أسرة. ماذا يريد الطفل في العيد من أب مسؤول، حيث أن ذلك يؤكد أن مصر ترعى هؤلاء الأبناء، وأعتقد أنها لفتة كريمة من رب الأسرة المصرية، عندما يستقبلهم دائما ويقدم لهم هذه الهدايا في العيد، ودائما أقول أنه يجب ألا تقتصر الاحتفال على مراسم الدولة فقط، بل يجب أن يكون خلال المدارس والجامعات ومراكز الشباب ومن خلال التواصل مع وسائل الإعلام، لكي يعيش الشعب كله هذا الاحتفال في هذا اليوم، ويقدم قدوة لكل الأبناء لكي يتعرفوا ماذا قدم هؤلاء الشهداء الشجعان لمصرنا العزيزة على مر السنين.

مملكة إسرائيل الكبرى بين الواقع والخيال

د. محمد السعيد إدريس

د. محمد السعيد إدريس

لسنوات طويلة مضت، وحتى الآن، كانت توجد جماعات مصالح عربية تستنكر دائماً أى حديث عن وجود مخططات وأطماع توسعية لكيان الاحتلال الإسرائيلى. هؤلاء كانوا ومازالوا يصفون أى حديث عن نوايا إسرائيل الخبيثة ومخططات توسعها لبناء «إسرائيل الكبرى» من الفرات إلى النيل وليس فقط الاستيلاء الكامل على كل فلسطين من النهر إلى البحر بأنها «رؤى أو عُقد أيديولوجية»، وأن أى خطاب من هذا النوع الذى يحذر من تلك الأطماع هو مجرد «خطاب أيديولوجى» وأنه «لغة خشبية» عفا عليها الزمن، وأن الواقعية السياسية يجب أن تفرض الإيمان بالسلام مع كيان الاحتلال الإسرائيلى، وأن تروِّج لما يسمى «ثقافة السلام» التى تفرض على الخطاب الرسمى العربى فى أقطار عربية كثيرة وخاصة الأقطار التى سلكت «طريق السلام» مع هذا الكيان الاحتلالى.

من "الحزام الأمني" إلى نزع "سلاح المقاومة".

والآن تتكشف الحقائق التوسعية لكيان الاحتلال المدعوم أمريكياً، خاصة ما يتعلق بالاستيلاء الكامل على أرض فلسطين، وما يحدث الآن من صراع حول «قطاع غزة» يؤكد ذلك ويؤكده أكثر ما يحدث فى الضفة الغربية التى تقرر ضمها وتهجير أهلها قسرياً وفرض تسميتها «يهودا والسامرة» ، لكن ما هو أخطر هو الرفض الإسرائيلى للانسحاب من جنوب لبنان والعمل من أجل فرض «حزام أمنى» فى مساحة تحددها السلطات الإسرائيلية على أرض جنوب لبنان، والتطلع إلى القضاء الكامل على حزب الله فى لبنان ليس فقط بالعمل مع الولايات المتحدة على «نزع سلاح» المقاومة تحت شعار إن السلاح يجب أن يكون فقط بين الدولة، ولكن أيضاً العمل من أجل تصفية حزب الله سياسياً، وإخراجه نهائياً من المعادلة السياسية اللبنانية، بل إن هناك من يتحدث عن تصفية «بيئة المقاومة» أى أبناء الطائفة الشيعية فى لبنان، وترحيلهم إلى خارج لبنان كى يصبح لبنان قاعدة نفوذ إسرائيلى – أمريكى خالصة، لكن الجديد هو ما يتعلق بسوريا والدعوة إلى تقسيمها واحتلال مساحات واسعة من الجنوب السورى وإقامة العديد من القواعد العسكرية الإسرائيلية على المناطق التى احتلتها القوات الإسرائيلية فى الأسابيع التى تلت عملية إسقاط النظام فى سوريا.

حديث نيتنياهو وهم أم حقيقة؟

إسرائيل وأمريكا ترفضان القرار العربي.

ففى الوقت الذى أعلنت فيه إسرائيل والولايات المتحدة رفض مقررات قمة فلسطين التى عقدت فى القاهرة (الثلاثاء 4 مارس 2025) كانت دعوة تقسيم سوريا تتوسع على المستويين، مستوى الدعوة إلى التقسيم والإعداد لمؤتمر دولى يستهدف تقسيم سوريا إلى دويلات عرقية وطائفية من منطلق أن مثل هذا التقسيم سيكون فى مقدوره حماية الأمن الإسرائيلى ، وعلى المستوى الفعلى بالعمل من أجل الوصاية والنفوذ الإسرائيلى على الطائفة الدرزية وتهديد السلطات الجديدة فى دمشق من المساس بأى مصالح لتلك الطائفة. فبعد ساعات من اعتماد جامعة الدول العربية الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة ورفض أى تهجير لأبناء القطاع سارعت إسرائيل والولايات المتحدة بإعلان رفضهما للقرار العربى الصادر بهذا الخصوص. وفيما أعلن البيت الأبيض رفضه للخطة قائلاً إنها «لا تعالج الأزمة الإنسانية المتفاقمة فى القطاع». جاء الموقف الإسرائيلى أكثر صراحة، حيث اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن القمة العربية «فشلت فى معالجة الواقع بعد 7 أكتوبر 2023» وأنها «مازالت أسيرة رؤى قديمة». ما تريده إسرائيل فعلياً هو تفريغ قطاع غزة نهائياً والاستعداد لضمه إلى كيان الاحتلال بتوافق مع جهود مماثلة تحدث الآن فى الضفة الغربية كخطوة أساسية لجعل كل الوطن الفلسطينى ملكية خالصة لليهود دون غيرهم حسب ما ورد فى «قانون القومية» الذى يجرى تنفيذه الآن.

تأسيس «حزام أمنى» فى جنوب لبنان وسوريا، ثم مصر.

أما الخطوة التالية فهى تأمين الحدود الإسرائيلية مع كل من لبنان وسوريا والتلميح الصريح لوجود تهديدات لهذه الحدود مع مصر أيضاً، أى العمل على وضع مصر هى الأخرى على أجندة مطالب وضرورات الأمن الإسرائيلى بالدعوة إلى تفريغ سيناء من أى وجود عسكرى مصرى يخالف نصوص معاهدة كامب ديفيد. وإذا كانت إسرائيل تحذر الآن من مخاطر التسليح المصرى المتصاعد والوجود العسكرى المصرى الكثيف على أرض سيناء فإنها تعمل الآن على تأسيس ما يسمى بـ «حزام أمنى» فى جنوب لبنان، والعمل على تأمين الجبهة الإسرائيلية مع سوريا بالدعوة إلى تقسيم سوريا وتأسيس دولة درزية فى الجنوب ودولة كردية فى الشمال وفرض إسرائيل حامية لما يسمونه بـ «الأقليات العرقية والطائفية فى سوريا».

مملكة إسرائيل الكبرى لم تعد «حديث مؤامرة»

أحلام وهمية أم خيال يتحقق؟

إن دعوة وزير الخارجية الإسرائيلى جدعون ساعر فى بروكسل (24/2/2025) إلى تحويل سوريا إلى «دولة فيدرالية» تضم مناطق حكم ذاتى، جرى توسيعها إلى مقترح أوسع يستهدف تقسيم سوريا حسب ما كشفت صحيفة عبرية حيث تحدثت عن اجتماع سرى محدود لمجلس الوزراء الإسرائيلى لمناقشة اليوم التالى فى سوريا وانتهى باقتراح عقد مؤتمر دولى لتقسيم سوريا إلى كانتونات . مملكة إسرائيل الكبرى لم تعد «حديث مؤامرة» بل أضحت واقعاً يتجسد يوماً بعد يوم فكيف سيكون الرد العربى، إذا كان مازال هناك أمل فى رد عربى بعد أن تحول «الخيال» إلى «واقع» بل واقع مرير.

الحليفان المتآمران.

القائد الشهيد وطريق الشهداء

حلمي النمنم

حلمي النمنم

استشهاد القائد العظيم (الفريق) عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب الجيش المصرى،

منذ خمسة أيام كانت ذكرى استشهاد القائد العظيم (الفريق) عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب الجيش المصرى، أثناء حرب الاستنزاف. كان القائد فى زيارة للمواقع المتقدمة على الجبهة، عند المعدية رقم ٦ على شاطئ القناة فى مدينة الإسماعيلية، يوم التاسع من مارس سنة 1969، الذى حدث أن الضباط الإسرائيليين على الضفة الأخرى من القناة، فى مواقعهم الحصينة بخط بارليف، شعروا بالزيارة من فرط التحركات أمامهم وتوقعوا أنها لضابط عظيم فكثفوا ضربات المدفعية، أصيب السيد الفريق بشظية قاتلة. حين وصل الخبر إلى القاهرة، وقع ارتباك لحظى، المصاب جلل، رئيس الأركان يستشهد على ضفة القناة، هنا كان التساؤل: كيف يتم إعلان الخبر، والصياغة التى يقدم بها للرأى العام؟ خاصة أن الفريق رياض كان شخصية معروفة جدًا للرأى العام ليس فى مصر فقط بل فى كل دول المواجهة بصرامته وانضباطه، فضلًا عن كفاءته القتالية، الكثيرون كانوا ينتظرون منه الكثير فى المعركة المنتظرة، يكفى أنه تولى موقعه، بعد الهزيمة مباشرةً، يوم 11 يونيه 67، قام هو مع الفريق محمد فوزى بإعادة بناء القوات المسلحة، المتخصصون فى هذا المجال والمؤرخين العسكريين يدركون أن العبء الأكبر، فى مثل هذا الموقف، يقع على كاهل رئيس الأركان. خشى عدد من كبار المسؤولين فى الدولة أن نقل الخبر كما هو، قد يؤدى إلى حالة من الإحباط فى الشارع بما يهز الروح المعنوية فى لحظة المعركة التى لم تهدأ، وربما يهز ثقة الجمهور بقواته. قال المرحوم محمد حسنين هيكل مرة - فى حديث تليفزيونى - إن هناك من اقترح على الرئيس عبدالناصر إذاعة أن الرجل لقى مصيره فى حادث سيارة أثناء عودته من الجبهة، لكن الرئيس لم يوافق على هذا الرأى، بل اعتبره سخيفًا.

كما يذكر محمد فائق، وزير الإرشاد (الإعلام) وقتها، فى سيرته الذاتية، أنه سارع كوزير مختص بالإعلام بإبلاغ الخبر إلى رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط لبثه على الفور، بعدها مباشرة نقلته إذاعة (بى بى سى) عنها، ثم جريدة الأهرام. وحتى الآن، يتصور البعض أن بى بى سى كانت صاحبة السبق فى النشر، حتى إن أحد شيوخ المهنة قال ذلك مؤخرًا فى إحدى الندوات.

كهنة «الاتحاد الاشتراكى العربى»!

حين نشرت الأهرام الخبر - نقلًا عن الوكالة - حدثت أزمة، حيث عبر كهنة «الاتحاد الاشتراكى العربى»، الذين زادت شوكتهم بعد هزيمة يونيو، عن استيائهم من النشر. عاتب الرئيس عبدالناصر هيكل بشدة، فاتصل محمد فائق - متعه الله بالصحة - بالرئيس مؤكدًا أنه هو من أجاز الخبر، وشرح وجهة نظره، وهى أن: من الشرف للقائد وللجيش والوطن كله أن يستشهد رئيس الأركان فى الميدان وسط الضباط والجنود، كما أنه من حق الشهيد ألا ينكر أحد عليه بطولته، بل يجب أن يعرف الجميع ذلك.

أقيمت جنازة كبرى للفريق رياض، تقدمها الرئيس عبدالناصر بنفسه، ومعه كبار رجال الدولة، وتحولت إلى جنازة شعبية، هتف فيها المواطنون بضرورة استمرار القتال وتحرير الأرض. لقد تبين أن مخاوف بعض كبار المسؤولين من إعلان الحقيقة، كانت بلا أساس، وكشفت تراجع الحس السياسى لديهم لحساب المنطق السلطوى، ناهيك عن انعزالهم الحقيقى عن الروح العامة للمواطنين. تفهم الرأى العام الموقف، وأكبر عموم المواطنين نبل وصدق قيادات الجيش، وإصرارهم على أداء الواجب الوطنى مهما كان الثمن.

كانت لحظة شجاعة عظيمة من الجميع،

كما تبين أيضًا أن نشر وكالة أنباء الشرق الأوسط (الوكالة الرسمية) للخبر، ثم الأهرام، أضفى مصداقية على الصحافة والإعلام المصرى. كانت لحظة شجاعة عظيمة من الجميع، القائد الذى لا يتربع فى مكتبه- إن فعل لا لوم عليه- بل يبادر إلى ميدان القتال عند اقرب نقطة من نيران العدو، بين الجنود المقاتلين، شجاعة أيضا من وزير الإعلام الذى بادر بالنشر، وكذلك من رئيس تحرير الأهرام، لأنه يدرك أن الطرف الآخر سوف يعجل بالنشر فور التأكد من المعلومة، وعندها يكون صاحب النصر والسبق. استشهاد القائد كان دليل الجدية فى المعركة والتحرير، بما قطع الطريق على بعض مثيرى الإحباط والاكتئاب الوطنى وقتها، ومن المحزن أن بيننا من لايزال يصر على تجاهل حرب الاستنزاف، رغم الإنجاز العظيم الذى تحقق فى تلك الحرب والبطولات المذهلة للمقاتل المصرى بها.

فى المعارك الحربية يكون للقادة العسكريين دور حاسم، إذ يقومون على تحقيق النصر وتنفيذ الأهداف الاستراتيجية للدولة، لذا فإن سقوط القائد شهيدًا قد يكون بداية انكسار الجيش، هكذا كانت حروب العصور الوسطى، فى بعض المعارك كان يتم استهداف القائد أو عدد من القادة والرموز فينهار الجيش تلقائيًا، لكن قد يحدث العكس إذ يفجر طاقات الاستمرار، الثأر ومواصلة المسيرة، حتى تحقيق النصر وهو ما تحقق بالفعل لنا يوم السادس من أكتوبر العظيم.

تحول استشهاد القائد إلى نقطة مضيئة فى الضمير والوجدان المصرى إلى يومنا هذا.

صار يوم التاسع من مارس «يوم الشهيد»، والحق أن طريق الشهداء لم يتوقف يومًا، تصور بعضنا أن طريق الاستشهاد توقف بعد أن وقعنا معاهدة السلام مع إسرائيل فى مايو سنة 1979، المعاهدة أغلقت بابًا واحدا، لكن هناك أبوابا أخرى فتحت ولاتزال، أخطرها باب الإرهاب والإرهابيين من ميليشيات ضالة قد تكون غطاء للباب الذى أغلق مع معاهدة السلام، هى الوجه الآخر له. ولعلها ليست مصادفة أن تجعل تلك المجموعات الإرهابية من سيناء، الشمال تحديدًا، مسرحًا لعملياتها القذرة، أبناؤنا من الجنود يذبحون لحظة الإفطار فى الشهر الفضيل، اعتداء على المنشآت العامة وعلى حياة الآمنين. ركز الإرهابيون على سيناء، لكنهم راحوا يضربون فى كل موقع يمكنهم الوصول إليه، فى القاهرة وفى الصعيد، على حدودنا كافة، خضنا حربا طويلة وقاسية معهم.

ليست مصادفة أن جعلت تلك المجموعات الإرهابية شمال سيناء مسرحًا لعملياتها القذرة

فى السنوات الأخيرة قدمنا مئات، بل آلاف الشهداء فى عملية «حق الشهيد» فى سيناء، من رجال القوات المسلحة والشرطة المدنية، فضلًا عن المواطنين المدنيين الذين استهدفهم الإرهابيون الذين أرادوا تأسيس ولاية لهم فى شمال سيناء. على طريق عبدالمنعم رياض، سار الآلاف الشهيد أحمد حمدى وأحمد المنسى وأبوشقرا ومحمد مبروك، مع اختلاف المعركة وملابسات استشهاد كل منهم وموقعه، يبقى العنوان واحدًا الدفاع عن هذه الأرض واستقلال الوطن وسيادته، لم يسأل أى منهم عن العائد (الشخصى) ولا تساءل عن المقابل الذى سيتسلمه، فكروا بالكامل فى أداء الواجب عليهم نحو هذا البلد. وفى هذه اللحظة، نجد النيران تحيطنا من كل جانب، المشهد أمامنا فى فلسطين المحتلة منذ السابع من أكتوبر، قبل الماضى، ومن اللحظة الأولى قلنا إن مصر هى المستهدفة، وكل يوم يتكشف ذلك بوضوح تام.

وفى حدودنا الجنوبية، سعير مشتعل بين الأشقاء فى السودان، وعلى حدودنا الغربية فى ليبيا، الأمور ليست جيدة. صحيح أن خطوط مصر الحمراء حول ليبيا، كما أعلنها القائد الأعلى للقوات المسلحة فى يناير 2020، وسط قادة المنطقة الغربية، جعلت القائمين على الميليشيات ومموليها هناك، يراجعون أنفسهم كثيرًا، وقاموا بالتودد نحو الدولة المصرية، لكن الأمور هناك لم تستقر بعد، وهى مهددة بالانفجار فى أى لحظة. دورنا أن نعمل على إطفاء تلك الحرائق، حتى لا تهلك كل شىء هناك، حرصًا على الأشقاء، فضلًا عن أن بعض شررها قد يتطاير إلينا.

النيران ليست على الحدود فقط، لكن هناك جماعات الإرهاب، التى تستغل انشغال العالم بالقضايا الكبرى ثم تتسلل هى فى غفلة نحو مجتمعات ودول تستهدفها، ولا نكشف سرًا أن المجتمع والدولة المصرية على رأس أهداف تلك الميليشيات. طوال حرب الإبادة فى غزة، كان هؤلاء يتراقصون على أنغام بنيامين نتانياهو، وركزوا على دول الطوق: الأردن، سوريا، لبنان ومصر.

علينا بمقولة: «خلى السلاح صاحى».

بعيدًا عن منطقتنا وحدودنا، لنتأمل ما يجرى فى أوروبا، فى لحظة قرر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أن بلاده ليست ملزمة بالدفاع عن «الحلفاء فى أوروبا». الحلفاء كانوا قد أهملوا جيوشهم استنادًا على الدفاع الأمريكى، الذى تبخر فى لحظة، فوجدوا أنفسهم عراة ومهددين، أو أن يقبلوا شروطًا مذلة وإتاوة باهظة من «الفتوة» الذى أوكلوا له حمايتهم، على طريقة رائعة كبيرنا نجيب محفوظ فى «الحرافيش»، لكن هذه المرة فى الواقع وفى «العالم الأول». بإزاء ذلك كله، لابد من الاحتفاظ بقوتنا الشاملة، فى المقدمة منها القوات المسلحة، مدربة وجاهزة لأى احتمال، دون رغبة فى عدوان ولا سعى نحو الحرب، لكن علينا بمقولة: «خلى السلاح صاحى».. وهذا يعنى أن طريق الشهادة سيبقى مفتوحًا أمام من يكتبها الله له.

بعد سنوات اكتشفت أن جارتي إنسانة!

هالة فردان

هالة فردان

صديقتي من الهند العظيمة.

في حديث مضحك مُبكٍ مع إحدى الصديقات من الهند العظيمة، حكت لي عن موقف لها مع إحدى بنات قريتها من طائفة مختلفة، فقالت صديقتي باستغراب: «لقد اكتشفت أنها سيدة لطيفة مثلنا». سألتها: «كيف يعني مثلنا؟» قالت موضحة: «نعم مثلنا نحن البشر».

أكاد أجزم أن ملامح الصدمة التي ارتسمت على وجهي جعلت من صديقتي تتدارك ما قالته، ضحكت بصوت عالٍ وقالت بحرج: «لا لم أقصد ذلك حرفياً». ما أردت توضيحه أننا لا نختلط كثيراً معهم وبحكم المجتمع كنت دائماً أرسم لهم صورة مبهمة، وعند حديثي معها اكتشفت أنني كنت أجهل الكثير عنهم وعن أسلوب حياتهم التي يعيشون.

ليس إنساناً من هو ليس مني ولا أتشارك معه إلا الأرض»؟!!

لقد تفاجأت أن أسلوب حياتهم «ما هو إلا أسلوب حياتنا وإن اختلفت في العقائد». عاشتا معاً في قرية صغيرة واحدة تفصلهم عشرات الأمتار فقط، ثم اكتشفت بعد سنوات طويلة أن، "جارتها إنسانة"! تماماً كَمَن يمشي في طريق وهو مغمض العينين ظناً منه أنه الطريق الصحيح فقط لأنه معبّد، فيسلك طريقاً طويلاً ليكتشف بعد مدة أنه قد سلك اتجاهاً معاكساً فقط لأنه رفض أن يفتح عينيه ليستوضح ويتأكد أنه كان على الطريق الصحيح. لا تقتصر القصة هنا على صديقتي وجارتها، فهي ليست حكايتهم، بل هي حكاية مجتمع بأكمله، أصدر حكماً ونفذه بلا دليل. نعيش بين آلاف البشر لا نعلم عنهم إلا اسمهم الأول أو قبيلتهم أو مذهبهم وسرعان ما نطلق عليهم أحكامنا ونقسمهم إلى فئات ومنازل وفق قواعد المجتمع ووفق ما قالوه لنا، حتى نكاد نؤمن أننا البشر وهم ليسوا إلا أشباه بشر مختلفين عنا في اللون والاسم والمعتقد، رافعين راية «ليس إنساناً من هو ليس مني ولا أتشارك معه إلا الأرض».

أن الحياة وُجدت ليتنعم بها هو لا هُم؟

عبروا أجيالاً متعاقبة وزرعوا في نفوس أبنائهم الواحد تلو الآخر "معتقدات التفرد والتميز". أن تكون لغة الانحياز هي اللغة الشائعة، يعني أن تقسيم المجتمع إلى فئات ومنازل هو ضرورة حتمية. نحمد الله أننا خُلقنا مؤمنين مسلمين ونعرف أننا كلنا خلقنا بشراً وكلنا سواء ويحكمنا الخُلق لا الخَلق! فهل هذا صحيح؟

نعم خُلِقنَا مؤمنين مسلمين، ولكن: هل صحيح أننا نسير اليوم وفق هذه القاعدة أم أن أفكار التميُّز والتفرّد باتت تطالنا كما طالت غيرنا من المجتمعات؟ أليس صحيحاً أن الكثير منا بات ينظر لغيره وكأنه دون المستوى، بل تمادى ليظن أن الحياة وُجدت ليتنعم بها هو لا هُم؟ ألا نلاحظ أن أجيالاً جديدة بفكر جديد باتت تغزو مجتمعاتنا التي حافظت على مدى سنوات طويلة على تماسكها وصلابة نسيجها؟

أنك تدمِّر بيتك قبل أن يدمره الآخرون.

الخلاصة: إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهم كثيراً في بث معتقدات دخيلة على مجتمعاتنا، لكننا لا نستطيع الحدّ من انتشارها ولن نستطيع إيقافها، وكلنا نُدرِك أن محاربة المجتمعات يتم داخلياً وليس خارجياً، السيطرة على المعتقد والفكر هو أخطر سلاح قد يدمر أي مجتمع، أن تسمح لأبنائك بتبنّي أفكار التميز والتفرد والتعالي، هو كأن تربيهم على مبدأ أننا أصحاب الحق المطلق وأن المختلف عنا في الشكل والدين والمعتقد هو ليس إنساناً مثلنا، ما يعني أنك تدمِّر بيتك قبل أن يدمره الآخرون، نحن كلنا باختلافاتنا، بشر وكلنا لنا الحق في أن نعيش على هذه الأرض متجاورين لنبني معاً مجتمعاتنا وأوطاننا. تذكر دائماً واحرص على أن تعلِّم أبناءَك أن: "جارنا هو إنسان مثلنا".

  • هالة فردان
  • كاتبة بحريبنية.

ما الذي يريده ترامب من تسوية النزاعات في شرق أوربا وشرق المتوسط؟ 1/3

د. مدحت حماد*

الأستاذ الدكتور مدحت حماد

مما لا شك فيه أن مستجدات الأحداث الإقليمية والدولية سواء المتعلقة بالشرق الأوسط أو شرق أوربا، تشير إلى أن هناك حدث نوعي إستراتيجي ما، يتم إخراجه على نار هادئة. ذلك أن المشهدين الإقليمي الشرق أوسطي والدولي في شرق أوربا، باتا يتكاملان معًا ولأول مرة منذ سنوات.

الرياض "جنيف الشرق الأوسط".

لأول مرة في تاريخ الملكة العربية السعودية، نجد الرياض مقرًا لمفاوضات دولية تجري بين القوى الدولية، ليتحول دورها لتكون "جنيف الشرق الأوسط"، ولكن بمشاركة فاعلة مباشرة، ودور نوعي قادم، يتم صياغته خلال عملية التفاوض الإقليمي الدوي التي تتم في الرياض. وحين تنعقد القمة الروسية الأمريكية في الرياض في المستقبل القريب، سنكون بصدد "تدشين دور إقليمي دولي" جديد للمملكة العربية السعودية، هذا الدور يقف وراء رسمه وبلورته وإخراجه، الرئيس الأمريكي "ترامب"، ليكون السؤال لماذا؟ أي لماذا سيلعب ترامب هذا الدور؟

وزيرا الخارجية الأمريكي والروسي في الرياض

ثلاثون يومًا من وقف إطلاق النار في أوكرانيا.

لماذا انقلب المشهد الأوكراني 180 درجة؟ لماذا قام "زيلينسكي" بالإعلان عن موافقته لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثين يومًا بعد زيارته للمملكة العربية السعودية؟ ولماذا قام ترامب بإلغاء تجميد إرسال المساعدات العسكرية وإعادة التعاون الإستخباراتي مع أوكرانيا؟ وفي نفس الوقت لماذا خرج المسؤلون الأمريكييون يعلنون أن قرار ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على المكسيك وكندا بن يدخل غدًا حيِّز التنفيذ؟

الأمير محمد بن يلمان يستقبل زيلينسكي

احتواء المشهد السوري

على الصعيد السوري، نجد بعض الأحداث النوعية التي تشكِل بدورها جزءًا من الصورة الإقليمية والدولية التي يتم رسمها وتشكيلها على نار هادئة، مثل: تسليم "الشرع" مسودة الإعلان الدستوري، إحتواء المشهد العسكري المشتعل في الساحل السوري، الإعلان عن دمج الأكراد في الجيش السوري. ليظل السؤال هو: لماذا يحدث هذا؟ ولماذا تعلن إسرائيل عزمها حماية الدروز على الشريط الحدودي مع سوريا؟ أصلًا: لماذا شارك "الشرع" في القمة العربية في القاهرة، رغم أنه لم يحظ بأي إعتراف دولي حتى الآن.

مد وقف إطلاق النار ستون يومًا جديدة.

أهالي الأسرى في اعتصام أمام منزل نيتنياهو

على الرغم من طبول الحرب التي يدقها اليمين المتطرف في إسرائيل بزعامة نيتنياهو بشأن غزة، وبالرغم من لغة الترهيب والوعيد والعقاب بالجحيم إن لم تقم حماس بتسليم جميع الأسرى الفلسطينيين لديها، إلا أننا لم نشهد طلعة طيران واحدة لأصغر طائرة مسيرة لدى تل أبيب، تقوم بقصف غزة، وهو الأمر الذي يتناقض ويثير الإستغراب بين الفعل على ارض الواقع، وبين الإعلان عن صب نيران الجحيم على حماس!! الأكثر غرابة وإثارة من هذا أننا وجدنا أمريكا تتفاوض مباشرة مع حماس من وراء ظهر إسرائيل، وتقوم بفرض إرادتها على إرادة اليمين الصهيوني المتطرف في إسرائيل، وتمنع فعليًا "قيام إسرائيل بصب الجحيم فوق رؤوس أهل غزة.

ما الذي ينويه ويريده ترامب؟

هذا هو السؤال الذي يفرض نفسه الآن، بعد رصد جميع هه المتغيرات السريعة المتلاحقة إقليميًا ودوليًا. ما الذي يدبِّر ويخطط له؟ إي سيناريو يمكن أن نستيقظ عليه فجأة؟ هذا ما سنعمل على الإجابة عليه في المقال القادم

“دونالد ترامب الرئيس الأمريكي"

دكتور مدحت حماد

أستاذ الدراسات الإيرانية والخليجية

جامعة طنطا، كلية الدفاع الوطني أكاديمية ناصر العسكرية العليا سابقًا.

محمد السعيد إدريس: مستقبل غامض لحلف الأطلسي؟

أي مستقبل ينتظر حلف شمال الأطلسي؟

د. محمد السعيد إدريس

يعيش الأوروبيون حالياً هاجس عجزهم عن تقديم إجابة يُعتدّ بها للسؤال الذي يقول: أي مستقبل ينتظر حلف شمال الأطلسي على ضوء التسوية التي تعد واشنطن لفرضها لحل الأزمة الأوكرانية؟ وهل يمكن بلورة نظام جديد للأمن الأوروبي بعيداً عن حلف شمال الأطلسي؟
العجز الذي يسيطر على الموقف الأوروبي بسبب غياب القدرة على الوعي بأن الأمن الأوروبي سيكون بمعزل عن حلف شمال الأطلسي على ضوء التوجه الأمريكي الجديد في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي يدفع بالأمن الأمريكي خطوة خطوة بعيداً عن الالتزامات الأمريكية في حلف شمال الأطلسي.

ترامب: ثمة حل في غضون أسابيع سوف يتحقق للأزمة الأوكرانية.

الدُب الروسي يصنع ويتنصت وينتظر.

عندما هاجمت القوات الروسية أوكرانيا قبل ثلاث سنوات أدرك الأوروبيون إلى أي مدى أضحى أمنهم مرهوناً بالمظلة الأمنية الأمريكية، لكن بعد انقضاء تلك السنوات أفاق الأوروبيون على صدمة انحسار الدافعية الأمريكية للإبقاء على الالتزامات لتأمين الأمن الأوروبي، على نحو ما تأكد في مخرجات «اللقاء التاريخي» بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا في العاصمة السعودية الرياض وقبلها المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين التي خرج بعدها ترامب ليقول: إن «حلّاً في غضون أسابيع سيتحقق للأزمة الأوكرانية»، حينها أخذ بعض الأوروبيين يتحدث عن التحول الجديد في الموقف الأمريكي من أوروبا الذي يؤشِّر لتعمد أمريكي لتهميش أوروبا وتفكيك حلف شمال الأطلسي.

محاولة أوروبية مستميتة للحفاظ على التحالف الأوروبي – الأمريكي

ثم جاءت الزيارات الثلاث لرؤساء فرنسا إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كيرستارمر والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لواشنطن واللقاء مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في محاولة مستميتة للحفاظ على التحالف الأوروبي – الأمريكي وتوحيد الموقف من حل الأزمة الأوكرانية وتحسين خطة الحل الأمريكية لتلك الأزمة لتؤكد جدّية التوجّه الأمريكي بعيداً عن أوروبا، ورفض ترامب تقديم أي ضمانات أمريكية لتسوية الأزمة الأوكرانية.

لقاء زيلينسكي ترامب (28-2-2025) كان عاصفاً بل مدوّياً

لا تعليق.

إذا كان لقاء ماكرون مع ترامب (24-2-2025) ولقاء ستارمر معه يوم (27-2-2025) قد أكد جدّية الرفض الأمريكي لتقديم أي ضمانات أمريكية وخاصة إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا لضمان جدية التسوية المقترحة، فإن لقاء زيلينسكي مع ترامب (28-2-2025) كان عاصفاً بل مدوّياً وانتهى بما يشبه «طرد» الرئيس الأوكراني من البيت الأبيض، الأمر الذي استدعى قادة بريطانيا وفرنسا لعقد قمة طارئة في لندن (2-3-2025) حضرها إلى جانب كل من ستارمر وماكرون كل من المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني وغيرهم، لكن هذه القمة ركزت على كيفية الحفاظ على التحالف الأوروبي – الأمريكي والتوصل إلى «خطة لوقف القتال» في أوكرانيا بالتوافق مع الولايات المتحدة، ومرتكز هذه القمة هو تقديم المزيد من الدعم المالي لأوكرانيا، في ظل التهديد الأمريكي بوقف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، واستعراض حدود الالتزام الأوروبي بتقديم ضمانات أمنية إلى أوكرانيا وبالتحديد نشر قوات أوروبية في أوكرانيا لتأمين وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

كان يا ما كان...

رغم محدودية وضعف هذا الموقف الذي سيطر على قمة لندن الاستثنائية يوم الأحد الفائت فإن الدول الأوروبية لم تتوافق على هذا الالتزام، ففي حين أكدت كل من بريطانيا وفرنسا جدّية التزامهما بإرسال قوات إلى أوكرانيا رفض المستشار الألماني تقديم أي التزام من هذا النوع، أما إيطاليا وبولندا فقد تحمستا للقيام بوساطة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد حذرت رئيسة الوزراء الإيطالية ميلوني من «خطر الانقسام»، مؤكدة أن إيطاليا والمملكة المتحدة «يمكن أن تؤديا دوراً مهمّاً في مد الجسور مع واشنطن». والتزم رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك النهج نفسه قائلاً: «إن وارسو يمكن أن تستخدم علاقاتها الجيدة للغاية بالأمريكيين لإقناعهم بتقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا».

هل المظلة الأمنية الأمريكية لأوروبا، باتت فعلاً مؤقتة؟

هذا الانقسام هو الذي يسيطر حالياً على الموقف الأوروبي إزاء الجديد في الموقف الأمريكي ليس فقط تجاه الأزمة الأوكرانية، بل وأيضاً تجاه أوروبا، كما أنه يضع علامات استفهام قوية على كل ما طرح من أفكار حول ما يسمى بـ «الصحوة الأوروبية» المتمثلة في تنامي الإدراك بأن المظلة الأمنية الأمريكية لأوروبا باتت مؤقتة، وأن على أوروبا أن تسعى إلى بناء رادع أمني أوروبي مستقل، وفي ظل وجود إدراك أوروبي مفاده أنه «لا يمكن فصل السلام في أوكرانيا عن الأمن الأوروبي حسب ما جاء على لسان انطونيو كوستا رئيس المجلس الأوروبي، الذي يرى أن«التهديد الروسي يتجاوز أوكرانيا».

ترامب يستعد لضرب أوروبا برسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات وسلع أخرى.

هذا العجز الأوروبي يقلل كثيراً من شأن ما صرحت به كايا كالاس ممثلة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي بأن«أي صفقة مع روسيا لن تنجح إذا لم يوافق عليها الأوروبيون والأوكرانيون»، فتصريح من هذا النوع أضحى يثير السخرية تجاه أي تطلع أوروبي جاد للتأسيس إلى رادع استراتيجي أوروبي في وقت لم يعد يهزأ فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتحاد الأوروبي، بل تطور الأمر إلى اعتباره «عدواً» وتأكيده أنه «يستعد لضرب أوروبا برسوم جمركية بنسبة 25% على السيارات وسلع أخرى».

هالة فردان: ليس الأبيض دائماً دليل نقاء!


العقد لم يكن مصنوعاً من الذهب!!

قرأت في إحدى الصحف العربية عن حادثة غريبة تقشعر لها الأبدان، لن أدخل في تفاصيلها التي تأبى أن تغادر مخيلتي كلما حاولت أن أنساها وسأذكر منها فقط مختصراً لما حدث، حيث إن الحادثة تشير إلى وفاة طفلة صغيرة على يد خالتها التي قتلتها رغبة منها في سرقة عقد من الذهب كانت ترتديه الفتاة الصغيرة، لتكتشف الخالة بعد ذلك أنه لم يكن أساساً من الذهب الخالص وأنه كان مجرد عقد من النحاس مطلي بلون ذهبي!

لنقف قليلاً هنا لنفهم الموقف. قتلتها خالتها التي رعَتَها منذ كانت طفلة صغيرة! ألا نسمع دائماً أن الخالة هي الأم الثانية، إنها القلب الحنون والحضن الدافئ الذي يلجأ إليه الطفل بعد حضن أمه؟ إنها الكلمة التي ترادف كلمة الأمن والأمان. لذا نتألم من بشاعة الطريقة التي توفيت فيها الفتاة الصغيرة كما نتألم من بشاعة النفس التي استطاعت الغدر بها.

أن يَغدر بنا مَن هو مِنّا؟

ربما كان الموقف أقل إيلاماً لو أنَّ من تسبّب به شخص غريب لا يعرفنا ولا نعرفه، لكن أن يَغدر بنا مَن هو مِنّا؟ يجعل من ألم الغدر أشد وأمرّ. كم هي هذه القصة مؤلمة، كم هي تلك الأحداث التي تمر بنا كل يوم نسمعها هنا وهناك. نثق ونأمن في مَن لا أَمان لهم دون عِلم مِنَّا.

لكن لا حول ولا قوة الناس تظهر لنا بمظهر لا نعلم صدقهم من خبثهم، نعاملهم كما يعاملوننا. فإن أحسنوا أحسنّا وإن غدروا بنا ابتعدنا، نسير ونأمل ألا يضعنا القدر أمام أحد هذه الاختبارات الصعبة. تجارب الناس وخبراتهم مختلفة. لا يوجد إنسان صالح كلياً. ظروفنا قد تجبرنا في بعض الأحيان لنسلك سلوكاً لم نعتده. لكن ذلك، لا يعني أن نسلك هذا السلوك مَع مَن حولَنا! وإلا عمّت الفوضى في كل مكان، واستباح الناس بعضُهم بعضًا، بحجة أننا نعاني من ظروف ومواقف عجزنا أن نتعامل معها.

فصديق اليوم قد يكون عدو الغد، وعدو اليوم قد يكون صديق الغد!!

إن أساس العلاقة بين الناس هي التعامل.فكّر كثيراً قبل أن تتكلّم وأن تتصرف مَع مَن هو أَمامَك. فهو لا يعرفك وأنت لا تعرفه. وإن كان يعيش مَعَك في نفس المكان. لكنك لا تعيش معَه في عَقله ولا في قلبه. لذلك فإن معيار العلاقة معه سيكون وفق تعاملك معه. لذا إنتبه وكُن أكثر حكمة ،لا تأمل الكثير، ولا تتوقع ما هو أكبر من قدرة البعض على إعطائه. لا شيء ثابتُ في حياتنا، والناس كما هي الحياة متغيِّرة. فصديق اليوم قد يكون عدو الغد، وعدو اليوم قد يكون صديق الغد!!

ليس صحيحاً أن نعيش في شك دائم فِيمَن حولنا.

الخلاصة: كثيرة هي المواقف التي نتعرّض لها كل يوم، وأن نعيش في شك دائم فِيمَن حولنا ليس صحيحاً. لكن علينا دائماً أن نفهم أن البشر ليسوا سواء. فلكل من حولك تجربة خاصة مختلفة عنك، قد يحمل بعضهم الكثير من الحب والبعض الآخر العكس، لذا كن متيقظاً دائماً، فقد نرى قلوبهم بيضاء نقية وفي نفس الوقت ننسى أن السُم أبيض!!

نعم لا يجب أن ننسى أنَّ السُم لونه أبيض، وأنَّ الأبيض ليس دائماً دليل نقاء!