بعد سنوات اكتشفت أن جارتي إنسانة!

هالة فردان

صديقتي من الهند العظيمة.
في حديث مضحك مُبكٍ مع إحدى الصديقات من الهند العظيمة، حكت لي عن موقف لها مع إحدى بنات قريتها من طائفة مختلفة، فقالت صديقتي باستغراب: «لقد اكتشفت أنها سيدة لطيفة مثلنا». سألتها: «كيف يعني مثلنا؟» قالت موضحة: «نعم مثلنا نحن البشر».
أكاد أجزم أن ملامح الصدمة التي ارتسمت على وجهي جعلت من صديقتي تتدارك ما قالته، ضحكت بصوت عالٍ وقالت بحرج: «لا لم أقصد ذلك حرفياً». ما أردت توضيحه أننا لا نختلط كثيراً معهم وبحكم المجتمع كنت دائماً أرسم لهم صورة مبهمة، وعند حديثي معها اكتشفت أنني كنت أجهل الكثير عنهم وعن أسلوب حياتهم التي يعيشون.
ليس إنساناً من هو ليس مني ولا أتشارك معه إلا الأرض»؟!!
لقد تفاجأت أن أسلوب حياتهم «ما هو إلا أسلوب حياتنا وإن اختلفت في العقائد». عاشتا معاً في قرية صغيرة واحدة تفصلهم عشرات الأمتار فقط، ثم اكتشفت بعد سنوات طويلة أن، “جارتها إنسانة”! تماماً كَمَن يمشي في طريق وهو مغمض العينين ظناً منه أنه الطريق الصحيح فقط لأنه معبّد، فيسلك طريقاً طويلاً ليكتشف بعد مدة أنه قد سلك اتجاهاً معاكساً فقط لأنه رفض أن يفتح عينيه ليستوضح ويتأكد أنه كان على الطريق الصحيح. لا تقتصر القصة هنا على صديقتي وجارتها، فهي ليست حكايتهم، بل هي حكاية مجتمع بأكمله، أصدر حكماً ونفذه بلا دليل. نعيش بين آلاف البشر لا نعلم عنهم إلا اسمهم الأول أو قبيلتهم أو مذهبهم وسرعان ما نطلق عليهم أحكامنا ونقسمهم إلى فئات ومنازل وفق قواعد المجتمع ووفق ما قالوه لنا، حتى نكاد نؤمن أننا البشر وهم ليسوا إلا أشباه بشر مختلفين عنا في اللون والاسم والمعتقد، رافعين راية «ليس إنساناً من هو ليس مني ولا أتشارك معه إلا الأرض».
أن الحياة وُجدت ليتنعم بها هو لا هُم؟
عبروا أجيالاً متعاقبة وزرعوا في نفوس أبنائهم الواحد تلو الآخر “معتقدات التفرد والتميز”. أن تكون لغة الانحياز هي اللغة الشائعة، يعني أن تقسيم المجتمع إلى فئات ومنازل هو ضرورة حتمية. نحمد الله أننا خُلقنا مؤمنين مسلمين ونعرف أننا كلنا خلقنا بشراً وكلنا سواء ويحكمنا الخُلق لا الخَلق! فهل هذا صحيح؟
نعم خُلِقنَا مؤمنين مسلمين، ولكن: هل صحيح أننا نسير اليوم وفق هذه القاعدة أم أن أفكار التميُّز والتفرّد باتت تطالنا كما طالت غيرنا من المجتمعات؟ أليس صحيحاً أن الكثير منا بات ينظر لغيره وكأنه دون المستوى، بل تمادى ليظن أن الحياة وُجدت ليتنعم بها هو لا هُم؟ ألا نلاحظ أن أجيالاً جديدة بفكر جديد باتت تغزو مجتمعاتنا التي حافظت على مدى سنوات طويلة على تماسكها وصلابة نسيجها؟
أنك تدمِّر بيتك قبل أن يدمره الآخرون.
الخلاصة: إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهم كثيراً في بث معتقدات دخيلة على مجتمعاتنا، لكننا لا نستطيع الحدّ من انتشارها ولن نستطيع إيقافها، وكلنا نُدرِك أن محاربة المجتمعات يتم داخلياً وليس خارجياً، السيطرة على المعتقد والفكر هو أخطر سلاح قد يدمر أي مجتمع، أن تسمح لأبنائك بتبنّي أفكار التميز والتفرد والتعالي، هو كأن تربيهم على مبدأ أننا أصحاب الحق المطلق وأن المختلف عنا في الشكل والدين والمعتقد هو ليس إنساناً مثلنا، ما يعني أنك تدمِّر بيتك قبل أن يدمره الآخرون، نحن كلنا باختلافاتنا، بشر وكلنا لنا الحق في أن نعيش على هذه الأرض متجاورين لنبني معاً مجتمعاتنا وأوطاننا. تذكر دائماً واحرص على أن تعلِّم أبناءَك أن: “جارنا هو إنسان مثلنا”.
- هالة فردان
- كاتبة بحريبنية.