د. مدحت حماد: كيف أصبح يُفكِّر الإتحاد الأوربي تجاه الشرق الأوسط؟

د. مدحت حماد.. أستاذ زائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا.*

منذ اشتعال الحرب الأوكرانية الروسية في 24 مارس 2022 أصبحنا بصدد العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية المتلاحقة، التي تأخذ العالم تارة إلى حافة الهاوية، وتارة أخرى إلى الآفاق والتطلعات أو الطموحات السلمية. منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الوحيدة على سطح الكرة الأرضية، التي تشتعل وتستعر فيها _وحول محيطها_ الحروب والصراعات الإقليمية والدولية، وقطعًا أىسباب ذلك معروفة للجميع.
في منطقة الشرق الأوسط تشتعل الحروب سواء كانت إقليمية أو أهلية: حرب الإبادة الوحشية الصهيونية في غزة والضفة، الحرب الصهيونية على اليمن، الحرب الصهيونية في لبنان، التوغل الصهيوني في سوريا، الحرب الأهلية في السودان، الحرب الأهلية في ليبيا، ومؤخرًا الصدام العسكري الهندي الباكستاني. هذا بخلاف “كرة النار” التي يمكن أن تشتعل، بين عشية وضحاها، بين إيران والكيان الصهيوني.
الاتحاد الأوروبي بات يئن من سطوة القوة العظمى _أمريكا_ التي تحميه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
في منطقة الشرق الأوسط تتنافس القوى الدولية، أمريكا والصين، أمريكا وروسيا، وأخيرًا أمريكا والاتحاد الأوروبي الذي يضم بداخله “القوى الإستعمارية التاريخية طوال القرون الخمسة الماضية” أقصد بذلك: اسبانيا والبرتغال، إيطاليا وألمانيا، بلجيكا والنمسا، وأخيرًا فرنسا وإنجلترا. هذا الاتحاد الأوروبي بات يئن من “سطوة القوة العظمى” التي تحميه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا الاتحاد الأوروبي أصبح مرتجفًا منذ أن تكشفت قدراته الحقيقية مع اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية. هذا الاتحاد الأوروبي أخذ يبكي دمًا على إنحسار وتآكل وتقزُّم مصالحه ومن ثم مكانته في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، وشرق المتوسط بصفة خاصة. لقد أدرك الاتحاد الأوربي _رغم أنه لم يعترف بذلك_ بأنه لم يعد يُشكِّل قوة دولية حقيقية ولو من الدرجة الثالثة. أدرك ذلك يقينًا عندما اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية، وبعد اشتعال حرب الإبادة الصهيونية في غزة، وأخيرًا مع اشتعال الحرب التجارية الاقتصادية بين أمريكا والصين.
الاتحاد الأوروبي “يمتطي القضية الفلسطينية” بعد زيارة ترامب للترويكا الخليجية.
من هنا، تأتي قراءة المستجدات الخاصة بمواقف دول الاتحاد الأوروبي التي بدأت تتكشف أمس الثلاثاء 20 مايو 2025 في اجتماع وزراء الخارجية لدول الإتحاد، وهي المواقف المرتبطة بالقضية الفلسطينية. فالواضح _وفق ما نعتقد_ أن الاتحاد الأوروبي سوف “يمتطي القضية الفلسطينية” في محاولة لإحياء أو إستعادة مكانته ومن ثم دوره في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد المستجدات الرهيبة التي شهدتها المنطقة قبل وأثناء وبعد زيارة ترامب للترويكا الخليجية (السعودية، قطر والإمارات) التي أسفرت عن حصاد اقتصادي أمريكي مركَّب متنوع وشامل، بلغت قيمته 3.2 تريليون دولار.

فأمس الثلاثاء الموافق 20 مايو 2025، وافق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي بأغلبية 17 دولة، وامتناع 9 عن التصويت، على “مراجعة اتفاقية الشراكة الإستراتيجية” الموقع مع إسرائيل في عام 1975 التي تتعلق بكافة أشكال وأنماط التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل في مختلف المجالات ، وذلك استنادًا للبند الثاني الخاص بحقوق الإنسان، هو البند الذي رأى وزراء الخارجية الأوروبيين بأن إسرائيل قد ضربت به عرض الحائط في غزة والضفة الغربية. هنا تجدر الإشارة إلى أنَّ فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، بلجيكا، أسبانيا، البرتغال، أيرلندا، فضلاً عن كندا، في صدارة الدول الأوروبية التي اتخذت مواقف حادة وصريحة ضد النظام الصهيوني (إسرائيل).

رئيس الوزراء البريطاني بقوله: “إن الوضع في عزة لا يُطاق!!!
أمس أيضًا _الثلاثاء الموافق 20 مايو 2025_ استدعت الخارجية البريطانية سفيرة إسرائيل في لندن، للإعتراض على إستمرار إسرائيل في منع دخول المساعدات الغذائية والعلاجية لسكان غزَّة، مُعتَبرة بأن ذلك يعد إنتهاك صريح للقانون الإنساني الدولي. كذلك، صَرَخَ رئيس الوزراء البريطاني بقوله: “إن الوضع في غزة لا يُطاق، وأن بريطانيا وشركاؤها، لن يتركوا سكان غزة جوعي” ثم قال: “نحن مُصابون بالرعب من التضييق الإسرائيلي في غزة، كما نؤكد على موقفنا الرافض لبناء المستوطنات في الضفة الغربية.

قرارات الإتحاد الأوروبي هل هي “مطيِّة أوروبية” من أجل إحياء النفوذ الأوروبي شرق المتوسط؟
السؤال هنا هو: لماذا الآن؟ لماذا هذا الموقف الأوروبي الآن؟ ألم يكن واجبًا أن ينتفض الإتحاد الأوروبي منذ شهور وشهور ضد الجرائم الصهيونية النازية الفاشستية البشعة والرهيبة والفظيعة في غزة؟ الحقيقة التي نعتقد فيها أنَّ هذه التصرفات أو الإجراءات والقرارات الأوروبية، إنما قد تُشير إلى أن “جرائم التطهير العرقي العنصري” في غزة، إنما هي “مَطيِّة إنسانية تبدو شريفة، وأنها ستكون موضع ترحيب وتهليل عربي إسلامي” سوف تعتيلها دول الإتحاد الأوروبي من أجل _وبهدف_ التسلل من جديد، عبر ثغرات وثقوب حتمًا ستكون موجودة في جدار التحالف الأمريكي الخليجي الإسرائيلي الذي شكلته زيارة ترامب للترويكا الخليجية. وأبدًا لن يكون الهدف الحقيقي هو “إنقاذ الأرواح البشرية من الأطفال والنساء والمرضى” في غزة، وأبدًا لن يكون الهدف هو العمل على إقامة الدولة الفلسطينية. إنما الهدف الحقيقي الوحيد الذي نعتقد فيه، هو “التحرك من أجل حماية ما تبقى من نفوذ _ولو أدبي_ للقوى الإستعمارية الأوروبية القديمة في منطقة الشرق الأوسط خاصة شرق المتوسط.

سوريا هي الموطن التاريخي الرئيسي للقوى الإستعمارية في شرق المتوسط منذ خمسة قرون

من هنا أيضًا، يأتي فهمنا وتفسيرنا لقيام الإتحاد الأوروبي بإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا منذ 45 سنة. فأبدًا لم ولن يكون هدف إلغاء العقوبات، هو رفع الظُلم والمعاناة عن الشعب السوري المكلوم، أو مساعدة نظام الشرع من أجل تحقيق الإستقرار والرفاهية للشعب السوري، إنما الهدف الحقيقي الوحيد الذي نراه ونعتقده، هو أن القوى الإستعمارية القديمة التي تقود الإتحاد الأوروبي قد قررت ألاَّ تترك الساحة السورية _التي هي الموطن التاريخي الرئيسي لنفوذها السياسي العسكري الاقتصادي الثقافي في شرق المتوسط منذ خمسة قرون_ لكي تكون محطة، ركيزة، نافذة إستراتيجية على البحر المتوسط، هدفها الرئيسي الوحيد ترسيخ أكبر وأطول عمرًا ,أكثر شمولية وإتساعاً وإستدامة للنفوذ الأمريكي في شرق المتوسط، وهو النفوذ الذي بدأ ترامب في تدشينه ووضع حجر الأساس له في زيارته للسعودية، عندما أعلن عن رفع العقوبات الأمريكية ضد سوريا من الرياض.

“إن ضياع سوريا وسقوط بشار الأسد، سيكون بمثابة تدشين للحرب العالمية الثالثة”.
لهذا كله، فإننا نعتقد في أنه “إن لم يحدث توافق أمريكي أوروبي على مناطق النفوذ والسيطرة في شرق المتوسط طوال الشهور المتبقية من عام 2025، فإننا سنكون _حتماً_ بصدد صدام أمريكي أوروبي وفي الخلف منه صدام آخر موازي له بين الصين وأمريكا من جهة وأمريكا وروسيا من جهة أخرى، في مطلع العام 2026”. وحتمًا ستكون الغَلَبَة للإرادة التي ستحسم الموقف في غزة وسوريا. وأبدًا لن يكون الحسم بالنقاط _كما كان يقول حسن نصر الله_ ، إنما سيكون بالضربة القاضية. الأمر الذي قد يحمل في طياته إشتعال حقيقي لحرب “إقليمية كبرى”، قد تئول إلى “حرب عالمية جزئية” في شرق أوروبا وشرق المتوسط، وهي الحرب التي كان قد أشار إليها أحمدي نجاد في نوفمبر 2011 عندما قال: “إن ضياع سوريا وسقوط بشار الأسد، سيكون بمثابة تدشين للحرب العالمية الثالثة”.
في ظني أنَّ “الصين، روسيا وإيران، ومعهم كوريا الشمالية، بيلاروسيا وفنزويلا، وفي الخلف منهم تقف على أهبة الإستعداد بعض الدول الأوروبية والمشرقية والآسيوية، قد باتوا يجهزون أو يستعدون لمثل هذا السيناريو.