تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول

المشهد الثالث عشر

قبل الذهاب إلى المحكمة بصورة رسمية، أمين الحركة الإسلامية بمحافظة الخرطوم يكتب مذكرة لقاضي المحكمة الجنائية بالشجرة، دائرة الاختصاص، لإعادة النظر في القضية ويقول في رسالته:

الأخ مولانا شرف الدين فضل المولى،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أما بعد، أبعث إليكم بهذه الرسالة سائلاً المولى عز وجل أن يجدكم بصحة وعافية

أريد أن أُلفت انتباهكم للقضية رقم 43/1986 المتهم فيها جوزيف جون المعروف بـ “يوسف” في قتل محي الدين أحمد شريف، وهي قضية شرف هُدِر فيها دم مسلم بدم بارد ولازم نرد شرف الأسرة.

 بطرفكم الأستاذ عبد العظيم فاروق المحامي وبحوزته أدلة جديدة عبارة عن اعترفات القاتل. رغم أن هذه القضية حكمت قبل ست سنوات، يجب مراجعتها وإعطاء فرصة لأولياء الدم لاستئناف وإعادة النظر في الحكم نتيجة لظهور أدلة جديدة.

 بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.

أخوك/ عزالدين عبد القادر المجتبى

أمين الحركة الإسلامية بمحافظة الخرطوم.

قبل تقديم الأستاذ عبد العظيم المحامي أواراق الاستئناف مدعومة بالاعترافات المكتوبة والمبصومة من قبل المتهم جوزيف جون، قام الشيخ أحمد شريف والد المرحوم بزيارة القاضي بمنزله وسلمه خطاب أمين الحركة الإسلامية بمحافظة الخرطوم.

وفي اليوم التالي، تم استئناف القضية في المحكمة الأعلى وشكلت دائرة جديدة للنظر في القضية، وفعلاً بعد ثلاث أسابيع صدر قرار محكمة الاستئناف باعادة النظر في القضية والعقوبة ليكون الإعدام.

أعلنت المحكمة جلسة عاجلة لإخطار المتهم وأولياء الدم بقرار المحكمة الأعلى دون الاستماع للمتهم والشهود، وتم إحضار جوزيف إلى الجلسة بمفرده في غياب محاميه وأسرته وهو يعتقد بأنها جلسة للإفراج عنه بعد مبادرة رجل البر والإحسان الشيخ أسامة بن لادن، إلا أنها كانت جلسة لإعلان قرار جديد للمحكمة الأعلى التي قررت إعادة النظر في قرارها السابق بدفع دية قدرها واحد وعشرون ألف جنيه، وفي حالة عدم الدفع يقضي المتهم عشرة سنوات في السجن، واعتماد قرار جديد عبارة عن الإعدام شنقاً حتى الموت.

يقول الرقيب عثمان، الذي يرافق المتهم، بأنه حقاً يوم حزين في تاريخ بلادنا وللسجين جوزيف جون الذي قضي أكثر من نصف مدة حكمه في السجون. هو يوم فعلاً ثبت فيه بأن الكيزان دمروا المنظومة العدلية ويجب ألا تترك هذه الأشياء تذهب هكذا، هذا هو زوال العدل وانهيار الدولة. 

***

المشهد الرابع عشر

كان قرار المحكمة صادماً ليس لجوزيف فحسب، لكن لكل السجناء والسجانيين في سجن كوبر، بما فيهم المعتقلين السياسيين الذين أبدوا قلقهم لما وصل إليه حال البلاد في ظل حكم الإسلاميين، وهذا بمثابة انهيار وزوال الأسس والمبادئ العدلية في البلاد.

الرقيب عثمان الذي رافق المتهم جوزيف إلى المحكمة يعود إلى السجن ومعنوياته منهارة، ويذهب إلى العقيد معاوية مامون، نائب مدير إدارة السجن ويطلب منه الإذن لمدة يومين حتى يستريح.

  • يحيي… صباح الخير سعادتك.
  • صباح النور عثمان.
  • سمعت الحاجة الحاصل أمس للسجين جوزيف؟
  • نعم، عرفت أنه رجع المحكمة للتسوية بعدما سدد له أسامة بن لادن الدية.
  • أبداً، رجعوا المحكمة عشان يعيدوا النظر في الحكم السابق؟
  • كيف الكلام دا يعني؟
  • والله العظيم يا سعادتك.
  •  لكن كيف يعدلوا النظر في قضية مضت ستة سنوات عليها، وتبقى فقط أربعة سنة لانتهاء العقوبة؟
  • يا سعادتك ديل كيزان. مافي شي مستحيل عندهم.
  • والقائدة القانونية التي تقر عدم جواز النظر المزدوج؟
  • يعني شنو يا سعادتك؟
  • طيب، هذه القائدة تقول لا يمكن حكم الشخص مرتين في نفس القضية لأنه يجهض العدالة.
  • طيب يا سعادتك لكن الآن حكموه للمرة الثانية؟
  • هذا يمكن يحدث في حالة واحدة فقط.
  • ياتو حالة طيب؟
  •  اذا وجدوا أدلة الجديدة غير تلك المتوفرة لحظة الحكم السابق.
  • أه عشان كدا.
  • عشان كدا شنو يا عثمان؟
  • الناس ديل خدعوا جوزيف باعترافات عن طريق بن لادن واستلموا المستند إلى المحكمة.
  • دا كلام شنو دا يا عثمان؟
  • عدم الأخلاق والإنسانية سعادتك. 
  • معك حق يا عثمان شوف هم عملوا شنو في إدارة السجن. يجيبوا ناس من منازلهم لقيادة مؤسسة لها أكثر من مائة عام؟
  • انت عرف شنو يا سعادتك؟ اليوم المقدم يس طلع قريب المرحوم محيي الدين، الشخص الذي قيل بأن جوزيف قتله، الزول دا ود خاله عديل.
  • لا حول ولا قوة. معقول.
  • نعم، عشان كدا حاول بشدة يلغي إجراء المحكمة الأولية ويصدر عقوبة الإعدام. والله مسكين جوزيف.
  • انت في جوزيف وحده يا عثمان؟ البلد كلها في الورطة والله العظيم.
  • ربنا يكون في العون. يا سعادتك. طيب في موضوع تاني يا سعادتك.
  • ياتو موضوع؟
  • جوزيف طلب مني أجيب له القس عشان يصلي له؟
  • دي فكرة كويسة خاصة بعد قصة بن لادن دا، لكن كيف يتم هنا في السجن؟
  • والله دي ياها المشكلة. سعادتك.
  • الكيزان ما يسمحوا بدخول القس للصلاة هنا في السجن.
  • طيب بشيل اعترافات جوزيف وامشي لهم في كمبوني مجانيين.
  • كمبوني مجانيين؟
  • نعم سعادتك- يضحك- هو مكان تواجد الجنوبيين خاصة في يومي الجمعة والأحد للدروس المجانية. عشان كدا سمعوها كمبوني مجانيين.
  • طيب، خلاص بمنحك ثلاثة أيام إجازة عشان تمشي تفتش القس يصلي لصاحبنا قبل الإعدام.
  • شكراً سعادتك.

العقيد معاوية مأمون كان ينتمي للجبهة الوطنية الإفريقية بجامعة الخرطوم، وعقب تخرجه من كلية القانون التحق بكلية السجون وتخرج منها برتبة نقيب وهو من الضباط القلائل الذين يبشرون بفكرة السودان الجديد التي تحملها الراحل جون قرنق دي مبيور مؤسس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان. 

***

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *