رؤى ومقالات

الدكتور مدحت حماد: ما الذي يُدبّر في الخفاء للمملكة العربية السعودية؟ وهل سيطلب “ترامب” من “الملك سالمان” الرحيل؟

نعم: ما الذي يُدبّر في الخفاء للمملكة العربية السعودية؟ وهل سيطلب "ترامب" من "الملك سالمان" الرحيل؟

نعيش هذه الأيام ما يشبه "الطوفان الإعلامي"، بشأن المملكة العربية السعودية، ولقد تضاعفت وزادت موجاته بشكل مثير للانتباه طوال الأسبوعين الماضيين. فعلى الرغم من الحراك السياسي العربي الإسلامي الذي شهدته السعودية بشأن الحرب المسعورة للنظام الصهيوني ضد فلسطين ولبنان، وانعقاد القمة العربية الإسلامية الثانية في الرياض للعام الثاني على التوالي، إلاَّ أنَّ وقائع وحقائق الأمور توشي وتشير إلى أن ثمَّة "أمر ما، تدبير ما، مُخطط ما" قد حِيكَ ضد المملكة العربية السعودية، وأنه قد دخل حيِّز التنفيذ.

إن ما يُنشَر كالطوفان على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن موسم الرياض الثقافي الفني الترفيهي، وما تضمنه من اتهامات أو حتى انتقادات حادة أو ليِّنة للمملكة العربية السعودية بصفة عامة ولوليِّ العهد بصفة خاصة، إنما يأخذنا أخذًا إلى ما كانت قد بدأت تشهده مصر بعد انتخابات اجلس الشعب التي جرت في 2010م، حيث استُلَّت السيوف، وفُتِّحَت الحناجر، وسُنَّت الأقلام، وجُهِّزت صفحات الصحف والمجلات، ونُسِخَت إسكربات البرامج التليفزيونية الإخبارية وبرامج التوك شو، وجُيِّشَت الكتائب الإلكترونية، لموعد كان يُحدَّد في ليلة حالكة السواد.

من الصحيح أن هناك أخطاء وتجاوزات قد شهدها موسم الرياض لعام 2024، ومن المؤكد أنها كانت صادمة لوعي وضمير ووجدان الملايين من المسلمين والعرب، ومن البديهي أن تنصرف تداعيات ذلك كله على الشارع العربي الإسلامي خاصة بين البسطاء من الناس، ومن الطبيعي أنه كان يجب على حكومة المملكة أن تنتفض وتنهض لوأد الأسباب، وإجاض المؤامرات، ومن ثم طمأنة القلوب والعقول وإسكات الألسن. لكن حتى كتابة هذه السطور لم نر الطوفان المضاد لطوفان مُخطط الهدم والتدمير المُرَاد الذي حِيك _كما سبق القول_ في ليلة حالكة السواد.

السؤال الطبيعي هو: لماذا؟ لماذا حدثت وتحدث هذه التجاوزات "القِيَميِّة" في قلب وعلى أرض المملكة العربية السعودية؟ وما هي الأهداف والغايات التي باتت تلوح في الأفق؟

هنا تحديدًا أقول بأنني من خلال ما سأذكره من الأهداف التي أراها قد لاحت وتشكلت في الأفق، فإنني سأكون قد أجبت عن الأسباب. ولكي تتضح الصورة سأتذكر معكم المعطيات والأحداث التالية التي شهدتها ولاية "ترامب" الأولى:

  1.  اغتنام ما يقرب من نصف ترليون دولار من السعودية، بغض النظر عن المقابل الذي حصلت عليه المملكة العربية السعودية.
  2.  تدشين الاعتراف المتبادل وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وكل من البحرين، الإمارات والمغرب.
  3.  إطلاق ما يُعرف "بالسلام أو الدين الإبراهيمي".
  4.  فتح المجال الجوي السعودي أمام الطيران الإسرائيلي.

الأهم من ذلك كله، قيام "ترامب" أثناء فترة رئاسته الأولى، بالحديث عن المملكة العربية السعودية بصفة عامة، وعن "الملك" بصفة خاصة، بطريقة أقل ما توصف به أنها كانت "طريقة متدنية غير لائقة، بل وقحة وغير أخلاقية"، خاصة عندما تحدث عن ضرورة وحتمية "أن تدفع السعودية مقابل حمايتها، وأنه "لولا الحماية الأمريكية" لسقطت السعودية خلال اسبوعين.

هنا "بيت القصيد"، وهنا "مربط الفرس" كما يقولون، فنحن بصدد قيام ترامب بإعادة "الكرَّة" مرة أخرى. فإذا ما أضفنا لذلك القرار الأخير لـ "بايدن" بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الباليستية طويلة المدى لضرب "العُمق الروسي"، ومباركة كل من فرنسا وانجلترا للقرار، وصمت "ترامب"، سوف نكتشف أننا بصدد تنفيذ "مخطط جهنمي شيطاني أوروأمريكي" بشأن الشرق الأوسط وشرق أوربا، تكون كل من "موسكو والرياض" هي مناطق انفجار واشتعال هذا المخطط لأكثر من اعتبار، في مقدمتها: "الشراكة الإستراتيجية الروسية السعودية الصينية" الصاعدة الواعدة. من ثم تكون النتيجة والجائزة الكبرى هي: "تفجير البريكس من الداخل"، كأكبر ثمار هذا المخطط الجهنمي الشيطاني بما يؤدي لتحقيق هدفين إستراتيجيين هما:

  1.  وأد وإجهاض أي حديث حول "عالم متعدد الأقطاب".
  2.  المحافظة على "بقاء النظام العالمي بشكله الراهن"، الذي تعلو فيه "السيادة الأوروأمريكية"، فوق أي قوى أو أطراف دولية أخرى.

إذًا، لكي يتم تحقيق ذلك، يلزم تفجير عاصمتين، هما الأقرب والأسهل، "الرياض" و"موسكو". فيكون تدمير أو تشويه "مكانة وقدسية المملكة العربية السعودية لدى الشعوب العربية والإسلامية" من الداخل، وعبر "موسم الرياض الثقافي الفني الترفيهي"، ويكون تدمير "موسكو" وبالطبع روسيا، عبر إدخال روسيا في منعطف إستراتيجي خطير من خلال توريطها وبشكل مباشر وصارخ "في حرب وجودية" مع الناتو من خلال حربها القائمة منذ عامين ونصف مع أوكرانيا.

السؤال المركَّب هو كالتالي: هل سينجح هذا المخطط الجهنمي الشيطاني الأمريكي؟ وهل ستسقط دولتان، هما من أكبر اقتصاديات العالم خارج الدائرة الأوروأمريكية؟ هل قرّر "ترامب" تنفيذ مخططه للاستيلاء على تريليونات المملكة العربية السعودية، وتريليونات روسيا ومِن ورائها تريليونات الصين؟ هل قررت أمريكا إشعال "منظومة مُحكَمة من الحروب الإقليمية الكبرى" للمحافظة على بقاء وجودها كقوة عظمى مهيمنة على العالم؟ ألهذه الأسباب لم تقرر أمريكا بعد "إيقاف آلة الحرب العنصرية الفاشسيتة النازية" في فلسطين ولبنان ومن ثم استمرار توريط الدول والقوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية وحزب الله، مثل سوريا وإيران واليمن في الاستنزاف الاقتصادي البشري الممنهج؟ هل "صار تفجير سوريا الآن" بمثابة الخطوة التمهيدية والحلقة الأولى من حلقات تنفيذ هذا المسلسل الجهنمي الشيطاني؟

أعتقد في أن ما نشاهده الآن يُمهِّد الطريق فعليًا أمام ترامب، كي يُكرِّر على مسامع العالم نفس التهديد أو الأمر الذي كان "باراك أوباما" قد وجهه لكل من "زين العابدين بي علي الرئيس التونسي، ورئيس مصر الأسبق حسني مبارك"، عندما قال لكل منهما: "الآن. الآن يجب الرحيل عن الحكم".

فمن غير المُستبعد على الإطلاق، أن تؤدي الحملة الإعلامية الممنهجة المسعورة الخاصة بتشويه صورة المملكة العربية السعودية، إلى أن تتوتر أوضاعها الداخلية، وأن تُمارس بحقها أقسى الضغوط، وأن يتم ابتذاذها من بوابة "ضرورة وحتمية الاعتراف بإسرائيل الآن"، فتجد نفسها بين فكيِّ كماشة الرفض والقبول. لأنه في كلا الأمرين غالبًا ما ستكون النتيجة هي المطالبة برحيل "الملك سالمان". فهل سنجد أنفسنا فعلًا أمام تكرار السيناريو الكارثي الذي كان قد أشعل الوطن العربي برمته في 2011؟

اليوم التالي؟ بقلم اللواء الدكتور سمير فرج

ظهرت فكرة اليوم التالي The Day After بعد قرار دول حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية بالقضاء على القذافي، وإزاحته من حكم ليبيا، وبالفعل نجحت هذه الخطة وتم التخلص من القذافي، وبعدها دخلت ليبيا في فراغ دستوري ورئاسي كاملاً، واستمر منذ رحيل القذافي حتى الآن.
ومنذ عدة سنوات اكتشفت بريطانيا أن لديها أموال بالمليارات لدى ليبيا، وعندما طالبت بإعادة هذه الأموال ولم تستطع أن تحصل عليها، حيث أن هناك حكومتان في ليبيا واحدة في الشرق في بني غازي، والأخرى في الغرب في طرابلس، وقامت كل حكومة بتحويل موضوع استرداد بريطانيا إلى أموالها للحكومة الأخرى وبالتالي لم تحصل بريطانيا على أموالها الموجودة لدى ليبيا حتى الآن، لذلك استدعى مجلس العموم البريطاني وزير الخارجية الأسبق الذي كان موجوداً في هذه الفترة التي أخذت الحكومة البريطانية القرار مع باقي دول الناتو وأمريكا على إزاحة القذافي، وسألوه عندما تم اتخاذ قرار التخلص من القذافي وإزاحته من حكم ليبيا، ألم يفكر أي أحد منكم ماذا سيحدث في اليوم التالي لرحيل القذافي The Day After؟ واعتبر البرلمان البريطاني أن ذلك كان خطأ كبيراً من العناصر التي خططت لعملية إزاحة القذافي، حيث كان عليهم ليس التفكير فقط في أسلوب التخلص من القذافي، بل كان عليهم التفكير فيمن سيخلفه ويتم التركيز على أن تسمح له الفرصة لإدارة البلاد بعد رحيل القذافي.
وعندما حدثت أعمال القتال في غزة يوم 7 من أكتوبر، لم يمضي شهر واحد على هذا القتال، حتى جاء إلى القاهرة وليام بيرنز مدير المخابرات الأمريكية CIA، حيث طلب من الرئيس السيسي أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أنه بعد انسحاب إسرائيل من غزه، فإن الولايات المتحدة ترى أن اليوم التالي The Day After في غزة يجب أن تكون غزة تحت السيطرة المصرية لمدة ست شهور تقوم فيها مصر بالسيطرة على القطاع من الناحية الإدارية بالكامل وإجراء انتخابات نزيهة حرة لانتخاب حكومة تكنوقراط. تتولى إدارة غزة في الفترة القادمة، بعدها تنسحب مصر من المشهد، وعرض وليام برنز مدير CIA الأمريكي على السيد الرئيس السيسي أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتكفل بمصاريف هذه الشهور الستة للقوات المصرية، كما أن الولايات المتحدة سوف تقوم بإمداد مصر بمعدات لواء مشاة ميكانيكي الذي سينفذ هذه المهمة، وتكون هذه المعدات هدية لمصر بعد انتهاء المهمة.
ورغم أن الإغراءات المادية كانت كبيرة إلا أن رد الرئيس السيسي كان واضحاً منذ البداية حيث رفض ذلك تماماً وكانت إجابته أن اليوم التالي في غزة سيكون من خلال سيطرة السلطة الفلسطينية في رام الله التي هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، على قطاع غزة وبعدها ظهرت العديد من الأفكار مثل إنشاء قوة عربية تتولى موضوع اليوم التالي في غزة، أو قوة دولية، حتى إن إسرائيل اقترحت شكل آخر أن تكون مجموعة من زعماء العشائر في غزة التابعين لها للسيطرة على غزة، وبالطبع كل هذه الأفكار رفضتها مصر تماماً.

وفوجئنا في الأسبوع الماضي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قدم اقتراحاً جديداً بأن تتولى السيطرة على غزة في الفترة القادمة شركات أمن أمريكية خاصة، وتكون مسؤولة أولاً عن توزيع المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية التي تصل إلى غزة كذلك القيام بأعمال التأمين الداخلي في مدن وقرى غزة. على أن تظل القوات الإسرائيلية تحيط بالمدن الرئيسية، وتحتل وتسيطر على المحاور في غزة لمنع تحرك أهالي غزة، خاصة عدم عودة أهالي شمال غزة إلى بلادهم وقراهم مرة أخرى.
هذا الأمر، بالطبع قد رفضه الجميع، وإن كان هدف نتنياهو منه أولاً، أن يتم الزج بهذه الشركات الأمريكية الخاصة التي يمكن أن تحتك بالفلسطينيين داخل غزة، وتحدث اشتباكات بينهم حيث، وصل ذكاء نتنياهو إلى أن تصبح الولايات المتحدة طرفاً في القتال والنزاع، بل يمكن أن يتطور بأن تتدخل القوات الأمريكية لحماية المواطن الأمريكي الذي يعمل في تلك الشركات الأمنية الخاصة.
ومن هذا المنطلق، أعتقد أن أمريكا أيضاً لن توافق على هذا الحل، رغم أن إسرائيل تحاول تنفيذ هذه الفكرة في إطار أنه سبق تطبيقها في بغداد بعد رحيل صدام حسين، حيث اشتركت شركات الأمن الأمريكية الخاصة في بغداد داخل ما يطلق عليها المنطقة الخضراء، وهي منطقة داخل بغداد، تمركزت فيها السفارات الأجنبية ومناطق سكن كبار رجال الدولة في العراق، ولذلك كانت مهمة هذه الشركات محصورة داخل إطار محدد وليس في كل العراق.
أما في غزة فإن الأمر يختلف تماماً، حيث جاءت هذه الفكرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو هذه الفكرة كانت ضد إسرائيل بل فضحتها حيث أنها أثبتت للجميع أن إسرائيل فشلت في السيطرة على غزة، والتي كانت أحد الأهداف الثلاثة الرئيسية لجيش، الدفاع الإسرائيلي حيث كان الأول، تحرير الرهائن، وهذا لم يحدث والثاني القضاء على حماس، وهذا أيضاً لم يحدث بل الذي حدث فقط إضعاف القدرة القتالية العسكرية لحماس أما الهدف الثالث فهو السيطرة على غزة و وتأمينها، ولكن جاء هذا المقترح من نتنياهو لكي يثبت فشل الجيش الإسرائيلي في السيطرة على غزة، ويريد أن يترك هذه المهمة لشركات أمن أمريكية خاصة.

وكانت أحد اهداف هذا المقترح أن إسرائيل تريد أن تقضي على فكرة منظمة الأونروا أيضا والتي كانت في الأساس مهمتها توزيع المساعدات الإنسانية على الشعب الفلسطيني علاوة على إدارة منظومة التعليم والصحة لكافة الأفراد في غزة، كما أن شعب غزة متفهم تماماً لوضعها، حيث أنها تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة منذ عشرات السنين، ولها مباني إدارية ومخازن وأفراد عاملين بها، يعلمون الأوضاع الحقيقية للشعب الفلسطيني في غزة لذلك، لن يكون هناك أي صعوبة في تحقيق السيطرة الإدارية على غزة من خلال منظمة الأونروا، ولكن نتنياهو يريد إقصاء منظمة الأونروا من العمل داخل غزة، حتى لا يكون هناك تعليم، ولا صحة، ولا معيشة إنسانية. وهكذا يثبت للعالم كله كل يوم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي هدفه إبادة هذا الشعب الذي يعيش في أكبر مأساة إنسانية بل تعتبر الأعظم في التاريخ الحديث للعالم كله.

المصدر جريدة المصري اليوم

إيران تطلق القمر الصناعي “فخر-1” في رد عملي على تصريحات نيتنياهو

نقلًا عن وكالات الأنباء الإيرانية:
في رد عملي على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو، الذي ادعى في وقت سابق تدمير جزء كبير من القدرات الفضائية الإيرانية، نجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إطلاق القمر الصناعي "فخر-1" إلى الفضاء.

وبحسب وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (إرنا)، تم إطلاق القمر الصناعي "فخر-1" التابع للجيش الإيراني بنجاح، حيث تم وضعه في مدار يبلغ طوله 410 كيلومترات. وأوضحت الوكالة أن القمر الصناعي أرسل أول إشارة إلى المحطات الأرضية بعد وصوله إلى مداره.

وأشارت الوكالة إلى أن القمر الصناعي تم إطلاقه باستخدام حامل الأقمار الصناعية "سيمرغ"، الذي يُعتبر المنصة الوحيدة التي تم تطويرها في إيران لنقل الأقمار الصناعية إلى مدارات LEO (المدار الأرضي المنخفض). وقد تم تصميم وصناعة "فخر-1" من قبل خبراء مركز أبحاث الفضاء الإيراني بالتعاون مع مؤسسة الصناعات الجوفضائية التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية.

صورة أرشيفية لإطلاق القمر الصناعي الإيراني 'نور-1'

هذا الإنجاز يُعد خطوة مهمة في مجال الأبحاث الفضائية، حيث يمكن من خلاله إرسال الأقمار الصناعية الخاصة بالاتصالات إلى المدار الجغرافي المتزامن، فضلاً عن إمكانية إرسال حمولات فضائية لأغراض البحث والاستكشاف إلى أعماق الفضاء.

صورة ارشيفية

العزلة المجيدة: قراءة في استراتيجية بريطانيا بين الانعزال والتوسع الإمبراطوري

الباحث/ عبد الرحمن مجدي صالح

تعُد إشكالية الانعزال أو الانخراط في السياسة الدولية من أبرز القضايا في حقل السياسة الخارجية، وهي إشكالية تخبو وتتصاعد من عصر إلى عصر آخر، في ظل زيادة الأعباء والالتزامات على عاتق الدول. وبينما يرى البعض أن الانعزال في عصر العولمة أصبح دربًا من الخيال، فإن التاريخ يُبرز أمثلة واضحة على "سياسات انعزالية" تبنتها بعض الدول الكبرى في فترات مختلفة. على سبيل المثال، نجد السياسة الانعزالية في اليابان، التي سميت بـ "ساكوكو"[i] التي استمرت من عام 1639م إلى 1868م، والتي انتهت بانفتاح البلاد خلال عصر "المييجي".

أما الحالة البريطانية، فهي الأبرز على الإطلاق، حيث تبنت بريطانيا خلال القرن التاسع عشر سياسة خارجية وصفت بـ "العزلة المجيدة". هنا يبرز التساؤل المحوري: كيف لدولة تدّعي العزلة أن تكون في الوقت نفسه إمبراطورية عظمى، وُصفت بأنها "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"؟

في هذه المقالة، سبر للأغوار حول "مفهوم العزلة المجيدة"، ومحاولة الكشف عن كيفية استطاعة بريطانيا "تحقيق التوازن بين الانعزال السياسي وبناء إمبراطورية مترامية الأطراف."

خلال القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، أدرك صانعو القرار في بريطانيا الأبعاد الجيوسياسية لموقعها كجزيرة وما يعنيه ذلك لعلاقتها بالقارة الأوروبية. هذا الإدراك كان نابعًا من استقراء المشهد السياسي الأوروبي عقب الثورة الفرنسية عام 1789م، التي كانت قد غيرت موازين القوى داخل القارة، وأسهمت في انتشار "الأفكار القومية" على حساب "الأفكار الاستبدادية التقليدية". بناءً على ذلك، تبنت بريطانيا سياسات محددة أصبحت تُعرف لاحقًا باسم "العزلة المجيدة".

جون ألكسندر ماكدونالد
السير جون ألكسندر ماكدونالد

فما هو المقصود بالعزلة المجيدة؟ ظهر هذا المصطلح لأول مرة على يد "جون ألكسندر ماكدونالد"، رئيس مجلس العموم الكندي، وزير المالية في "حكومة المحافظين"، في يناير 1869، عندما وصف السياسة الخارجية البريطانية بقوله: "إنها عزلة مجيدة"[ii]. انتشر هذا التعبير بسرعة، وأصبح يستخدم على نطاق واسع في الأوساط السياسية والإعلامية لوصف السياسات البريطانية التي ركزت على "حماية المصالح الذاتية بعيدًا عن الانخراط العميق في التحالفات أو الحروب الأوروبية". مع ذلك، اقتصرت هذه السياسة على علاقتها بالقارة الأوروبية فقط. ففي الوقت ذاته عملت بريطانيا على اكتساب مستعمرات جديدة حول العالم. لكن يظل السؤال قائمًا: لماذا اختارت بريطانيا هذا النمط الانعزالي على المستوي "الإقليمي الأوروبي"؟

الموقع الجغرافي ودوره في تشكيل السياسة الخارجية البريطانية  

خريطة توضيحية للموقع الجغرافي للمملكة المتحدة

لعب الموقع الجغرافي الفريد للجزيرة البريطانية دورًا محوريًا في تشكيل سياستها الخارجية. حيث فرضت طبيعة الجزيرة على بريطانيا، الحاجة لبناء أسطول بحري قوي، ليس فقط لحمايتها من التهديدات الخارجية، بل أيضًا باعتباره "الوسيلة الوحيدة للاتصال بالعالم الخارجي" في ذلك الوقت. هذا جعل من تطوير الأسطول البحري "أولوية وجودية للدولة البريطانية"، حيث تحول إلى رمز لقوتها وهيمنتها[iii]. حيث وصلت أهمية الأسطول لذروتها في معارك مفصلية، كان من أبرزها معركة "الطرف الأغر" عام 1805م خلال "الحروب النابليونية"، التي استطاع فيها الأسطول البريطاني تحقيق انتصارًا ساحقًا على "الأسطولين الفرنسي والإسباني" دون خسارة أي سفينة. هذا الانتصار لم يكن مجرد انتصارًا أو إنجازًا عسكريًا، بل كان تأكيدًا على نجاحها في اعتماد "استراتيجيتها البحرية"، التي أتاحت لبريطانيا حماية مصالحها في الشرق والغرب دون الحاجة إلى "الانخراط في تحالفات عسكرية مكلفة".

جاء هذا التركيز على القوة البحرية لتعويض نقص بريطانيا في القوة البرية، وهو الأمر الذي يُرجعه المؤرخون إلى محدودية عداد السكان داخل الجزيرة. وللتغلب على هذا التحدي، اتجهت بريطانيا لاحقًا لتجنيد أفراد من مستعمراتها.

بالرغم من ذلك، ظلَّ صانعو القرار البريطانيون يتعاملون بحذر مع فكرة الزج بأسطولهم البحري في النزاعات الأوروبية، حيث فضلوا "الحفاظ على توازن دقيق يضمن أمنهم واستمرارية مصالحهم الحيوية". فبهذا الأسطول، استطاعت بريطانيا تحقيق دفاعًا قويًا عن جزيرتها وتأمين مصالحها العالمية من جهة، دون الحاجة إلى الدخول في التزامات أو تحالفات عسكرية معقدة مع أي قوى أخرى من جهة ثانية.

طبيعة النزاعات الأوروبية

لقد شهد القرن الثامن عشر، وسنوات ما بعده سلسلة من الأزمات الدولية، بدأت بالحروب النابليونية (1803م-1815م)، مرورًا بحركات التحرر الأوروبية التي تصاعدت في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وانتهاءً بالصراعات على المستعمرات خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. لكثرة هذه النزاعات، قامت القيادة في لندن بوضع مجموعة من الركائز الأساسية للتعامل مع الأزمات داخل القارة الأوروبية، هذه الركائز هي:

1- الحفاظ على وحدة الإمبراطورية البريطانية وممتلكتها.

2- ضمان استمرار حياد بلجيكا (اتفاقية لندن، 1839م).

3- الحيلولة دون انهيار الدولة العثمانية، خاصة مع بدء التوسع الروسي خلال القرن التاسع عشر.

4- منع وصول روسيا إلى المياه الدافئة، خصوصًا عبر البحر الأسود والمضائق (وظهر ذلك بوضوح خلال حرب القرم، 1853م-1856م).

5- الحفاظ على توازن القوى داخل القارة الأوروبية، كسياسة مستمرة منذ القرن الثامن عشر وتبلورت في مؤتمر فيينا (1815م).

6- التأيد "الدبلوماسي" لحركات القومية داخل القارة الأوروبية.

نابليون بونابارت
القائد الفرنسي نابليون بونابارت

اعتمدت بريطانيا على هذه الركائز كإطار لتحركها في القارة الأوروبية. وكلما كان هناك إخلال بأي منها، كانت تتدخل باستخدام الأداة العسكرية، وذلك مثلما حدث في حرب استقلال اليونان (1821م-1829م) التي شهدت دعمًا بريطانيًا ضد الهيمنة العثمانية، ومنع أنفراد روسيا بالأزمة في المقام الأول. ثم حرب القرم (1853م-1856م) التي حالت دون "توسع النفوذ الروسي". بخلاف ذلك، كانت الأداة الدبلوماسية هي الخيار الأساسي.

بالإضافة إلى ذلك، كانت ترى بريطانيا أن العديد من النزاعات الأوروبية لا جدوى من التدخل فيها نظرًا لغياب مصالح مباشرة، مثل أزمة الوحدة الإيطالية (1859م-1870م)، الوحدة الألمانية (1864م-1871م)، الحرب الألمانية-النمساوية (1866م)، والحرب الألمانية-الفرنسية (1870م-1871م). حيث فضَّل البريطانيون حينها "توجيه القوة نحو اكتساب مستعمرات جديدة لتعزيز قوة البلاد"، وهو ما توافق مع مصالح الطبقة الوسطى التجارية آنذاك التي فضّلت الابتعاد عن ويلات الحروب وتوسيع التجارة في المستعمرات.

ثورة البوكسر في الصين من 1899م إلى 1901م

لكن كلما كانت الأمور تتطلب "الدخول في تحالفات عسكرية مع قوى أخرى" لتحقيق مصالحها لم تمانع، وهو ما تحقق فعلياً في "حرب البوكسر" في الصين (1899م-1901م)، حيث شاركت بريطانيا في الحرب بجانب قوى دولية عديدة مثل روسيا، فرنسا، وألمانيا وغيرها بهدف القضاء على ثورة الملاكمين والحفاظ على المصالح الاستعمارية في الصين.

بنية النظام الدولي خلال القرن التاسع عشر

اتسم النظام الدولي في القرن التاسع عشر بأنه نظام قائم على التحالفات والمؤتمرات الدبلوماسية بين دول القارة الأوروبية، وهو ما برز بشكل كبير مع تولي المستشار الألماني "أوتو فون بسمارك" منصب المستشارية في ألمانيا (1871م-1890م). عمل بسمارك على بناء شبكة من التحالفات لتأمين مصالح بلاده، أبرزها تحالف الأباطرة الثلاثة (1873م) بين "ألمانيا، (النمسا_المجر) وروسيا"، ثم الحلف الثلاثي (1882م) بين ألمانيا، (النمسا-المجر) وإيطاليا، وكانت هذه الجهود تدور في فلك أساسي هو "عزل فرنسا" دبلوماسيًا وعسكريًا، ومنعها من الانتقام من ألمانيا بعد هزيمتها في "الحرب الألمانية-الفرنسية" (1870م-1871م).

قبل ذلك، كانت قد ظهرت تحالفات أخرى مثل "الحلف المقدس" (1815م) الذي ضم روسيا، النمسا، وبروسيا بهدف دعم الأنظمة الملكية في مواجهة "الحركات الثورية"، فضلاً عن التحالفات الإقليمية بين الدول الكبرى. مع ذلك، رفضت بريطانيا الانضمام إلى هذه التحالفات، مُفضلةً الوقوف على مسافة بعيدة منها. جاء هذا الموقف نتيجة حرص بريطانيا على "تجنب الالتزامات العسكرية الثقيلة" التي قد تفرضها هذه التحالفات، التي قد ترهق الإمبراطورية دون أن تحقق مصالح مباشرة لها.

المستشار الألماني أتو فون بسمارك

لقد كان الدليل الأبرز على هذه السياسة من جانب بريطانيا هو رفضها المستمر دعوة "المستشار الألماني بسمارك" للانضمام إلى معاهدة تحالف، أو حتى جهود "بسمارك" في جر بريطانيا إلى التحالف الثلاثي. فضلت بريطانيا الابتعاد عن هذه التحالفات لمنح عملية صنع قرارها استقلالية أكبر، ولتجنب تبعات أي التزامات قد تضر بمصالحها الحيوية.

ورغم ذلك، عندما تطلب الأمر حماية مصالحها الحيوية، لم تتردد بريطانيا في عقد اتفاقيات سياسية محدده تخدم أهدافها، مثل "اتفاقيات البحر المتوسط" (1887م) التي أبرمتها مع "إيطاليا والنمسا-المجر"، بهدف مواجهة التوسع الروسي وحماية طريقها البحري إلى الهند.

نهاية العزلة المجيدة والطريق إلى الحرب العالمية الأولى

في النهاية، عندما أدركت بريطانيا أن الظروف الدولية التي بنيت على أساسها سياستها القائمة على العزلة، قد تغيرت، بدأ صانعو القرار البريطانيون في تعديل سياستهم الخارجية. فبحلول نهاية القرن التاسع عشر، وجدت بريطانيا نفسها وحيدة بدون حليف رئيسي في القارة الأوروبية، بعد تشكيل التحالف الثلاثي بين "ألمانيا والنمسا-المجر وإيطاليا"، من جهة، وكذلك التقارب "الروسي-الفرنسي" الذي تجسد في اتفاقية 1892م من جهة أخرى.

وقد جاء ذلك في وقت كانت فيه الأحداث الدولية تتسارع، سواء في القارة الأوروبية مع تبني ألمانيا بقيادة مستشارها الجديد "بولوف" وقيصرها "فيلهلم الثاني" سياسة تحديث أسطولها البحري لمنافسة بريطانيا، أو في الشرق الأقصى بعد "الحرب الروسية-اليابانية" (1904-1905م)، فأصبحت العزلة أمرًا صعبًا في خضم تلك التحويلات السياسية والبيئة الدولية المتوترة.

القيصر الألماني فيلهلم الثاني

وفي ضوء هذه التغيرات، بدأت بريطانيا في اتخاذ خطوات للخروج من عزلتها الدبلوماسية، من خلال عقد مجموعة من الاتفاقيات مع قوى دولية، مثل "توقيع اتفاقية مع اليابان" في عام 1902م، التي كانت تهدف إلى تأمين مصالحها في الشرق الأقصى. كما وقعت بريطانيا في عام 1904م "الاتفاق الودي" مع فرنسا، وهو اتفاق أسهم في تحسين العلاقات بين البلدين بعد قرن من التنافس، وأدى إلى تقارب دبلوماسي مهم لمواجهة خطر ألمانيا. بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع الاتفاقية الروسية-البريطانية في 1907م، مما ساعد في تسوية التوترات بين الإمبراطورية البريطانية وروسيا حول مناطق النفوذ في آسيا الوسطى.

خريطة توضح توزيع المستعمرات بين كل من بريطانيا و فرنسا قبل بداية الحرب العالمية الأولي
خريطة توضح لتوزيع المستعمرات البريطانية و الفرنسية قبل بداية الحرب العالمية الأولي

مما سبق، يمكننا استنتاج أن الاستراتيجية الذكية التي اتبعتها بريطانيا ساعدت على تعزيز مكانتها كقوة عظمى لعدة قرون، وأن هذه الاستراتيجية كانت نابعة من رغبة الإمبراطورية البريطانية في تعزيز استقلالية قرارها، وليس عن الضعف.

وفقًا لذلك، أحدثت سياسة العزلة المجيدة البريطانية تغييرًا في التصور العام للمفهوم في الحقول المعرفية. فبعد "أن كانت العزلة تُنظر إليها على أنها أمر منبوذ وناتج عن ضعف الدولة وفشلها في الدخول في تحالفات"، أصبح العديد يعتبر أنَّ "العزلة هي رمز لاستقلالية الدولة وقوتها"، وهو ما تجسد في تصريح جورج جوشن، عضو مجلس الوزراء، في عام 1894 عندما حاول الدفاع عن سياسات العزلة، موضحًا أن هناك نوعين من العزلة: الأولى لأولئك الضعفاء الذين لا يثقون في أنفسهم، أما عزلتنا فهي: "اختيار متعمد نابع من حرية تصرفنا وقوتنا" [iv].

على الرغم من نجاح سياسة العزلة المجيدة في تأمين مصالح الإمبراطورية البريطانية، فإنها أدت إلى انعكاسات خطيرة على الداخل الأوروبي. فقد ساهم ابتعاد بريطانيا عن القارة في "تعزيز نمو وتمدد القوة الألمانية"، بل وفتح المجال أمام "بسمارك" لبناء نظام التحالفات القائم على التناقضات، بالإضافة إلى "الانتصار الألماني الكاسح على فرنسا". كل هذه العوامل شكلت دوافع رئيسية أدت إلى تهيئة المناخ الدولي الذي ساهم في اندلاع الحرب العالمية الأولي و الثانية ، التي أسفرت عن دمار هائل وسقوط ضحايا أبرياء.

ومع تراجع بريطانيا عن هذه الاستراتيجية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية لأسباب متعددة، وهو ما أدى إلى "تراجع في قوتها وضعف في دورها على الساحة الدولية بعد ذلك"، هذا التراجع نفسه، هو الذي  منح الولايات المتحدة "الفرصة لتولي القيادة العالمية"، مستفيدة من انحسار بريطانيا كقوة عظمى، الأمر الذي يؤكد على حقيقة مفادها كيف تؤثر "السياسات الخارجية" لقوة عظمى ما وبشكل كبير على الديناميكيات العالمية من جهة، وكيف أن "التغييرات والتحولات الاستراتيجية لقوة ما" غالبًا ما تُفضي إلى "تغيير حقيقي جديد في موازين القوى الدولية".

الباحث عبدالرحمن مجدي صالح
الباحث عبدالرحمن مجدي صالح


[i]  هي سياسة اتبعتها الحكومة الشوغونية في اليابان و التي قامت على عزلة صارمة في العلاقات الخارجية، حيث فرضت عقوبة الإعدام على كل من يجرؤ على الدخول أو الخروج من اليابان، سواء كان يابانيًا أو أجنبيًا.، و بها تم طرد  جميع الأجانب الأوروبيين، وعلى رأسهم التجار والمبشرون الكاثوليك من إسبانيا والبرتغال، الذين توافدوا إلى اليابان بأعداد كبيرة خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر.

[ii] Howard, Christopher. "The Policy of Isolation." The Historical Journal 10, no. 1 (1967): 84.

[iii]  د.نعمة حسن البكر ، بريطانيا وسياسة العزلة المجيدة 1879-1907 ، ( القاهرة ، الهيئة العامة للكتاب ، 2021 ) ، ص19 .

[iv][iv] oward, "The Policy of Isolation," 80

“العزلة المجيدة”.. قراءة تاريخية لكيفية إنطلاق الإمبراطورية البريطانية

ينشر مركز الفارابي خلال ساعات، دراسة تاريخية مهمة، لأحد شباب الباحثين المتميزين، حول "سياسة العزلة المجيدة" التي انتهجتها الدولة البريطانية، كيف نشأت الفكرة، وعلى يد مَن، وكيف تحققت وصارت استراتيجية بريطانية ممتدة لقرن من الزمن، وما النتائج والتداعيات التي ترتبت عليه، وإلى أي مدى حققت هذه الإستراتيجية نتائج وأهداف الإمبراطورية البريطانية، ومتى تخلت عنها، وما هي العوامل التي ساهمت في نجاحها، و... إلى غير ذلك من الأمور المرتبطة بهذه الإستراتيجية، التي هدف الباحث من خلالها إلى اعادة طرح وقراءة هذه الإستراتيجية الآن.

اللواء الدكتور سمير فرج يكتب عن: الوادي الذي أصبح جديداً

محافظة الوادي الجديد، تشغل نحو 44% من المساحة الكلية لمصر

محافظة الوادي الجديد، وعاصمتها الخارجة، هي أكبر المحافظات المصرية من حيث المساحة، إذ تشغل نحو 44% من المساحة الكلية لمصر، كما أنها الأقل في الكثافة السكانية، بعد محافظة جنوب سيناء، بتعداد سكان، حالياً، يبلغ نحو 270 ألف نسمة. تقع محافظة الوادي الجديد جنوب غرب مصر، وتشترك في الحدود الدولية مع ليبيا غرباً، والسودان جنوبا، وتبعد عن القاهرة بمسافة 600 كيلومتر.

خلال الأسبوع الماضي، شرُفت بزيارة محافظة الوادي الجديد، بدعوة من محافظها، السيد اللواء محمد الزملوط، لإلقاء محاضرة عن حرب أكتوبر 73، في الجامعة الجديدة بها، والتي يرأسها الأستاذ الدكتور عبد العزيز طنطاوي، فانبهرت، في الحقيقة، بمستوى الجامعة الجديدة، التي تأسست في عام 2018، كانت تضم، حينئذ، ست كليات هي؛ التربية، والزراعة، والآداب، والعلوم، والطب، والتربية الرياضية، قبل إضافة كليتين جديدتين؛ هما الهندسة، والتمريض، التي تتيح الفرصة لاستكمال الدراسات العليا، فضلاً عن ضم تبعية الجامعة الأهلية لها، المقرر افتتاحها في العام القادم. كان من أسباب انبهاري الاطلاع على مباني الجامعة الجديدة، التي تتماشى مع الاعتبارات البيئية في المحافظة، فضلاً عن التطور الملموس في الاعتماد على أحدث الوسائل التكنولوجية سواء في أساليب التعليم، أو في معامل الجامعة.

لم تقتصر زيارتي على الجامعة، فقط، وإنما حرصت على التعرف على ما تشهده المحافظة من تطوير، فزاد انبهاري برؤية السيد المحافظ وخطته المرتكزة على إحداث نقلة نوعية في المحافظة، من خلال إنشاء عاصمة إدارية جديدة للمحافظة، وهي فكرة جديدة، يتم تنفيذها، لأول مرة، في محافظة الوادي الجديد، تعتمد على جمع كافة الإدارات التابعة للوزارات والجهات الخدمية، في منطقة واحدة، للتيسير على المواطن في إنهاء كافة أعماله ذات الصلة بالجهاز الإداري للدولة، مثل مديريات الصحة والزراعة والتعليم والصحة والري، وغيرها. مع الحرص على تزويد تلك العاصمة الإدارية بأحدث الوسائل التكنولوجية، فضلاً عن اعتماد تصميمها على مفهوم الاستدامة، ومن أمثلة ذلك استخدام نظم الطاقة الشمسية بكل مبانيها، واتساع الرقعة الخضراء بها، التي يمكن لأبناء المحافظة، وموظفي عاصمتها الإدارية، من الاستفادة بها في ممارسة الرياضة، وهو ما تمنيت رؤيته في كل محافظات مصر.

جبانات البجوات في محافظة الوادي الجديد.. معلم سياحي قبطي فريد

جدارية تعريفية بجبانة البجوات

استوقفني كذلك، خلال الزيارة، تركيز المحافظة على السياحة، اعتماداً على مقوماتها، إذ تتميز المحافظة بوجود آثار تمثل جميع العصور التاريخية التي شهدتها مصر؛ الفرعونية، والرومانية، والقبطية، والإسلامية، والبطلمية، لعل من أهمها جبانات البجوات، أحد أقدم المقابر المسيحية في العالم، التي تستدعي جهود وزارة السياحة والآثار لترميمها، وتطوير المنطقة المحيطة بها، وإدراجها على الخريطة السياحية المصرية، والترويج لها كوجهة سياحية عالمية، خاصة وأنها تستقبل، حالياً، الآلاف من السياح كل عام. يوجد بالمحافظة، أيضاً، محمية الصحراء البيضاء، التي تضم أنواع نادرة من الغزلان البيضاء، علاوة على مناظر الصحراء الخلابة، التي يقصدها سياح العالم كله، خاصة الألمان. كما تشتهر المحافظة بأهم ينابيع المياه الحارة والكبريتية، بما يعزز من فرصها كوجهة للسياحة العلاجية. لذا يأمل أبناء المحافظة في تضافر الجهود لإدراج محافظتهم على خريطة السياحة العالمية، والترويج لها كحاضنة لمختلف أفرع السياحة، على مستوى العالم.

محمية الصحراء البيضاء في محافظة الوادي الجديد

الصحراء البيضاء.. كوكب آخر في مصر

كما لاحظت أن شعار المحافظة، المتمثل في النخلة، يأتي اتساقاً مع توجيهات السيد الرئيس للمحافظة بزراعة 5 مليون نخلة، لإنتاج أجود أنواع التمور في العالم، اعتماداً على طبيعة التربة والمناخ والمياه بها، الصالحة لزراعة كافة أنواع النخيل، وهو ما بدأ، بالفعل، بزراعة 2 مليون نخلة، حتى الآن، اعتماداً على أجود شتلات نخيل التمور في العالم. يضاف لذلك من تقدمه محافظة الوادي الجديد، اليوم، من فرص كبيرة للمستثمرين في مجالات الزراعة واستصلاح الأراضي، إذ تتيح المحافظة تسهيلات كبيرة للجادين منهم، وبها مكتب لصندوق الأراضي، يقوم بتخصيص مساحات للمستثمرين تبدأ من 200 فدان، مزودة بآبار مياه تكفي لري تلك المساحة، ومضاعفاتها، كما تتيح المحافظة فترة سماح، تمتد إلى عامين، لا يدفع فيها المستثمر أي مقابل مادي عن الانتفاع بالأرض، لحين بدء الإنتاج. بل وإضافة لذلك، يوفر المكتب للمستثمر الدراسات العلمية اللازمة لتحديد الأسلوب الأنسب لاستخدام تلك الأراضي، علماً بأن الأراضي صالحة لإنتاج أجود المحاصيل من التمر والزيتون.

مزرعة التمور.. 2 مليون نخلة في الوادي الجديد

الوادي الجديد تتوسع في زراعة أشجار الزيتون وتستهدف زراعة 25 ألف فدان 

ولقد اطلعت بنفسي على المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية، المخصصة للمستثمرين الذين نجحوا، حتى الآن، في زراعة 25 ألف فدان من الزيتون، من أجود الأصناف العالمية. كما تتبنى المحافظة مشروع زراعة التوت، ضمن مبادرة إنتاج الحرير الطبيعي. والحقيقة أن المحافظة، وقيادتها، اتجهت للاعتماد على الاستثمار كأساس للتنمية الحقيقية، في ظل ما تمتلكه من مقومات متنوعة، تناسب مختلف مجالات الاستثمار، وفي سبيلها لجذب مختلف أحجام الاستثمار، فإن المحافظة لا تأل جهداً في تقديم التسهيلات اللازمة لمختلف المجالات الاستثمارية المتاحة بها. وبالتوازي مع ذلك، فقد اهتمت المحافظة بالتعليم، حيث اتخذ المحافظ قراراً بتقديم حوافز للطلبة لتحفيزهم على عدم الغياب عن الدراسة، من ضمن تلك الحوافز توفير الزي المدرسي بالمجان لجميع طلبة المحافظة، وإقامة فصول تقوية مسائية للطلبة للقضاء على الدروس الخصوصية، التي ترهق كاهل الأسر المصرية.

إن ما تشهده محافظة الوادي الجديد، حالياً، هي طفرة نوعية، لم تشهدها من قبل، كفيلة بأن تجعلها نموذجاً يحتذى به في توطين النمو والتنمية، من خلال الاعتماد على مقوماتها الطبيعية في مجالات الاستثمار الزراعي والسياحي، وهو ما سيضمن بقاء تلك المحافظة "جديدة" فعلاً، وليس اسماً فقط.

حروب الجيل الرابع والخامس

بقلم اللواء دكتور سمير فرج

من السيف إلى الحروب الرقمية: رحلة تطور الصراعات عبر الأجيال

عرضت في مقال الأسبوع الماضي عن حروب الجيل الرابع والخامس، أنواع الحروب والتي تم تصنيف هذه الحروب على أساس أن حرب الجيل الأول كانت الحروب التي بدأت في مصر في عصر الفراعنة، ومازالت رسومها على الجدران والمعابر الفرعونية في الحضارة المصرية القديمة، التي كان أساسها السيف والدرع والعجلات الحربية، وهذا فخر العسكرية المصرية. أول جيش نظامي عرفته البشرية هو الجيش المصري.
أما حروب الجيل الثاني فهي التي جاءت بعد اختراع الصينيين البارود للاستخدام في الاحتفالات الصينية حيث تم تطويره للاستخدام العسكري بندقيات والمدافع، والتي تمت في حروب نابليون. أما حرب الجيل الثالث فلقد جاءت مع الحرب العالمية الأولى حيث استخدم أول دبابة ثم استخدام الطائرات المقاتلة، والصواريخ، والغواصات، والمدمرات، وبعدها. جاءت للحرب بالوكالة، التي استخدمتها أمريكا بعد خسارتها في حرب فيتنام، والتي قررت بعد خروجها من مستنقع حرب فيتنام، أن مجلس الأمن القومي الأمريكي قرر عدم الدخول في أي حرب بجنود أمريكيين بعد أن فقدت أمريكا في حرب فيتنام 59 ألفا مقاتل أمريكي.

وأطلق على الحرب الجديدة الحرب بالوكالة. يتم بها تنفيذ حروب في أفغانستان، حيث نجح. قادت طالبان. بالسيطرة على الحكم. ظهرشاه، ملك أفغانستان واستولت على الحكم، والآن طالبان في البداية كانت شيوعية إرهابية، فلقد استدعت السوفييت وقادتها العسكرية إلى أفغانستان، الأمر الذي أغضب أمريكا والغرب لوجودهم بالقرب من سواحل النفط والخليج العربي، وتقرر محاربة طالبان في أفغانستان باستخدام أسلوب الحرب بالوكالة عن طريق دعم المجاهدين الأفغانستان بالسلاح والمال. عن طريق بن لادن، وبعد طرد السوفييت قام بن لادن بإنشاء تنظيم القاعدة ومن بطنه جاء مصعب الرزاق ليكون تنظيم داعش الإرهابي في الشرق الأوسط في العراق
بعدها ظهرت فكرة حروب الجيل الرابع والخامس كما عرفتها كلية الدفاع في بروكسيل، والتي تقول في مقدمة محاضرة الجيل الرابع والخامس.

حروب الجيل الجديد: كيف تحولت التكنولوجيا والمخدرات إلى أدوات لهزيمة الشعوب؟

عندما نشبت حرب الخامس من يونيو 1967 بين مصر واسرائيل (حرب الأيام الستة) حققت اسرائيل نصرًا كبيرًا على الجيش المصري وتم تدمير حوالي ٨٠ ٪ من أسلحة وعتاد الجيش المصري. ولكن هل بعد هزيمة الجيش سقطت الدولة المصرية؟ كانت الاجابة لا لأن الشعب المصري خرج وأعاد الرئيس المصري عبد الناصر إلى الحكم بعد أن قدم استقالته، كما دعم الشعب المصري الجيش وسانده.
ومن هنا أصبح الفكر الجديد في الحروب أن اسقاط الدولة ليس ضروريًا بالمدفع والدبابة والطائرة بل بهزيمة الشعب من خلال التأثير على فكره بهذه الحرب الجديدة ليفقد الثقة بحكومته وإدارته وجيشه.
هذه هي حروب الجيل الرابع وعندما تستخدم التكنولوجيا الحديثة لتنفيذ خطة هزيمة الشعب تصبح حروب الجيل الخامس.

ومن هنا، أصبح أسلوب إسقاط الدولة عن طريق إسقاط الشعب وكان من أهم هذه الأساليب التي تستخدم هي الكتائب الإلكترونية التي أصبحت الآن القوة الضاربة لقوة الحروب حيث يخصص فرد واحد ويقوم بعمل 100 أكاونت أو حساب رقمي ، يجمع فيها كل صفحات الشعب، وخاصة الشباب، وهناك من ينشأ حساب بأسماء معروفة كالنادي الأهلي أو نادي الزمالك أو محمد صلاح وفي هذا الحساب يضع كل ما يخص محمد صلاح أهدافه. وهناك حساب أيضا يجذب فيها السيدات وحساب لأكلة هنية والوصفات الغذائية مثلا، وهناك حساب باسم فنان أو فنانة. وصور افلامهم وحياتهم الشخصية، ثم هناك صفحات دينية تعرض المفاهيم الدينية، وهناك حسابات للموضة والملابس والرياضة للشباب، وغيرها من الحسابات التي تخاطب رغبات كافة أطياف الشعب الشعب، خصوصا الشباب، ومن هذا الحساب يضع من خلاله عرض الأنشطة حسب كل صفحة، ومن خلال هذه الحسابات يتم زج العديد من الإشاعات أو الأخبار الكاذبة. وتظهر أنه يخاطب الشعب من الشباب إلى الكبار إلى ربة المنزل …إلخ،
الكل يجري وراء الحساب الذي يحبه، وفي بعض الحسابات، يضع المسيطر من الكتائب الإلكترونية الأخبار المغلوطة والإشاعات التي تسبب البلبلة للشعب لكي يجعله ويكره النظام في الدولة وقد يهاجم بعض مفاصل الدولة، مثل القضاء أو الشرطة او المنابر الدينية السيحية والإسلامية ثم الأعراق المختلفة داخل الدولة مثل أهالي النوبة ومشكلتهم ولعل ابسط مثال على ذلك خلق اشاعات مثل زيادة مدة التجنيد للمؤهلات العليا الى اخره كل هذه الأخبار تخلق غضب الشعب على هذه المؤسسات، وبالتالي بين الشعب والدولة من خلال مؤسساتها .
ومن أساليب حروب الجيل الرابع والخامس هو ما يعرف. بأسلوب جماعة الإخوان المسلمين في مصر حاليًا، حيث يتم التنبيه على جميع أعضاء الجماعة في المناصب الحكومية في الدولة بتعطيل مصالح الجمهور. على سبيل المثال، عندما. يصل المواطن إلى مكتب لطلب ورقة إدارية من المكتب يكون رد الموظف السيستم عطلان ويقول له تعالى بكره أو الموظف المسؤول لم يأتي والإجابة الشهيرة أصل فلان معها الختم مش موجود وتعالى بكرا… وهكذا. ويتردد المواطن عدة مرات لاستخراج شهادة أو وثيقة وبعدها يشكو أنه ليس هناك دولة ولا كيان، ومن هنا يفقد المواطن. ثقته بالحكومة والدولة. ويأتي بعد ذلك نشر المخدرات، وخاصة بين الشبان ونذكر جميعا، عندما كان وفد الولايات المتحدة يناقش عناصر طالبان في الدوحة لتنظيم عملية انسحاب من افغانستان حين طلبت أمريكا من طالبان عدم الزراعة الحشيش والأفيون وعلى أمريكا تعويض حكومة طالبان عن من أرباحها هذه المخدرات، وواقفت طالبان أيامها على عدم زراعة المخدرات. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وتولت طالبان السلطة كاملة، وبدأت تزرع المخدرات مرة أخرى، وعند سؤالهم لماذا؟ وكانت الإجابة أن المخدرات هي أكبر سلاح لتدمير الشباب الأمريكي في الولايات المتحدة، الذي هو عدو أفغانستان الأول، لذلك تعتبر المخدرات هي أحد وسائل حروب الجيل الرابع والخامس الذي يدمر المجتمع وخصوصا الشباب.

عمال أفغان يزرعون الأفيون

ويأتي السؤال هنا كيف نتصدى لحروب الجيل الرابع والخامس؟

وتكون الإجابة كلمة واحدة" التوعية"، التوعية، التوعية أولا لكي يفهم الشعب أن الشائعات والأفكار والأخبار الكاذبة هي وسيلة لهدم المجتمع، وأنه على المواطن عندما يرى شائعة يجب أن يتأكد قبل إرسالها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو حتى ترديدها، وأن التوعية تتم من خلال عدة وسائل أهمها الإعلام، سواء كان المرئي كالتليفزيون أو الإذاعة أو المكتوب، وهي الصحف والمجلات. وأخيرا، الإعلام الإلكتروني عن طريق إنشاء صفحات تنشر الحقيقة وتنفي الأكاذيب والشائعات على أن يتم ذلك من خلال خطة منهجية ترد على جميع الشائعات والأخبار الكاذبة، ويتم فيها استغلال جميع من خلال وسائل التواصل المختلفة.
كذلك فإن التوعية يجب أن تتم من خلال المدارس والجامعات عن طريق اللقاءات. والمؤتمرات كذلك منابر الدين، في كل جامع وكنيسة، ومن خلال أيضا مراكز الشباب، وقصور الثقافة من خلال تنظيم مناقشات وجلسات ومحاضرات توعية، بهدف إيضاح الحقائق ونشر فكر وأساليب وعناصر حروب الجيل الرابع والخامس عموما، سوف تظل هذه الحروب هي أسلوب تدمير الدول من الخارج في الفترة القادمة دون استخدام المدافع والدبابات، ولكن مهاجمة عقل وفكر المواطن.

المصدر جريدة المصري اليوم

اللواء الدكتور سمير فرج: نتنياهو إلى أين بعد نجاح ترامب؟

نتنياهو الابن المدلل للإدارة الأمريكية

أظن أن نبأ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسباق الانتخابات الأمريكية، التي حُسمت مؤخراً، كان أسعد الأخبار التي تلقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منذ فترة طويلة، لما تجمعهما من صداقة قوية، وطويلة، بدت شواهدها واضحة خلال الانتخابات الإسرائيلية، الماضية، عندما جابت لافتات الدعاية الانتخابية، لنتنياهو، كل أنحاء إسرائيل، وقد وضعت صورته ومعه صديقه الرئيس ترامب، في إعلان صريح عن اعتبار نتنياهو الابن المدلل للإدارة الأمريكية، الذي يحظى بتأييدها، غير المشروط.

نتنياهو وترامب

وأثناء الانتخابات الرئاسية، الأخيرة، في الولايات المتحدة الأمريكية، ظهر واضحاً دعم نتنياهو للرئيس ترامب في حملته ضد كاميلا هاريس. ولعلنا لم ننس دعم الرئيس ترامب لنتنياهو، خلال فترة رئاسته السابقة، حين قرر نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس، منفذاً ما وعد به، خلال حملته الانتخابية، حينئذ، على عكس وعود كثيرة، مماثلة، قطعها معظم مرشحي الرئاسة الأمريكية، ولم ينفذوها بعد وصولهم للبيت الأبيض، بأصوات مؤيدي توجهاتهم. ولم يكتف ترامب بذلك، بل زاد عليه بتأييد قرار نتنياهو بضم هضبة الجولان السورية، التي احتلتها إسرائيل منذ حرب 67، تأييداً أحادياً، إذ لم يؤيد ذلك القرار أي من زعماء ودول العالم، إلا الرئيس ترامب.أما ثالث ضرباته لتأييد نتنياهو فكانت في أسلوب حل القضية الفلسطينية، ففي حين اتجه معظم قادة العالم، بما فيه الحزب الديمقراطي الأمريكي، والرئيس الأسبق أوباما، والرئيس الحالي جو بايدن، نحو حل القضية بإقامة دولتين، إحداهما إسرائيلية بحدودها الحالية، وعاصمتها القدس الغربية، والثانية فلسطينية بحدودها في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، إذا بترامب يقوض كل الجهود التفاوضية، ويرفض حل الدولتين، ويؤيد حل الدولة الواحدة، وعاصمتها القدس الموحدة، وهو ما يُتوقع أن يكون الاستراتيجية الأمريكية، في الفترة القادمة، الأمر الذي لا يدعو للتفاؤل نحو حل عادل للقضية الفلسطينية.

خطة نتنياهو على الأراضي الفلسطينية لإرضاء الشارع الإسرائيلي

خارطة نتنياهو تكشف نوايا الاحتلال

وبنظرة تحليلية لفكر نتنياهو، واتجاهاته، في الفترة القادمة، بعد فوز ترامب بالسلطة، وفي ضوء ما يجري على أراض المعارك في قطاع غزة وجنوب لبنان وإيران، نجد أن القوات الإسرائيلية تمكنت، خلال العام الماضي، من إضعاف القدرة العسكرية لحماس، ولم تنجح في القضاء عليها، وهو ما يحسب نجاحاً لحماس، التي تقاتل جيشاً نظامياً، ببسالة، لمدة عام كامل، دون إمدادات مادية أو عسكرية من الخارج، إلا أنها ستحتاج لعدة أعوام لاستعادة قوتها العسكرية مرة أخرى، خاصة وأن إسرائيل ستغلق جميع مسارات إمداداتها من الأسلحة في الفترة القادمة. ولعل أبسط دليل على ذلك، هو إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي تم إقالته منذ أيام، بأن قوات الجيش الإسرائيلي لم يعد لها مكاناً في غزة، بعدما أضعفت القوة القتالية لحماس، ولم يبق سوى تدمير باقي الأنفاق، واستكمال تحرير الرهائن. ولذا أظن أن نتنياهو سيسعى للوصول لاتفاق محدود لوقف إطلاق النار، لحين عودة بعض الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، باعتباره من أكثر الأمور الضاغطة عليه من الشارع الإسرائيلي، والمهددة لبقائه.

موقف نتنياهو مع حزب الله و إيران

اما فيما يخص موقف نتنياهو من حزب الله، فلا أظن نتنياهو سيوقف القتال في جنوب لبنان، إلا بعد تحقيق أمرين؛ أولهما القضاء على القوة النيرانية والقتالية لحزب الله، وثانيهما إعادة قوات حزب الله إلى ما بعد نهر الليطاني. وهنا سيتعين على الرئيس ترامب، الذي وعد الرئيس اللبناني بوقف القتال، إقناع نتنياهو بإيقاف الضربات الهجومية على العاصمة اللبنانية بيروت، وشمال لبنان، وحصر ضرباته الهجومية على الجنوب اللبناني، بما يحقق أهدافه بالقضاء على القوة النيرانية والقتالية لحزب الله، وإعادة قواته لما بعد نهر الليطاني. وهو ما أظنه سيتم الاتفاق عليه بين ترامب ونتنياهو، بوعد تأمين عودة أهالي المستوطنات الإسرائيلية الموجودة في شمال إسرائيل على حدود لبنان.وبالنسبة للموقف مع إيران، فوصول ترامب إلى البيت الأبيض من شأنه تغيير مجريات الأمور نحو ضمان عدم امتلاك إيران للسلاح النووي، وهو ما يتوافق مع استراتيجية نتنياهو، الذي كان يرى قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية والبترولية في ايران، لولا معارضة جو بادين لذلك، وهو ما ستستمر معارضته، في تقديري، من قِبل ترامب، في ضوء حرص الولايات المتحدة الأمريكية على عدم تصاعد القتال في المنطقة، إذ أن توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية ضد إيران، سيدفعها لشن حرباً إقليمية، وهو ما يتبعه تضرر المصالح الأمريكية في المنطقة، فضلاً عن اضطراب إمدادات النفط من الخليج العربي، وإحداث زيادة بالغة في أسعاره، نظراً لتحكم إيران في مرور ناقلات النفط من خلال مضيق هرمز، الواقع تحت سيطرتها الكاملة، ويتحكم في مرور ثلث الإمدادات العالمية للطاقة، الواردة من منطقة الخليج العربي، ومثله مضيق باب المندب، الذي يقع، حالياً، تحت سيطرة الحوثيون، أحد الأذرع القوية الإيرانية في المنطقة.وبتحليل كل ما سبق، ففي تقديري أن ترامب سوف يتبع أساليب محددة مع إيران، ليس من ضمنها الموافقة على أي عمل عسكري ضدها، أو تشجيع نتنياهو على قيام إسرائيل بتوجيه أي ضربات ضد المنشآت النووية أو البترولية الإيرانية، في الفترة القادمة، وإنما بتشديد وزيادة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، في الفترة القادمة.كانت تلك رؤيتي التحليلية للفكر الاستراتيجي، لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد فوز ترامب بمقاليد السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية.

إيران وترامب و«الصفقة المنضبطة»

إيران وترامب و«الصفقة المنضبطة»

بقلم د. محمد سعيد إدريس

على الرغم من أن فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية والعودة مجددًا إلى البيت الأبيض فى واشنطن كان، بالنسبة لإيران، من الاحتمالات الممكنة، فإن هذا الفوز أربك حسابات القرار الإيرانى سواء ما يتعلق بالعلاقة المحفوفة بالخطر مع الولايات المتحدة أو بالعلاقة مع إسرائيل، وعلى الأخص بتجهيزات الضربة الإيرانية التى كانت مؤكدة وفقًا لتقديرات كبار السياسيين والعسكريين الإيرانيين ردًا على العدوان الإسرائيلى الذى أصاب قدرات الدفاع الجوى الإيرانية ومنشآت إنتاج الصواريخ الباليستية إصابات مباشرة ومؤثرة. فقد أدركت القيادات الإيرانية أن المبادرة بتوجيه هذه الضربة لن يكون مجرد لطمة لإسرائيل واستعادة لـ"توازن الردع" بين الدولتين ولكنه سيفسر فى واشنطن على أنه يعد بمثابة رسالة تحدٍ مسبقة من إيران إلى الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، يمكن أن تجهز على أى نيات لدى هذا الرئيس وإدارته لمراجعة سياساتهما السابقة مع إيران. لذلك تتعامل إيران بحذر شديد وحسابات دقيقة فى بلورة معالم السياسة الممكنة مع هذه الإدارة وكيفية إدارة الصراع مع إسرائيل خلال الأسابيع القليلة المتبقية لإدارة الرئيس الحالى جو بايدن.

ضمن هذا التفكير الحذر بدأ التساؤل لدى أوساط إقليمية عربية بالذات، وكذلك أوساط إسرائيلية وأمريكية حول هل من الممكن أن تقبل إيران بالدخول فى «صفقة» مع الرئيس الأمريكى الجديد أم أنها سوف تختار «المواجهة» انطلاقًا من أن هذا الرئيس لا يعرف أنصاف الحلول، وأنه حتمًا سيسعى إلى فرض «مشروع» جديد جوهره «الانتصار لإسرائيل»، ومن ثم فإنه لن يدخل فى صفقة، إذا قبل الأخذ بمنطق الصفقات الذى يجيده ويفضله، أقل من صفقة تحقق لإسرائيل الطمأنينة إزاء البرنامج النووى الإيرانى، وهى طمأنينة لن تحدث إلا بثقة إسرائيل بانتهاء الخطر النووى الإيرانى نهائيًا الذى لن يتحقق إلا بالقضاء الكامل على قدرات إيران النووية السلمية وليس فقط العسكرية، كما تحقق لإسرائيل الأمن الذى لن يتحقق إلا بالتوقف الإيرانى النهائى عن ما يعرف فى الأدبيات السياسية بـ «المشروع الإقليمى لإيران» الذى يعنى أولًا فرض إيران كقوة إقليمية كبرى قادرة على موازنة القوة الإسرائيلية أو التفوق عليها، ودعم طموحات إيران فى توسيع النفوذ وتشكيل «دائرة صراع ساخن» من القوى الإقليمية الحليفة تحيط بإسرائيل وقادرة على خوض صراع استنزاف دام مع الكيان الإسرائيلى إلى أن يحين موعد الإجهاز الكامل عليه والتحرير الكامل للقدس والمسجد الأقصى الشريف .

قبول مثل هذه الصفقة ليس له إلا معنى واحد وهو سقوط النظام الحاكم للجمهورية الإسلامية، وهذا ما تدركه إسرائيل جيداً وما عملت من أجله إدارة ترامب السابقة ووزير خارجيتها بومبيو، وعبر عنه مؤخرًا بنيامين نيتانياهو رئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلى فى رسالة مباشرة للإيرانيين حرّض فيها الإيرانيين للتخلص من نظام الجمهورية الإسلامية الذى يحكم إيران منذ عام 1979، وخاطبهم بقوله إن «نظام المرشد على خامنئى يخشى الشعب الإيرانى أكثر من إسرائيل» وقال لهم: «لا تفقدوا الأمل، واعلموا أن إسرائيل وآخرين فى العالم الحر يقفون إلى جانبكم».

وإذا كان قبول مثل هذه الصفقة يعد «ضربًا من الخيال» أو «نوعًا من الجنون»، فإن الخيار المقابل أى التصعيد والمواجهة الساخنة مع ترامب وصقور إدارته القادمين سيكون أيضًا خيارًا تدميريًا لإيران سواء من منظور المواجهة العسكرية أو من منظور تصعيد الضغوط الاقتصادية الأمريكية على إيران، لذلك فإن إيران تبحث عن «الحل الوسط» الذى يؤدى إلى تهدئة نوازع التصعيد الأمريكى ضدها معولة على احتمال أن تكون لدى ترامب مقاربة مغايرة نسبيًا لسياساته فى الشرق الأوسط عن مقاربته الأولى، وأنه سيكون هذه المرة غير مقيد بإرضاء اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة نتيجة عدة أسباب منها أنه لن يكون منشغلًا بإرضاء هذا اللوبى لأن ولايته الجديدة الثانية ستكون الأخيرة ولن يحق له الدخول فى منافسة غيرها، ومن ثم لن يكون فى باله الفوز برضا الناخبين اليهود فى الولايات المتحدة، وأن غالبية اليهود صوتوا لمنافسته الديمقراطية كامالا هاريس.

كما يعوِّل الإيرانيون على مثل هذا الخيار الذى يمكن أن يأخذ اسم «الصفقة المحسوبة» التى يمكن أن تحد من اندفاعة ترامب العدائية ضد إيران على أمرين آخرين مهمين أولهما ما يمكن أن تقوم به حليفتها الدولية روسيا من أدوار تهدئة لنيات التصعيد الأمريكية ضد إيران انطلاقًا من إدراك إيران لوجود «علاقة حسن اهتمام» متبادلة بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والرئيس المنتخب دونالد ترامب، وأن ترامب الحريص على التفاهم مع بوتين لإنهاء الأزمة الأوكرانية لن يكون حريصًا على «إغضابه» فيما يتعلق بالموقف من إيران . لكن يبقى السؤال هنا مطروحًا بالنسبة للحدود المحتملة للدعم الروسى لإيران إذا كان مثل هذا الدعم يمكن أن يؤثر سلبيًا على تفاهمات بوتين مع بايدن بخصوص حل الأزمة الأوكرانية. الأمر الثانى الذى تعوّل عليه إيران هو الدور الإيجابى الذى تقوم به، والذى يمكن أن تقوم به المملكة العربية السعودية فى احتواء الاندفاع التصعيدى الأمريكى ضد إيران، وفقًا لمؤشرات مهمة بهذا الصدد، منها أن الرئيس ترامب أعلن اختياره السعودية كمحطة أولى فى جولاته الخارجية التى سيقوم بها عقب توليه الحكم فى يناير القادم، ومنها دعوة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان فى خطابه الافتتاحى للقمة العربية – الإسلامية فى الرياض إلى «ضرورة إلزام إسرائيل احترام سيادة إيران وعدم الاعتداء على أراضيها» ومنها زيارة رئيس الأركان السعودى لإيران خلال الأيام الماضية ضمن مخطط تنسيقى للعلاقات العسكرية بين البلدين. نفى إيران القوى والانفعالى الرافض لتسريب صحيفة «نيويورك تايمز» عن لقاء الملياردير الأمريكى أيلون ماسك المقرب من الرئيس ترامب مع رئيس الوفد الإيرانى بالأمم المتحدة يعنى أولًا حرص إيران على تأكيد صلابة موقفها السياسى وعدم استعدادها للقبول بـ «صفقة كسر عظام» يمكن أن تفرضه عليها. لكن يبقى ما تقوم به إسرائيل لمحاصرة التحرك الإيرانى الاستباقى تحديًا كبيرًا من شأنه تفاقم الضغوط المحتملة ضد إيران.

المصدر جريدة الأهرام

د.محمد سعيد إدريس
د.محمد سعيد إدريس

أصعب تحديات ترامب

بقلم د.محمد السعيد إدريس

دونالد ترامب خلال حملته الانتخابيه

عاد دونالد ترامب مجددًا إلى البيت الأبيض، في عودة ليست كأي عودة، وصفتها مجلة «نيوزويك» الأمريكية بأنها «أعظم عودة في تاريخ السياسة الأمريكية»، وفسرت ذلك بأنه «لم يتم انتخاب رئيس أمريكي لفترتين غير متتاليتين منذ «غروفر كليفلاند عام 1892»، وبأن ترامب حقق هذا الإنجاز «ليس من خلال استراتيجية حشد قاعدته الانتخابية فقط، بل وأيضاً من خلال توسيع الخريطة الانتخابية للحزب الجمهوري»، ما يعني أن فوز ترامب هذه المرة لم يجئ بأفضال القاعدة الانتخابية التقليدية للحزب الجمهوري فقط، بل جاء بالأساس بفضل ترامب الذي وسّع القاعدة الانتخابية للحزب، بضم شرائح كثيرة من الناخبين الجدد للحزب الجمهوري، خاصة من الرجال من أصل إسباني أو الرجال السود، ودخول رموز مجتمعية جديدة، وقفت إلى جانب ترامب، ستضيف حتمًا قوة جديدة للحزب الجمهوري، من أمثال إيلون ماسك، وروبرت ف. كنيدي (المنشق عن الحزب الديمقراطي) وتولسي جابارد وغيرهم.
الأمر الذي جعل ويليام بينيت يكتب على موقع «فوكس نيوز» متسائلاً: كيف غيّر ترامب الحزب الجمهوري؟
مثل هذه الآراء والأفكار، ترجح أن أهم تأثيرات وأدوار دونالد ترامب خلال السنوات الأربع القادمة التي سيحكم فيها الولايات المتحدة سوف تتركز على الداخل الأمريكي، وأن أي أداء لإدارة ترامب في مجال السياسة الخارجية سيكون محصلة لنجاحات أو لفشل ترامب في إنجاز مشروعه السياسي المحوري الذي يلخصه شعاره الانتخابي «فلنجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، وهو ذات الشعار الذي حملته الحركة السياسية التي يتزعمها ترامب، والتي جرى منها توليد مفهوم «الترامبية السياسية» التي بدأ الحديث عنها مجددًا بأنها «أضحت عقيدة سياسية» لترامب شخصياً ومن يلتفون حوله، وأولهم بالطبع نائبه الذي اختاره هذه المرة بعناية من بين عشرات الأشخاص الذين كانوا على قائمة الاختيار لهذا المنصب، وهو السيناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو "جيمس ديفيد فانس"، الذي يؤكد اختياره من جانب ترامب لهذا المنصب عزم ترامب ليس فقط على فرض «الترامبية السياسية» كقاعدة للحكم خلال السنوات الأربع القادمة، بل وعلى توريثها كعقيدة جديدة للحزب الجمهوري الذي بات خاضعاً تماماً لسيطرته.
وبفوز هذا السيناتور الشاب البالغ 39 عاماً بمنصب نائب الرئيس إلى جانب ترامب، فإنه من المرجح أن يكون الأوفر حظاً لخوض السباق الانتخابي الرئاسي الجديد عام 2028، وقد لا يترك البيت الأبيض إلا في عام 2037 إذا فاز مرتين بالرئاسة، وبذلك ضمن ترامب ل «الترامبية السياسية» عمرًا سياسيًا مديدًا يصل إلى 12 عامًا كاملة يفترض أن تكون كافية لترسيخ مكانة «الترامبية السياسية» كأساس للحكم في واشنطن تحت شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا»، وعندها لن يكون هناك مجال جديد لوصف تلك «الترامبية السياسية» على أنها «مجرد ظاهرة صوتية» على نحو ما تردد في السنوات الأربع السابقة لحكم ترامب في البيت الأبيض (2016- 2020)، أو أنها مجرد «رد فعل غاضب» لمن ساءهم (خاصة من الأمريكيين بيض البشرة) انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة لمدة ثماني سنوات (2008 – 2016) بل ستفرض نفسها بقوة كأساس للحكم بعد الفوز الهائل الذي حققه ترامب هذه المرة يوم الثلاثاء الماضي (2024/11/5). فترامب لم يفز في هذه الانتخابات بالعدد الأكبر من الأصوات في «المجمع الانتخابي» فحسب، مثلما حدث في انتخابات عام 2016 التي تفوق فيها على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي خسرت الأصوات في المجمع الانتخابي رغم فوزها بالنصيب الأوفر من الأصوات على المستوى الشعبي، بل فاز أيضًا بالتصويت الشعبي (أي عدد أصوات الناخبين)، وإضافة إلى ذلك جاء فوزه كرئيس مقروناً باستعادة الحزب الجمهوري للأغلبية داخل مجلس الشيوخ، بحيث بات في مقدور ترامب أن يحكم مدعومًا من مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ).

رغم ذلك، سيبقى الاختبار صعبًا أمام ترامب ونائبه جيمس ديفيد فانس، وبالتحديد اختبار «جعل أمريكا عظيمة مجددًا». هل سيستطيع ترامب جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى؟
الاختبار سيكون صعبًا بمقاييس ترامب نفسه التي سبق أن أعلنها متحديًا إدارة غريمه الرئيس الحالي جو بايدن. فترامب هو الذي أعلنها صراحة أن «الولايات المتحدة أصبحت مزبلة العالم» نتيجة لعدم كفاءة الرئيس جو بايدن، وهو الذي تعهد ب «تحرير أمريكا المحتلة» من المهاجرين غير الشرعيين، واعتبر أن عودته إلى البيت الأبيض «ستكون تحريرًا لأمريكا المحتلة»، وقال إن «أمريكا معروفة اليوم في كل أنحاء العالم بأنها أمريكا المحتلة.. نحن محتلون من جانب قوة إجرامية»، وهو الذي تعهد بأنه «سينتقم من كل معارضيه إذا وصل إلى الحكم»، خاصة الرئيس الحالي جو بايدن والقضاة وغيرهم من الخصوم السياسيين خاصة اليساريين والليبراليين.
هل سينجح ترامب في هذا الاختبار الصعب؟ وهل سيتركه الديمقراطيون ليفعل بهم ما يشاء، أم ستتمرد الولايات الديمقراطية، عندها يمكن أن تتحول «الترامبية السياسية» إلى «كابوس يهدد وحدة الولايات المتحدة»؟

المصدر جريدة الخليج

د.محمد سعيد إدريس
د. محمد سعيد إدريس