مراكز البحوث والدراسات

مراكز البحوث والدراسات

نحو شراكة مصرية إيرانية في مواجهة التحديات المشتركة.

د.نجلاء سعد البحيري

د.نجلاء سعد البحيري مدرس اللغة الفارسية وآدابها جامعة قناة السويس.

مقدمة تحليلية

في ظل التصعيد المتسارع الذي يشهده الإقليم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإسرائيل وما يصاحبه من توترات متشابكة على المستويين العسكري والسياسي فإن طرح أي رؤية استراتيجية للعلاقات الإقليمية لا بد أن ينطلق من قراءة واقعية للتوازنات الراهنة دون التسرع في استخلاص نتائج أو إطلاق أحكام

وبينما يبقى مستقبل الصراع مفتوحًا على سيناريوهات متعددة تظل مسؤولية العواصم الكبرى في المنطقة التفكير بعقلانية في آفاق ما بعد التصعيد ليس من باب القفز على المراحل بل من منطلق الاستعداد لتشكيل واقع إقليمي أكثر توازنًا واستقرارًا حال توفرت الشروط

وفي هذا الإطار لا تُطرح فكرة إعادة النظر في العلاقات المصرية الإيرانية كدعوة آنية لاتخاذ مواقف ميدانية بل كمقاربة استراتيجية طويلة المدى تستند إلى ثوابت السياسة المصرية في التوازن والانفتاح ورفض الاستقطاب مع الحرص على مراعاة حساسية الملفات ومراحل تطورها. فالتحولات الجيوسياسية الكبرى لا تفرض القطيعة الدائمة ولا التحالف الأعمى بل تدعو إلى بناء جسور عقلانية تُعلي من المصلحة الوطنية وتُبقي الخيارات مفتوحة دون تنازل عن المبادئ

أولا من الجمود إلى الحوار مقاربة جديدة للعلاقات المصرية الإيرانية

رغم عقود من البرود في العلاقات إلا أن المرحلة الراهنة تكشف عن مؤشرات لتهدئة دبلوماسية وتحرك حذر نحو بناء قنوات اتصال مباشرة وغير مباشرة تعكس إدراك الطرفين لأهمية الانفتاح والتعاون الانتقائي في ملفات بعينها. وتُسجل الأعوام الأخيرة تواصلا غير معلن عبر قنوات سياسية وفنية تناولت موضوعات إنسانية وتنموية بعيدا عن الشعارات أو الاستقطابات الحادة وهو ما يشير إلى توجه متدرج نحو تطبيع مرن يأخذ في الحسبان اعتبارات السيادة والخصوصية الوطنية

ثانيا تحديات إقليمية تتطلب شراكة عقلانية

تشهد المنطقة أزمات معقدة تتجاوز قدرة الدول منفردة على التعامل معها وهنا تظهر الحاجة إلى تفاهمات إقليمية في القضايا التالية:

القضية الفلسطينية تمثل إحدى أبرز نقاط الالتقاء بين رؤى القاهرة وطهران خصوصا في ظل التصعيد الإسرائيلي ومشاريع التهجير والضم ورغم تفاوت أدوات التحرك إلا أن وحدة الموقف في دعم الحقوق الفلسطينية المشروعة تشكل أرضية لتقارب واقعي.

أمن الممرات البحرية يمثل مصلحة جماعية حيث تتفق رؤى الجانبين على ضرورة تحييد الممرات الحيوية من التوترات باعتبارها شريانا استراتيجيا للاقتصاد العالمي

ظاهرة الإرهاب العابرة للحدود تستوجب تنسيقا أمنيا مرنا يراعي خصوصية كل طرف ويؤسس لتبادل الخبرات في مكافحة التطرف والجريمة المنظمة.

صون المكون الثقافي والديني من محاولات التفكيك الطائفي يمثل مسؤولية مشتركة تقوم على إرث حضاري مشترك ورفض لتوظيف الانقسام المذهبي في خدمة مشاريع التفتيت

ثالثا لماذا الآن الفرصة الجيوسياسية الجديدة

تراجع الانخراط الغربي التقليدي في ملفات الإقليم وظهور قوى جديدة على الساحة الدولية دفع عددا من العواصم العربية إلى إعادة ترتيب أولوياتها وفق منطق الواقعية وتعظيم الاستقلالية. تأتي هذه الديناميكية متزامنة مع سياسة إيرانية أكثر مرونة تجاه الجوار العربي ومع ثبات الموقف المصري القائم على عدم الانجرار خلف الصراعات تبدو الفرصة مهيأة لمرحلة من الحوار المدروس والتنسيق المنضبط

رابعا الاقتصاد مدخل مستدام للشراكة

لا تكتمل أي مقاربة سياسية دون بُعد اقتصادي يدعم استقرار العلاقات ويعزز جدواها ومن أبرز مسارات التقارب الممكنة:

  • تطوير التعاون في مجالات الطاقة والدواء والصناعات الثقيلة
  • تنسيق مشاريع البنية التحتية الإقليمية بالشراكة مع دول المشرق العربي.
  • تبادل الخبرات في التكنولوجيا والزراعة والاستخدامات السلمية للطاقة.
  • تفعيل السياحة الثقافية والدينية لخلق تواصل شعبي حقيقي.

خامسا السياسة المصرية كصمام أمان للتوازن الإقليمي

تتحرك مصر في علاقاتها الدولية وفق منطق التوازن والانفتاح وتسعى لبناء علاقات قائمة على المصالح لا الإملاءات وهو ما يجعل تعزيز علاقاتها مع طهران جزءا من رؤية أوسع لإعادة إنتاج التوازن الإقليمي لا استبداله بمحور جديد. نجحت القاهرة في الجمع بين أطراف متباينة وهو ما يمنحها مكانة مميزة كطرف وسيط موثوق به لا كطرف صراع

سادسا من التحفظ إلى الشراكة الندية

تجاوز حالة التحفظ المتبادل بين القاهرة وطهران لا يعني بالضرورة تحالفا بقدر ما يؤسس لنموذج من التعاون الندي القائم على التكامل واحترام المصالح دون ذوبان أو استقطاب. ويفتح هذا الإطار المجال للتنسيق في ملفات حساسة مثل الوساطة الإقليمية وحوار الحضارات ومبادرات الأمن الجماعي دون أن يُفرض على أي طرف التنازل عن أولوياته

سابعا خلاصة استراتيجية

التقارب بين مصر وإيران ليس غاية في ذاته بل خطوة عقلانية في سبيل بناء شرق أوسط أكثر استقرارا وتوازنا في ظل تحديات متصاعدة وتراجع فاعلية المنظومات الدولية التقليدية. ومع توفر الإرادة السياسية والرؤية الواقعية يمكن للطرفين الانتقال من حالة الجمود إلى علاقة تعاون عقلاني تؤمن مصالح الطرفين وتخدم قضايا الأمة

خاتمة

بين القاهرة وطهران رصيد حضاري وإنساني ومصالح مشتركة يمكن البناء عليها بعيدا عن ضجيج الاستقطاب وخطابات الهيمنة. وفي عالم يتبدل بسرعة تبقى الحكمة والتوازن هما الضمانة الوحيدة لحماية مصالح الشعوب وصناعة مستقبل يستند إلى الاستقلال والندية لا إلى التبعية أو الصدام.

“علي خامنه اى” يُؤسِّس للحضارة الإيرانية في القرن 21

أ.د. مدحت حماد

أ.د. مدحت حماد، أستاذ اللغة الفارسية والدراسات الإيرانية، كلية الآداب، جامعة طنطا.

يوم الثلاثاء الموافق 4 يونيو 2025، ولمدة ساعة تقريبًا، وبمناسبة الذكرى السنوية لرحيل آية الله الخميني" مؤسِّس الجمهورية الإسلامية في إيران، ألقى "سيد علي خامنه اي" _مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران_ خطابًا إستراتيجيًا هو الثالث من نوعه منذ اختياره مرشدًا للجمهورية والثورة الإسلامية خلفًا للإمام الراحل آية الله الخميني في يونيو 1989، الخطاب الأول كان في سبتمبر 1994 حين دشَّن ووضع حجر الأساس للبرنامج الفضائي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، في أعقاب الخلافات التي كانت قد حدثت بين إيران وروسيا بشأن حصة ونسبة "المُكوِّن الإيراني في أول قمر صناعي كانت إيران قد قررت بنائه وتصنيعه بالتعاون مع روسيا، آنذاك رفض علي خامنه اى العرض الروسي وأصدر فتواة التي قال فيها: "على علماء إيران النُجباء الأتقياء المؤمنين المخلصين للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يُحددوا لإيران أين ومتى وكيف تقف في الفضاء". أما الخطاب الثاني فكان في أبريل عام 2004 وهو الخطاب الذي كان قد دشَّن من خلاله "إطلاق البرنامج النووي الإيراني" أيضًا من خلال الفتوى التي قال فيها: "على علماء إيران النُجباء الأتقياء المؤمنين المخلصين للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن يمكنوا إيران من إمتلاك كافة عناصر منظومة التكنولوجيا النووية بما فيها تكنولوجيا الوقود النووي وتخصيب اليورانيوم".

لماذا هو "خطاب إستراتيجي"؟

عدة أسباب جوهرية هي التي جعلت من خطاب الرابع من يونيو 2025 "الخطاب الإستراتيجي الثالث"، هذه الأسباب هي كما يلي:

  1. أنه كان قد جاء في "ظرف وتوقيت استثنائي" غير مسبوق على صعيد مستقبل البرنامج النووي الإيراني.
  2. أنه كان قد جاء في خِضَم "أحداث إقليمية ودولية"، هي بمثابة "مخاض حقيقي" للنظام العالمي الجديد.
  3. أنه كان قد جاء في ظل انطلاق "مباحثات إيرانية أمريكية" غير مسبوقة حول البرنامج النووي الإيراني، وهي المباحثات التي كان من المفترض أن تؤدي في النهاية إلى خيارات حاسمة نوعية إستراتيجية حاكمة لمستقبل النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
  4. أنه كان قد جاء "لتدشين عصر جديد" من عُمر الجمهورية الإسلامية، عصر يرتكز ارتكازًا مباشرًا على "القدرات التكنولوجية التقنية العلمية الإستراتيجية"، جمبًا إلى جمب مع "ولاية الفقه".
  5. أنه كان قد جاء للتأكيد على إحياء وتجديد "الثوابت العقائدية الدينية المذهبية الفكرية القومية والحضارية" للجمهورية الإسلامية الإيرانية "بصفتها المتحدث الرسمي للقومية والحضارة الإيرانية في القرن الحادي والعشرين"، وهي الثوابت التي كان قد أسسَّ لها "آية الله الخميني" قبل وأثناء وبعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران. هذه الثوابت هي "ثوابت جامعة شاملة كُليِّة" في مسيرة بناء حضارات الدول والأمم والشعوب، التي كان الإمام آية الله الخميني قد حصرها _وأورثها وزرعها وسقاها حتى صارت شجرة راسخة_ في ركيزتين قِيميَّتين دائمتين هما: "ولاية الفقيه" و: "نعم.. نحن نستطيع". فلقد شكلت هاتان الركيزتان القِيَّميتان "بوتقة واحدة" انصهرت بداخلها "جميع الطموحات والأحلام والتطلعات لجميع الشعوب والقوميات التي تعيش داخل الهضبة الإيرانية".
  6. أنه كان قد كشف ولأول مرَّة وبوضوح لا لبث فيه عن الأبعاد الحقيقية للطموحات والأهداف الإستراتيجية التنموية الدائمة في الخمسين عامًا القادمة.
  7. أنه كان قد أكدَّ على الجهوزية الإيرانية العسكرية وغير العسكرية للدفاع عن _وحماية_ مبادئها، أهدافها، طموحاتها ومنجزاتها العلمية التكنولوجية الاقتصادية التي أدركتها بعرق وأظافر جميع شبابها بعد عقود طويلة من الحرمان والمكابدة والصمود والتحدي.
  8. أنه كان قد قد رسم "خارطة طريق إستراتيجية" للأمة الإيرانية يجب تنفيذها وتحقيقها على أرض الواقع، من جانب جميع فئات وطبقات ومستويات وأطياف وقبائل وأعراق وقوميات التي تتشكَّل منها هذه الأمة، لأنها قد صارت "الأمة الإسلامية المُكلفة شرعًا لتهيئة الأرض لظهور إمام الزمان المهدي المنتظر" وهو ما نصَّ على ذلك دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي حظيَ بموافقة 99.5% من سكان إيران في يونيو عام 1979.

"الأبعاد/الأهداف" الإستراتيجية الرئيسية للخطاب.

بشكل محدد، يمكننا القول بأن ثمة "أهداف إستراتيجية" محددة هي التي دشنها "آية الله علي خامنه اي" في خطاب الرابع من يونيو 2025، هذه الأبعاد الإستراتيجية هي كالتالي:

أولاً: أنه من الآن فصاعدًا، عندما تريد القوى الدولية الكبرى _وبالتالي القوى الإقليمية_ وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، أن تتكلم مع الجمهورية الإسلامية وبالتالي الأمة الإيرانية، يجب عليها أن "تتكلم معها بأدب، (مَن أنتم أيها الأمريكيون لكل تقولوا لإيران يجب وقف التخصيب وتفكيك برنامجكم النووي؟ مَن أنتم؟ يجب أن تتكلمون مع الجمهورية الإسلامية ومع الأمة الإيرانية بأدب).

ثانيًا: للجمهورية الإسلامية _وبالتالي الأمة الإيرانية_ أهداف وأحلام وطموحات مشروعة، هذه الأهداف والأحلام والطموحات، لن تتحقق إلا بسواعد وعقول الشباب الإيراني المؤمن التقي الوَرِع المخلص للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهؤلاء الشباب هُم الذين حملوا على عاتقهم بناء القدرات العسكرية الوطنية الإيرانية أثناء الحرب العراقية الإيرانية، والذين كانوا قد تمكنوا لأول مرّة من صناعة الصواريخ المضادة للدبابات والعربات المدرعة، لدرجة أن علي خامنه اي عندما زفَّ الخبر لآية الله الخميني، فوجئ بالفرحة والسعادة الغامرة التي ملأت وجه الإمام الخميني.

ثالثًا: "البرنامج النووي الإيراني هو قاطرة الحضارة الإيرانية" في القرن الحادي والعشرين، و"تخصيب اليورانيوم" هو "صمام الأمان" للبرنامج النووي الإيراني، ومن ثم "صمام الأمان للحضارة الإيرانية في القرن الحادي والعشرين". هذا ما جسده "علي خامنه اى" بقوله: "حتى لو امتلكنا مائة مفاعل نووي، ولم نمتلك "تخصيب اليورانيوم" فإن هذه المفاعلات المائة لن تساوي شيئا". هذا بخلاف دَور "تخصيب اليورانيوم" في تصنيع قضبان الوقود النووي اللازم لتشغيل المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة، وكذلك في مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى مثل الزراعة، صناعة الدواء والفضاء.

طبعًا بخلاف "الدور السيادي الإستراتيجي" الذي يحققه امتلاك إيران لجميع عناصر ومكونات ومراحل التكنولوجيا النووية، ألا وهو تمكين القوات المسلحة الإيرانية من "الوجود والبقاء الدائمين في أعالي البحار من جهة والمنطقة القطبية الجنوبية "جنوب المحيط الهادي" من جهة أخرى، وذلك عبر الغواصات وحاملات الطائرات التي ستعمل بالطاقة النووية. الأمر الذي سيمكِّن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن ثم "الأمة الإيرانية" من خلق أرجل راسخة لها على امتداد الكرة الأرضية بما من شأنه تحقيق الأهداف الإستراتيجية القومية الإسلامية العليا التي نصَّ عليها وحددها دستور 1979م.

وقف إطلاق النار غير المكتوب أو غير المشتمل على أية بنود، الذي تمَّ بين "أمريكا وإسرائيل" من جانب، وبين "الجمهورية الإلامية" من جانب آخر، ثمَّ خطاب النصر الذي ألقاه علي خامنه اى أمس الخميس 25 يونيو2025 وما اشتمل عليه من كلمات ومصطلحات فضلا عن صياغته ومكوناته ومضمونه ودلالاته، يرسخان لديِّ قناعة مفادها أن وقت إطلاق وتدشين المشروع الحضاري للجمهورية الإسلامية الإيرانية في القرن 21 قد إقترب موعده.

«الصحوة» والوعى بحقيقة الصراع.

د. محمد السعيد إدريس

د. محمد السعيد إدريس

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية.

خيارنا هو: مواجهة المشروع الصهيونى - الأمريكى بأبعاده الاستعمارية، الإمبريالية، والدينية

إذا كان خيارنا فى مواجهة التحديات والمخاطر، التى وصفناها بأنها «استئصالية» لوجود الأمة العربية بأقطارها المختلفة، من خلال السعى إلى تفكيكها وإعادة تقسيمها إلى دويلات هشة وضعيفة عرقية ودينية وطائفية، بما يعنيه ذلك من استئصال لهويتها العربية، ناهيك عن مشروع استئصال مرتكزاتها الحضارية المتجذرة فى دينها الإسلامى، بالعمل على استبداله بدين آخر تلفيقى يسمونه «الدين الإبراهيمى»، فإن هذا الخيار يستلزم تبنى خيار المواجهة مع تلك المخاطر والتحديات المتضمنة فى المشروع الصهيونى - الأمريكى بأبعاده الاستعمارية والإمبريالية، وبأبعاده الدينية المتخفية فى أطروحات الحضارة الغربية.

«مثلث النهضة» الذى بدونه لن يكون لدينا أمل فى هزيمة المشروع الصهيونى – الأمريكى.

وإذا كان خيارنا مع هذا المشروع الصهيونى – الأمريكى هو «خيار مقاومة» وليس «خيار مهادنة» أو «خيار استسلام»، فإن المواجهة تكون بالعمل على تأسيس مشروع للمواجهة يكافئ ويوازن المشروع الصهيونى – الأمريكى، ويعمل فى الاتجاه المعاكس، والوعى أولاً بأن هذا المشروع الذى يجب أن يكون مشروعاً نهضوياً للأمة يرتكز على أسس حضارية وهوية عربية - إسلامية، والوعى ثانياً بأن الصراع أضحى «صراع وجود» إما أن ينتصر المشروع الصهيونى – الأمريكى ويعلى من وجوده وسطوته على أنقاض وجودنا نحن كدول عربية وكأمة وكمرتكز حضارى عربى – إسلامى، وإما أن ننتصر نحن ويندحر هذا المشروع الصهيونى - الأمريكى، وتحقق الأمة وحدتها وتكاملها مع جوارها الحضارى الإسلامى فى مشروع نهضوى، جديد يضم الأمة العربية والأمة الإيرانية والأمة التركية، أى إقامة «مثلث النهضة» الذى بدونه لن يكون لدينا أمل فى هزيمة المشروع الصهيونى – الأمريكى.

ربما يرى كثيرون أن مثل هذا الطموح ليس إلا «هذيانا رغائبيا» (قائم على الرغبة والتمني)، نظراً لأن الأمة العربية الآن فى حضيض الحضيض، بدليل كل هذا القتل والتدمير الإسرائيلى الممنهج فى غزة والتوسع لضم القطاع مع الضفة الغربية إلى كيان الاحتلال الإسرائيلى وسط صمت دولى وعربى وعجز عن فعل أى شىء، لكن ولأننا وصلنا إلى هذا المستوى الشديد الرداءة وغير المسبوق من تدنى المكانة والتأثير، فقد أضحى ضرورياً أن نتحرك وبجدية نحو بناء مشروع للصحوة الجديدة الكفيل بتحقيق الطموح فى إعادة تأسيس للنهوض العربى.

ربما يكون السؤال المهم هنا هو: كيف؟

الإجابة المباشرة هى الوعى بحقيقة الصراع الذى يستهدفنا والذى وصفناه بأنه «صراع استئصالي» للوطن وللأمة وللهوية، صراع لا يعترف بقانون ولا يحترم مواثيق بدليل أن من يصارعوننا ارتكبوا، تاريخياً، أبشع مجازر التاريخ، وليس لديهم ما يمنعهم من أن يرتكبوا المجازر نفسها فى كل بلد عربى لتحقيق أهداف الاستئصالات التى يريدونها، والأمثلة على ذلك كثيرة بشواهد وسجلات التاريخ .

- ففى ألمانيا اغتصب الأمريكيون مع الإنجليز والفرنسيين مليونى امرأة ألمانية فى أثناء الحرب العالمية الثانية، وتسببوا فى وفاة 200 ألف امرأة بسبب الاغتصاب المتكرر.

https://www.youtube.com/watch?v=OXSQDDKf_wo&pp=0gcJCdgAo7VqN5tD

- فى حرب فيتنام قام الأمريكيون بقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، ونزعت أحشاء 3.000 شخص وهم أحياء، وإحراق 4,000 حتى الموت، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية.

- فى اليابان، قتلت القنابل ما يصل إلى 140 ألف شخص فى هيروشيما و80 ألف شخص فى ناجازاكى، وأضعافهم تشوهوا وماتوا بسبب الإشعاعات .

- فى الفلبين، حسب التحقيق الذى جرى فى الكونجرس فى جرائم الحرب فى الفلبين، تم إثبات قتل ما يقرب من مليون ونصف المليون مدنى.

- فى العراق: قتل 2 مليون مدنى ما بين شباب وأطفال ونساء وشيوخ، واغتصاب آلاف العراقيات بخلاف التعذيب الوحشى فى سجن أبوغريب.

وما يرتكبه الإسرائيليون فى قطاع غزة لا يقل بشاعة ولا وحشية حسب أحدث إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية التى تفيد باستشهاد 54 ألفاً و84 فلسطينية وإصابة أكثر من 123 ألفاً آخرين منذ السابع من أكتوبر 2023، ولا يزال آلاف الضحايا فى عداد المفقودين. وتشير بيانات الوزارة إلى أن إسرائيل: ارتكبت «14 ألف مجزرة بغزة، وتسببت بمسح 2483 عائلة من السجل المدنى بالكامل»، فيما بقيت 5620 عائلة ليس بها إلا ناج واحد .

ووفقاً للإحصائية ذاتها، يسقط طفل قتيل كل 40 دقيقة، وسيدة كل 60 دقيقة ، كما تشير إلى مقتل 16854 طفلاً منذ بداية الحرب بواقع 31.5% من أعداد الضحايا من بينهم 931 طفلاً كانت أعمارهم أقل من عام واحد.

هذه البيانات كافية لإعادة تخليق الوعى بمن علينا أن نواجههم ونقاومهم .

أمس الأول فقط تأكد استشهاد الدكتور حمدى النجار، متأثراً بإصابته، والد الأطفال التسعة الذين استشهدوا حرقاً واستقبلت أجسادهم المحترقة أمهم الدكتورة آلاء النجار التى كانت تمارس عملها فى معالجة الجرحى والمصابين بمستشفى ناصر فى خان يونس، وهى من استقبل الجثامين قبل أن تكتشف أنهم أبناؤها، وإن دل ذلك على شىء فهو دليل على جدية المشروع الاستئصالى الإسرائيلى، الذى شرح خلفيته العرقية اللواء «ديفيد زيني» الرئيس الجديد المعين من نيتانياهو رئيساً لجهاز الأمن الداخلى (الشاباك) فى تسريب نقلته «القناة 12» العبرية (25/5/2025) بقوله: «لدينا إنذار استخباراتى دائم بنيِّة مسلمين أشرار قتل يهود طيبين منذ أن ولد إسماعيل وحتى إشعار آخر».

هكذا يلخصون الصراع وامتداداته التاريخية ضدنا باعتباره «فريضة دينية» أولاً، ولأنه صراع مستقبلى بقدر ما هو صراع تاريخى.

الوعى بهذه الحقيقة هو المدخل الحقيقى للتأسيس لخيار الصحوة والمواجهة الذى يجب أن نسلكه وننخرط فيه حفاظاً على البقاء والوجود وأملاً فى مستقبل يليق بالمكانة التاريخية لأمتنا.

تساؤلات حتمية حول العلاقات المصرية الإيرانية؟

د. مدحت حماد.. أستاذ الدراسات الإيرانية جامعة طنطا.

أ.د. مدحت حماد

زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي إلى مصر، لم تكن زيارة عادية بأي حال من الأحوال. فرغم أنها زيارة لوزير الخارجية، إلا أنها حظيت بإهتمام ثنائي مصري إيراني، إقليمي ودولي غير متوقع على الإطلاق. أسباب ذلك كثيرة ومختلفة ومتداخلة ومتشابكة ومعقدة و... وهي تكاد تكون مرتبطة بالعالم بأسره، شرقه وغربه.. شماله وجنوبه، ولا عجب في ذلك، فالدولتان "مصر وإيران" هما من الأقطاب المغناطيسية الكونية التي تتعدد وتتقاطع مجالاتهما المعناطيسية على مستوى الكرة الأرضية. ما حدث بسبب وحول ونتيجة زيارة وزير الخارجية الإيراني يجعلنا نسأل: إذا كان هذا هو ما حدث نتيجة لزيارة وزير الخارجية الإيراني، فما الذي سيحدث عندما تكون الزيارة "هي زيارة رسمية لرئيس إيران إلى مصر؟".

بدر عبد العاطي وزير خارجية مصر.

ما السِر في حرص المسؤلين الأجانب لتناول "طبق الكشري المصراوي" في خان الخليلي بالحسين؟

مرة أخرى نعود لنسأل لماذا كل هذا الإهتمام، ولماذا جميع هذه التساؤلات المرتبطة بزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى مصر؟ السؤال المهم هو: ما السِر في حرص المسؤلين الأجانب لتناول "طبق الكشري المصراوي" في خان الخليلي بالحسين؟ منذ بضعة أسابيع كان ماكرون، واليوم عباس عراقتشي، فما السِر وراء ذلك؟ ثم يأتي السؤال الأهم قبل كل هذا، وهو: أين وكيف وبواسطة مَن تم الإعداد لهذا التطور الهام في العلاقات المصرية الإيرانية؟ السؤال الآخر الأكثر أهمية هو: ما هي الآفاق والتوقعات والنتائج والتداعيات والمتغيرات التي ترتبت ونتجت أو ستترتب وستنتج عن هذه الزيارة؟ إلى أي اتجاه ستقود هذه العلاقات؟ لصالح مَن وضد مَن ستكون النتائج؟ ما هي الأطراف المؤيدة والمُرَّحِبة والمساندة لعودة هذه العلاقات؟ وما هي الأطراف الرافضة والمعارضة والمعادية لها؟ كيف ستكون ردود أفعال وتصرفات الدول الأولى؟ ونفس الأمر بالنسبة للدول الثانية؟ وإذا نجحت الدول الأولى، فكيف ستكون النتائج؟ وهل ستتمكن الدول الثانية، مرة أخرى، من إجهاض الأمل في عودة علاقات الدولتين وتشاركهما؟

عباس عراقتشي وزير خارجية إيران.

إلى أي مدى سيكون حرص الدولتين على استكمال طريق تأسيس علاقاتهما الاستراتيجية من جديد؟ وكيف سيتحقق ذلك؟ وما هو الوقت اللازم لإدراك الأمر؟ إذا أدركت الدولتان إقامة شراكة إستراتيجية بينهما، على حساب من ولصالح من سيكون ذلك؟ أصلًا ما هي النوايا والدوافع التي أخذت الدولتين نحو إعادة التواصل ومن ثم التقارب السياسي فيما بينهما؟ كيف سيكون التوافق وما هو المدى الزمني لذلك؟ وما هي دوائر ونطاقات التقارب بين الدولتين؟ هل تنازلت الدولتان عن ثوابتهما الإستراتيجية من أجل إقامة العلاقات الثنائية بينهما؟ أم أن هناك تصحيح ما في طبيعة إدراك كل منهما تجاه الأخرى؟وإذا كان ذلك كذلك، فما هي المصلحة الكبرى أو العُظمى التي ترقد متكئة على أسِرَّتها خلف النوافذ والأبواب؟

هل المتغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية هي التي خلقت السبيل لذلك؟ أم أن صحوة تاريخية ثقافية حضارية هي التي أسست أو تؤسِّس لما هو قادم في الطريق؟ إذا كان نيتانياهو وترامب قد كشفا عن قرارهما بتغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط، فهل يمكن أن نعتبر أننا بصدد محور إقليمي مدعوم بمحور دولي يهدف إلى مجابهة أو إجهاض أو احتواء المشروع الصهيوأمريكي الخاص بالشرق الأوسط؟

السؤال الأخير هنا هو: هل إنتهت أو توقفت الأسئلة عند هذا القدر؟

بدر عبد العاطي وزير خارجية مصر وعباس عراقتشي وزير خارجية إيران.

عباسي عراقتشي يتناول "وجبة كشري مصرية" في خان الخليلي بالحسين.

عباس عراقتشي وزير خارجية إيران في خان الخليلي بالقاهرة الفاطمية.

رواية “حكاية إعدام جوزيف”. الحلقة الثامنة والأخيرة.

 تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول

د. ضيو مطوك ديينق وول

المشهد الخامس عشر

وصل عثمان كمبوني مجانيين وسط الخرطوم جوار ميدان أبو الجنزير، وكان ذلك يوم الأحد الساعة العاشرة، حيث كان الازدحام شديداً، كانت تجرى في آن واحد دروس خصوصية للطلاب، واجتماعات عائلية، الصلوات إلخ.

 لم يعرف عثمان ماذا يفعل لكن استأذن أحد الحاضرين:

  • لو سمحت أنا آسف ممكن أسألك؟
  • تفضل يا أستاذ.
  • أنا عايز أتحدث لقس.
  • طيب خليه ينتهي من الصلوات وبعد داك بكلمك.
  • طيب تمام. شكراً.

 جلس قليلاً وبعد شوية القس أتى:

  • السلام عليك. انا القس ايمانيول فرانكو.
  • شكرا يا قسيس. أنا الرقيب عثمان خاطر من سجن كوبر.
  • سجن كوبرررر!!! القس مندهش، انت عايز شنو؟
  • لا خير يا أبونا. أنا جيت عشان نطلب منك الخدمة.
  • تفضل- القس- يرد بنوع من الإرتياح ويبتسم..
  • هناك شخص محكوم بالإعدام في السجن وربما يتم تنفيذ الحكم عليه قريباً، هو طلب مني الاتصال بأي قسيس عشان يصلي له، لأنه كذب بانه هو القاتل، وليس هو القاتل.
  • وليه عمل كدا؟
  • عشان عايز بن لادن يدفع له الدية، فطلبوا منه دخول الإسلام وبعد ذلك يمكن دفع الدية، لكن للأسف الشديد القصة طلعت خدعة من أقارب المرحوم في إدارة السجن.
  • طيب المطلوب شنو؟
  • المطلوب نمشي السجن عشان تصلي له إذا سمحوا لك بالدخول.
  • إذا رفضوا؟ انت عارف الناس ديل أكثر مني.
  • ممكن تصلي له وهو غائب. هل هذه الفكرة موجود عندكم؟
  • نعم، فكرة جميلة. في المسيحية ندعو للحرية والغفران للسجناء. أنا في خدمة الرب يا عثمان.
  • خلاص أنا برجع الشغل يوم الثلاثاء يمكن تحضر إلى سجن كوبر حوالي الساعة الواحدة بعد الظهر.
  • اتفقنا. أشوفك على بركة الله. لكن دقيقة. هل ممكن أسألك؟
  • تفضل أبوبا.
  • هل أنت مسيحي؟
  • أبداً. أنا مسلم.
  • وليه مهتم بالموضوع دا شديد كدا؟
  • عشان جوزيف مظلوم وكل الأديان بما فيها الإسلام ترفض الظلم.

  • خلاص فهمت القصد، الرب سيكون معك دائماً.
  • شكرا أبوبا. أشوفك ببركة الله.

المشهد السادس عشر

في يوم الثلاثاء الساعة الواحدة، يظهر القس إيمانويل ومعه شخص آخر أمام البوابة الرئيسية لسجن كوبر، لكن الحرس منعهما وطلب منهما الاتصال بالرقيب عثمان خاطر الذي سمح لهما بالدخول، وعند التفتش وجد القس يحمل معه الإنجيل فأثار حفيظة الحرس وطلب من القس ألّا يحمل الإنجيل إلى الداخل، لكن القس أصرَّ على الدخول بالكتاب المقدس. الحرس يرفض ويتصل بالإدارة، ووصل الأمر إلى المقدم يس في إدارة المعتقلات فأصدر أوامره ليس بترك الإنجيل في البوابة فقط، لكن أيضاً بعدم السماح للقس بالدخول.

وافق القسيس على المغادرة لكن طلب من الحرس خدمة. أن ينادي له الرقيب عثمان خاطر؟ فطلب الحرس عثمان.

عثمان يحضر واعتذر للقس وقال له يمكن إجراء صلاة الغائب؟

فسر القس له مفهوم صلاة الغائب عند المسيحيين، وقال:

  •  هي صلاة على الأموات بحضور الجثة أو بعدمها، لأن الصلاة للروح وليس الجسد.  يواصل: ربما يكون من غير الأخلاقي أن نقيم صلاة الغائب لشخص ما يزال على قيد الحياة حتى ولو ذاهب إلى حبل المشنقة غداً. بكل التاكيد سنصلي لجوزيف عشان ربنا يغفر خطاياه، وهي صلاة نقيمها لأي مؤمن يطلب التوبة والغفران، خاصة السجناء والمرضى والمضطهدين، كل هذه الطقوس موجودة في تقاليد العائلات المسيحية. أنا أفهم بأن جوزيف محتاج للصلاة وسيواجه الموت قريباً. هو سيكون في صلواتي دائماً.

         يطلب القس الاسم كاملاً للمتهم وتفاصيل مشكلته ويقدم النصيحة أن يصلي جوزيف ويصوم، ثم غادرا.

في يوم الأحد، بكمبوني مجانيين، أًدرج اسم جوزيف جون في الصلاة المؤمنيين وهي طلبات يقدمها المصلُّون من أجل المحتاجين للخدمة الإلهية.

  شارك الحاضرون في الصلوات وقدموا الذبيح من أجل جوزيف ليغفر الرب خطاياه.

الغريب، أن القلائل الذين حضروا الصلوات من منطقته اتوكطو، لم يعرفوا قصة جوزيف، ربما الكثيرين منهم لم يكونوا في الخرطوم آنذاك عندما وقع الحادث قبل ستة سنوات، ولذلك لم يعرفوا شيئاً عن الشخص الذي يطلب القسيس ايمانويل الصلاة من أجله.

الفصل الرابع والأخير

المشهد السابع عشر

بعد غياب طويل في رحلة إلى جمهورية مصر العربية استغرقت ثلاثة أشهر، رجع انطوني كوين إلى السودان في نفس الرحلة التي تعرض فيها للاعتقال من قبل جهاز الأمن الوطني في وداي حلفا، بسبب تساهل السلطات المصرية معه في وقت كان السودانيون يتعرضون إلى الضرب والتفيش الشديدين من قبل السلطات نفسها.

ولذلك السبب تعرض انطوني كوين للضرب والاعتقال لمدة ثلاثة أيام بمعتقلات جهاز الأمن الوطني بوادي حلفا انتقاماً من تصرف الأمن المصري ضد السودانيين بميناء أسوان النهري.

هذه ليست أول مرة يتعرض فيها أنطوني كوين لمثل هذه الاعتقالات، حيث كان يتبوأ منصباً قيادياً في رابطة الطلاب الجنوبيين بالجامعة.  فقد اعتقل بمجمع الرميلة التابع لجامعة جوبا ضمن الطلاب الجنوبيين الذين قاموا بمظاهرات ضد سياسات التعريب بالجامعات السودانية، لا سيما جامعة جوبا التي كانت التدريس فيها باللغة الإنجليزية، لكن النظام في الخرطوم أجبر الأساتذة والطلاب على التعلم باللغة العربية.

كل هذه الأشياء كانت تحدث باستمرار للطلاب الجنوبيين في الجامعات السودانية، خاصة لرابطة الطلاب الجنوبيين بجامعة جوبا (جوسا)، والجبهة الوطنية الإفريقية بجامعة الخرطوم (ANF)، وكل الروابط وجميع التنظيمات الطلابية الجنوبية بالجامعات الأخرى.

كل هذه الأفعال تهدف إلى التغيير الديموغرافي وتنفيذ المشروع الحضاري وتحقيق مجتمع عربي مسلم يدين بالولاء للعروبة والإسلام في السودان.

المهم، لنعود إلى زيارة السجن، حيث وصل أنطوني كوين الخرطوم يوم السبت، وفي يوم الأحد حوالي الساعة الحادية عشر سجل زيارة إلى سجن كوبر لمقابلة السجين جوزيف جون الذي لم يره خلال الأشهر الثلاثة التي قضاها بمصر، ليفاجأ بأن جوزيف غير موجود في المعتقل.

يصل المدخل الرئيس المخصص لإجراءات الزوار يجد حرساً ويلقي عليه السلام:

  • السلام عليكم.
  • وعليكم السلام.
  • أنا عايز نعمل لي اجراءات الدخول.
  • انت ماشي لمنو؟
  • عايز أزور السجين جوزيف جون.
  • جوزيف جون؟ الزول دا ما أُعدم من زمان.
  • أُعدم؟
  • نعم أُعدم قبل شهر كدا. انت ما عندك خبر؟
  • أبداً. كنت خارج البلد.
  • أوكي، الزول دا مات.
  • طيب ممكن تطلب لي الرقيب عثمان خاطر؟
  • عثمان خلى الشغل.
  • ليه خلى الشغل؟
  • قدم استقالة قبل أسبوعين.
  • طيب انت عارف مكانه؟
  • أبدا. لكن بقولو هو ساكن الحاج يوسف شارع واحد، بجوار آخر محطة.
  • شكراً لك.

ثم غادر أنطوني كوين.

المشهد الثامن عشر

أنطوني كوين يصل آخر محطة الحاج يوسف شارع واحد، ويسأل الشاب الذي كان موجوداً في المحطة، ليخطره أحدهم بأنه هو شقيق عثمان الأصغر وأخذه إلى منزلهم.

عثمان يسقبل أنطوني كوين ويبكي بشدة، ويقول:

  •  الله يرحمه. تعال نجلس هنا.

 يمسك بيده إلى الصالون وشقيقه الأصغر يأتي بمياه الشرب.

يسأل أنطوني كوين: يا عثمان، كدى أحكي لي الحاصل؟

  • طيب التنفيذ تم كيف؟ لأن أفراد الأسرة كلهم مافي زول عنده خبر.
  • قبل الإعدام بيوم طلب مني وشخص آخر مرافقة المتهم إلى منزل أحد أقاربه. جوزيف قال نمشي لخاله اللواء مورس تونق في الطائف، لكن للأسف الشديد لم نجده في المنزل، انتظرنا في المنزل لأكثر من الساعة لكن جاءنا شاب وقال إن والده غير موجود في المنزل، فخرجنا وعدنا إلى السجن وكنت فاكر بأنه سيخطر والده بزيارتنا حتى يصلنا في السجن لكن لم يحدث. وفي اليوم التالي عند الفجر تم اقتياد جوزيف إلى المشنقة وتم اعدامه. هو وانطوني كوين يبكا.
  • طيب وصيته كان شنو؟
  • ابدا، هو حزين شديد بوقوعه في خداع يس، وهو غير نادم لموته لأنه هو عارف لم يرتكب جريمة القتل، لكن الشيء المعذبه هو الكذب الذي وقع فيه وقبل بموجبه أنه القاتل واشهاره للاسلام، ولذلك كان يريد أن يحكي هذه القصة لخاله حتى يخطر والدته بانه لم يرتكب جريمة القتل.
  • وليه ما حكي هذا الكلام لولد خاله الذي وجدتوه في المنزل؟
  • والله أنا ما عارف لكن كان مستاء للغاية من الموقف، وطلب مني أن آتي بقس إلى السجن للتوبة والصلاة وحاولنا فعلا لكن لم يلتقِ بالقس. الكويس القسيس ايمانويل قال سيصلي له وعلمت فيما بعد بانه أقام الصلاة بكمبوني مجايين. يتقبله الله.
  • يعني همه فقط يحكي هذه القصة؟
  • نعم دا كلامه.
  • انا بحكيها.
  • طيب خليني نسألك؟
  • تفضل.
  • ليه انت خليت الشغل؟
  • انا تأثرت بالظلم اللي وقع فيه هذا الشخص الطيب. أنا عارف جوزيف لم يكن هو القاتل لكن ظلم الدينا أخذ حياته. أنا غير مرتاح في السجن بالذات لمن نشاهد الزنزانة التي كان يقضي فيها جوزيف عقوبته غير العادلة. ثانيا بقيت ملاحق من قبل المقدم يس وخايف نقع في مشكلة معه لاني والعقيد معاوية مصنيفين باننا ضد الكيزان. ثالثا، والدتي من الدينكا، كان الوالد يعمل في شرطة السكك الحديد في بحر الغزال وتعرف علي والدتي فاطمة نواي، وتزوجها، فأنا شايف جوزيف زي خالي.
  • والله كلام غريب يا عثمان انا من زمان شاعر بحاجة يربطك بـ جوزيف، لكن دا شنو انا ما عارفه، قلت ننتظر نشوف. طيب انا عايز اشوف قبر جوزيف هل ممكن ؟
  • ليه لا، ممكن نمشي بكرة. خلينا نتلاقي في كمبوني مجانيين الساعة العاشرة الصباح.
  • كلام جميل. آخر حاجة. هل الوالدة موجودة؟
  • نعم موجودة.
  • طيب ممكن نسلم عليها؟
  • جدا؟ يا ماما- ينادي.

الحاجة فاطمة تدخل وهي امراة طويلة القامة، داكنة اللون تظهر في جبهتها الشلوخ، تتحدث بلغة الدينكا. بحرارة شديدة تحي:

  • السلام عليك ياولدي.

أنطوني كوين يرد: وعليكم السلام عمتي، ويعرف نفسه لها.

  • انت من عائلة أرومجوك؟
  • نعم عمتي. انتي تعرفي هذه العائلة؟
  • نعم هم سلاطين منطقتنا، اتوكطو.
  • انت من اتوكطو؟
  • نعم انا من العشيرة فاتييك وأسمي أباك نووي لكن الآن معروفة ب فاطمة نواي.
  • طيب انت عارفة العمدة جون باك؟
  • كيف لا نعرفه؟ العمدة جون باك دا أخوي قريبي.
  • المرحوم جوزيف دا ولده.

 تمسك يد انطوني وتبكي شديد.

  • انت عارف، عثمان حكي لي قضية جوزيف دا، لكن ما عرفت دا ولد أخوي جون باك.

تبكي للمرة الثانية...

  • معليش عمتي الدنيا ظالمة، الله يرحمه ويغفر له. أنا عرفت البيت سأزوركم المرة الجاية. اشوفكم ببركة الله.  انطوني كوين يختم حديثه.
  • يلا خلاص مع السلامة نتلاقي بكرة يا عثمان.

في اليوم التالي، عثمان يحضر الكمبوني ويذهب مع انطوني كوين إلى مقابر المسلمين بالصحافة لزيارة قبر جوزيف. في المقابر انطوني كوين يوعد عثمان بأنهم كعائلة سيعمل من أجل نقل القبر إلى مقابر المسيحيين إذا سمحت السلطات بذلك وهو الطلب الذي قوبل بالرفض من قبل الإدارة المحلية لاحقاً.

***

المشهد التاسع عشر والأخير.

في منتصف سنة 2002 قرر النظام التوقيع على تقرير المصير في جنوب السودان مع الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وإجراء الإستفتاء في نهاية الفترة الانتقالية التي مدتها ست سنوات، وكلف شخصية مؤثرة في الدولة والتنظيم بقيادة الملف في خطوة وصفت بالجدية.

وفي الترتيبات الأمنية، وافق الطرفان على إنشاء قوة مشتركة لحماية المدن الرئيسية والشخصيات الهامة، وتم إرسال 1500 مقاتل من الجيش الشعبي إلى الخرطوم من بينهم يوسف مارتن الذي قتل محي الدين أحمد شريف في اللاماب وفرَّ مع صديقه باتجاه الرميلة، ومنها سافرا صباح اليوم التالي إلى جنوب السودان عبر كوستي وانضما إلى الجيش الشعبي.

أيضاً كان من بين البنود المتفق عليها العفو العام على مقاتلي الجيش الشعبي في الجرائم السياسية المرتكبة ضد الدولة، ولم يشمل العفو الجرائم ذات الطابع الشخصي، إلا أن أسرة المرحوم جوزيف جون اتفقوا على قفل هذا الملف وعدم إثارة الموضوع، سائلين الرب أن يرد ظلمه ويسكنه في ملكوته، لكن سرد هذه الحكاية- كما جاءت في وصيته- أصبحت وعداً للأحياء ولازم تُحكي حتى يشعر بالراحة الأبدية.   

صور من حفل توقيع وتدشين الرواية الذي أقامه مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية بالقاهرة

مَن هو الدكتور ضيو؟

د. ضيو مطوك ديينق وول

عمل الدكتور ضيو مطوك ديينق وول، أستاذاً مشاركاً بمركز دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا.

– يعمل حالياً وزيراً للاستثمار، وهو مقرر "لجنة وساطة السلام حول الصراع السوداني المسلح".

– مُنح الدكتور وول جائزة السلام وسُمِي سفيراً للسلام من قبل اتحاد السلام الدولي لدوره في وساطة السلام السوداني في العام 2020م.

نشرت له العديد من المقالات العلمية في مجال دراسات السلام وفض النزاعات في الدوريات العالمية.

نشر له عن دار النخبة:

الرعي، الحدود والنزاعات: الإدارة وإدارة النزاع في الـ 14 ميل.

سياسة التمييز الإثني في السودان.

رواية “حكاية إعدام جوزيف” الحلقة السابعة.

 تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول

 تأليف د. ضيو مطوك ديينق وول

المشهد الثالث عشر

قبل الذهاب إلى المحكمة بصورة رسمية، أمين الحركة الإسلامية بمحافظة الخرطوم يكتب مذكرة لقاضي المحكمة الجنائية بالشجرة، دائرة الاختصاص، لإعادة النظر في القضية ويقول في رسالته:

الأخ مولانا شرف الدين فضل المولى،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أما بعد، أبعث إليكم بهذه الرسالة سائلاً المولى عز وجل أن يجدكم بصحة وعافية

أريد أن أُلفت انتباهكم للقضية رقم 43/1986 المتهم فيها جوزيف جون المعروف بـ "يوسف" في قتل محي الدين أحمد شريف، وهي قضية شرف هُدِر فيها دم مسلم بدم بارد ولازم نرد شرف الأسرة.

 بطرفكم الأستاذ عبد العظيم فاروق المحامي وبحوزته أدلة جديدة عبارة عن اعترفات القاتل. رغم أن هذه القضية حكمت قبل ست سنوات، يجب مراجعتها وإعطاء فرصة لأولياء الدم لاستئناف وإعادة النظر في الحكم نتيجة لظهور أدلة جديدة.

 بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.

أخوك/ عزالدين عبد القادر المجتبى

أمين الحركة الإسلامية بمحافظة الخرطوم.

قبل تقديم الأستاذ عبد العظيم المحامي أواراق الاستئناف مدعومة بالاعترافات المكتوبة والمبصومة من قبل المتهم جوزيف جون، قام الشيخ أحمد شريف والد المرحوم بزيارة القاضي بمنزله وسلمه خطاب أمين الحركة الإسلامية بمحافظة الخرطوم.

وفي اليوم التالي، تم استئناف القضية في المحكمة الأعلى وشكلت دائرة جديدة للنظر في القضية، وفعلاً بعد ثلاث أسابيع صدر قرار محكمة الاستئناف باعادة النظر في القضية والعقوبة ليكون الإعدام.

أعلنت المحكمة جلسة عاجلة لإخطار المتهم وأولياء الدم بقرار المحكمة الأعلى دون الاستماع للمتهم والشهود، وتم إحضار جوزيف إلى الجلسة بمفرده في غياب محاميه وأسرته وهو يعتقد بأنها جلسة للإفراج عنه بعد مبادرة رجل البر والإحسان الشيخ أسامة بن لادن، إلا أنها كانت جلسة لإعلان قرار جديد للمحكمة الأعلى التي قررت إعادة النظر في قرارها السابق بدفع دية قدرها واحد وعشرون ألف جنيه، وفي حالة عدم الدفع يقضي المتهم عشرة سنوات في السجن، واعتماد قرار جديد عبارة عن الإعدام شنقاً حتى الموت.

يقول الرقيب عثمان، الذي يرافق المتهم، بأنه حقاً يوم حزين في تاريخ بلادنا وللسجين جوزيف جون الذي قضي أكثر من نصف مدة حكمه في السجون. هو يوم فعلاً ثبت فيه بأن الكيزان دمروا المنظومة العدلية ويجب ألا تترك هذه الأشياء تذهب هكذا، هذا هو زوال العدل وانهيار الدولة. 

***

المشهد الرابع عشر

كان قرار المحكمة صادماً ليس لجوزيف فحسب، لكن لكل السجناء والسجانيين في سجن كوبر، بما فيهم المعتقلين السياسيين الذين أبدوا قلقهم لما وصل إليه حال البلاد في ظل حكم الإسلاميين، وهذا بمثابة انهيار وزوال الأسس والمبادئ العدلية في البلاد.

الرقيب عثمان الذي رافق المتهم جوزيف إلى المحكمة يعود إلى السجن ومعنوياته منهارة، ويذهب إلى العقيد معاوية مامون، نائب مدير إدارة السجن ويطلب منه الإذن لمدة يومين حتى يستريح.

  • يحيي... صباح الخير سعادتك.
  • صباح النور عثمان.
  • سمعت الحاجة الحاصل أمس للسجين جوزيف؟
  • نعم، عرفت أنه رجع المحكمة للتسوية بعدما سدد له أسامة بن لادن الدية.
  • أبداً، رجعوا المحكمة عشان يعيدوا النظر في الحكم السابق؟
  • كيف الكلام دا يعني؟
  • والله العظيم يا سعادتك.
  •  لكن كيف يعدلوا النظر في قضية مضت ستة سنوات عليها، وتبقى فقط أربعة سنة لانتهاء العقوبة؟
  • يا سعادتك ديل كيزان. مافي شي مستحيل عندهم.
  • والقائدة القانونية التي تقر عدم جواز النظر المزدوج؟
  • يعني شنو يا سعادتك؟
  • طيب، هذه القائدة تقول لا يمكن حكم الشخص مرتين في نفس القضية لأنه يجهض العدالة.
  • طيب يا سعادتك لكن الآن حكموه للمرة الثانية؟
  • هذا يمكن يحدث في حالة واحدة فقط.
  • ياتو حالة طيب؟
  •  اذا وجدوا أدلة الجديدة غير تلك المتوفرة لحظة الحكم السابق.
  • أه عشان كدا.
  • عشان كدا شنو يا عثمان؟
  • الناس ديل خدعوا جوزيف باعترافات عن طريق بن لادن واستلموا المستند إلى المحكمة.
  • دا كلام شنو دا يا عثمان؟
  • عدم الأخلاق والإنسانية سعادتك. 
  • معك حق يا عثمان شوف هم عملوا شنو في إدارة السجن. يجيبوا ناس من منازلهم لقيادة مؤسسة لها أكثر من مائة عام؟
  • انت عرف شنو يا سعادتك؟ اليوم المقدم يس طلع قريب المرحوم محيي الدين، الشخص الذي قيل بأن جوزيف قتله، الزول دا ود خاله عديل.
  • لا حول ولا قوة. معقول.
  • نعم، عشان كدا حاول بشدة يلغي إجراء المحكمة الأولية ويصدر عقوبة الإعدام. والله مسكين جوزيف.
  • انت في جوزيف وحده يا عثمان؟ البلد كلها في الورطة والله العظيم.
  • ربنا يكون في العون. يا سعادتك. طيب في موضوع تاني يا سعادتك.
  • ياتو موضوع؟
  • جوزيف طلب مني أجيب له القس عشان يصلي له؟
  • دي فكرة كويسة خاصة بعد قصة بن لادن دا، لكن كيف يتم هنا في السجن؟
  • والله دي ياها المشكلة. سعادتك.
  • الكيزان ما يسمحوا بدخول القس للصلاة هنا في السجن.
  • طيب بشيل اعترافات جوزيف وامشي لهم في كمبوني مجانيين.
  • كمبوني مجانيين؟
  • نعم سعادتك- يضحك- هو مكان تواجد الجنوبيين خاصة في يومي الجمعة والأحد للدروس المجانية. عشان كدا سمعوها كمبوني مجانيين.
  • طيب، خلاص بمنحك ثلاثة أيام إجازة عشان تمشي تفتش القس يصلي لصاحبنا قبل الإعدام.
  • شكراً سعادتك.

العقيد معاوية مأمون كان ينتمي للجبهة الوطنية الإفريقية بجامعة الخرطوم، وعقب تخرجه من كلية القانون التحق بكلية السجون وتخرج منها برتبة نقيب وهو من الضباط القلائل الذين يبشرون بفكرة السودان الجديد التي تحملها الراحل جون قرنق دي مبيور مؤسس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان. 

***

د. نسرين حلمي: تدق أجراس الخطر حول دور أغاني المهرجانات في الجرائم الإجتماعية.

د. نسرين حلمي أستاذة البيانو والمصاحبة بكلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان، تقوم منذ عام تقريبًا في بث وتسجيل سلسلة حلقات حول "أغاني المهرجانات ودورها في الجرائم الإجتماعية". في هذا الموضوع سيقوم مركز الفاربي للدراسات بنشر سلسلة مقالات حول هذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تنتشر في المجتمع المصري من خلال أغاني المهرجانات، التي تصفها بأنها "تبث السُم في العسل".

من ناحية أخرى، وبمناسبة يوم المرأة العالمي، تربط الدكتورة نسرين "ربطًا فريدًا وبديعاً بين الموسيقى والمرأة" فتقول: تحمل الموسيقى أوجهاً متعددة مثل المرأة؛ ففيها النعومة والرومانسية والشقاوة داخل المنزل، بينما تظهر خارج البيت بطاقة ونشاط والتزام. لهذا فهي تنصح المرأة وتقول لها: "استمعي للموسيقى المناسبة في كل لحظة فهي ليست مجرد أنغام بل تعبير عن تعددية وجمال المرأة".

https://www.facebook.com/share/v/19Qmcs48YB

https://www.youtube.com/watch?v=eMGSisR_w38

مركز الفارابي يُعيد من جديد إصدار “التقرير الإستراتيجي الإيراني السنوي”.

بعد انقطاع استمر ثمان سنوات، وفي اطار المتغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية المتلاحقة، سيقوم "مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية" بإعادة اصدار "التقرير الإستراتيجي الإيراني السنوي"، الذي كان يصدره "الأستاذ الدكتور مدحت حماد لأكثر من خمسة عشر عامًا، في الفترة من 1996 وحتى عام 2014-2015".

من المستهدف أن يتضمن هذا التقرير الملفات والقضايا الإستراتيجية الخاصة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، على الصعيدين الداخلي والخارجي. كما سيعمل هذا التقرير على القيام بعدد من الدراسات الخاصة بـ "تقدير الموقف الإيراني"، التي من شأنها إستقراء "مستقبل نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية" بمناسبة مرور 45 عامًا على تأسيسه في عام 1979 من جهة وكذلك "مستقبل أيديولوجية ولاية الفقيه"، بوصفها "الركيزة العقائدية السياسية" التي قام وتأسس عليها النظام السياسي الإيراني المعاصر "كأول نظام جمهوري غير ملكي" على إمتداد التاريخ السياسي لإيران منذ "الإمبراطورية الهخمانشية" من جهة أخرى.

آية الله العظمى الإمام الخميني "مؤسِّس الجمهورية الإسلامية"، و خليفته "آية الله العظمى سيد علي خامنه اي" مرشد الجمهورية الإسلامية الحالي

من المقرر أن يشارك في إعداد هذا التقرير عدد من شباب الباحثين المهتمين بالشأن الإيراني والإقليمي والدولي، بجانب النخبة الفكرية المصرية العربية وغيرها المهتمة والمتخصصة في الشأن الإيراني طوال العقود الثلاثة الماضية. كذلك من المقرر أن تبدأ أولى الجلسات التحضيرية في نهاية يونيو القادم. هذا وسوف يتم الإعلان عن فتح باب المشاركة في إعداد هذا التقرير عقب إنتهاء أجزة عيد الأضحى المبارك بإذن الله.

"سيد علي خامنه اي".. الرجل الشيخ، الذي وَرِث الإمام الخميني، والذي لازال يدير بمهارة "الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط منذ خمسة وثلاثين عامًا"، في أعقد مبارة شطرنج عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

من الجدير بالذكر هنا أن مركز الفارابي كان قد سبق له إصدار "التقرير الإستراتيجي الأمريكي السنوي في عام 2015" وهو التقرير الذي تمت مناقشته في النادي الدبلوماسي بوزارة الخارجية المصرية في 26 مايو 2015 بحضور معالي السفير إيهاب نصر مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية وكذلك سيادة "الفريق حمدي وهيبه رئيس أركان حرب القوات المسلحة، قائد الحرس الجمهوري الأسبق". بهذه المناسبة سيقوم المركز بإعادة نشر بعض ما كان التقرير قد انتهى إليه من نتائج وتوصيات.

د. مدحت حماد يكتب: “بازل القدرات الجوفضائية” الإيرانية.

د. مدحت حماد.

أستاذ اللغة الفارسية والدراسات الإيرانية

تعد إيران هي الدولة الأولى في العالم التي أنشأت ما يسمى بـ "القوات الجوافضائية" وذلك في العام 2014، تلتها روسيا، ثم الصين فالولايات المتحدة الأمريكية. لتكشف بذلك عن "طموحها الإستراتيجي الكوني"، الممتد إلى خارج نطاق الطرة الأرضية، حيث تعتزم الجمهورية الإسلامية الإيرانية الوصول إلى الكيل 75000 خراج الغلاف الجوي.

طريق الألف ميل يبدأ بخطوة.

هذه الجملة، أو هذه الحكمة، تنطبق تمام الإنطباق على الإيرانيين الذين هُم "في مقدمة وصدارة صٌناع السجاد اليدوي في العالم" وهي الصناعة التي لا تتحقق ولا تنجح ولا تزدهر إلاَّ بالصبر. طريق الألف ميل يبدأ بخطوة.

1994 هو عام وضع حجر الأساس لبرنامج الفضائي الإيراني.

في عام 1994 كان مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية "سيد علي خامنه اي" قد دشَّن "إطلاق" البرنامج الفضائي الإيراني، دون أن يلتفت أحد لذلك، حيث كان الاعالم بأسره، قد إندفع للمشاركة في تنفيذ "خطة إعادة الإعمار" التي كان قد وضعها هاشمي رفسنجاني، بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية. فبالتوازي مع تنفيذ خطة الإعمار الشامل، كانت إيران قد بدأت في تنفيذ مجموعة من البرامج والخطط الإستراتيجية الأخرى وهي: برنامج الصواريخ الباليستية، البرنامج النووي والبرنامج الفضائي.

إذًا، كان السيد "علي خامنه اي"، قد أصدر تكليفه الإستراتيجي الديني القومي الإيراني: "على علماء إيران النجباء النبهاء المؤمنين المخلصين الصادقين، أن يحددوا لإيران أين ومتى وكيف تقف في الفضاء". ومنذ ذلك الوقت واجمهورية الإسلامية الإيرانية تسير بخطى حثيثة وطيدة لتحقيق هذا الهدف، حتى أخذت مؤشراته تظهر إلى النور في نهاية فترة رئاسة أحمدي نجاد الثانية، أي في نهاية عام 2011 والربع الأول من عام 2012، حين أعلن أحمدي نجاد قائلاً: "إنه ردًا على العقوبات الأوربية والأمريكية التي فرضت على إيران، فإن إيران سوف تطلق أول قمر صناعي، صناعة إيرانية، من داخل محطة فائية إيرانية داخل إيران، في عام 2018 بدلا من عام 2020، وهو ما تحقق فعليًا، في نهاية فترة "حسن روحاني".

"على علماء إيران النجباء النبهاء المؤمنين المخلصين الصادقين، أن يحددوا لإيران أين ومتى وكيف تقف في الفضاء"

الآن ونحن نقترب من منتصف عام 2025، نستطيع أن نؤكد على الحقائق التالية"

  • تمتلك إيران الآن منظومة من محطات إطلاق المركبات والأقمار الصناعية تصل إلى ست محطات داخل إيران.
  • تمتلك إيران الآن قرابة 30 قمراً صناعيًا عسكرياً وعلميًا واتصالاتيًا من طرازات مختلفة، وعلى ارتفاعات مختلفة تبدأ من 425كم فوق سطح الأرض وحتى 1225كم فوق سطح الأرض.
  • خلال الفترة من مارس 2022 مارس 2023 أطلقت إيران، 11 قمرًا صناعيًا .
  • أعلنت إيران في في 3 فبراير 2024 الإنتهاء من تصنيع 30 قمر صناعي، وأن 12 قمرًا صناعيًا جاهزًا للإطلاق حتى مارس 2024. (الجدير بالذكر أن الثالث من فبراير هو العيد الوطني الإيراني للصناعات الفضائية).
  • تضم الصواريخ الفضائية الإيرانية صواريخ طراز: سيمرغ "العنقاء"، ذو الجناح، قاصد، قائم.
  • تتشكّل منظومة الصناعات الفضائية الإيرانية من : منصات الإطلاق، الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، المحطات الأرضية، والصواريخ حاملة الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية.
  • من طرازات الأقمار الصناعية العاملة الآن: أسرة الأقمار الناعية "نور"، مهدا، هاتف، كيهان. والقمر الصناعي "مهدا" يعمل بالطاقة الشمسية، وهو يعمل في مداره على ارتفاع 1150كم، أما أسرة الأقمار الصناعية "نور" (1،2،3،4) فهى تعمل على ارتفاعات تتراوح بين 425-525كم فوق سطح الأرض.
  • من المهام العلمية التي تقوم منومات الأقمار الصناعية الإيرانية بخلاف المهام العسكرية: مسح الأرض طوبوغرافيًا، جيولوجيًا، مناخيًا، الحرارة، الرطوبة، الطقس، الاتصالات، انترنت الأشياء".
  • من المنظمات والمؤسسات العاملة في مجال الفضاء "جامعة مالك الأشتر"، منظمة الفضاء، وزارة الدفاع، جامعة شريف صنعتي، وزارة الصناعة، جامعة طهران، وزارة الاتصالات.
  • إنشاء محطة الفضاء في منطقة "جاسك" على المحيط الهندي.

من ناحية أخرى، وبالتوازي مع ذلك، قامت إيران بخطوتين استراتيجيتين نوعيتين هما: تدشين القيادة البحرية لأعالي البحار في عام 2019، تدشين القيادة البحرية القطبية الخاصة بالقطب الجنوبي، جنوب المحيط الهندي، وذلك في 2014.

https://www.youtube.com/watch?v=auiiSRVckcs#:~:text=%D9%88%D8%A8%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%86%20%D9%81%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D9%8A%20%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%20%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%87%20%D8%B4%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%85,%D9%81%D9%8A%20%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%87%20%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%85%20%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D9%87%20%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%D8%AF%D9%88%D9%84%20%D8%B9%D8%AF%D9%87.&text=30%20%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%87%20%D9%84%D9%87%D8%A7%2070%20%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D8%A7%20%D8%A8%D8%AD%D8%AB%D9%8A%D8%A7%20%D9%86%D8%B4%D8%B7%D8%A7%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D9%87.

في هذا الصدد، يُذكر أن القيادة العامة للقوات البحرية الإيرانية توجد في ميناء "بندر عباس" بجانب القيادة الجوية البحرية في بندر عباس التي تضم 15 طائرة، بينما توجد قيادة المنطقة البحرية الثانية في ميناء"جاسك" وتضم مناطق "هرمزجان، بوشهر، عسلويه، خارك وخرمشهر"، أما قيادة المنطقة البحرية الثالثة فتوجد في "كنارك" وتضم "سيستان وبلوتشستان، بالاضافة إلى تشابهار على المحيط الهندي والحدود الإيرانية الباكستانية. أخيرًا توجد قيادة المنطقة البحرية الرابعة في "ديار أنزلي"، التي تضم مقر قيادة القوات البحرية في قزوين، مقر صناعة الغواصات، ومقر صناعة السفن الحربية" وأخيرًا مقر القيادة العامة للقوات البحرية ومركز صناعة السفن المعروف "ندا جا" بإسم "شهداء 7 تير"، هذا إلى جانب "القاعدة الجوية الإستراتيجية البحرية" في بحر قزوين، التي تشتمل على 56 طائرة. وأخيرًا "جامعة الإمام الخميني للعلوم والتكنولوجيا البحرية" الخاص بتعليم وإعداد "قادة القوات البحرية"

دكتور محمد السعيد إدريس: الاستجابة والصحوة والأسئلة الصعبة؟؟؟

د. محمد السعيد إدريس

خبير ومستشار مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية

العدو الصهيونى، مدعوماً بقيادته الأمريكية لن يتردد لحظة فى الوثوب على مصر إن استطاع ذلك.

لم يعد خافياً على أحد كم ونوع التحديات الهائلة التى تواجه الأمة . وعندما نقول الأمة فيجب أن نكون على اتفاق فى الوعى بالمعنى، الذى نريده ونقصده بمصطلح الأمة، استباقاً لأى اشتباك قد يفرض نفسه حول المفاهيم . نعنى بالأمة، فى مقامنا الراهن بداية «الوطن المصرى» باعتباره جزءاً أصيلاً من أمته العربية. فمصر أضحت «فى قلب العاصفة» التى تجتاح معظم الدول العربية الشقيقة. فهى كما يقول الأعداء «جائزتهم الكبرى» التى يحلمون بها. يجب أن نعى كمصريين أن مصر فى خطر، والعدو الصهيونى، مدعوماً بقيادته الأمريكية، لن يتردد لحظة فى الوثوب على مصر، إن استطاع ذلك، أو إن أتاحت له تداعيات الأحداث تحقيق هذا الحلم اقتناعاً بأنه لا مستقبل ناجح للمشروع الصهيونى قبل القضاء ونهائياً على أى خطر مصرى محتمل.

كذلك نعنى بالأمة هنا أيضا «أمتنا العربية» كما تتجسد تاريخياً على أرض وطننا العربى الممتد من الخليج العربى إلى المحيط الأطلسى ، وهو الوطن الذى يتعرض الآن لأخطر تحدياته، حيث تجرى ثلاث عمليات استئصالية فى هذا الوطن فى وقت واحد، هي كالتالي:

الأولى عملية تفكيكه وإعادة تقسيمه إلى دويلات عرقية وطائفية ودينية، لتكون هذه الدويلات مُهيأة للخضوع والتبعية للقيادة الإقليمية الإسرائيلية.

الثانية.. عملية القضاء النهائى على قلبه النابض وموازن توحده، وأعنى فلسطين. هذه المرة، غير ما حدث بعد عدوان يونيو 1967 لا يكتفى الإسرائيليون باحتلال الأرض التى احتلوها عام 1967، بل إنهم حريصون على تصحيح ما يعتبرونه خطأ فادحاً ارتكبوه عقب حرب 1967، وهو تفريغ الأرض من الشعب، لأن بقاء الشعب على الأرض اكتشفوا أنه الخطر الأكبر الذى يولد موجات المقاومة تلو الأخرى. هم الآن يعملون على تفريغ فلسطين من شعبها بالقتل والطرد، حتى لا يبقى وجود لفلسطين.

الثالثة.. فهى استئصال الهوية الحضارية وعمقها الإسلامى. فى مرحلة من المراحل كانت «العروبة» هى المستهدفة، وعملوا على إسقاط مشروع النهوض العروبى للأمة، الذى قاد الزعيم جمال عبدالناصر النضال من أجله. والآن جاء الدور لاستئصال «الإسلام» حتى لا يبقى للأمة مرتكز هوية بالقضاء نهائياً، كما يأملون على الإسلام اعتقاداً منهم أنهم قضوا على العروبة.

رأس الحربة فى هذه العمليات الاستئصالية هو تبنى الولايات المتحدة، فى ظل إدارة رئيسها الحالى دونالد ترامب مشروع «إسرائيل الكبرى». ويعى الإسرائيليون أن تحقيق هذا الطموح يتم من خلال مبدئين أساسيين استراتيجيين صاغهما «أوديد إينون» مستشار أرييل شارون رئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلى الأسبق فى وثيقة أعدها عام 1982 تحت عنوان «استراتيجية إسرائيل للثمانينيات».

هذان المبدآن هما: العمل أولاً على تحويل إسرائيل إلى قوة إقليمية إمبريالية. العمل ثانياً على تحويل المنطقة برمتها إلى دويلات صغيرة عن طريق تفكيك جميع الدول العربية القائمة حالياً. لقد تضمنت هذه الاستراتيجية تخطيطاً لتفكيك الدول العربية إلى كيانات طائفية وعرقية ودينية صغيرة، بهدف ضمان تفوق إسرائيل الإقليمى من ناحية، القضاء على العروبة كهوية حضارية جامعة للأمة العربية من ناحية أخرى، وركزت بشكل خاص على سوريا، مشيرة إلى ضرورة تقسيمها إلى دويلات : علوية وسنية ودرزية.

جوهر استراتيجية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وإدارته.

هذه الاستراتيجية هى جوهر استراتيجية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وإدارته. فإذا كان ترامب قد أعطى الضوء الأخضر لرئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو لتفريغ قطاع غزة من شعبه، والترويج لعمليات تستهدف نقل مليون فلسطينى من أهالى غزة إلى ليبيا، فإن ترامب استهدف فى جولته الخليجية الأخيرة, تهيئة الأرضية لإنجاح استراتيجية إسرائيل، بشقيها: أن تتحول إلى قوة إقليمية كبرى مسيطرة دون منافس إقليمى، وتفكيك الدول العربية وإنجاح مخطط التقسيم، وإعطاء الأولوية لسوريا، مع تجهيل متعمد لجرائم «العِرْقْبادة الإسرائيلية» (التطهير العرقى والإبادة الجماعية) فى قطاع غزة. وقبل هذا وذاك توجيه ضربة موجعة للأمة بمفهومها الحضارى العربى – الإسلامى، بإعطاء توجيهات إلى ضرورة انخراط دول المنطقة عموم الدول العربية فيما يسميه «السلام الإبراهيمي» وهو المشروع المزدوج النَصْل، نصله الأول: فرض التطبيع القسرى مع إسرائيل. نصله الثانى: اعتناق «الديانة الجديدة التلفيقية التى يريدها ترامب وإسرائيل لنزع الهوية الحضارية الإسلامية عن الوطن العربى وجواره الحضارى، كى لا يبقى فى هذه المنطقة الواسعة التى تحمل اسم «الشرق الأوسط» من رابط يحمى ويجسد وحدتها، بانتزاع الإسلام كدين وكهوية حضارية.

إننا بكل المعايير نستطيع أن نختار "إستجابة البقاء".

إلى متى ستظل أعلام الدول العربية قائمة دون تغيير في الخريطة السياسية للوطن العربي؟

إذا كانت هذه هى عناوين جامعة تلخيصيِّة للتحديات والمخاطر التى تواجهنا، فليس أمامنا سوى خيارين: إما خيار المواجهة والدفاع عن الذات ، الدفاع عن الأوطان والدفاع عن الأمة بامتدادها التاريخى من الخليج العربى إلى المحيط الأطلسى ، والدفاع عن الهوية الحضارية العربية – الإسلامية للأمة، وهذا هو خيار البقاء. أو خيار الاستسلام والخضوع للمشروع الأمريكى – الإسرائيلى، الذي هو خيار الفناء. وإذا كان القانون العلمى للحركة يقول إن «لكل فعل رد فعل مساوٍ له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه» فإن الاستجابة العربية للمخاطر والتحديات إما أن تكون بحجم وقوة تلك المخاطر والتحديات كى تكون «استجابة بقاء» وإما أن تكون دون ذلك وعندها ستكون «استجابة فناء».

الرئيس عبد الفتاح السيسي يلقي كلمة مثر في القمة العربية 34 في بغداد

القمة العربية الدورية رقم 34 التى استضافها العراق يوم السبت الفائت (17/5/2025) تدفع الأمة دفعاً للقبول الطوعى بـ «استجابة فناء». فهى قمة دون التحديات التى تواجه الأمل وخلت من أى قدرة على الفعل، وتؤكد بما لا يدع أى مجال للشك أن الاستجابة التى نريد هى استجابة صحوة قادرة على أن تجيب عن أسئلة النهوض التاريخى للأمة مهما كانت صعوبتها ، لأننا بكل المعايير .. نستطيع.

السوداني، رئيس الوزراء العراقي.

أول قمة عربية تخلو من مشاركة الكثير من الرؤساء والحكام العرب.

د. مدحت حماد: كيف أصبح يُفكِّر الإتحاد الأوربي تجاه الشرق الأوسط؟

د. مدحت حماد.. أستاذ زائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا.*

د. مدحت حماد. أستاذ اللغة الفارسية والدراسات الإيرانية بجامعة طنطا

منذ اشتعال الحرب الأوكرانية الروسية في 24 مارس 2022 أصبحنا بصدد العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية المتلاحقة، التي تأخذ العالم تارة إلى حافة الهاوية، وتارة أخرى إلى الآفاق والتطلعات أو الطموحات السلمية. منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الوحيدة على سطح الكرة الأرضية، التي تشتعل وتستعر فيها _وحول محيطها_ الحروب والصراعات الإقليمية والدولية، وقطعًا أىسباب ذلك معروفة للجميع.

في منطقة الشرق الأوسط تشتعل الحروب سواء كانت إقليمية أو أهلية: حرب الإبادة الوحشية الصهيونية في غزة والضفة، الحرب الصهيونية على اليمن، الحرب الصهيونية في لبنان، التوغل الصهيوني في سوريا، الحرب الأهلية في السودان، الحرب الأهلية في ليبيا، ومؤخرًا الصدام العسكري الهندي الباكستاني. هذا بخلاف "كرة النار" التي يمكن أن تشتعل، بين عشية وضحاها، بين إيران والكيان الصهيوني.

الاتحاد الأوروبي بات يئن من سطوة القوة العظمى _أمريكا_ التي تحميه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

في منطقة الشرق الأوسط تتنافس القوى الدولية، أمريكا والصين، أمريكا وروسيا، وأخيرًا أمريكا والاتحاد الأوروبي الذي يضم بداخله "القوى الإستعمارية التاريخية طوال القرون الخمسة الماضية" أقصد بذلك: اسبانيا والبرتغال، إيطاليا وألمانيا، بلجيكا والنمسا، وأخيرًا فرنسا وإنجلترا. هذا الاتحاد الأوروبي بات يئن من "سطوة القوة العظمى" التي تحميه بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا الاتحاد الأوروبي أصبح مرتجفًا منذ أن تكشفت قدراته الحقيقية مع اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية. هذا الاتحاد الأوروبي أخذ يبكي دمًا على إنحسار وتآكل وتقزُّم مصالحه ومن ثم مكانته في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، وشرق المتوسط بصفة خاصة. لقد أدرك الاتحاد الأوربي _رغم أنه لم يعترف بذلك_ بأنه لم يعد يُشكِّل قوة دولية حقيقية ولو من الدرجة الثالثة. أدرك ذلك يقينًا عندما اشتعلت الحرب الروسية الأوكرانية، وبعد اشتعال حرب الإبادة الصهيونية في غزة، وأخيرًا مع اشتعال الحرب التجارية الاقتصادية بين أمريكا والصين.

الاتحاد الأوروبي "يمتطي القضية الفلسطينية" بعد زيارة ترامب للترويكا الخليجية.

من هنا، تأتي قراءة المستجدات الخاصة بمواقف دول الاتحاد الأوروبي التي بدأت تتكشف أمس الثلاثاء 20 مايو 2025 في اجتماع وزراء الخارجية لدول الإتحاد، وهي المواقف المرتبطة بالقضية الفلسطينية. فالواضح _وفق ما نعتقد_ أن الاتحاد الأوروبي سوف "يمتطي القضية الفلسطينية" في محاولة لإحياء أو إستعادة مكانته ومن ثم دوره في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد المستجدات الرهيبة التي شهدتها المنطقة قبل وأثناء وبعد زيارة ترامب للترويكا الخليجية (السعودية، قطر والإمارات) التي أسفرت عن حصاد اقتصادي أمريكي مركَّب متنوع وشامل، بلغت قيمته 3.2 تريليون دولار.

لا تعليق!!

فأمس الثلاثاء الموافق 20 مايو 2025، وافق وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي بأغلبية 17 دولة، وامتناع 9 عن التصويت، على "مراجعة اتفاقية الشراكة الإستراتيجية" الموقع مع إسرائيل في عام 1975 التي تتعلق بكافة أشكال وأنماط التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل في مختلف المجالات ، وذلك استنادًا للبند الثاني الخاص بحقوق الإنسان، هو البند الذي رأى وزراء الخارجية الأوروبيين بأن إسرائيل قد ضربت به عرض الحائط في غزة والضفة الغربية. هنا تجدر الإشارة إلى أنَّ فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، بلجيكا، أسبانيا، البرتغال، أيرلندا، فضلاً عن كندا، في صدارة الدول الأوروبية التي اتخذت مواقف حادة وصريحة ضد النظام الصهيوني (إسرائيل).

لا تعليق!!

رئيس الوزراء البريطاني بقوله: "إن الوضع في عزة لا يُطاق!!!

أمس أيضًا _الثلاثاء الموافق 20 مايو 2025_ استدعت الخارجية البريطانية سفيرة إسرائيل في لندن، للإعتراض على إستمرار إسرائيل في منع دخول المساعدات الغذائية والعلاجية لسكان غزَّة، مُعتَبرة بأن ذلك يعد إنتهاك صريح للقانون الإنساني الدولي. كذلك، صَرَخَ رئيس الوزراء البريطاني بقوله: "إن الوضع في غزة لا يُطاق، وأن بريطانيا وشركاؤها، لن يتركوا سكان غزة جوعي" ثم قال: "نحن مُصابون بالرعب من التضييق الإسرائيلي في غزة، كما نؤكد على موقفنا الرافض لبناء المستوطنات في الضفة الغربية.

لا تعليق!!

قرارات الإتحاد الأوروبي هل هي "مطيِّة أوروبية" من أجل إحياء النفوذ الأوروبي شرق المتوسط؟

السؤال هنا هو: لماذا الآن؟ لماذا هذا الموقف الأوروبي الآن؟ ألم يكن واجبًا أن ينتفض الإتحاد الأوروبي منذ شهور وشهور ضد الجرائم الصهيونية النازية الفاشستية البشعة والرهيبة والفظيعة في غزة؟ الحقيقة التي نعتقد فيها أنَّ هذه التصرفات أو الإجراءات والقرارات الأوروبية، إنما قد تُشير إلى أن "جرائم التطهير العرقي العنصري" في غزة، إنما هي "مَطيِّة إنسانية تبدو شريفة، وأنها ستكون موضع ترحيب وتهليل عربي إسلامي" سوف تعتيلها دول الإتحاد الأوروبي من أجل _وبهدف_ التسلل من جديد، عبر ثغرات وثقوب حتمًا ستكون موجودة في جدار التحالف الأمريكي الخليجي الإسرائيلي الذي شكلته زيارة ترامب للترويكا الخليجية. وأبدًا لن يكون الهدف الحقيقي هو "إنقاذ الأرواح البشرية من الأطفال والنساء والمرضى" في غزة، وأبدًا لن يكون الهدف هو العمل على إقامة الدولة الفلسطينية. إنما الهدف الحقيقي الوحيد الذي نعتقد فيه، هو "التحرك من أجل حماية ما تبقى من نفوذ _ولو أدبي_ للقوى الإستعمارية الأوروبية القديمة في منطقة الشرق الأوسط خاصة شرق المتوسط.

لا تعليق!!

سوريا هي الموطن التاريخي الرئيسي للقوى الإستعمارية في شرق المتوسط منذ خمسة قرون

خريطة تقسام النفوذ الإستعماري الأوروبي في الشرق الأوسط والوطن العربي قبل الحرب العالمية الثانية

من هنا أيضًا، يأتي فهمنا وتفسيرنا لقيام الإتحاد الأوروبي بإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا منذ 45 سنة. فأبدًا لم ولن يكون هدف إلغاء العقوبات، هو رفع الظُلم والمعاناة عن الشعب السوري المكلوم، أو مساعدة نظام الشرع من أجل تحقيق الإستقرار والرفاهية للشعب السوري، إنما الهدف الحقيقي الوحيد الذي نراه ونعتقده، هو أن القوى الإستعمارية القديمة التي تقود الإتحاد الأوروبي قد قررت ألاَّ تترك الساحة السورية _التي هي الموطن التاريخي الرئيسي لنفوذها السياسي العسكري الاقتصادي الثقافي في شرق المتوسط منذ خمسة قرون_ لكي تكون محطة، ركيزة، نافذة إستراتيجية على البحر المتوسط، هدفها الرئيسي الوحيد ترسيخ أكبر وأطول عمرًا ,أكثر شمولية وإتساعاً وإستدامة للنفوذ الأمريكي في شرق المتوسط، وهو النفوذ الذي بدأ ترامب في تدشينه ووضع حجر الأساس له في زيارته للسعودية، عندما أعلن عن رفع العقوبات الأمريكية ضد سوريا من الرياض.

لا تعليق!!

"إن ضياع سوريا وسقوط بشار الأسد، سيكون بمثابة تدشين للحرب العالمية الثالثة".

لهذا كله، فإننا نعتقد في أنه "إن لم يحدث توافق أمريكي أوروبي على مناطق النفوذ والسيطرة في شرق المتوسط طوال الشهور المتبقية من عام 2025، فإننا سنكون _حتماً_ بصدد صدام أمريكي أوروبي وفي الخلف منه صدام آخر موازي له بين الصين وأمريكا من جهة وأمريكا وروسيا من جهة أخرى، في مطلع العام 2026". وحتمًا ستكون الغَلَبَة للإرادة التي ستحسم الموقف في غزة وسوريا. وأبدًا لن يكون الحسم بالنقاط _كما كان يقول حسن نصر الله_ ، إنما سيكون بالضربة القاضية. الأمر الذي قد يحمل في طياته إشتعال حقيقي لحرب "إقليمية كبرى"، قد تئول إلى "حرب عالمية جزئية" في شرق أوروبا وشرق المتوسط، وهي الحرب التي كان قد أشار إليها أحمدي نجاد في نوفمبر 2011 عندما قال: "إن ضياع سوريا وسقوط بشار الأسد، سيكون بمثابة تدشين للحرب العالمية الثالثة".

في ظني أنَّ "الصين، روسيا وإيران، ومعهم كوريا الشمالية، بيلاروسيا وفنزويلا، وفي الخلف منهم تقف على أهبة الإستعداد بعض الدول الأوروبية والمشرقية والآسيوية، قد باتوا يجهزون أو يستعدون لمثل هذا السيناريو.

علي الريامي: ليس مستبعدًا أن نشاهد توقيع اتفاقية أمريكية إيرانية في المستقبل القريب

الحقيقة أنه يمكننا أن نرى تحسنًا ملحوظًا في أسعار انفط في الفترة القادمة، وذلك إذا ما استمرت الأجواء الإيجابية في المحادثات الأمريكية الصينية التي تجري بين القوتين العظمتين منذ عدة أسابيع. أتوقع أن يكون هناك سقف محدد للتعريفات الخاصة بأسعار النفط مع توثقع حدوث تحسن نسبي في أسعار النفط خلال السابيع القادمة، خاصة مع النتائج التي حققتها زيارة ترامب لمنطقة الأسبوع الماضي.

من هنا فإنني أعتقد أن يستمر التحسن في أسعار النفط، نتيجة للإستقرار المتعلق بالقضايا الاقتصادية مثل الحر التجارية الأمريكية الصينية، والحرب التجارية الأمريكية مع أوروبا وكندا، فضلا عن الأجوء الإيجابية التي باتت مرتبطة ببعض الحروب والنزاعات الإقليمية والدولية، مثل رفع العقوبات عن سوريا، والمستجدات الخاصة بالحرب الروسية الإوكرانية.

كرة البينج بنج الأمريكية الإيرانية!

فيما يخص الملف الإيراني، فإنه على الرغم من العقوبات التي فرضتها أمريكا على ثلاث مشغلين في المواني النفطية الإيرانية وكذلك مصفاة نفط صينية وعدد من الشركات والسفن التي تعتبر من "أسطول الظِل" الخاص بنقل النفط الإيراني، وما إذا كانت ستنجح هذه الإجراءات في ضبط ووقف تصدير النفط الإيراني أم لا، فإنني أعتقد بأنكل هذه الضغوط لم ولن تمنع إيران من تصدير نفطها. هي الآن تصدر مليون و600ألف برميل نفط للأسواق الآسيوية بصفة عامة ولصينية بصفة خاصة. كما أن لدى إيران نواف ومنصات أخرى لتصدير نفطها.

من ناحية أخرى، أتوقع أن تستمر أمريكا في السعي إلى "تصفير" صادرت النفط الإيرانية، لكني في المقابل أعتقد أن أمريكا لن تتمكن من تحقيق هذا الهدف، لأن إيران صارت محترفة في الإلتفاف حول كافة أشكال العقوبات الأمريكية والأوروبية، وأصبحت ذات خبرة كبيرة في هذا الأمر، حيث تتمتع إيران بوجودها النوعي في العديد من المواني في عدد من الدول المتعاونة معها مثل جنوب إفريقيا وفنزويلا على سبيل المثال. بالتالي سوف تستمر الصادرات النفطية الإيرانية ولو بوتيرة أقل، وهذا ما سيظل متحققًا طوال فترة المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول برنامجها النووي.

https://youtu.be/hdNtOHJL2d0?si=Slbt6ilHFNjCHHJ5

هالة فردان: بعد ستين ساعة.. الفئران مازالت تنتظر!

هالة فردان. كاتبة بحرينية.

في زمن مضى يتجاوز السبعين عاماً قرر أحد العلماء في أمريكا، يُدعى "كورت ريتشر" أن يجري تجربة على فئران مختبرة، فقام بوضعها في وعاء مملوء بالماء، وجلس يسجل ملاحظاته، كانت الفئران تسبح بخوف، وتحاول بشتى الطرق الخروج من الوعاء دون جدوى، وكاد أغلبها يفارق الحياة بعد مضي خمس عشرة دقيقة فقط. لكنه قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، أسرع ريتشر بإخراجها من الوعاء ووضعها بأمان على فراش كان قد أعده لها، ثم قام، بلطف، بالعناية بها وتجفيفها.

وبعد أن تأكد أنها قد إرتاحت بما يكفي، أعاد ريتشر نفس التجربة ووضع نفس الفئران في ذات الوعاء وانتظر يراقبها! وكانت المفاجأة: الفئران استمرت في السباحة لمدة تجاوزت الستين ساعة! أي ما يقارب اليومين. كتب ريتشر متسائلاً: لِمَ استمرت الفئران في المرة الثانية في السباحة؟ باختصار لأنها فهمت أن "الإنقاذ ممكن")".

تيقنت الفئران إن هناك أملاً للنجاة فقاتلت ولم تستسلم. نعم الإنقاذ ممكن. الأمل موجود. نعيش اليوم في زمن أثقلت فيه أيامُنا أرواحَنا، ونسج فيه المجتمع حولنا شِباكاً يصعب التخلص منها. يحارب فيه الناس كل يوم للبقاء والنهوض والقيود تحُوُل دون نهوضه، لكنه لا ييأس. يستمر ويستمر. حتى يصل لنقطة الاستسلام فيقف ويستعد للغرق.

الاستسلام الوحيد المقبول في هذه الحياة هو الاستسلام الكامل لإرادة الله وحده

محاولاته الكثيرة للنهوض تجعله ينسى أن "الإنقاذ ممكن". قال نيتشه في أحد مؤلفاته: «من يملك سبباً ليعيش، سيتحمل أي كيف». نعم كلما تذكرنا أن هناك سبباً نعيش من أجله سنبقى، سنعمل، سنقاوم رغباتنا في الاستسلام والغرق. الاستسلام الوحيد المقبول في هذه الحياة هو الاستسلام الكامل لإرادة الله وحده. لكن الضغوط التي تحاصرنا في كل اتجاه ليست سبباً للتوقف، بل هي سبب للاستمرار، الإنسان هو أعظم وأقوى ما خلق الله عز وجل على وجه الأرض.

تكمن قوانا في صبرنا واستمرارنا، رغم العوائق والعثرات ننهض دائماً، ونحاول ونصر على المحاولة، لا سبب يجعلنا نقبل أن نتوقف وإن كنتُ أرى أن بعض الاستسلامات مُبرَّرة عند البعض، كرد فعل لتلك التجارب التي يعيشونها أو عاشونها على مر السنوات، وتسببت في إرهاقهم.

لقد استسلموا عندما لم ينقذهم أحد في المرة الأولى عندما كادوا يغرقون.

إن ما يؤلم حقاً هو أن نرى مجموعة كبيرة من الشباب الذين لا تتراوح أعمارهم العشرين والثلاثين عاماً، يعيشون يأساً واستسلاماً لا مُبرِّر له سوى أنهم فقدوا بوصلة الطريقة! وظنوا مخطئين أن لا مجال للإنقاذ، متى وكيف وصل بهم الشعور إلى هذه النقطة؟ الإجابة هنا تقف أمامنا واضحة: لقد استسلموا عندما لم ينقذهم أحد في المرة الأولى عندما كادوا يغرقون.

نحن مَن يمد يده ليخرج شبابنا من "وعاء الماء" قبل أن يغرقوا.

السباحة في بحر من الألم والخوف والقلق هي موت بطيء للنفس والروح، للرغبة في المحاولة والاستمرار. الحقيقة المُطلَقة هي أن بصيص الأمل، سواء كان حقيقياً أو غامضاً يغيِّر بالكامل قدراتنا على التحمل والصبر والمقاومة. الخلاصة هي أن "الشباب هم المستقبل الذي نجهل كيف سيكون". لكن المفارقة هي أننا نحن بأيدينا من سَيُشَكِلَه. نحن فقط من نزرع في أرواحهم القيم والأخلاق والمبادئ، الأمل والصبر والحياة، نحن من نعلمهم، ونحن مَن عليه أن يقف بجانبهم دائماً، ويمد يده ليخرجهم من وعاء الماء قبل أن يغرقوا.

ل.د. سمير فرج: هل إنتهى شهر العسل بين نتنياهو وترامب؟

ل.د. سمير فرج

مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا

اللواء الدكتور سمير فرج

السياسة هي لعبة مصالح؛ فإذا كانت مصلحة الدولة تتجه إلى اليمين، فإن سياسة الدولة ستتجه إلى اليمين أيضًا، وهذا ما شهدناه في الأيام الماضية. فقد أعلنت الولايات المتحدة فجأة عن اتفاق مع الحوثيين، يقضي بوقف الهجمات المتبادلة بين الطرفين حيث ستتوقف أمريكا عن ضرباتها الجوية، مقابل أن يوقف الحوثيون هجماتهم على السفن الأمريكية والأوروبية في البحر الأحمر.
المفاجأة الكبرى كانت أن أمريكا لم تأخذ مشورة اسرائيل في هذا الاتفاق، رغم أنها كانت طرفًا أساسيًا في العمليات العسكرية في البحر الأحمر. الأدهى من ذلك أن إسرائيل علمت بالاتفاق من وسائل الإعلام وهذا اغضب اسرائيل كثيرا. وقد صرّح السفير الأمريكي في تل أبيب بأن الولايات المتحدة ليست مضطرة للحصول على إذن من إسرائيل لاتخاذ مثل هذا القرار.
ولقد ظهرت بوادر توتر العلاقات أو انتهاء فترة شهر العسل بين نتنياهو وترامب عندما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصادر مقربة من ترامب أن أمريكا أبلغت وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، بأن الرئيس الأمريكي قرر في زيارته الي الشرق الاوسط عدم زيارة اسرائيل.
لقد جاء هذا الاتفاق بين أمريكا والحوثيين بناءً على تقارير من البنتاجون تم تقديمه الى الرئيس الأمريكي ترامب تفيد بقدرات الحوثيين العالية في استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ. ومن أبرز الأمثلة على ذلك: إصابة طائرة أمريكية من طراز F-18، وحدوث أضرار طفيفة في حاملة الطائرات "ترومان". وتأتي هذه القدرات الحوثية نتيجة وجود خبراء إيرانيين في اليمن، وهو ما لم يحدث في جنوب لبنان خوفًا من رد فعل إسرائيلي مباشر باختطاف هؤلاء الخبراء وتصبح ايران في وضع سيء.
حيث نجح الحوثيون في إطلاق صواريخ وصلت إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، مما أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار، وهذا شكل ضربة قوية لإسرائيل، التي فشلت بعد عام ونصف من الحرب في تأمين شعبها ورغم وجود ثلاث انظمة اسرائيلية مضادة للصواريخ هي القبة الحديدية ومقلاع داوود وأرو علاوة على احدث نظام امريكي ثاد موجود في اسرائيل كل هذا لم يجعلها تكتشف او تتصدى لهذه الهجمات مما ادى الى غضب وتظاهرات بين الشعب الاسرائيلي ضذ حكومته .

أصبح الآن على اسرائيل، بعد انسحاب الولايات المتحدة من قتال الحوثيين، أن تقاتل الحوثيين منفردة، بعد أن كانت قطع البحرية الأمريكية والتحالف تتعرض لصواريخ ومسيّرات الحوثيين في البحر الأحمر قبل وصولها لإسرائيل لدرجة أن إسرائيل قامت يوم الأحد بغارات ضد المواقع البحرية في اليمن، لإرسال رسالة بأنها لا تهتم بانسحاب الولايات المتحدة من القتال.

النقطة الثانية في الخلاف الأمريكي–الإسرائيلي تتعلق بملف إيران النووي؛ فبينما ترى إسرائيل ضرورة توجيه ضربة عسكرية أمريكية–إسرائيلية مشتركة لتدمير المفاعلات النووية الإيرانية، بينما ترفض الولايات المتحدة هذا الخيار، خشية تصعيد يهدد استقرار الخليج العربي، خاصة أن إيران تسيطر على مضيقي هرمز وباب المندب، ما قد يؤثر بشكل مباشر على التجارة العالمية خاصة ان النفط في منطقة الخليج يمثل 20% من حجم تجارة النفط العالمي.
إضافة إلى ذلك، تجاهل نتنياهو دعوة الرئيس الأمريكي بضرورة إدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة، مما دفع الصحف الأمريكية إلى الإشارة إلى أن صبر الإدارة الأمريكية وترمب تجاه رئيس وزراء إسرائيل بدأ ينفد.
يرى محللون في مركز هدسون أن الخلافات بين الجانبين، وإن لم تُعلن رسميًا، إلا أنها باتت واضحة، إذ أصبح ترامب يضع مصلحة أمريكا في المقام الأول، ومصلحة إسرائيل في مرتبة لاحقة وهو امر لم يحدث من قبل ولم يكن احد يتوقعه. ووصل الأمر إلى بعض المحللين إلى احتمال ترمب بإعلان اعتراف بالدولة الفلسطينية.

يأتي الخوف من ذلك في إسرائيل، مع الأخبار التي تؤكد احتمال قيام الرئيس ترامب بإعلان خطة وقف إطلاق النار في غزة فور وصوله إلى الشرق الأوسط، يعلن فيها انسحاب إسرائيل من غزة، وتسليم الرهائن بالكامل دفعة واحدة.
خاصة بعد قيام حماس بتقديم عربون صداقة إلى أمريكة بتسليم الرهينة الأمريكية، الموجودة لدى حماس، خاصة أن ذلك التسليم جاء دون رغبة إسرائيل، بل أعلن رئيس الوزراء نتنياهو أنه لن يفرج عن أي أسرى الفلسطنيين في سبيل الرهينة الأمريكية.

كل تلك الأمور ترعب إسرائيل الآن، حيث يرى المراقبون أن ترامب بدأ يضع مصلحة أمريكا ومصلحته هو شخصيًا في أن يحقق السلام في الشرق الأوسط، بعد نجاحه منذ عدة أيام فقط في إيقاف القتال بين الهند وباكستان، وبعدها يدخل هذا الاسبوع في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، بعدها ينطلق الى اوروبا لتحقيق السلام بين روسيا وأوكرانيا خاصة انه طلب من روسيا واوكرانيا الاجتماع في نهاية الاسبوع في تركيا لبحث وقف اطلاق النار وتحقيق السلام.
وكل هذه التطورات تمهد الطريق أمام ترامب للحصول على جائزة نوبل في نهاية العام، فلو نجح في إنهاء الحرب الأولى بين روسيا وأوكرانيا، والثانية في غزة، والثالثة بين الهند وباكستان، فإنه بذلك يكون قد أنهى أكثر الحروب تأثيرًا في العصر الحديث، وأسهم في تحقيق السلام العالمي. من هذا المنطلق، يرى ترامب أنه الأجدر بالحصول على الجائزة، باعتباره الوحيد الذي استطاع إيقاف ثلاث حروب كبيرة، ولهذا، تعيش إسرائيل الآن حالة من الرعب والقلق، بينما يترقب الجميع زيارته المرتقبة إلى منطقة الخليج.

ومن هنا يتساءل العالم:

هل انتهى شهر العسل بين نتنياهو وترامب؟

هل انتهى شهر العسل بين نتنياهو وترامب؟

هل سيؤثر ذلك على أي تحرك أمريكي لحل أزمة الشرق الأوسط في المرحلة القادمة؟

رواية “حكاية إعدام جوزيف”. الحلقة الثالثة.

تأليف: د. ضيو مطوك ديينق وول

الكاتب الدكتور. ضيو مطوك ديينق وول

المشهد الخامس

 قبل انتهاء المدة المقررة، قدمت هيئة الإتهام طلب استئناف أمام المحكمة العليا، استغرق بضعة أيام خرج بتأييد قرار المحكمة الأولية.

         أسرة المتهم حاولت جمع الدية لكن كان الأمر صعبًا عليها رغم المساهمات من قبل رجال الأعمال بسوق السجانة.

بعد فشل العائلة في دفع الدية، قررت إدارة السجون نقل جوزيف إلى سجن بورتسودان ليقضي فيه عقوبته طالما فشل في سداد الدية.

هناك في بورتسودان، شعر جوزيف بالوحدة، ولذلك طالب بنقله إلى سجن كوبر حتى يتسنى للأسرة زيارته بصورة دورية، وهي الخطة التي مكنت أفراد العائلة من القيام بالزيارات المنتظمة له في سجن كوبر، خاصة ابن خاله أنطوني كوين وصديقه أوانطجي اللذان بذلا جهداً كبيراً في سبيل الإفراج عنه لكن لم يوفقا.

أنطوني كوين كان طالباً بجامعة جوبا، كلية الدراسات الإجتماعية والإقتصادية، وأوانطجي يدرس التجارة بجامعة الزقازيق، وكانا يتناوبان في الزيارات إلى السجن وبذلا جهداً لجمع المال بغرض دفع الدية إلا أن ظروف الأسرة لم تسمح بذلك، فاختصر التبرعات في رسوم المحامي الذي طلب نصف القيمة تقديراً لعلاقته بأحد أقرباء المتهم الذي كان يعمل معه بمنزله.

بعد نقله إلى سجن كوبر، وجد جوزيف البئية الملائمة والتعامل الراقي، ربما يعود السبب إلى مركز سجن كوبر السياسي داخل العاصمة القومية، بحيث يوجد فيه المعتقلون السياسيون، ويحظي بزيارات متكررة من قبل الوفود الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان والبعثات الدبلوماسية التي تتابع الأوضاع بالسودان في عهد حكومة الديمقراطية الثالثة التي تكونت من حزب الأمة والاتحاد الديمقراطي بقيادة السيد الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، ومولانا محمد عثمان علي الميرغني، على التوالي.

في ذلك الوقت كانت الجبهة الإسلامية القومية بقيادة الدكتور حسن عبد الله الترابي تتبوأ مقاعد المعارضة في البرلمان بقيادة الأستاذ علي عثمان محمد طه زعيماً لها. كما يوجد تمثيل ضيئل لبعض الأحزاب الجنوبية لأن الانتخابات كانت جزئية في الجنوب نتيجة للحرب الدائرة هناك.

 رغم موقف المهدي من الحرب بالجنوب ومحاولاته المستمرة لعرقلة المبادرات السياسية التي تهدف لإنهاء الحرب، إلا أن اللعبة السياسية داخل البرلمان كانت تسير حسب الأسس الديمقراطية تحكمها مصالح الأحزاب والتنظيمات السياسية. مثلا انتقلت الجبهة الإسلامية القومية من مقاعد المعارضة إلى الحكومة وخرج الإتحادي الديمقراطي نتيجة لتوقيعه اتفاق ميرغني- قرنق بمدينة كوكدام الأثيوبية. استمر هذا التحالف ضد السلام في السودان لمدة عام تدهورت فيه الأوضاع في البلاد، وشهدت سقوط العديد من المدن في أيدي مقاتلي الجيش الشعبي للتحرير، مما جعل رئيس الوزراء الصادق المهدي يغير رأيه ويقبل بمبادرة ميرغني-قرنق، الأمر الذي أدى إلى خروج الجبهة الإسلامية القومية وعودتها مجدداً إلي مقاعد المعارضة، وتم تشكيل الحكومة الإئتلافية بين المهدي والميرغني مجدداً، مما أثار حفيظة الإسلاميين فنفذوا انقلابهم الشهير برئاسة العميد عمر حسن أحمد البشير الذي كان قائداً لمنطقة ميوم العسكرية بغرب النوير، 30 يونيو 1989.         

***

حفل التورتة الذي اقيم الخامس من فبراير 2025 بمناسبة حفل توقيع رواية "حكاية إعدام جوزيف"

جانب من جمهور المشاركين في حفل توقيع رواية "حكاية إعدام جوزيف"

الفصل الثاني

المشهد السادس

لا يمكن الجزم بأن تدهور العدل بدأ في عهد البشير؛ لأنه كانت هناك إرهاصات تومئ بغياب حكم القانون، وانهيار النظام الدستوري في عهد الصادق المهدي، نتيجةً للحرب الأهلية في البلاد، والتي ظهرت جلياً في الجنوب والشرق ودارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.

في صبيحة الجمعة 30 يونيو 1989 بدأت التحركات غير العادية داخل سجن كوبر، حيث وصلت إلى السجن شخصيات هامة في السياسة السودانية.

إدارة السجن طلبت من السجناء إخلاء بعض العنابر لصالح المعتقلين الجدد، وتم إعادة المتهمين في جرائم القتل خاصة الذين شارفت مدتهم على الانتهاء إلى الزنزانات بما فيهم جوزيف جون الذي نقل إلى زنزانة رقم 9.

 في اليوم التالي وصل حسن الترابي والصادق المهدي إلى سجن كوبر. ويُقال إن اعتقال الترابي كان مسرحية من الإسلاميين حتى لا تكتشف خطتهم بأنهم وراء انقلاب القوات المسلحة. تم اعتقال الكثير من الوزراء وأعضاء البرلمان وقادة الجيش وزجّ بهم في السجن.

 الوضع أصبح يتأزم يوماً بعد يوم ويتغير إلى الأسوأ داخل السجون. السجين جوزيف يتلقى المعلومات عن الانقلاب وأوضاع البلاد من الرقيب عثمان خاطر آدم.

بعد عام من الاستيلاء على السلطة، أعلنت حكومة الإنقاذ الوطني الجهاد في جنوب السودان، حيث نشطت في كردفان ودارفور خاصة جبال النوبة، وتم تأهيل معسكرات تدريب المجاهدين في كادوقلي ولقاوة والمجلد والضعين، وهي نفس المراكز التي فتحت في عهد الصادق المهدي حتى تستطيع أن تستوعب أعداداً كبيرة من المجاهدين. ونتيجة لذلك، تم تزويد هذه المعسكرات بالخبراء الدوليين، خاصة من دول محور الإسلام السياسي والقوميين العرب، حيث جاءت هذه الفكرة متلازمة مع فتح حكومة الإنقاذ البلاد لجميع حركات الإسلام السياسي ومقاطعتها للغرب بناء على مخرجات المؤتمر الجامع الذي حضرته قيادات الحركات الإسلامية العالمية في الخرطوم، صدرت منه قررات تدعو للجهاد والعنف، ومن بين الحضور في هذا الموتمر قيادات إسلامية مؤثرة، مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وراشد الغنوشي وعبدالمجيد الزنداني وخالد مشعل وأبو سياف والشيخ صبحي الطفيلي وآخرون. 

أيضاً أصبح السودان مقصداً لمطلوبين دوليين، حيث كان "الييتش راميريز سانشيز" المعروف باسمه الحركي "كارلوس" يختفي في الخرطوم، لكن أُعتقل وسُلِّم إلى السلطات الفرنسية بعد المفاصلة بين البشير والترابي.

 هذه الجماعات الإسلامية بعضها نقلت استثماراتها إلى السودان، خاصة حركتي الطالبان وحركة المقاومة الإسلامية المعروف اختصاراً بـ (حماس) اللتان استثمرتا أموالهما في الطرق والزراعة والصناعات الحديدية والأغذية، مثل طريقي شريان الشمال والإنقاذ الغربي اللذان يربطان السودان بجمهورية مصر العربية، وشركة السندس الزراعية بجنوب الخرطوم، وكثير من شركات المنتجات الغذائية.

وفعلاً نجحت هذه الخطة وشهد السودان نهضة تنموية كبيرة، ودخلت في التصنيع الحربي والدوائي والسيارات والطائرات والآليات العسكرية والأسلحة الخفيفة والثقيلة، خاصة في مناطق اليرموك وجياد وكوبر وكرري.

         السودان استطاع أن يستخرج البترول بالتعاون مع الصين وماليزيا والهند والمليشيات المحلية في الجنوب، وأصبح يصدر النفط وتحسن وضعه القتالي ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان.

 الإسلاميون بذلوا جهوداً كبيرة في سبيل إنهاء الحرب في جنوب السودان عسكرياً، وهي أساساً خطتهم المرسومة قبل الإنقلاب على النظام الدستوري، بحيث كانت الخطة هي حسم التمرد عسكرياً، وإذا لم تنجح الخطة يتم اللجوء إلى انفصال الجنوب، وهو الخيار الذي أخذوه بعد اثنتين وعشرين عاماً من الحكم.

حاول النظام تغيير الديموغرافية في جنوب السودان من خلال تهجير السكان الأصليين من مناطقهم بغرض استغلال الموارد خاصة في أعالي النيل وبحر الغزال، وهذه السياسة هدفها استلام الأرض خالية من البشر، ولذلك زادت هجمات المراحيل والدفاع الشعبي والمجاهدين على المواطنين بالجنوب في غياب الإعلام نتيجة لقرار النظام باستبعاد الوسائط الإعلامية عن المشهد حتى لا تظهر الحقائق، غير أن المفاصلة التي حدثت بين الرجلين، الترابي والبشير، نهاية 1999 كشفت المستور.

وعلى الصعيد الداخلي، نفذ النظام المشروع الحضاري كمحاولة لتغيير السلوك والمظهر العام للمواطن ولإبراز العروبة وطمس الهوية الإفريقية. الجنوبيون الذين نزوحوا إلى الشمال وفي مناطق سيطرة الحكومة كانوا أكثر الفئات تضرراً. تأسيساً على هذا الفهم كان يتم اعتقالهم وملاحقتهم في قضايا تافهة مثل صنع الخمر واللبس غير المحتشم- كما يدعون- واتهام بالطابور الخامس والتخابر لصالح التمرد.

         أيضا تم استهداف الكنائس والأندية التي لا تعبر عن الثقافة العربية والإسلامية. في هذا السياق، تم تأسيس شرطة الآداب العامة ومحاكم للنظام العام حتى يتم ملاحقة الجنوبيين وضجت بهم السجون. 

في هذه الأجواء، اشتدت الحرب في الجنوب والشرق وجبال النوبة والأنقسنا، ورغم دفع الجيش الشعبي بالكتائب والوحدات العسكرية إلى مناطق سيطرت الحكومة إلا أن مستوي التعبئة الجماهيري الحكومي كان يفوق التوقعات، حيث تم تعبئة المستجدين وإدخالهم المعسكرات وتفويجهم إلى مناطق العمليات، كما طلبت الحكومة من حلفائها الدوليين الزيارات إلى مراكز التدريب حتى يكون بمثابة دفع معنوي للمجاهدين في صفوف القتال الأمامية.

***

بعض الشخصيات السودانية المشاركة في حفل توقيع رواية "حكاية إعدام جوزيف"