الدكتور مدحت حماد: ما الذي يُدبّر في الخفاء للمملكة العربية السعودية؟ وهل سيطلب “ترامب” من “الملك سالمان” الرحيل؟
نعم: ما الذي يُدبّر في الخفاء للمملكة العربية السعودية؟ وهل سيطلب "ترامب" من "الملك سالمان" الرحيل؟
نعيش هذه الأيام ما يشبه "الطوفان الإعلامي"، بشأن المملكة العربية السعودية، ولقد تضاعفت وزادت موجاته بشكل مثير للانتباه طوال الأسبوعين الماضيين. فعلى الرغم من الحراك السياسي العربي الإسلامي الذي شهدته السعودية بشأن الحرب المسعورة للنظام الصهيوني ضد فلسطين ولبنان، وانعقاد القمة العربية الإسلامية الثانية في الرياض للعام الثاني على التوالي، إلاَّ أنَّ وقائع وحقائق الأمور توشي وتشير إلى أن ثمَّة "أمر ما، تدبير ما، مُخطط ما" قد حِيكَ ضد المملكة العربية السعودية، وأنه قد دخل حيِّز التنفيذ.
إن ما يُنشَر كالطوفان على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن موسم الرياض الثقافي الفني الترفيهي، وما تضمنه من اتهامات أو حتى انتقادات حادة أو ليِّنة للمملكة العربية السعودية بصفة عامة ولوليِّ العهد بصفة خاصة، إنما يأخذنا أخذًا إلى ما كانت قد بدأت تشهده مصر بعد انتخابات اجلس الشعب التي جرت في 2010م، حيث استُلَّت السيوف، وفُتِّحَت الحناجر، وسُنَّت الأقلام، وجُهِّزت صفحات الصحف والمجلات، ونُسِخَت إسكربات البرامج التليفزيونية الإخبارية وبرامج التوك شو، وجُيِّشَت الكتائب الإلكترونية، لموعد كان يُحدَّد في ليلة حالكة السواد.
من الصحيح أن هناك أخطاء وتجاوزات قد شهدها موسم الرياض لعام 2024، ومن المؤكد أنها كانت صادمة لوعي وضمير ووجدان الملايين من المسلمين والعرب، ومن البديهي أن تنصرف تداعيات ذلك كله على الشارع العربي الإسلامي خاصة بين البسطاء من الناس، ومن الطبيعي أنه كان يجب على حكومة المملكة أن تنتفض وتنهض لوأد الأسباب، وإجاض المؤامرات، ومن ثم طمأنة القلوب والعقول وإسكات الألسن. لكن حتى كتابة هذه السطور لم نر الطوفان المضاد لطوفان مُخطط الهدم والتدمير المُرَاد الذي حِيك _كما سبق القول_ في ليلة حالكة السواد.
السؤال الطبيعي هو: لماذا؟ لماذا حدثت وتحدث هذه التجاوزات "القِيَميِّة" في قلب وعلى أرض المملكة العربية السعودية؟ وما هي الأهداف والغايات التي باتت تلوح في الأفق؟
هنا تحديدًا أقول بأنني من خلال ما سأذكره من الأهداف التي أراها قد لاحت وتشكلت في الأفق، فإنني سأكون قد أجبت عن الأسباب. ولكي تتضح الصورة سأتذكر معكم المعطيات والأحداث التالية التي شهدتها ولاية "ترامب" الأولى:
- اغتنام ما يقرب من نصف ترليون دولار من السعودية، بغض النظر عن المقابل الذي حصلت عليه المملكة العربية السعودية.
- تدشين الاعتراف المتبادل وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وكل من البحرين، الإمارات والمغرب.
- إطلاق ما يُعرف "بالسلام أو الدين الإبراهيمي".
- فتح المجال الجوي السعودي أمام الطيران الإسرائيلي.
الأهم من ذلك كله، قيام "ترامب" أثناء فترة رئاسته الأولى، بالحديث عن المملكة العربية السعودية بصفة عامة، وعن "الملك" بصفة خاصة، بطريقة أقل ما توصف به أنها كانت "طريقة متدنية غير لائقة، بل وقحة وغير أخلاقية"، خاصة عندما تحدث عن ضرورة وحتمية "أن تدفع السعودية مقابل حمايتها، وأنه "لولا الحماية الأمريكية" لسقطت السعودية خلال اسبوعين.
هنا "بيت القصيد"، وهنا "مربط الفرس" كما يقولون، فنحن بصدد قيام ترامب بإعادة "الكرَّة" مرة أخرى. فإذا ما أضفنا لذلك القرار الأخير لـ "بايدن" بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الباليستية طويلة المدى لضرب "العُمق الروسي"، ومباركة كل من فرنسا وانجلترا للقرار، وصمت "ترامب"، سوف نكتشف أننا بصدد تنفيذ "مخطط جهنمي شيطاني أوروأمريكي" بشأن الشرق الأوسط وشرق أوربا، تكون كل من "موسكو والرياض" هي مناطق انفجار واشتعال هذا المخطط لأكثر من اعتبار، في مقدمتها: "الشراكة الإستراتيجية الروسية السعودية الصينية" الصاعدة الواعدة. من ثم تكون النتيجة والجائزة الكبرى هي: "تفجير البريكس من الداخل"، كأكبر ثمار هذا المخطط الجهنمي الشيطاني بما يؤدي لتحقيق هدفين إستراتيجيين هما:
- وأد وإجهاض أي حديث حول "عالم متعدد الأقطاب".
- المحافظة على "بقاء النظام العالمي بشكله الراهن"، الذي تعلو فيه "السيادة الأوروأمريكية"، فوق أي قوى أو أطراف دولية أخرى.
إذًا، لكي يتم تحقيق ذلك، يلزم تفجير عاصمتين، هما الأقرب والأسهل، "الرياض" و"موسكو". فيكون تدمير أو تشويه "مكانة وقدسية المملكة العربية السعودية لدى الشعوب العربية والإسلامية" من الداخل، وعبر "موسم الرياض الثقافي الفني الترفيهي"، ويكون تدمير "موسكو" وبالطبع روسيا، عبر إدخال روسيا في منعطف إستراتيجي خطير من خلال توريطها وبشكل مباشر وصارخ "في حرب وجودية" مع الناتو من خلال حربها القائمة منذ عامين ونصف مع أوكرانيا.
السؤال المركَّب هو كالتالي: هل سينجح هذا المخطط الجهنمي الشيطاني الأمريكي؟ وهل ستسقط دولتان، هما من أكبر اقتصاديات العالم خارج الدائرة الأوروأمريكية؟ هل قرّر "ترامب" تنفيذ مخططه للاستيلاء على تريليونات المملكة العربية السعودية، وتريليونات روسيا ومِن ورائها تريليونات الصين؟ هل قررت أمريكا إشعال "منظومة مُحكَمة من الحروب الإقليمية الكبرى" للمحافظة على بقاء وجودها كقوة عظمى مهيمنة على العالم؟ ألهذه الأسباب لم تقرر أمريكا بعد "إيقاف آلة الحرب العنصرية الفاشسيتة النازية" في فلسطين ولبنان ومن ثم استمرار توريط الدول والقوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية وحزب الله، مثل سوريا وإيران واليمن في الاستنزاف الاقتصادي البشري الممنهج؟ هل "صار تفجير سوريا الآن" بمثابة الخطوة التمهيدية والحلقة الأولى من حلقات تنفيذ هذا المسلسل الجهنمي الشيطاني؟
أعتقد في أن ما نشاهده الآن يُمهِّد الطريق فعليًا أمام ترامب، كي يُكرِّر على مسامع العالم نفس التهديد أو الأمر الذي كان "باراك أوباما" قد وجهه لكل من "زين العابدين بي علي الرئيس التونسي، ورئيس مصر الأسبق حسني مبارك"، عندما قال لكل منهما: "الآن. الآن يجب الرحيل عن الحكم".
فمن غير المُستبعد على الإطلاق، أن تؤدي الحملة الإعلامية الممنهجة المسعورة الخاصة بتشويه صورة المملكة العربية السعودية، إلى أن تتوتر أوضاعها الداخلية، وأن تُمارس بحقها أقسى الضغوط، وأن يتم ابتذاذها من بوابة "ضرورة وحتمية الاعتراف بإسرائيل الآن"، فتجد نفسها بين فكيِّ كماشة الرفض والقبول. لأنه في كلا الأمرين غالبًا ما ستكون النتيجة هي المطالبة برحيل "الملك سالمان". فهل سنجد أنفسنا فعلًا أمام تكرار السيناريو الكارثي الذي كان قد أشعل الوطن العربي برمته في 2011؟