مركز “سوا” لقضايا الأسرة والمجتمع وذوي الاحتياجات الخاصة.

مركز “سوا” لقضايا الأسرة والمجتمع وذوي الاحتياجات الخاصة.

الدكتورة فاطمة مصطفى في حوار مع “الفارابي”: الوضع الراهن للأسرة السودانية رهيب ولم يحدث في تاريخ السودان. (الجزء الثاني)

حوار أجرته الدكتورة صباح منسي

تحرير وإخراج د. مدحت حماد

"استاذة فاطمة اسمحي لي الآن أن ننتقل إلى المحور الثاني فى حوارنا، ونتحدث عن وضع الأسرة السودانية فى ظل هذه الحرب الدموية المؤسفة، وكيف تأثرت الأسرة السودانية بتلك الحرب؟

فكما نعلم جميعا أن الأسرة بصفة عامة، والمرأة والاطفال بصفة خاصة هم الضحايا في كل الحروب بداية من فقد الإبن، الزوج، الأخ، الأب، وصولاً إلى الاعتداءات الجنسية.

سؤالنا الأول في هذا المحور: "ما هو الواقع الحالي للأسرة السودانية في ظل انسداد أفق حل الصراع السوادني وإعلان طرفي الصراع عن إستعدادهم للإستمرار في الحرب مائة عام أخرى!!؟

دكتورة فاطمة مصطفى في حوارها مع دكتورة صباح منسي

تقريبًا توفي حوالي 70 بالمئة من مرضي الغسيل الكلوي، والنساء الحوامل يعانون.

ج: "الواقع الحقيقي للأسرة السودانية، بالذات النساء والاطفال، هو واقع مرير ومؤسف لأبعد الحدود، لأن الحرب وأثارها شديد جدًا عليهم، خاصة الموت الجماعي الذي حصد الكثير من المدنيين فى عمليات القصف المتبادل. لكني مع ذلك أقول: "إن الموت أرحم من استشهدوا الكارثة الكبرى في من ظلوا على قيد الحياة وقد تقطعت أشلاؤهم، وحصلت لهم اعاقات كبيرة في ظل غياب كامل للرعاية الصحية والطبية، والمتضرر بشكل كبير هي المرأة الأم والإبنة والزوجة، المطلوب منها رعاية تلك الحالات وسط القصف وانعدام أى نوع من الرعاية الطبية.

 النازحون يجدون صعوبة كبيرة لقلة الموارد المادية التي تساعدهم على العيش في ظل تلك الظروف الصعبة وخروج الأولاد من التعليم لمده سنة ونصف، وغير معروف متي سينتهي هذا الوضع، لكن المأساة الحقيقة أيضا  أن الأسر في مناطق النزوح بدأت تتزاحم في أماكن غير مُهيئة لاستقبال هذه الأعداد الكبيرة بكل حالاتهم، فكثير من السودانيين المصابين بأمراض خطيرة توفي منهم عدد كبير لعدم وجود الرعاية الطبية والصحية, تقريبا توفي حوالي 70 بالمئة من مرضي الغسيل الكلوي لقلة الإمكانيات وإذا وجدت تكون في حالة رديئة. أيضا النساء الحوامل يعانون بشدة لأن الموارد غير كافية وفي بعض المناطق من الكثافة وقلة الموارد ينامون على الأرض في ظل اجواء بيئية صعبة من الامطار والسيول.

قمنا بمبادرة مع مركز شباب لوضع 20 سرير للنساء الحوامل فى أحد مراكز الاغاثية من خلال المعونات الشخصية، وبموارد ضعيفة نحاول مساعدة هؤلاء النساء. فكثير من الحاجات تأتي على شكل تبرعات في حدود الظروف الصعبة جدًا على الجميع، فالجميع يعاني من سنة ونصف، قلّة الموارد. حتى الأماكن التي يتم النزوح إليها ولا يوجد فيها حرب، تعاني من قلّة الإمكانيات والموارد، مما يُصعب من الأمر بشكل كبير، أما بالنسبة للعنف الجنسي، فللأسف أقول: إن هذه الحرب قامت على "أجساد النساء"

الإغتصاب نزيف لشرف المجتمع

لحظة من فضلك: اسمحي لي أن أتوقف أمام قولك: (إن هذه الحرب قامت على أجساد النساء)،

فجرائم الاغتصاب للنساء وبصفة خاصة الفتيات القاصرات هي من الجرائم التي يرفضها بشدة الرأي العام العالمي، وتجرمها القوانين والمواثيق الدولية، لذلك وجدنا كثير من الدول التي يحدث فيها صراعات مثل أوكرانيا يمتنع الجيش الروسي عن إرتكاب تلك الجرائم والانتهاكات، بينما الوضع داخل السودان مختلف تمامًا،

السؤال هنا هو: ما هي الاسباب والدوافع لارتكاب مثل هذه الجرائمة البشعة؟ وما تفسير ذلك من وجه نظر حضرتك؟"

لقد وصلت الأمور فى مناطق كثيرة إلى حد مساومة الفتيات والنساء على شرفهن مقابل الحصول على الطعام!

ج: للأسف الشديد أكرر: إن هذه الحرب جرت على أجساد النساء! فالعنف الجنسي والاغتصاب كلها جرائم موجه ضد المرأة، والشيئ الذي من المفجع ومن الصعب تخيله ونحن في القرن 21، أن تقام أسواق لبيع النساء المخطوفة من اماكن كثيرة كأسواق للجواري وكأننا عدنا إلى "عصور الجاهلية".

كثير من التقارير الخاصة بالمنظمات النسوية تكشف أن عمليات الاغتصاب والانتهاكات والاعتداءات الجنسية انتشرت بصورة وبائية فى السودان للأسف الشديد. إن اي منطقة يشتعل فيها القتال  يكون هناك انتهاكات كبيرة خصوصا للفتيات بصورة وبأعداد كبيرة ما أقدر اعطيك أعدادًا لها، لأن الأعداد غير معروفة لأن الحرب مازالت مستمرة، لهذا لا يوجد رصد للأعداد، ولكن هناك انتهاكات جنسية بأعداد كبيرة ترصدها كثير من المنظمات النسوية فهناك منظمات ترصد تلك الانتهاكات من خلال رصد الواقع والتحدث مع بعض الحالات التي تستطيع أن تعلن عن تعرضهن لهذا الفعل. حقيقي الوضع غير إنساني، وبالفعل هناك أماكن أخري مثل أوكرانيا ما حصل بها كده، بالتالي فكلنا في حالة استغراب شديد!! لحدوث كل هذه الانتهاكات الاجرامية البشعة، هناك كلام عن وجود مرتزقة أجانب ترتكب هذه الجريمة، لكن المؤكد أن كثيرًا من القبائل السودانية للأسف تورطت فى ارتكاب هذه الجريمة كنوع من الإنتقام والإنتقام المتبادل، الذي له أسباب تاريخية، حيث يُدعى كل طرف أنه تعرّض للتهميش والتقليل من شأنه من جانب الطرف الآخر، فنشأ نوع من الصراع العنصري البغيض وجاءت جريمة اغتصاب الفتيات والسيدات بصورة ممنهجة ومنظمة ومتعمدة التي ترتكبها الميليشيات المسلحة لتفضح الروح العنصرية البغيضة التي تريد الحاق العار بالطرف الاخر عبر اغتصاب فتياته وسيداته وبيعهن كجواري فى اسواق العبيد.  

وهذا تفكير شيطاني، أتصور أن هدفه أن يستمر الصراع للأبد بين أبناء الشعب السوداني بصورة تضمن استحاله توحده مرة اخرى. لقد كان "للسوشيال ميديا" دورًا كبيرًا فى فضح ارتكاب الميليشيات المسلحة لهذه الجريمة البشعة التي تجرمها كل الأديان السماوية وكل القوانيين والأعراف الدولية وكل المبادئ والقيم الإنسانية، لكن الميلشيات تخلت عن كل ذلك وارتكبت تلك الجريمة البشعة. الكارثة أن الظروف أجبرت الجيش على ضم بعض الميلشيات إلى صفوفه ليتمكن من الصمود فى بعض المناطق،

وإذا المؤدة سٌئِلَت بأي ذنب قُتِلَت؟

المواطن السوداني وخصوصًا الفتيات والسيدات هم ضحية هذا الصراع الدموي، ولقد وصلت الأمور فى مناطق كثيرة إلى حد مساومة الفتيات والنساء على شرفهن مقابل الحصول على الطعام وهذا شيء صعب على النفس التحدث فيه.

(اضطررتُ إلى ايقاف الحوار إحتراما لدموع الألم والغضب لضيفتي الفاضلة التي حَمَلَت على عاتقها لفت أنظار العالم إلى حقيقة ما يحدث فى السودان، ربما تتمكن من أن تحرِّك ضمير العالم)

استاذة فاطمة تكمل حديثها..

"الوضع فى السودان ثقيل جدًا على جميع السودانيين، سواء من كأن ولاؤهم للدعم السريع أو الجيش، الذي ضمَّ إلى صفوفه ميلشيات لا تختلف عن الدعم السريع.

الجنس مقابل الطعام!!!

خيرات السودان وثرواته تحولت إلى لعنة على الشعب السوداني. أكبر كارثه لحقت بالسودان هي أن كل الخراب والدمار الذي حل به لم تفعله قوى أجنبية، لكن فعله أبناء السودان بعضهم ببعض!! وكل القتل والاغتصاب الذي تعرض ويتعرض له أبناء السودان، لم يحدث بيد قوى أجنبية، لكنه حدث بيد أبناء السودان أنفسهم!! فأبناء السودان هم الضحية والجاني! وما أبشعه من واقع"!

سؤال آخر "استاذة فاطمة هل هناك دور لمنظمات المجتمع المدني السوداني، تحديدًا المنظمات النسوية في مقاومة هذه الانتهاكات الاجرامية والتصدي لها؟ وهل قامت برصد هذه الانتهاكات الإجرامية وايصالها للرأي العالمي لاتخاذ الاجراءات اللازمة للتصدي لتلك الممارسات الشنيعة ومعاقبه مرتكبيها؟"

الاغتصاب.. قهر للمرأة واذلال للمجتمع.

ج: "المنظمات النسوية السودانية من قبل الحرب لها دور كبير في جميع النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومنذ اندلاع الحرب هناك عمل كبير لتلك المنظمات في مجال الإغاثة والعون الإنساني ورعاية المرضي والجوعى، بالذات المرضي النساء وخاصة النساء الحوامل والمرضعات.

لا توجد تقارير احصائية دقيقة بحالات الإغتصاب والإنتهاكات الجنسية

لكن فيما يخص الانتهاكات والجرائم الجنسية الحاصلة منذ اندلاع الحرب معظم المنظمات النسوية تعمل في المراقبة وفي رصد الانتهاكات وفي إيواء بعض الناجيات وعمل التأهيل النفسي لهن، وكثير من العمل المنظم مع الأمم المتحدة والمنظمات النسوية الخارجية، فهم يقومون بعملية الرصد وإصدار تقارير تكون هى الأساس الذي تبنى عليه تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، كما تقوم المنظمات السودانية بالمشاركة فى معالجة ومساعدة الناجيات وتقديم الدعم النفسي والمادي لهن واعادة تأهيلهن واعادة دمجهن فى المجتمع. إنها مهام صعبه جدًا خاصه فى مجتمع عربى مثل المجتمع السوداني، له نظرته الخاصة للإغتصاب، وخاصة أن كل هذا الجهد يحدث تحت القصف وظروف الحرب ويوجد تقارير بإحصائيات لكن ليست بالحقيقة الكاملة الموجودة على أرض الواقع لأن هناك كثير من المناطق المغلقة التي لا تستطيع المنظمات الوصول إليها بسبب الحرب  وعمل احصاء دقيق بتقارير مفصلة لعزلة بعض الأماكن  وللأسف هناك  بعض الأماكن ليس بها اتصالات تليفونية لمعرفة ما يحدث بها، فهذه الارقام ليست كاملة، للأسف الحقيقة غائبة كأرقام نهائية حتي الآن لكنها معروفة ومرصودة كظاهرة منتشرة  وللأسف هي ابشع واكثر مما يمكن تصوره".

الإغتصاب جنون.

سؤالنا قبل الأخير: "في حدود علمكم استاذة فاطمة كرائدة من رواد المجتمع النسوي السوداني ما هو مصير النساء اللاتي تعرضن لعمليات اغتصاب جنسي داخل السودان؟"

ج: "مثلما أوضحت هناك دعم نفسي ومادي تقدمه جمعيات المجتمع المدني لهن، لكن المشكلة أن كثيرًا من الحالات اللاتي تعرضن للإغتصاب تخشي أن تتحدث عن الانتهاكات التي تعرضن لها، نظرًا لطبيعة المجتمع السوداني الذي ترى فيه الأسرة التي تعرضت إحدى فتياتها أو سيداتها للإغتصاب، أن هناك عار لحق بها!! فتبذل الأسرة كل جهدها لإخفاء ذلك العار وهذا طبع أغلب المجتمعات العربية لكن مَن يتم معرفتها تسعى منظمات المجتمع المدني إلى تقديم الدعم لها، وقد تم إنشاء دور خاصة بتلك الحالات لتأهيلهن حتى يستطعن تخطي الأزمة، كثير من المنظمات تسعى لمساعدة تلك الحالات بمحاولة إخراجهن خارج السودان في عمل كبير من المنظمات السودانية ومنظمات الأمم المتحدة الخاصة بالانتهاكات والعنف الجنسي خلال الحرب".

إغتصاب إمرأة واحدة، هو إغتصاب أمَّة بأسرها.

السؤال الأخير في هذا المحور: ماهي نظرة الأسر لبعضها البعض في هذا الشأن لاسيما الكل واقع تحت ظروف واحده قد يتعرض لها الجميع؟

... ... ... ... !!!

ج: المجتمع السوداني معقد جدًا، مجتمع محافظ، فكله يكون على حساب المرأة والفتاة. فالحديث في هذا الشأن وخصوصا الانتهاكات الجنسية يكون عارًا، فالبنت التي تعرضت لتلك الحادثة تصبح مصدر عار لأسرتها رغم أنها الضحية والمجني عليها وليس لها أي يد فيما حدث لها، المرأة دائما هي التي تدفع الثمن من جسدها ونفسيتها وكرامتها. لكن عمومًا المصيبة كبيرة وانتشار هذه الجريمة أجبَر الجميع على التكاتف، فكل الأسر والعائلات أصبحت معرضه لذلك الموقف، وهذا الذي يكتشفه السودانيون يومًا بعد يوم منذ إندلاع الحرب، في كثير من المناطق تضم البيوت أكثر من عائلات مع بعضهم البعض خصوصًا في مناطق النازحين للوقوف بعضهم بجانب بعض والشباب يحاولون القيام بعمليات التكافل الاجتماعي، لكن المصيبة كبيرة، وللأسف حتي الأسر المستقبلة للنازحين مواردها محدودة لكنهم يحاولون تقديم يد المساعدة والدعم رغم ذلك".

قريبًا الجزء الثالث والأخير.

مراجعة لغوية للحوار: أ. رحمة رجب بسيوني

الدكتورة فاطمة مصطفى في حوار مع “الفارابي”: أجساد النساء السودانيات؟ ساحة الحرب بين الأشقاء.! (الجزء الأول)

حوار أجرته الدكتورة صباح منسي 

سكرتير تحرير "موقع الفارابي نيوز" للدراسات السياسية والتنموية 

تحرير وإخراج د. مدحت حماد

انطلاقا من إيمان مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية بأهمية تعظيم دور مؤسسات المجتمع المدني في مصر والدول العربية بشأن القضايا الإقليمية والدولية بصفة عامة، وكذلك تفعيل دورها لصنع رأي عام عربي موحَّد داعم لمواقف الشعوب العربية في جميع قضاياه المصيرية: القضية الفلسطينية، القضية السورية ومؤخرًا القضية السودانية، قام المركز منذ بضعه أيام بتنظيم واقامة ندوة لمناقشة الوضع المؤلم الدامي المُحزن للمرأة السودانية في ظل الأحداث الدموية البشعة التي يمر بها الشعب السوداني الشقيق.

دكتورة فاطمة مصطفى

واستكمالا لذلك الدور، نجري اليوم حوارًا مع "مناضلة سودانية" هي واحدة من أكبر رائدات المجتمع المدني السوداني، التي كان لها دورًا فاعلًا في المجتمع السوداني قبل اشتعال الحرب الأهلية في السودان، ومازالت تبذل كل جهدها مع الشرفاء من أبناء السودان في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والتخفيف من ويلات الحرب على أبناء السودان داخل السودان وخارجه بصفة عامة و"المرأة والأطفال بصفة خاصة"، إنها الدكتورة "فاطمة مصطفى"

استاذة فاطمة نرحب بك في بلدك الثاني مصر، اسمحي لي في البداية أن أدعوكِ لتقدمين نفسك للشعب المصري والشعوب العربية، من خلال مركز الفارابي، لنتعرف على حضرتك ومسيرتك العلمية والعملية في خدمة السودان قبل أن ندخل في الحوار.

الدكتورة فاطمة مصطفى في حوارها مع الدكتورة صباح منسي سكرتير تحرير موقع الفارابي نيوز

أنا فاطمة مصطفى.. رئيسة منظمة مجتمع مدني سودانية هي منظمة "زينب لتنمية المرأة". تم إطلاق "اسم زينب" عليها، تكريمًا لروح "والدتي زينب رحمة الله عليها"، أول معلمة سودانية في اقليم شرق السودان، كما أنها أول من أسسَّ مدارس للتعليم الأساسي في هذا الإقليم في عام 1941، وذلك بعد تخرجها من كلية المعلمات بأم درمان، لتقود بذلك "نهضة تعليم الفتيات بالسودان"، لهذا قامت بتأسيس وفتح الكثير من المدارس، واستمرت في أداء هذه المهمة حتى احيلت إلى التقاعد عام 1981، ولي الشرف أنها "أمي".

الأستاذة زينب محمد نور رحمة ، أول معلمة من بنات الاقليم الشرقي بالسودان
تخرجت من كلية معلمات ام درمان عام ١٩٤١ م

منظمة "زينب لتنمية المرأة هي إحدى المؤسسات للمنظمة التي تعمل منذ أكثر من عقدين في بلدي السودان في مجالات التنمية المستدامة خاصة الصحة الإنجابية للنساء، تمكين المرأة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والقانونية، وكذلك العمل في مجال الاغاثة الإنسانية، وحاليا نقوم نكثف جهودنا لرعاية النازحين واللاجئين السودانيين، لتخفيف معاناتهم قدر الإمكان.

أنا أيضًا من المهتمين بقضايا المناخ والطاقة الخضراء، وجزء كبير من أنشطتي يرتبط بهذه القضايا، لكنها بالطبع تأتي في الدرجة التالية لاهتماماتي بشئون وطني الجريح، السودان.

أهلا وسهلا بحضرتك.

حوارنا مع حضرتك سيدور حول ثلاث موضوعات أو قضايا متكاملة، كل منها سيكون محورًا مستقلاً بذاته، لكنها أيضًا محاور متكاملة ومتشابكة لا يمكن فصل بعضها عن بعض.

المحور الأول حول "الواقع السوداني" الراهن.

"استاذة فاطمة.. اسمحي لي أن نبدأ حوارنا بالحديث عن الواقع السوداني اليوم. فالمتابع للأحداث، يشعر وكأن هناك تعمد لإخفاء الواقع السوداني والتهوين منه فهناك تجاهل إعلامي كبير للأحداث الرهيبة في السودان لدرجة أن كثيرٍا من الناس المهتمين بالشأن العربي والدولي ربما باتوا لا يعلمون تفاصيل ما يحدث بالسودان، كذلك يشعر معظم الناس بالحيرة وهم يشاهدون الملايين من أبناء الشعب السوداني يفرون من الموت في بلادهم، سواء بالنزوح داخل السودان أو اللجوء إلى الدول المجاورة وخصوصًا مصر.  

فهل يمكن أن تنقلي للشعب المصري والشعوب العربية حقيقة الواقع السوداني وماذا يحدث بالسودان؟

بصراحة الواقع الحقيقي في السودان الآن لا توجد كلمات لوصفه، لأن الحرب أدت إلى أكبر عملية نزوح ولجوء في العالم من حيث أعداد النازحين واللاجئين. المنظمات الدولية تتحدث عن 11 إلى 14 مليون نازح ولاجئ، ومازالت المأساة مستمرة فالحرب اشُتعلت منذ عام ونصف، أول أمس كان هو اليوم رقم 500 على بداية الحرب في السودان. للأسف الشديد الشعب السوداني يعاني بكل ما تحمله كلمه معاناة من معنى، فكل أساسيات الحياة من غذاء ودواء ومياه وإيواء غير متوفر، وهذا لم يحدث من قبل للنازحين واللاجئين في أي منطقة صراع بالعالم، المشكلة أن الصراع مازال مشتعلا إلى الآن للأسف الشديد. يعني الفصيلين المتقاتلين سواء كان الدعم السريع بقيادة حمتو أو الجيش السوداني بقيادة البرهان، ما في أي مراعاة أن جرائم هذه الحرب داخل المدن.

الله أكبر على الخونة الذين يسفكون دماء وشرف الوطن،
نساءًا وأطفالاً .. شيوخًا وعجائز .. أرضًا وطينًا.
قاتلي السودانيين. (البرهان وحميتي.. الشركاء والحلفاء سابقًا)

منذ بدأت الحرب والمستهدف فيها هم المدنيين.

فالمتضرر بصورة مباشرة هم المدنيون العٌزَّل، والضرر الأكبر والأكبر هو للنساء والاطفال والشيوخ والمرضى، كل هذا يحدث أمام أعين العالم الذي يشاهد كل شيء عبر جميع وسائل التكنولوجيا التي تنقل الصورة من أرض الواقع، هُم يشاهدون الموت بالألاف للمدنيين في كل السودان، القصف من اتجاه الجيش بالطيران والبراميل المتفجرة ومن الدعم السريع بكل الدانات والآليات الثقيلة، التي قطعت اوصال الناس وقتلت الالاف من المدنيين، بالإضافة إلى هدم المنازل وتدمير البنية التحتية من المستشفيات والمدارس وكل شيء.

"الجيش والدعم السريع، الإثنان شركاء في وقوع واستمرار هذه المأساة والكارثة"

يا رب..
لقد دمروا بيتي. أين أبي وأمي؟ أين أخي وأختي؟ أين جدي وجدتي؟ أين أهلي.. أين مدرستي؟ أين حياتي؟ وأين أحلامي؟

نعم "الجيش والدعم السريع الاثنين شركاء في وقوع واستمرار هذه المأساة والكارثة" التي يدفع ثمنها المواطن البسيط المدني. المدارس مغلقة وهناك 11 مليون طفل سوداني خارج دائرة التعليم منذ سنة ونصف. المستشفيات معظمها دمرت في العاصمة. حتى في معظم الأقاليم التي ما فيها قتال دائر. بتعاني من كمية أعداد النازحين الذين يشكلون عبئا كبيرًا على تلك الأقاليم لعدم وجود امكانيات تؤهلها لاستقبال تلك الأعداد الكبيرة من النازحين، أيضا البنية التحتية بها مترهلة وهو ما أدى لتفشي الامراض والاوبئة. لا توجد مستشفيات ولا توجد أدوية وساعد في تفاقم المشكلة وتعقيدها الأمطار والفيضانات التي ضربت كثيرًا من مناطق السودان، تقريبا 10 ولايات، وسببت كثيرًا من الخراب، وغرق آلاف الارواح وفقدان آلاف المنازل، وما زاد من تعقيد الموقف أن هذه السيول والفيضانات أثرت كثيرًا في المناطق التي لم يكن بها صراع مما ضاعف من معاناة الشعب السوداني. حقيقي نحن كناشطات وسيدات مجتمع مدني يتم سؤالنا من المواطنين منذ بداية الحرب اين المجتمع الدولي مما يحدث للسودان وشعبها؟؟

كلمة حق أقولها: "هناك غياب واهمال وعدم مبالاة من المجتمع الدولي بما يحدث بالسودان".

أبناء الشعب السوداني هم "ضحايا حرب" ويجب أن يعاملوا على هذا الاساس طبقا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف لكن للأسف الكثيرين من السودانيين النازحين واللاجئين لا يجدون مَن يساعدهم وهو ما يضاعف من معاناتهم، حتى مسائل الأكل والشرب لا يجدون مَن يهتم بها ولذلك فإن "الجوع هو سيد الموقف الآن في السودان".

المجاعة التي يتكلمون عنها!! وأنا حقيقي بالنسبة لهذه النقطة على المستوي الشخصي متألمة جدًا فالمجتمع الدولي يتكلم عن "المجاعة"، والمجتمع الدولي نفسه هو سبب في المجاعة. لأنهم لم يقدموا الدعم والاغاثة للسودانيين، هم يتعللون من بداية الحرب بمشكلة فتح الممرات ووقف القتال، بينما الوضع مختلف في الكثير من الدول الأخرى التي فيها صراع مثل أوكرانيا، هناك دعم يصل للمتضررين ومساعدات إنسانية تصل للمحتاجين وطعام وادوية تصل للمصابين. رغم استمرار القتال ورغم عدم وجود ممرات لكن بالنسبة للسودانيين الوضع مختلف، حتى المنظمات العالمية الاغاثية مثل "الصليب الاحمر ومنظمات الأمم المتحدة" كلها تشتكي من عدم وجود موارد وتمويل كافي لإغاثة السودانيين.

ذكر الأمين العام للأمم المتحدة ومسئول الشئون الإنسانية أكثر من مرة: أنهم يناشدون أعضاء الدول في الامم المتحدة بالذات الدول المانحة للقيام بدورها في توفير الأموال لإغاثة السودان وشعبها وحتى سفيرة امريكا بالأمم المتحدة "مس لندا " ذكرت أن امريكا دفعت لكن بقية الدول ما دفعت واخذت تناشد الدول أكثر من مرة وفي أخر مرة تكلمت في مؤتمر باريس الذي انعقد مرتين لبحث المسائل الإنسانية بالسودان وذكرت أن الدول  تقول "هندفع 2 مليار أو3 مليار" لكن للأسف ما بيوصل أي مساعدة كافية، لذلك تشتكي منظمات الاغاثة العالمية أنه ليس لديها موارد. نحن كمنظمة مجتمع مدني.. نتعامل مع منظمات نسائية عالمية منذ بداية الصراع ونناشدهم أنهم يساعدونا لمساعده الناس على ارض الواقع.. وهم بيشتكوا، ومستغربين أنه لا توجد موارد لإغاثة السودانيين.

أهكذا يتقاتل الشرفاء؟ يتقاتلون على شرف وأجساد النساء؟ أي رجال هؤلاء؟ ووالله إنهم ليسوا برجال.
Sudanese women who fled the conflict in Geneina in Sudan's Darfur region, line up to receive rice portions from Red Cross volunteers in Ourang
on the outskirts of Adre, Chad July 25, 2023. REUTERS/Zohra Bensemra

بعد اشتعال الحرب بأربع شهور، طلع على إحدى القنوات العربية مدير الصليب الاحمر وقال للأسف إن الموارد التي يحتاجها السودان ليس لدينا منها إلا 7 بالمئة. كلهم يقولون هذا. "مِسِز ليندا" في آخر تصريح لها في نهاية يوليو الماضي، ذكرت أنه "من الموارد التي تحدث البعض عن منحها للسودان ما يوجد منها الا التلت". يوجد كلام على وجود 16 بالمئة فقط تم جمعها لإغاثة السودان. فحقيقي المجتمع الدولي موقفه مريب جدًا بالنسبة لنا، وهو موقف غريب لأن الإنسانية في النهاية هي الإنسانية، وحياة السودانيين هي حياه بشر مثل جميع البشر الآخرين في جميع أنحاء العالم ويجب أن يعاملون على هذا الأساس.

يا الله! إن الخَوَنَة يقتلون الماضي والحاضر والمستقبل.

المجتمع الدولي متهم بالمشاركة في القضاء على السودانيين.

لأني أنا بقول من بداية الحرب وأركز على حتمية توفير الموارد المالية للمسائل الإنسانية. لدي اتصالات بكثير من المنظمات العالمية في كثير من النواحي الإنسانية سواء الخاصة بالمناخ أو ما يخص المرأة. يعني حقيقي شيء مريب ويدعوا للتساؤل. فإذا كانوا يتكلمون على فتح الممرات، فاللاجئون لا يحتاجون إلى فتح الممرات. بالنسبة لمصر ما فيها مشكلة. بالنسبة لجنوب السودان ما فيها مشكلة. اللاجئون يحتاجون موارد لإغاثتهم. كثيرًا ما أذهب لمفوضية اللاجئين لتفقد أحوال السودانيين، فأجد من أهل الخير من السودانيين، ومن بَرَّه السودان، يساعدون، والحمد لله.

جميع السودانيين يعانون، والمفوضية لا تحمي ولا تساعد اللاجئين!

العيب ليس في المفوضية الدولية لشئون اللاجئين، بل العيب فيمن يدَّعون بأنهم رجال ويشردون أهليهم هذا التشريد المُهين.

المفوضية يجب أن تساعد اللاجئين حتى يدخلوا إلى الأراضي المصرية بشكل قانوني.

مصر من حقها أن تحمي أراضيها وتقنِّن الوجود الأجنبي، هذا الأمر موجود في جميع دول العالم.

لهذا يجب أن يحصل اللاجئ على "كارت من المفوضية" يسهِّل دخوله إلى مصر بشكل قانوني صحيح حتى تضمن مصر أمنها وسلامتها. لأن كل دوله لابد أن تكون حريصة على تنظيم الأمن فيها. المشكلة والتقصير من جانب الأمم المتحدة ممثلة في مفوضية اللاجئين. وأنا أيضًا لا ألومهم، لأنهم يشتكون من عدم وجود موارد كافية تساعدهم على تنفيذ وظيفتهم"

ستبقى هذه الصور وسيبقى هذا العار مكتوبًا على جباه البرهان وحميتي المُلطخة بدماء وشرف الضحايا الأبرياء

للحوار بقية في الجزء الثاني

انتظرونا

مراجعة لغوية للحوار: أ. رحمة رجب بسيوني

الدكتورة فاطمة مصطفى في حوار مع “الفارابي”: أجساد النساء السودانيات ساحة الحرب بين الأشقاء!

الدكتور مدحت حماد شاهد على الحوار، يكتب:

في حوار أجراه مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية مع الدكتورة فاطمة مصطفى ، إبنة الأستاذة "زينب" أول إمرأة سودانية تؤسّس مدارس التعليم الاساسي للبنات في الإقليم الشرقي للسودان بعد تخرجها من كلية معلمات أم درمان في العام ١٩٤١ م ، والتي تم تأسيس "جمعية زينب" على إسمها، وهي جمعية أهلية لتنمية وتطوير المرأة في العام ٢٠٠٠ في السودان الجريح.

لقد فوجئت بما لم أكن أتخيله، فقد كنت أتوقع حوارًا تحليليًا سياسيًا بالدرجة الأولى، حوار يجسّد ويحلل ويشرح ويفسّر و... لتفاصيل الحرب الأهلية في السودان،

فإذا بي أجده: حواراً صريحًا مُؤلمًا، اختنق بأنين يُجَسِّد حُرقة جميع النساء السودانيات في الداخل والخارج، حوار اكتوى بنيران زفير بكاء الأطفال والشيوخ والعجائز والمرضى والنساء الثكالى والأمهات المكلومات والفتيات اللاتي فقدن الأب والأخ، وجميع اليتامى الذين فقدوا آبائهم في حرب تقاتل فيها أبناء العمومة والأخوال، تقاتلت فيها العائلات التي تربطها أواصر المصاهرة على مدى عقود وقرون،

حوار جسَّد صراخ الأرض السودانية من فوران دماء أهليها، جسَّد غليان نهر النيل حُرقة ولوعة.

لقد جسدت وشخصت الدكتورة فاطمة مصطفى الواقع المُحزن الذي وصل إليه الأشقاء في السودان.

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

كسر الله قلوب المُغتَصيبين

لكن السيدة، الأستاذة، المرأة، الأم فاطمة مصطفى..

بمكابدة مُضنية حتى لا تنسال دموعها أو تُشَق بسببها جَنبات أضلاعها، صرخت المرأة، انفجرت السيدة، تحدثت الأستاذة، شخصَّت القائدة، لتشرح تفاصيل المشهد بكل آلامه، بجميع مستوياته، بمكابدة مضنية مَلَكَت زِمَام دموعها، استحضرت كامل طاقتها الذهنية والعقلية، جَمَعَت كل طاقاتها الفكرية والإنسانية والوطنية والقومية لتصرخ قائلة:

وا حزناه، وا مصيبتاه، وا ويلتاه، وا معتصماه: لقد أصبحت أجساد النساء السودانيات ساحة الحرب بين الأشقاء!

سوف يقوم مركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية بنشر الحوار على أجزاء ثلاثة اعتبارًا من الأربعاء 4 سبتمبر 2024

د. مدحت حماد.. شاهد على الحوار.