الشهر: أكتوبر 2025

د. مدحت حماد: فرص اشتعال “الحرب الإقليمية الكبرى” لم تنته بعد؟

د. مدحت حماد

أستاذ اللغة الفارسية والدراسات الإيرانية الخليجية.

بجامعة طنطا وأكاديمية ناصر العسكرية العليا.

أ.د. مدحت حماد

على الرغم من كل ما حدث أو صدر عن قمة شرم الشيخ للسلام، وعلى الرغم من مستويات التفاؤل التي غلبت أو سادت تصريحات وأفعال الرؤساء والقادة الذين اجتمعوا في شرم الشيخ، وعلى الرغم من أن كلمة "السلام" قد تكررت على ألسنة الجميع عشرات إن لم يكن مئات المرَّات، وعاى الرغم مما تم من تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، وما صاحبه من توقف لآلة التدمير الصهيونية في فلسطين المحتلة من جهة عودة دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة من جهة أخرى، إلا أنه لا يمكننا مطلقًا أن نقول بأن "هذا السلام" قد بدأ أولى خطواته على أرض الواقع.

ذلك أن هناك عشرات وعشرات الأحداث التي تمت أو التي كان يجب أن تتم، هي التي ترتبط بها فعليًا تحقيق السلام المنشود الضائع في الشرق الأوسط بصفة عامة وفلسطين بصفة خاصة. من هذه الأحداث:

1- تأكيد ترامب في الكنيسيت الإسرائيلي على أن القدس بشطريها، هي العاصمة الأبدية لإسرائيل.

2- تأكيد ترامب على سيادة إسرائيل على الجولان.

3- تأكيد ترامب على رفضه لمشروع "حل الدولتين".

4- تأكيد ترامب على "مبدأ السلام مقابل السلام" وليس "الأرض مقابل السلام".

5- تأكيد ترامب على استمرار تبنيه "مشرع الدين الإبراهيمي".

6- تأكيد ترامب على إصرار القضاء التام على القدرات النوووية الإيرانية.

7- تأكيد ترامب على إصراره القضاء على المشروع الصاروخي الإستراتيجي الإيراني.

8- تأكيد إيران على استمرارها في تنفيذ جميع برامجها ومشاريعها الإستراتيجية مثل "البرنامج النووي" و"البرنامج الصاروخي".

9- تأكيد إيران على عدم الإعتراف بإسرائيل.

10- تأكيد إيران على عدم التفاوض _ومن ثم عدم عودة العلاقات_ مع أمريكا إلا بعد أن ترفع جميع العقوبات.

الحديث عن السلام في الشرق الأوسط، حديث لا يقوم على معطيات حقيقية.

الحقيقة أن جميع ما سبق ذكره ليس له سوى معنى وحيد، هو أن الحديث عن السلام في الشرق الأوسط، حديث لا يقوم على معطيات حقيقية، لأن الأطراف الإقليمية والدولية التي يُفتَرض أن يقوم ويتحقق السلام عليها ومن خلالها، لازالت في حالة عداء وجودي، ولازالت دماء القتلى والجرحى تسيل وتجري بسببها وبينها.

كذلك القول بأن ثمة سلام بات يلوح في الأفق بخصوص القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائلي، إنما هو قول مغلوط ومشكوك في صوابه، حتى وإن اعتنقت بعض الدول الإقليمية لمنهج السلام القائم على الحقوق والقوة مثل مصر. فالقضايا الخلافية المصيرية لازالت موضع اختلافات جذرية عميقة، فضلاً عن اتساع الفجوات المرتبطة بالعقيدة السياسية والعسكرية بل والدينية بين جميع الأطراف.

أمريكا تحشد قواتها العسكرية في منطقة الخليج وتركيا وآسيا الوسطى والمحيط الهندي. السؤال هو: لماذا؟ إسرائيل تقوم بنفس الشيئ، حيث تقوم بترميم وتعويض خسائرها نتيجة حرب يونيو 2025 مع إيران ونتيجة لحرب العامين مع حماس في غزة وكذلك حزب الله وجماعة أنصار الله. السؤال أيضًا هو: لماذا؟

إيران نفس الشيئ، تقوم بترميم قواعدها الصاروخية واستعواض خسائرها في كافة الأسلحة والقطاعات الحيوية، بل إن المرشد الإيراني "سيد علي خامنه اي" طالب الإيرانيين بتخزين الغذاء، كذلك التسريبات المؤَكِدَة على وصول شحنات عسكرية روسية صينية إلى إيران، كلها وقائع وأحداث تجعلنا نسأل أنفسنا: لماذا؟

أي لماذا تستعد جميع الأطراف عسكريًا ولوجستيًا على هذا النحو؟ أَمِن أجل السلام يستعدون؟ أم ماذا؟ في ظني أنني أعتقد بأن ما حدث في شرم الشيخ مؤخراً، وأن التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار في غزة، إنما هي بمثابة خطوات وإجراءات إقليمية تمهِّد الطريق نحو إشتعال الحرب الإقليمية الكبرى، التي أعتقد في أنها قادمة لا محالة، ما لم يحدث تحول جذري حقيقي فيما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة أخرى.

من هنا فإنني أعتقد فعليًا بأن فرص اشتعال "الحرب الإقليمية الكبرى" لم تنته بعد.

د. محمد السعيد إدريس يكشف: هندسة أمريكية جديدة للشرق الأوسط.

د. محمد السعيد إدريس

مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

د. محمد السعيد إدريس

توماس بّراك السفير الأمريكى لدى تركيا: لا يوجد شرق أوسطـ، وإنما قبائل وقرى ودول قومية أنشأها سايكس – بيكو.

فى مداخلة بدت غريبة على آذان من استمعوا إليها، رغم أنهم كانوا من كبار المسئولين الأمريكيين لكونهم أعضاء فى الكونجرس الأمريكى، فاجأ توماس بّراك السفير الأمريكى لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا، والرجل الذى يصول ويجول فى إدارة القرار اللبنانى، هؤلاء «المشرعين» أعضاء الكونجرس (26/9/2025)، بنفيه وجود ما يسمى «الشرق الأوسط»، ونفى ما يسمى «دولًا» بهذه المنطقة، وقال إن «ما يسمى الشرق الأوسط يدار من خلال القبائل والقرى والعائلات والطوائف لا من خلال الدول القومية الحقيقية»، ومشيرًا إلى اتفاقية «سايكس – بيكو، لعام 1916 كأصل لتخليق الدول الحالية وترسيم حدودها»، ما يعنى أن هذه الاتفاقية «اللعينة» التى ولدت من رحم الحرب العالمية الأولى وتدمير «الإمبراطورية العثمانية» هى أصل الدول الحالية وليست أصل الداء والوباء، الذى ألم بالوطن العربى. وقال للصحفيين أمام البيت الأبيض «لا يوجد شرق أوسطـ، وإنما قبائل وقرى ودول قومية أنشأها سايكس – بيكو.. أعتقد أنه يجب ألا نتحدث عن 27 دولة، لأن الواقع الحقيقى هو 110 مجموعات اثنية».

«إذا كانوا لا يتقبلون كلمة (إخضاع) نقول لهم: ولايهمكم نسميها ازدهارا»!!

توماس برّاك (الذى ترجع أصوله إلى لبنان) لم يكتف بذلك، وهو شديد الانشغال بنزع سلاح المقاومة فى لبنان، كشرط مسبق لأى حديث عن دعم مالى للبنان (عربى أو دولى)، وأى حديث عن انسحاب إسرائيلى من المناطق التى تحتلها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلى فى جنوب لبنان، أو وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، تورط فى كشفه لـ «جوهر السياسة الأمريكية فى الوطن العربى» وهو «ضم مناطق إلى إسرائيل»، سواء كانت هذه المناطق فى الضفة الغربية الفلسطينية أو لبنان أو سوريا. وفى استخفاف منه بالعقول والمشاعر العربية التى أدرك فداحة وقع مصطلح «الضم والإخضاع» عليها، قال لمستمعيه: «إذا كانوا لا يتقبلون كلمة (إخضاع) نقول لهم: ولايهمكم نسميها ازدهارا».

هذا الإدراك الأمريكى يجب ألا يغيب عن العقل العربى وهو شديد الانشغال بـ «مآلات خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب» لما يسميه «السلام فى الشرق الأوسط» أحيانًا، أو بتحرير الأسرى الإسرائيليين خاصة فى ظل التطورات المتسارعة والمتلاحقة، منذ إعلان حركة المقاومة الإسلامية «حماس» مساء الجمعة الماضى (3/10/2025) ردها على «خطة ترامب»، وتعليق الرئيس ترامب على هذا الرد بعد ساعات من تسليم حركة «حماس» ردها للوسطاء (مصر وقطر وتركيا) الذى قبل فيه هذا الرد، وأعرب عن اعتقاده أن «حماس مستعدة للسلام»، وطالب إسرائيل بالتوقف عن قصف غزة، خاصة أن رد حركة «حماس» كشف أنها «مستعدة للإفراج عن جميع الرهائن بموجب خطته لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة».

أى علاقة تربط بين المفاهيم «المغلوطة» التى تحدث بها توماس باراك، وبين خطة الرئيس دونالد ترامب الخاصة بقطاع غزة؟

أى علاقة تربط بين المفاهيم «المغلوطة» التى تحدث بها توماس باراك، رجل ترامب فى المشرق العربى، عن العرب والدول العربية، وبين خطة الرئيس دونالد ترامب الخاصة بقطاع غزة؟. هذا السؤال يفتح أمامنا الأبواب الواسعة لعشرات من الأسئلة الأخرى>

أولها: لماذا تحمس ترامب لطرح هذه الخطة وفى أى ظروف؟ وماذا يريد ترامب من وراء فرض هذه الخطة.. هل يريد فقط وقف الحرب فى غزة، أم يريد ما وراء وقف هذه الحرب، وبالتحديد الأدوار الأمريكية الجديدة فى المنطقة، سواء موضوع فرض أمريكا «حاكمًا» للمنطقة، وليس إسرائيل وحدها على نحو ما كان بنيامين نيتانياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلى يحلم بفرض «نظام إسرائيلى للشرق الأوسط» تحكمه إسرائيل بالقوة العسكرية.

لماذا كان الرئيس الأمريكى شديد الانفعال فى تهديد حركة «حماس» بل والمنطقة كلها إذا لم تقبل بخطته؟

وثانيها: لماذا كان الرئيس الأمريكى شديد الانفعال فى تهديد حركة «حماس» بل والمنطقة كلها إذا لم تقبل بخطته باستخدام القوة المفرطة، القوة الأمريكية وليس فقط القوة الإسرائيلية؟ فقد أكد ترامب قبل ثلاثة أيام من إصدار حركة «حماس» ردها على خطته، وبالتحديد يوم الثلاثاء (30/9/2025) أن «الجيش الأمريكى قد يضطر للتدخل فى حال فشل تسوية الوضع فى الشرق الأوسط»، وقال فى حديثه لكبار ضباط الجيش الأمريكى «سنسوى الوضع فى الشرق الأوسط»، وزاد «سنراقب الجزء المتقلب من العالم فى الشرق الأوسط.. وسنعمل على إبقائه هادئًا، حتى لا يضطر الجيش الأمريكى للتدخل».

ثالثها: ما هى العلاقة بين التركيز على فرض الاستجابة لخطة الرئيس ترامب الخاصة بقطاع غزة وبين هذا الحديث عن الحرب؟.. ولماذا غير الرئيس ترامب من بنود خطته بعد اللقاء الذى تم فى واشنطن بين نيتانياهو ومستشارى الرئيس، الأمر الذى أكده وزير الخارجية الباكستانى «محمد اسحق دار» (3/10/2025). الأمر التنفيذى الذى أصدره الرئيس الأمريكى، الذى نص على أن «أى هجوم على قطر تهديد لأمريكا»، يكشف عن بعض خيوط الترابط بين خطة ترامب الخاصة بتسوية الأزمة فى غزة، وبين التلويح بدور عسكرى أمريكى جديد فى الشرق الأوسط.. وهنا يجدر التساؤل عن احتمالات شن عدوان أمريكى – إسرائيلى على إيران، ومقايضة أمريكا بتسوية أزمة غزة بدعم عربى لمثل هذا العدوان، خاصة بعد إعلان روسيا دخول «معاهدة الشراكة الاستراتيجية الروسية – الإيرانية الشاملة» حيز التنفيذ، واعتبار ذلك «علامة فارقة فى تاريخ العلاقات بين البلدين»، كل هذه الأسئلة تكشف عن شىء محدد، رغم غموضه، هو أن «خطة ترامب» وجهود تسوية الأزمة فى غزة، كما أنها لم تنبت من فراغ، وأنها وليدة التحولات الشديدة الأهمية فى الموقف الدولى لمصلحة قضية فلسطين، فإنها ليست معدومة الأهداف، بل إنها لبنة أمريكية جديدة فى إعادة هندسة الخرائط فى الشرق الأوسط من منظور دور أمريكى جديد، فى وقت تتآكل فيه المكانة الأمريكية عالميًا، وتتفاقم فيه الأزمات الداخلية، ويزداد فيه السخط الدولى على السياسة الأمريكية، لانحيازها المطلق لإسرائيل.

حسن الطرزي: كلام الليل ،، الحرب المقبلة..؟

يصر ترامب على أن إنهاء حرب غزة يُنهي حروب الشرق الأوسط كافة وينشر السلام في المنطقة، هل يدرك ما يقول؟ قبل حرب 7 اكتوبر عاشت غزة حروبا كثيرة بدأت بالقتال وانتهت بالتوقيع فلا شئ منطقيا حتى الان يضمن عدم اندلاعها مجددا.

حسن الطرزي

إقليميا، عاش لبنان تجارب مماثلة وبعضها كان بالتزامن وبالتالي فإن جبهة الجنوب لا تزال ساخنة ولا يزال السلاح منتشرا فيها ولا تزال قوات نتنياهو تسيطر على 5 مواقع على الارض اللبنانية وقد تشتعل الحرب هناك مجددا.

إيران تصر على موقفها من التخصيب وتعتبره مصيرياً. فيما لم تتوقف حكومة نتنياهو - في اعتقادي - عن البحث عن 460 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب في إيران، وقد تباغت الجميع بضربة ربما تشعل حرب الصواريخ مجددا.

العراق؟ نتنياهو كان قد وجه من منبر الامم المتحدة تهديدا مباشرا للفصائل العراقية الموالية لإيران، ولا يبدو أنه سيفكر كثيرا في الضرب إذا ما قرر ذلك لأنه لن يعدم المبررات مثل كل مرة.

لا ننسى، أن في شمال سوريا قوات تركية تقول أنقرة إنها تنفذ مهمات للحفاظ على أمن تركيا.

سوريًا من جهتها حاولت سحب كل فتيل صالح للاشتعال ولا زالت تتمسك بسياسة ضبط النفس لكن خصمها الذي يبتلع الجولان شيئا فشيئا لا يعرف غير التمدد والنهب والاستيلاء ليوسع ما يسميها حدوده من خلال مناطق عازلة ومناطق منزوعة السلاح والدسم، ولأجل هذا قد يلجأ للأسلوب ذاته مجددا. ولا ننسى، أن في شمال سوريا قوات تركية تقول أنقرة إنها تنفذ مهمات للحفاظ على أمن تركيا.

عن أي سلام يتحدث ترامب؟

حتى الأردن ومصر اللتان وقعتا اتفاقيات لا تعتبران أن لديهما علاقات دافئة مع حكومة نتنياهو ومن قبل حرب غزة، لأن التهديد بضم الضفة الغربية كان سياسة متبعة، ولأن اقتحامات المناطق (أ & ب) كانت روتينا يوميا لا يخلو من قتل وجرح واعتقال وهدم وتجريف، ولأن اعتداءات المستوطنين لا تزال مستمرة، وهذه قد تشعل فتيل انتفاضة ثالثة وتندلع المعارك مجددا.

خاتمة

لا أعتقد أن ترامب سيوافق على أي شئ مما تقدم لأنه فعليا لا يريد حروبا جديدة، لكنه قطعا لن يمنع نتنياهو ولن يوقف تزويده بالسلاح.