د. مدحت حماد: فرص اشتعال “الحرب الإقليمية الكبرى” لم تنته بعد؟
د. مدحت حماد
أستاذ اللغة الفارسية والدراسات الإيرانية الخليجية.
بجامعة طنطا وأكاديمية ناصر العسكرية العليا.

على الرغم من كل ما حدث أو صدر عن قمة شرم الشيخ للسلام، وعلى الرغم من مستويات التفاؤل التي غلبت أو سادت تصريحات وأفعال الرؤساء والقادة الذين اجتمعوا في شرم الشيخ، وعلى الرغم من أن كلمة "السلام" قد تكررت على ألسنة الجميع عشرات إن لم يكن مئات المرَّات، وعاى الرغم مما تم من تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، وما صاحبه من توقف لآلة التدمير الصهيونية في فلسطين المحتلة من جهة عودة دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في غزة من جهة أخرى، إلا أنه لا يمكننا مطلقًا أن نقول بأن "هذا السلام" قد بدأ أولى خطواته على أرض الواقع.
ذلك أن هناك عشرات وعشرات الأحداث التي تمت أو التي كان يجب أن تتم، هي التي ترتبط بها فعليًا تحقيق السلام المنشود الضائع في الشرق الأوسط بصفة عامة وفلسطين بصفة خاصة. من هذه الأحداث:
1- تأكيد ترامب في الكنيسيت الإسرائيلي على أن القدس بشطريها، هي العاصمة الأبدية لإسرائيل.
2- تأكيد ترامب على سيادة إسرائيل على الجولان.
3- تأكيد ترامب على رفضه لمشروع "حل الدولتين".
4- تأكيد ترامب على "مبدأ السلام مقابل السلام" وليس "الأرض مقابل السلام".
5- تأكيد ترامب على استمرار تبنيه "مشرع الدين الإبراهيمي".
6- تأكيد ترامب على إصرار القضاء التام على القدرات النوووية الإيرانية.
7- تأكيد ترامب على إصراره القضاء على المشروع الصاروخي الإستراتيجي الإيراني.
8- تأكيد إيران على استمرارها في تنفيذ جميع برامجها ومشاريعها الإستراتيجية مثل "البرنامج النووي" و"البرنامج الصاروخي".
9- تأكيد إيران على عدم الإعتراف بإسرائيل.
10- تأكيد إيران على عدم التفاوض _ومن ثم عدم عودة العلاقات_ مع أمريكا إلا بعد أن ترفع جميع العقوبات.
الحديث عن السلام في الشرق الأوسط، حديث لا يقوم على معطيات حقيقية.
الحقيقة أن جميع ما سبق ذكره ليس له سوى معنى وحيد، هو أن الحديث عن السلام في الشرق الأوسط، حديث لا يقوم على معطيات حقيقية، لأن الأطراف الإقليمية والدولية التي يُفتَرض أن يقوم ويتحقق السلام عليها ومن خلالها، لازالت في حالة عداء وجودي، ولازالت دماء القتلى والجرحى تسيل وتجري بسببها وبينها.
كذلك القول بأن ثمة سلام بات يلوح في الأفق بخصوص القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائلي، إنما هو قول مغلوط ومشكوك في صوابه، حتى وإن اعتنقت بعض الدول الإقليمية لمنهج السلام القائم على الحقوق والقوة مثل مصر. فالقضايا الخلافية المصيرية لازالت موضع اختلافات جذرية عميقة، فضلاً عن اتساع الفجوات المرتبطة بالعقيدة السياسية والعسكرية بل والدينية بين جميع الأطراف.
أمريكا تحشد قواتها العسكرية في منطقة الخليج وتركيا وآسيا الوسطى والمحيط الهندي. السؤال هو: لماذا؟ إسرائيل تقوم بنفس الشيئ، حيث تقوم بترميم وتعويض خسائرها نتيجة حرب يونيو 2025 مع إيران ونتيجة لحرب العامين مع حماس في غزة وكذلك حزب الله وجماعة أنصار الله. السؤال أيضًا هو: لماذا؟
إيران نفس الشيئ، تقوم بترميم قواعدها الصاروخية واستعواض خسائرها في كافة الأسلحة والقطاعات الحيوية، بل إن المرشد الإيراني "سيد علي خامنه اي" طالب الإيرانيين بتخزين الغذاء، كذلك التسريبات المؤَكِدَة على وصول شحنات عسكرية روسية صينية إلى إيران، كلها وقائع وأحداث تجعلنا نسأل أنفسنا: لماذا؟
أي لماذا تستعد جميع الأطراف عسكريًا ولوجستيًا على هذا النحو؟ أَمِن أجل السلام يستعدون؟ أم ماذا؟ في ظني أنني أعتقد بأن ما حدث في شرم الشيخ مؤخراً، وأن التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار في غزة، إنما هي بمثابة خطوات وإجراءات إقليمية تمهِّد الطريق نحو إشتعال الحرب الإقليمية الكبرى، التي أعتقد في أنها قادمة لا محالة، ما لم يحدث تحول جذري حقيقي فيما بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة أخرى.